بيت خيرات سوف.. بوابة أمان وحماية لأهالي المنطقة

– في بيت خيرات سوف بمحافظة جرش؛ تجد سيدات الدفء والحب والأمان، بينهن من عانت من خلافات وعنف أسري أثر سلبا على حياتها وجعلها حبيسة لمشاعر وأفكار سوداوية، ونظرة قاتمة ومعتمة.
تتبدل تلك النظرة لتفاؤل وفرح وحب للحياة، بعد أن يأخذ القائمون على البيت بأيديهن لإيصالهن لبر الأمان، ليجدن فرص عمل تشبع شغفهن، حيث يتلقين قبل ذلك تدريبات عديدة في المهارات الحياتية، والعنف المبني على النوع الاجتماعي، وأيضا في تطوير الذات.
تقول واحدة من السيدات اللواتي استفدن من خدمات البيت؛ إن “هذا المشروع جعلني أنظر لنفسي بحب وثقة لأكون سيدة منتجة لها كيانها الخاص.. لدي شغف كبير أن أتطور أكثر وأنجح في مجتمعي المحلي الذي قدم لي كل الدعم لأكون ما أنا عليه اليوم”.
تلك السيدة واحدة من نساء في عيونهن قصة نجاح تروى، وثقة بالنفس وشعور بالإنجاز والقدرة على العطاء. تلك المشاعر لم تأت من فراغ، إنما جاءت نتيجة عمل متواصل لهن ولشباب أثبتوا أن لديهم طاقات لا حدود لها، تخرج من رحم المجتمع المحلي الذي يعيشون فيه.
الأمل والقوة والمثابرة، وتحقيق الانجاز، تلك حكايات لا تنتهي لكل العاملين في “بيت خيرات سوف” في جرش، ذلك المكان الذي يسوق لمنتجات نساء ليكن قادرات على اعالة أسرهن وتحقيق طموحاتهن، وايضا لتشجيعهن على العمل من بيوتهن.
في ذلك المبنى التراثي الذي بُني العام 1881 وأُعيد إصلاحه عام 2016؛ أناس لديهم حنين للأصالة والأجواء التراثية والأكلات التراثية والتي صنعت بأياد محبة من أهالي المكان. وفي زوايا هذا البيت القديم، يتكاتف أبناء المجتمع المحلي، منهم شباب يذهبون الى جامعاتهم صباحا، ويعودون الى بيت خيرات سوف للعمل، فكل واحد لديه مهارة يتقنها.
البيت هو أحد مشاريع جمعية النور المبين، والتي تسعى لإيجاد فرص لسيدات وشباب المجتمع المحلي، وذلك من خلال برامج تثقيفية وتوعوية وتأهيلية، وتدريبات مستمرة للشباب من أجل تطوير المهارات الحياتية، وتحقيق النجاح بمجال العمل السياحي الترويجي.
ويقدم البيت مجموعة واسعة من المنتجات الطبيعية والمصنوعة يدوياً، مثل المربى والمخللات وزيت الزيتون والخل والدبس والأعشاب العلاجية مثل اكليل الجبل والزعتر وغيرها من النباتات المحلية.
جلالة الملكة رانيا العبدالله التقت أول من أمس خلال زيارة إلى بيت خيرات سوف في جرش، مجلس إدارة جمعية النور المبين التي تُدير العمل في البيت وعددا من السيدات المستفيدات. وقدمت نائبة رئيسة الجمعية جليلة الصمادي عرضاً عن عمل الجمعية وأهدافها وانجازاتها وخططها المستقبلية. وقالت إن هناك تعاوناً مع شركات السياحة المحلية لزيارة مطعم بيت خيرات سوف وتجربة الطهي فيه والتعرف على تجارب أهل المجتمع المحلي الذين يعملون فيه.
ويوفر البيت للراغبين/ـات من رواده مساراً للمشي وركوب الدراجات، حيث يمكن للزوار التنزه في المسار المحلي وجمع الأعشاب واستخدامها في الطهي. كما في كل موسم؛ تتوفر الأطعمة التراثية، كما تباع المخللات والزيتون والألبان، وخيرات المكان من الأراضي المحيطة.
