تونس تنتظر التعيينات الرئاسية بعد قرارات سعيد الاستثنائية
مع انتصاف مهلة الثلاثين يوما التي جمّد الرئيس قيس سعيّد خلالها عمل البرلمان وأعلن تدابير استثنائية ومنح نفسه صلاحيات السلطة التنفيذية، ما يزال التونسيون يترقبون تعيين رئيس حكومة جديد فيما تتكثف الدعوات لتسريع ذلك.
ومنذ 25 تموز (يوليو)، اتخذ سعيد قرارات متفرقة غير منتظرة بعد تجميد أعمال البرلمان لثلاثين يوما وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتولي السلطة التنفيذية بنفسه، كانت تصدر على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية على موقع “فيسبوك” غالبا خلال الليل، وبينها عزل خمسة وزراء وتعيين مسؤولين جدد كبار في رئاسة الحكومة.
وشملت الإقالات وزراء الدفاع والعدل والاقتصاد وتكنولوجيات الاتصال، وكان آخرها الجمعة الماضي بعدما أقال وزير الصحة فيما البلاد تواجه انتشارا كبيرا لوباء كوفيد 19 وتستعد لحملة تلقيح واسعة بدأت أمس.
وعلّل سعيّد إقالة وزير الاقتصاد علي الكعلي بأنه “لا يرد على الهاتف”. أمّا وزير تكنولوجيات الاتصال فوزارته وضعت في تصرّف الأحزاب معلومات خاصة بالمواطنين من أجل أهداف انتخابية، حسب سعيّد.
وعيّن خبيرة في المالية والضرائب على رأس وزارة الاقتصاد ومتخصصا في السلامة المعلوماتية في مهام وزير
جديد لتكنولوجيات الاتصال.
ويوم الجمعة الماضي، سمى سعيد الطبيب العميد علي مرابط من كادر الجيش التونسي والمشرف على حملة التطعيم، وزيرا جديدا للصحة.
وتداولت وسائل إعلام محلية عدة أسماء مرشحة لتولي منصب رئاسة الحكومة من بينها وزير الداخلية الأسبق والمقرب من سعيّد توفيق شرف الدين الذي أشرف على حملته الانتخابية في العام 2019 وأقاله المشيشي بضغط من حزب النهضة، صاحب الكتلة البرلمانية الأكبر والذي تسبب نزاعه السياسي مع الرئيس بشلل مؤسساتي قاد الى الأزمة الحالية.
كما يتم تداول اسم الخبير الاقتصادي ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي.
ولم يعلن بعد سعيّد اسم الشخصية التي سيكلفها تشكيل الحكومة. ورجحت وسائل إعلام محلية أن السبب يعود لرفض بعض الشخصيات تولي المنصب.
وانتظارات التونسيين منذ تولي سعيّد السلطة كبيرة وتتزامن مع وضع اقتصادي واجتماعي وصحي صعب تمر به البلاد.
ويعتمد اقتصاد تونس بصفة كبيرة على قطاع السياحة التي تمثل 14 % من الناتج الداخلي الخام.
وللموسم الثاني على التوالي، تراجع بحدة مردود هذا القطاع بسبب الجائحة التي عادت بقوة خلال موسم الصيف.
كما تأثرت قطاعات اقتصادية أخرى بسبب حظر التجوال الليلي الذي أقرّ منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي لمحاصرة انتشار الفيروس.
وجاءت قرارات سعيّد في فترة تخوض فيها تونس مفاوضات متقدمة مع صندوق النقد الدولي من أجل برنامج تمويل جديد هو الرابع خلال عشر سنوات مقابل القيام بإصلاحات اقتصادية مؤلمة.
وتدعم شريحة كبيرة من التونسيين الذين خرجوا ليلة إعلان سعيّد عن قراراته للاحتفال بالشوارع، خيارات الرئيس، وينتظرون منه الضرب بقوة في ملفات الفساد والإفلات من العقاب في تعبير واضح عن سخطهم من الطبقة السياسية والأحزاب الحاكمة منذ سنوات.
