جداريات فن الجرافيتي تحتضن رسائل صمود الشعب الفلسطيني
يتحدى الفن الحدود، ويفتح مساحات وآفاقا واسعة أمام الفنانين للمساهمة في التغيير الاجتماعي، ولعل فن “الجرافيتي” أحد عناصر النسيج الاجتماعي والثقافي للعالم أجمع.
رسومات تملأ الشوارع لتنطق بالألم والحنين والشوق والتأييد للكثير من القضايا كـ”صرخة” تتحدث عن ذكريات وقضايا شغلت المجتمعات كافة، والقضية الفلسطينية أهمها.
جابت القضية الفلسطينية العالم برسومات جدارية ملأت شوارعه لتعبر عن معاناة شعب يحب الحياة ويسعى للحرية؛ إذ أسهم الفن في توصيل رسالة فلسطين وشعبها في شوارع العالمين العربي والغربي من جدارية إدواردو كاستالدو في نابولي الى جداريات فلسطين في بلفاست الإيرلندية وجدارية في مدينة أوكلاند النيوزلندية وجدارية الفنان الفلسطيني الأميركي كريس غزالة في ولاية سان فرانسيسكو بعنوان “الإنسانية هي المفتاح”، وغيرها الكثير من الجداريات التي تملأ المدن العربية والغربية.
وفنانو الجرافيتي أو الشوارع، كما يطلقون على أنفسهم، وجدوا جدران المدن وأسوارها “ملاذا واسعا” للتعبير عن آرائهم وتضامنهم مع القضية حول العالم.
ويرجع تاريخ فن الجرافيتي إلى قديم الزمان، وهو أحد أنواع الفنون والإبداع، ويعد وسيلة للتعبير عن الرأي، وقد ظهر هذا الفن بشكل واضح في الفترة الأخيرة في الدول العربية، وانتشر بشكل واسع في جميع أنحاء الوطن العربي، وكان من أساليب التعبير عن الرأي لدى الشعوب.
جميلة طالب فنانة الجرافيتي، بينت أن فن الجرافيتي في بداية ظهوره كان بمثابة مكان يرسم به الأفراد، في محاولة منهم ليعبروا عن أنفسهم وحريتهم، واختاروا أن يرسموا هذه الرسومات في الشوارع، لأنه فيما مضى كان يمنع أن يعبروا عن أمور معينة، فكان هذا الفن كأسلوب ليعبروا عن حريتهم فيه، واستمر هذا الأمر الى وقتنا هذا.
وتوضح طالب، أن فن الجرافيتي الآن يستخدم بشكل جمالي، ولكنه ما يزال يحافظ على الأساس الذي بني عليه، وهو التعبير عن الحرية في الرأي، فهو لا يختلف عن الوقفات والمظاهرات التي تملأ الشوارع، فهذه الطريقة التي يعبر بها الفنانون عن آرائهم ومواقفهم، وهكذا يدعمون القضية فنيا.
وتشير طالب إلى أن النظرة تغيرت الآن لهذه الجداريات، فالمشهد الذي يستوقف الفرد في الشارع الآن اختلف بعد الأحداث الأخيرة في قطاع غزة، منوهة إلى أن الشخص دائما يأخذ الرسمة التي يراها ويقيسها بخلفيته الثقافية بناء على ما يراه، والمتلقي يفسر اللوحة بطريقته لأن خلفيته الثقافية وأفكاره وتجاربه مختلفة عن الآخر.
وترى طالب، أن فن الشارع هو أكثر من يؤدي الرسالة بشكلها الصحيح، فالفن لعامة الشعب بجميع أطيافه لا يقتصر على طبقة، كما أنه لا يحدد بعمر معين، وتقول “الفن يحمل رسالة، وفي القضية الفلسطينية هنالك الكثير من الفنانين الذين عبروا عن آرائهم وأفكارهم ومشاعرهم برسم جداريات لنقل رسالتهم ومعاناتهم للعالم”.
وما يميز الجداريات، وفق طالب، أنها للجميع، وهذا الذي جعلها تحبه وتنخرط به، لافتة إلى أن أكثر المعارض مخصصة لطبقة معينة من الناس، ليستطيعوا أن يستمتعوا بالفن، وهذا عكس فن الشارع الذي يكون فيه حرية مطلقة للفنان الذي يرسم، وموجه لجميع طبقات المجتمع.
وتذكر طالب، أنه أثناء عملها على جدارية “ريم بنا” في وسط البلد، كان يمر كبار السن ويخبرونها كم أنهم يحبون الفن ويحبون رؤيته، وشكروا عملها لهذه الجدارية، وبالمقابل كان الأطفال يقفون مبهورين أمام تنفيذها الجدارية.
وتؤكد طالب، أن انتشار الرسومات الجدارية في الشوارع الغربية هو رسالة توعية وصوت للقضية الفلسطينية، فالقضايا يتم نشرها بالكثير من الطرق، وإحداها الفن والرسم، فهذا باب ليعلم الجميع من خلاله تاريخ الشعب الفلسطيني، إلى جانب معرفة الشخصيات الفلسطينية والعربية المؤثرة وحاملي القضية.
