جرش.. تحديات تضع مشاريع النساء الإنتاجية في مهب الريح
جرش- تواجه العديد من السيدات اللاتي أطلقن مشاريعهن الإنتاجية الخاصة في محافظة جرش، تحديا بارزا يتمثل بمدى القدرة على الاستمرار في تلك المشاريع، وسط تراجع أعداد الزوار والسياح منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فضلا عن تراجع تشهده حركة التسوق بشكل عام، وإلغاء العديد من المهرجات التي كانت تقام في المحافظة كل عام.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، إذ إن التحديات المتعلقة بتسويق منتجاتهن تلقي أيضا بظلالها على ظروف عملهن، خصوصا مع عدم توفر معامل لتصنيع المنتجات الزراعية، وقلة التدريب والتأهيل والتطوير لتمكينهن من مواجهة المتغيرات والتحديات، وغياب مهرجانات عدة كانت تقام في المحافظة، وذلك كله يهدد استمرار مشاريعهن ومصدر دخل العاملين فيها.
لذلك، تبرز الدعوات إلى ضرورة عودة المهرجانات التي كانت تقام في جرش وتعد من أهم مقومات الحفاظ على هذه المشاريع، مثل مهرجان اللبنة ومهرجان العنب ومهرجان المونة ومهرجان جراسا وغيرها من المهرجانات اليومية التي تنفذها الجمعيات ومشاريع تمكين المرأة.
وتوفر تلك المشاريع، مئات من فرص العمل لأبناء وبنات القرى والبلدات، ومصدر دخل للكثير من العائلات ذات الدخل المحدود بعد انتشارها على نحو واسع، كونها مشاريع صغيرة ولا تحتاج إلى رأسمال كبير.
ومن أبرز تلك المشاريع، المطابخ الإنتاجية التي تتخذ من المنازل مقرا لها، لإعداد المربيات والمخللات والحلويات بمختلف أنواعها، فضلا عن إعداد أصناف متنوعة من المقبلات والسلطات التي تحرص آلاف العائلات على توفرها سنويا وتجهيز المونة المنزلية، حيث كانت المهرجانات الجرشية تسوق ما نسبته 60 % من هذه المنتجات، بالإضافة إلى زراعة الحدائق المنزلية بالأعشاب الطبية والمنتجات الزراعية التي يطلبها الزوار من مختلف المحافظات.
ووفق رئيسة جمعية سيدات ساكب الريفية وعضو مجلس محافظة جرش، دلال قردن، فإن “الجمعية كانت تشغل عشرات السيدات في المشاريع الإنتاجية وتسويقها من خلال الفعاليات المتعددة في محافظة جرش، فضلا عن المطابخ الإنتاجية التي كانت توفر عملا لعشرات السيدات من عضوات الجمعية، وكان معظم العمل فيها في المناسبات الاجتماعية والمهرجانات ولزوار المواقع الأثرية، لكن توقفت هذه الفعاليات جميعها وتوقف عمل السيدات فيها”.
وبينت “أن العديد من الأسر كانت تعمل في مجال إنتاج الأعشاب الطبية، وهذا العام كذلك توقف إنتاجها لعدم توفر أسواق لها، والمجتمع المحلي غالبا يوفر هذه المنتجات من خلال أراضيهم الزراعية التي تنمو فيها الأعشاب الطبية بمختلف أنواعها ولا حاجة لهم بشرائها من السيدات المنتجين لها”.
وأكدت قردن “أن عمل هذه الأسر بدأ بالانتعاش بوتيرة عالية بعد تحسن السياحة وإحياء المهرجانات التسويقية والمناسبات والسياحة الخارجية، ذلك أن هذه الفعاليات التي ألغيت كانت مصادر رزق مناسبة للأسر ذات الدخل المحدود التي يعتمد عملها على السيدات المنتجات بشكل خاص”.
من جهتها، تقول رئيسة جمعية سيدات نجدة التعاونية، نبيلة أبو غليون “إن المطابخ الإنتاجية من أهم وأنشط المشاريع الإنتاجية للأسر ذات الدخل المحدود، وهي توفر الوقت والجهد للسيدات وتوفر دخلا مناسبا للأسر، خصوصا الأسر التي تعمل في صناعة الألبان والأجبان والأسر التي تعمل على تجهيز الصناعات الغذائية بمختلف أنواعها”.
وأضافت أبو غليون “أن المهرجانات ومراكز التسوق تسهل على السيدات تسويق المنتجات على نطاق أوسع وشراء المواد الأساسية اللازمة للطبخ، لا سيما أن نشاط الحركة السياحية وبدء العطل الصيفية وموسم الزراعات الصيفية بمختلف أنواعها تعد فرصة لكل مطبخ إنتاجي لتعويض جزء من خسائرهم جراء توقفهم عن العمل الفترة الماضية بسبب الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة”.
صاحبة المطبخ الإنتاجي جميلة أبو ملحم، تقول “إن العمل انتعش في المطابخ الإنتاجية بعد جائحة كورونا ولغاية الآن، وانتعش حاليا بسبب الولائم التي يعدها المترشحون للناخبين لحشد الأصوات قبل موعد الانتخابات النيابية، حيث تحسنت حركة تخزين المونة المنزلية بعد بدء موسم المنتجات الزراعية الجرشية كالفواكه الموسمية ومنها العنب والتين، إذ تجهز من مختلف هذه الأنواع المونة المنزلية التي تتميز بها محافظة جرش وتسوق من خلال مهرجاناتها السنوية، لكنها ألغيت منذ بدء الجائحة ولغاية الآن باستثناء مهرجان جرش للثقافة والفنون، وتسوق من خلال الحركة السياحية وبيعها عن طريق مراكز خدمات الزوار في المواقع الأثرية”.