ورفع سعيّد الحصانة عن نواب البرلمان وبدأت ملاحقة بعضهم قضائيا في ملفات قديمة، وعبّرت منظمات عن مخاوف وقلق تجاه عدم احترام الحقوق والحريات.
وفي رده على ذلك، أكد سعيّد مرددا مقولة شهيرة للجنرال الفرنسي شارل ديغول “كبرت على أن أصبح دكتاتورا”، مشددا على أن الإقالات ستشمل فقط الملاحقين من العدالة.
ويقول المحلل في منظمة “البوصلة” التي تتابع أعمال البرلمان أيمن بن صالح “بعض النواب الملاحقين من القضاء يعتمدون على الحصانة ويحتمون بها”، مشيرا في الوقت نفسه الى “نقص في المعطيات حول هذه التوقيفات”.
وتقدر منظمة “أنا يقظ” أن 14 نائبا يلاحقون قضائيا، وهم متهمون في قضايا مختلفة كالتهرب الضريبي والاحتيال وفساد وتضارب مصالح وتحرش جنسي.
ودعت منظمات حقوقية عدة إزاء ما وصفوه بالفراغ السياسي، الرئيس قيس سعيّد إلى التسريع بتقديم رئيس حكومة جديد وفريق عمله وتوضيح استراتيجية عمله.
وعبّر حزب النهضة عن استعداده للقيام “بتنازلات” والشروع في مراجعات ونقد ذاتي للسياسات التي اعتمدها في السابق، داعيا الحزب الرئيس سعيّد إلى حوار وطني، لكن الأخير رفضها مؤكدا “لا حوار مسرطنا”.
وطالب “الاتحاد العام التونسي للشغل” (المركزية النقابية) بتسمية رئيس حكومة جديد في أسرع وقت ممكن من أجل تشكيل “حكومة إنقاذ مصغرة”.
وفي المرسوم الرئاسي الذي أصدره سعيّد، وردت عبارة “يمكن التمديد” في ما يخص مدة تجميد أعمال البرلمان بثلاثين يوما، ما يثير قلق الحقوقيين والنشطاء السياسيين في البلاد مع استمرار غياب مخطط عمل واضح لسعيّد.
ويوضح بن صالح “يجب أن تكون هناك خارطة طريق للوضع الراهن ولما بعده من أجل تفصيل كيفية العودة إلى الإطار الدستوري، وهل ستكون هناك انتخابات مبكرة أو تنقيحا للقانون الانتخابي؟”.
وأعتبر الباحث في العلوم السياسية حاتم مراد أن تولي الرئيس سعيّد السلطة التنفيذية وتجميد أعمال البرلمان والذي جاء لوضع حد للانحرافات التي تضعف الديموقراطية الناشئة رهان محفوف “بالمخاطر”.
وقال أن قيس سعيّد ينطلق من حصيلة يتفق حولها الكثيرون، ألا وهي انحرافات النظام في تونس بسبب الفساد والإفلات من العقاب والعنف البرلماني، فضلا عن طبقة سياسية متكوّنة من هوّاة.
وهو يحاول حلّ مشكلة تمركز حركة النهضة في وزارة الداخلية والعدل، والتي وظفت القضاء من أجل مصالحها السياسية، ما يعزّز الفساد والإفلات من العقاب في البلاد.
ويقول حاتم أن هناك تحالفات بين قضاة وشبكات أمنية موازية وأوساط أعمال ولوبيات سياسية، وهذا ما يعمل سعيّد على استهدافه وإسقاطه منذ زمن.
ويصف سعيد بالمتعطش للعدالة، ولكن بحثه المطلق عنها محفوف بالمخاطر، ويضيف أن سعيد منح لنفسه أحقيّة تأويل الدستور وتحوير الحكومة وتولي القضاء دون تواجد أي سلطة مضادة له بعد أن جمّد أعمال البرلمان.
وحول المستقبل يقول الباحث السياسي أنه غامض، فالذي يجري صراع مرير وحرب خنادق يقودها “منقذ” ليست له تجربة دولة رغم أنه يحظى بدعم واسع.-(وكالات)
التعليقات مغلقة.