وتقول طالب “قضية فلسطين لم تبدأ فقط من 7 أكتوبر ولا من الانتفاضات والحروب الماضية، بل هي حكاية قديمة تحمل معاناة 75 عاما، وبهذه الجداريات يمكن معرفة جزء من التاريخ، من خلال التعمق بدلالاته ومعرفة الحقائق”.
وتشير طالب إلى أن أكثر فن يخدم القضايا هو الكاريكاتير، والفنان “ناجي العلي” يعد من الأوائل في هذا الفن، وقد تم اغتياله، لأن الفن وصل لفئة أكبر وشريحة أوسع ونقل معاناة الشعب الفلسطيني بكاريكاتير “حنظلة”، وهذا يؤكد أن الفن قادر على إيصال أفكار وآراء ونقد والتعبير عن الغضب والأمل والحزن والمعاناة بصدق.
وبدورها، أكدت بتول ادعيس فنانة الجرافيتي، أن فن الشارع له أثره القوي؛ إذ تحدثنا عن القضية الفلسطينية، مستذكرة أحداث مخيم حي الشيخ جراح، فقد رسم سكان الحي جداريات ليعبروا عن رأيهم ورفضهم لكل وقائع البطش من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ودرجة التأثير الكبيرة لها دفعت قوات الاحتلال لمسح هذه الجدارية، لأنها كانت توصل رسائلهم بشكل قوي للعالم.
وتوضح ادعيس، أن الجدارية هي لوحة تبقى أمام الجميع، ومفادها رسائل تقرأ طوال الوقت، وهنا تكمن أهمية فن الجرافيتي وتأثيره على العالم أجمع.
وتشير ادعيس إلى أن فن الجرافيتي يسهم في توصيل الرسالة، ورسالة الشعب الفلسطيني مهمة وقوية للمساهمة في التعبير والرفض لما يحل بهم، كما هي الجداريات على الجدار الفاصل لغزة، فقد نقلت هذه الرسمات رسالتهم لشعوب العالم، مبينة أن الجدارية هي صورة تعبيرية توصل المعاناة والألم، وتقول “نحن نعمل مشهدا ونرسمه ويبقى ثابتا في العقول”.
وترى ادعيس، أن الجداريات وجدت لمختلف شرائح المجتمع بمختلف فلسفاتهم ومستوياتهم الثقافية، ومن خلالها يستطيع الجميع فهم أي رسالة، وبهذا يتم تسليط الضوء على القضايا المهمة، إذ إن صورة الجدارية تجوب العالم وتثير اهتمام الكثيرين، ليعلموا ما خلف هذا المشهد الفني، فهي تلخص الكثير من الأمور وتفتح أبوابا للاستفسار والبحث وتلعب على الجانب الفضولي عند الكثيرين، وتقول “كرسامة جداريات، هذه أداتي وأداة الكثيرين من فناني الجرافيتي، وهذا طريقتنا لإخبار العالم برسالتنا وتضامننا”.
وتؤكد ادعيس، أن الدعم الفني الذي تقدمه هذه الجداريات للقضية الفلسطينية مهم وكبير، ولو لم يكن الفن مهما، لما تم اغتيال الفنان ناجي العلي بسبب رسوماته الكاريكاتيرية، فهو يقدم دعما واضحا وسريعا، فمن خلال هذا التمثيل التصويري، يستطيع أي شخص، باختلاف مستوى تفكيره، أن يفهمه وتصله الفكرة بشكل واضح وصريح.
وتقول ادعيس “إن الفن لأي فنان، إن لم يكن يمثل قضية معينة تخصه وتخص العالم والإنسانية بشكل عام.. فلا يعد فنا”.
وتشير ادعيس إلى أنها، ومع بداية الأحداث في قطاع غزة، والرغبة كبيرة بداخلها لتعبر عن رأيها وتضامنها، وتقول “أنا أستطيع أن أقاوم وأضع بصمتي من خلال الفن بوجودي في الشارع، وأنا أعبر بالفن عن قضية فلسطين والرغبة لرسم جدارية مرتبطة بفلسطين ليس لأنها تعبر عنها كشخص فقط.. وإنما لأنها تعبر عن قومية وعروبة وإنسانية”.
وادعيس ما تزال تبحث للآن عن مكان مناسب لترسم جدارية لفلسطين تضامنا مع الأحداث الأخيرة في قطاع غزة، وتقول “يجب أن نرسم ونتحدث عن قضية فلسطين ونلقي الضوء عليها بأسلوبنا ومهارتنا في الرسم، فهذه أداة فعالة بين يدينا”.
وتختم ادعيس حديثها، قائلة “وإن انتهت الأحداث، فالحرب لن تنتهي إلا إذا حل السلام بفلسطين.. لذلك يجب أن نرسم ونرسم ونعبر ونقاوم بفننا في نشر القضية الفلسطينية ليوم التحرير”.
الغد/ رشا كناكرية
التعليقات مغلقة.