جرش.. أسر معوزة تنهمك في موسم “جوال الزيتون” لتحقيق دخل مؤقت
جرش- بالتزامن مع إنهاء ما نسبته 70 % من قطاف ثمار الزيتون في مزارع محافظة جرش، بدأ موسم “جوال الزيتون”، الذي تنتظره العديد من العائلات الفقيرة ومتعطلون عن العمل، لتجميع ما تبقى من حبات الزيتون سواء على الشجر أو الأرض، وذلك بعد أن يكون أصحاب المزارع قد انتهوا من عملية القطاف لتلك الأشجار.
وتعمل أسر على جمع أكبر كمية ممكنة من الثمار وتأمين حصة لهم من الزيتون وزيته، حيث تجوب النساء والأطفال والمتعطلون عن العمل منذ ساعات الصباح الأولى الحقول والمزارع، ويتوزعون على شكل جماعات أثناء عمليات البحث عن الثمار قبل العودة في المساء، فيما يقدر ما يجمعه كل واحد منهم من 5 إلى 10 كيلوغرامات من الثمار، ويتم جمع الكمية أسبوعياً وعصرها وتوفير مادتهم من الزيت.
وتعد هذه المهنة الموسمية مصدر رزق لمئات من الأسر المعوزة في مختلف القرى والبلدات بمحافظة جرش، كونهم بحاجة إلى مونة العام من الزيت، فضلاً عن أن بعضهم يقوم ببيعه كذلك وشراء مستلزمات الشتاء، وخاصة مواد الوقود.
أم عصام الغزية تقول إنها تحزم أمتعتها وتجهز زوادتها منذ ساعات الصباح الأولى وتتجه برفقة 3 من جاراتها إلى الحقول والمزارع القريبة من مخيم جرش، وتجمع ما تبقى من ثمار الزيتون في سبيل توفير مونة منزلها، كونها غير قادرة على شراء الزيت نظراً لارتفاع أسعاره، وقد اعتادت منذ عشرات السنين على هذا العمل برفقة جاراتها.
وبينت أنها تجمع يومياً من 6 إلى 15 كيلوغراما من الزيتون وربما أكثر، لا سيما أنها تبحث في المناطق شديدة الوعورة ولا يقوم المزارعون بقطاف الثمار فيها كونها غير مخدومة بالطرق، ولا يمكن الوصول إليها إلا بالمشي مسافات طويلة، وقد اعتادت جمع الثمار منها.
وأوضحت أم عصام، أنها تجمع سنوياً من خلال العمل المتواصل لمدة لا تقل عن 40 يوماً 3 تنكات من الزيت، وهي كمية مناسبة تكفي حاجتها لعام كامل، لا سيما أنها تعيل أسرة مكونة من 7 أفراد ولا يوجد لهم أي مصدر دخل يمكنها من شراء أهم مستلزمات الشتاء من مونة ووسائل تدفئة وملابس شتوية.
ووفق الخمسيني موفق أبو الرب، فإن “معظم الأسر في مخيم غزة تحديدا، تعتمد على موسم جوال الزيتون في توفير حاجتها من مادة الزيت، بعد عصر ما يتم جمعه يومياً من الأراضي الزراعية مشياً على الأقدام، وبحوزتهم الأدوات التي تستخدم في الجوال من مفارش وعصي وشوالات فارغة وزوادات يومهم وقوارير المياه”.
وأضاف “يتوزع هؤلاء في مجموعات، لا سيما أنهم يسيرون مسافات طويلة ووسط الحقول والغابات لجمع أكبر كمية ممكنة من الزيتون في اليوم الواحد”، مشيرا إلى أنهم “اعتادوا في مثل هذا الوقت، وعلى الرغم من انخفاض درجات الحرارة، على جوال الزيتون وجمع أكبر كمية ممكنة من ثمار الزيتون التي تركت سهواً على الشجر الذي تم الانتهاء من قطافه أو جمع الثمار التي سقطت من العمال على الأرض، ولا تقل حصيلتنا اليومية عن شوال زيتون يقدر وزنه بـ50 كيلوغراماً في أحسن الظروف”.
وقال أبو الرب، إن اثنين من أبنائه يعملان معه في المهنة نفسها لمساعدته على تخطي مسافات واسعة بين الحقول، نظراً لصعوبة المنطقة ووعورة الطرق وخلوها من الناس كون المزارعين قد أنهوا عمليات القطاف، في سبيل جمع أكبر كمية ممكنة من ثمار الزيتون، ثم عصرها وبيع الصفائح التي لا يقل عددها عن 7 صفائح من زيت الزيتون، لشراء مواد أساسية للتدفئة في فصل الشتاء، الذي يمتاز بشدة البرودة في مخيم جرش، الذي تغطي أسقف منازله مادة الزينكو ومشمعات بلاستيكية.
وبهذا الصدد، يشير رئيس لجنة خدمات المخيم خضر العبسي إلى أن “غالبية المهن مغلقة على أبناء المخيم ولا يسمح لهم بالعمل فيها مهما كانت الدرجات العلمية والخبرة التي يمتلكونها، مما يضطرهم إلى العمل بالأعمال التجارية والموسمية لتوفير أبسط متطلبات الحياة لديهم قبيل حلول فصل الشتاء”.
وأضاف “يعاني أبناء المخيم من بعض القيود القانونية التي تجعل فرص العمل بالنسبة لأبناء مخيم غزة محدودة، حيث تمنع القوانين السارية من لا يحملون الجنسية الأردنية من العمل في القطاع العام أو مزاولة بعض المهن، مثل طب الأسنان أو المحاماة أو الهندسة الزراعية أو المحاسبة القانونية أو الصيدلة أو حتى العمل في القطاع السياحي”.
وبين العبسي “أن مشكلة أبناء مخيم جرش الذين يزيد عددهم على 30 ألف نسمة هي مشكلة دولية”، مشيراً إلى أن نسبة الفقر والبطالة ترتفع بشكل مطرد في المخيم وأصبحت في مرحلة يصعب السيطرة عليها، وأن السكان يتعلقون في أي موسم للعمل فيه واستثمار أي فرصة مهما كانت ظروف العمل بها صعبة ولا توفر أبسط شروط العمل.
إلى ذلك، قال مأمون العياصرة، وهو يتقاضى راتباً من المعونة الوطنية ومعيل لـ6 أطفال، إنه مضطر لهذا العمل، على الرغم من صعوبته، كونه يمشي ساعات طويلة وسط الغابات وبين الحقول والمزارع، وقد انخفضت درجات الحرارة في الوقت الحالي وتتساقط الأمطار بين الحين والآخر، لعدم توفر أي فرص عمل، مشيراً إلى أنه يعمل برفقة العديد من أرباب الأسر ذات الدخل المحدود التي تضطر إلى هذا العمل بسبب الظروف الاقتصادية وعجزهم عن شراء الزيت نظراً لارتفاع سعره.
وأضاف العياصرة “أن أشكال العمل في الموسم مختلفة، فمنهم من يعمل في أعمال القطاف، ومنهم من يعمل بجوال ما تبقى من الثمر بعد الانتهاء من القطاف، أما الأغلبية فتقوم بإنشاء بسطات بجانب الطرقات وعلى الأرصفة وفي الأسواق لبيع مختلف الأنواع من الزيتون، فضلاً عن قيام مجموعات من النساء بعمل تشبيك بينهم وبين أصحاب المزارع والعمل على القطاف على شكل مجموعات مقابل كمية محددة من الإنتاج”.