وبينت أبو ملحم، أن عملها يوفر دخلا شهريا ثابتا لأسرتها لا تقل قيمته عن 400 دينار، تغطي من خلاله العديد من مستلزمات أسرتها، فيما توفر فرص عمل لبناتها داخل منزلهن وضمن أعلى شروط الصحة والسلامة العامة، فضلا عن أنها توفر فرص عمل لـ3 من سيدات المجتمع المحلي لمساعدتها في تجهيز الطلبيات.
أما صاحبة المطبخ الإنتاجي في مدينة جرش أم محمد العتوم، فتؤكد، من جهتها “أن فترة مهرجان جرش أسهمت في تعويض جزء من خسائر هذه المطابخ الإنتاجية، وتحسنت حركة البيع والشراء منذ بدء فصل الصيف، مما وفر فرص عمل إضافية لربات المنازل”، مشيرة إلى أن “هذه المرحلة من المراحل المهمة في تعويض خسائر الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة وتراجع الحركة السياحية الداخلية والخارجية التي يعتمد عليها المنتجون في تسويق منتجاتهم”.
ولا تقتصر المشاريع على المطابخ الإنتاجية فحسب، ذلك أن هناك مشاريع مرتبطة بالصناعات الغذائية بمختلف أنواعها وأشكالها من إنتاج المربيات والمخللات والأعشاب الطبية ومشتقات الألبان وتسويقها خلال المهرجانات أو للزوار المواقع السياحية، وإعداد الولائم في المناسبات، بالإضافة إلى مشاريع إنتاج المشغولات اليدوية والصابون بمختلف أنواعه وتسويقها من خلال البازارات والمهرجانات والنشاطات والفعاليات الثقافية.
وتعمل السيدة المنتجة جومانا الكردي في صناعة الصابون ومنتجات العناية بالبشرة، وتقول إنها تمتهن هذه الصناعة منذ أكثر من 10 سنوات، وتعتبرها مصدر دخل مهما وحيويا لأسرتها التي يبلغ تعدادها 7 أفراد معظمهم على مقاعد الدراسة الجامعية، مشيرة إلى أنها “كانت تسوق منتجها في المهرجانات التي كانت تقام سنويا في محافظة جرش، والفعاليات والنشاطات الثقافية المتنوعة، فضلا عن تسويقها داخل السوق الحرفي في الموقع الأثري”.
وقالت الكردي، إن عملها شبه متوقف حاليا باستثناء بيع كميات محدودة جدا لا تتجاوز بضعة دنانير شهريا لسكان العمارة التي تقطنها وسط مدينة جرش، بينما لم يكن دخلها الشهري يقل عن 300 دينار العام الماضي، وكانت تشغل العديد من الأيدي العاملة لمساعدتها على إنتاج الكميات الكبيرة التي كانت تطلب منها بشكل يومي، وخاصة في المناسبات والمهرجانات.
إلى ذلك، قالت السيدة المنتجة مريم الحوامدة، إن عملها في صناعة الملابس التراثية متوقف منذ وقف قطاع السياحة وتسويق منتجاتها، وكانت تسوقها في السوق الحرفي لزوار الموقع من الدول الأوروبية والعربية وخلال المهرجانات التي كانت فرصة تسويقية كبيرة لسيدات جرش والمناسبات الوطنية والفعاليات الثقافية التي كانت دائما تحتوي على زوايا وعروضات لمنتجات السيدات، وكانت تلقى رواجا كبيرا بين مختلف الفئات.
وترى الحوامدة “أن توقف هذه المشاريع خلق أزمة مالية لدى المئات من الأسر التي كانت تعتمد عليها، وهي مهنة تحمل تراثا وثقافة وحضارة مدينة من أكبر المدن الأثرية على مستوى العالم، ومنها مهن متوارثة من الأجداد ولا يتقن أصحابها أي مهنة أخرى”.
بدوره، قال رئيس اتحاد الجمعيات الخيرية في جرش زيد زبون “إن معظم الجمعيات الخيرية في محافظة جرش يعتمد تشغيلها على الأسر المنتجة التي تعمل فيها السيدات وتمتهن العمل في الصناعات الغذائية والحرفية والمهنية بمختلف أشكالها، والأهم من هذه المهن هو تسويقها، حيث كانت فرص التسويق مناسبة في جرش وتتمثل في المهرجانات، وكانت متعددة منها المهرجانات الزراعية والمهرجانات الثقافية والمهرجانات التراثية، فضلا عن الفعاليات التي كانت تقام سنويا داخل الموقع الأثري والعمل في قطاع السياحة والمناسبات الاجتماعية بمختلف أشكالها”.
أما الآن، وفق زبون، “فقد تسببت الظروف السياسية في إيقاف عمل هذه الأسر وما تزال متوقفة نظرا للظروف الاقتصادية للمواطنين وإلغاء المهرجانات”.
ويرى “أن إنعاش هذه المهن التي تعد مصادر رزق حيوية لمئات العوائل الجرشية، يتم من خلال إعادة إحياء المهرجانات والعمل على تسويق المنتجات وتطوير المنتج وتحديثه وتنظيم العمل فيه”.
التعليقات مغلقة.