وقالت جلالتها خلال اللقاء “هناك دور رئيسي للقائمين على الجمعية من رئيسة وأعضاء هيئة إدارية والدليل على ذلك السمعة الطيبة التي حصل عليها بيت خيرات سوف”، مؤكدة على أهمية استدامة العمل في مثل هذا النوع من المشاريع لتعميم الفائدة والمحافظة على جودة المنتج. وتجولت الملكة في قاعات البيت، واطلعت على المنتجات الغذائية والتقت عدداً من السيدات المستفيدات وعبرت عن سعادتها بهذه الزيارة واللقاء.
وفي تصريح خاص لـ”الغد”، بينت نائبة رئيسة جمعية النور المبين جليلة الصمادي أن من أهم مشاريع الجمعية، التي تأسست في العام 2013 وتضم في عضويتها أكثر من 30 سيدة، بيت خيرات سوف، المطعم الذي يقدم مأكولات شعبية متنوعة، ويعمل على تدريب السيدات وتشغيلهن، كما يشبك مع أكثر من جهة ويستعين بالمؤسسات الداعمة مثل مركز تطوير الاعمال وراصد.
المشروع استطاع تدريب ما يقارب 200 سيدة، ويعمل بالبيت حاليا 20 منهن في مجال التصنيع الغذائي، وهنالك قسم من السيدات افتتحن مشاريعهن الشخصية عبر التشبيك مع الجهات المانحة لمساعدتهن وبالتعاون مع بلدية جرش الكبرى للحصول على الترخيص المنزلي ما يدعم استمرارية المشاريع وديمومتها.
وتذهب الصمادي الى أن بيت خيرات سوف استطاع تسويق منتجات السيدات والتشبيك مع الجهات المختصة، حيث يتم تدريبهن وتمكينهن اقتصاديا ومساعدة من يعملن في بيوتهن.
ووفق عضو هيئة ادارية في جمعية النور المبين والمتطوعة في بيت خيرات سوف بلقيس بني مصطفى، فإن هنالك سيدات وشباب وطلبة جامعات ما يزالون على المقاعد الدراسية، استفادوا من المشروع.
وتلفت بلقيس لـ”الغد” الى استقبال الحجوزات بشكل دائم من الجروبات السياحية والشركات، ويتم تقديم موائد الفطور والغداء والأكلات التراثية، وبيع منتوجات طبيعية تصنعها سيدات المنطقة، وحتى الخضراوات والفواكه والاعشاب يتم شراؤها من المزارعين الموجودين في المنطقة. ومن التجارب الممتعة وفق بلقيس، الجروبات التي تأتي للتعلم والتدريب على صنع المأكولات الشعبية.
وتروي بلقيس قصة نجاح لسيدة في المشروع، حيث كانت ظروف عائلتها تمنعها من العمل، وبعد فترة بدأت التدريب بما ينمي مهاراتها لتثبت وجودها وكيانها، ولاحقا اصبحت تلقى التشجيع الدائم من زوجها، لافتة الى ان المشروع كان له دور اساسي في بناء شخصية السيدات والشباب وتهيئتهم لسوق العمل.
حكاية اخرى لشاب تغيرت حياته بعد أن كان مدمنا على المخدرات، حيث حاولت عائلته أن تحتويه وتهيئه من جديد لتخطي مراحل حياته الصعبة، وبالفعل بدأ مع المشروع وتدرب بشكل متواصل، والآن هو واحد من أفضل الشباب العاملين في البيت، حيث تخطى المرحلة الصعبة التي مر بها، وأصبح عضوا منتجا في المجتمع.
سهام بني مصطفى واحدة من مؤسسات بيت خيرات سوف، تختص بالتدريب على التصنيع الغذائي، كما تمثل مؤسستها بنقل خبرات سيدات سوف بالمناطق النائية مع اليونسف، مثل منطقة عراق الامير وسويمة، وهنالك مراحل اخرى قادمة.
ووفق ما تقوله، العمل جار على حشد عدد أكبر من السيدات وتدريبهن وتمكينهن اقتصاديا، فكل سيدة عليها ان تكون أولا داعمة لنفسها ومؤمنة بقدراتها ومستقلة بذاتها.
ويبقى بيت خيرات سوف، مظلة تجمع السيدات والشباب، وهو بحاجة لمزيد من الدعم، ليكون قادرا أكثر على خدمة مجتمعه المحلي، وفق نساء الجمعية، حيث تأثر المشروع في فترة جائحة كورونا، مدة عامين ونصف، والآن المحاولات للحصول على دعم ومنح لتطويره، وبالتالي خدمة أكبر عدد ممكن من أهالي
المجتمع المحلي.

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة