جرش: تحويل مساحات زراعية إلى سياحية لتفادي الخسائر
جرش – في تحول جذري، أشبه بالهروب، يتخلى مزارعون في جرش عن إرثهم المهني بعد سنوات متتالية لم يعرفوا خلالها سوى الخسائر المادية، التي أرهقت كاهلهم، ليقدموا في خطوة يمكن وصفها بـ”الجريئة”، على استبدال مزارعهم من طابعها الزراعي الى السياحي، في محاولة لتحسين أوضاعهم المالية وتوفير فرص عمل قد يشغلها أبناؤهم المتعطلون.
التحول الجريء لم يكن نتاج لحظة يأس، وفق ما يدركه مزارعون، بقدر ما هو محاولة لاستغلال القيمة الفعلية لمزارعهم التي لم تعد عليهم بالنفع لمواسم متتالية.
ويتطلب إحلال الطابع السياحي مكان الزراعي في مزارع العديد من الجرشيين تقطيع بعض الأشجار وتجهيز المكان للبناء، وربما عدم القدرة مجددا على استغلال الأرض للزراعة، خاصة قطع الأراضي الزراعية ذات المساحات الصغيرة.
هذه الجرأة على الإرث الزراعي، تبدو مببرة لدى بعض المزارعين ممن بذلوا جهودا مضنية لإنقاذ مواسم زراعية انتهت بخسائر نتيجة إما لظروف جوية أو عوائق تسويقية.
يقول أحمد عبد الوالي الذي استثمر قطعة أرض بمشروع سياحي، إن مساحة أرضه الزراعية لا تزيد على دونمين، ولم تكن توفر له أي دخل مادي، فيما كان يتحمل تكاليف العناية بها وحراثتها وزراعتها بأشجار متنوعة، مشيرا إلى أنه أقدم على بناء بيت صغير فيها وتزويده بمرافق سياحية مثل بركة سباحة، وتسويقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تمكن من تحقيق دخل مالي ممتاز لأسرته.
وقال إن دخله الشهري في هذه الفترة لا يقل عن 1500 دينار شهريا، مشيرا إلى أن محافظة جرش نقطة جذب سياحي حيوي يستطيع الجميع استثمارها والاستفادة منها، مبينا أنه يقوم بالإشراف على الخدمات المقدمة للزوار بنفسه وتنظيف المزرعة والبيت يوميا وتعقيمه، والتأكد من توفر شروط السلامة العامة في الموقع حرصا على سلامة الزوار.
المزارع أمجد العبود، يرى أن أهالي جرش ما يزالون محرومين من الاستفادة من الميزات السياحية لمحافظتهم، وأن هناك تراخيا في التعامل مع مقومات السياحة واستثماراتها، على الرغم من أن محافظتهم الأكبر سياحيا على مستوى المملكة ويدخلها مئات الآلاف من الزوار والسياح سنويا.
وأضاف أنه قام بشكل شخصي بتجهيز مزرعة في بلدة ساكب وهي من المناطق السياحية التي تحيطها الغابات من كل صوب، بالمميزات السياحية كافة التي يحتاجها الزوار، من بركة سباحة وخدمات المبيت، مشيرا الى أنه تمكن من استقطاب الكثير من الزوار الى مزرعته ضمن أعلى شروط الرفاهية والسلامة العامة.
وقال العبود، إن مشروعه المتواضع من أنجح المشاريع في بلدة ساكب، إذ يوفر فرص عمل لأبناء المنطقة ويسهم في ترويج البلدة والغابات التي تحيط بها، وأهمها غابات دبين والأرز ومحمية الغزلان، سواء على المستوى المحلي أو العربي.
ويعتقد أن هذا النوع من السياحة يخفف من ظاهرة التنزه العشوائي في الغابات والضرر الذي يمكن أن يلحق بها جراء ذلك، لا سيما أن المزارع قريبة أصلا من الغابات وتوفر الأجواء نفسها، فيما تكلفة استخدامها رمزية مقابل المحافظة على خصوصية الزوار.
وفي هذا الخصوص، يقول المزارع والقانوني نضال العياصرة “إن محافظة جرش من المحافظات المتميزة بقطاع الزراعة، خاصة الأشجار المثمرة، وتعتمد عليها أسواق المملكة في توفير أهم احتياجاتها من المنتوجات الثمرية، ومن الأولى أن يتم العناية بهذا القطاع وحمايته وتطويره وتقديم مختلف الخدمات الزراعية التي يحتاجها المزارع، وأهمها تسويق المنتج الزراعي”.
ولفت الى أن بعض المزارعين يلجأون إلى تغيير صفة استعمال أراضيهم من زراعية إلى مشاريع سياحية توفر دخلا ماليا إضافيا ومنهم من يقوم بإزالة الأشجار المثمرة وعمل أبنية إسمنتية لجذب الزوار لسياحة المزارع وعمل بيوت ضيافة وبرك سباحة على حساب المساحات الزراعية، وهذا يهدد ديمومة العمل الزراعي.
وبين أنه بإمكان المزارع استثمار جزء بسيط في عمل شاليهات داخل المزرعة واختيار موقع لا يسبب ضررا للأشجار المثمرة والاستفادة زراعيا من باقي المساحات الزراعية، وستكون المزارع المزروعة بالأشجار المثمرة أكثر جذبا للزوار من غيرها من المزارع التي يقوم مزارعوها بإزالة الأشجار منها نهائيا، لا سيما وأن أهمية قطاع الزراعة في جرش لا يقل أهمية عن قطاع السياحة ويمكن أن يكون القطاعان مكملين لبعضهما بعضا.
وكانت “الغد” قد نشرت تقريرا حول المزارع السياحية في جرش، وتم التطرق الى الانتشار الواسع لهذه المزارع مقابل عدم وجود رقابة رسمية عليها وتركها دون ترخيص.
ويعيد الانتشار المتزايد لهذه المزارع فتح باب المطالبة بضرورة إخضاعها للترخيص والرقابة وعدم ترك هذا المنتج السياحي ليدار من قبل أشخاص بمفردهم.
ومجددا، باتت المزارع السياحية أو ما يعرف بـ”بيوت الضيافة”، منتجا يفرض نفسه على لائحة السياحة الداخلية في محافظة جرش، خارج إطار الترخيص والتنظيم وغياب تام للرقابة، ما يتيح للقائمين عليها حرية فرض الأسعار ومستوى تقديم الخدمة، فيما قد يجد متلقو الخدمة، وأغلبهم مواطنون، أنفسهم ضحية تسويق وهمي لا يتناسب وقيمة المنتج.
وشهدت هذه المزارع خلال السنوات الأخيرة رواجا لافتا، بعد ضخامة التسويق شبه المجاني لها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، على أن التسويق المميز لم يتعد تلك الصفحات لدى عدد كبير من هذه المزارع بعد أن اصطدم زوارها بفارق المساحة بين مستوى الترويج للخدمة والواقع القائم.
ومع إدراك أن هذا الوضع لا ينسحب على هذه المزارع كافة التي يزيد عددها على 400 مزرعة وبيت ضيافة؛ إذ إن هناك من يحرص على تقديم الأفضل وبأسعار مناسبة، إلا أن غياب الرقابة بشكل عام يبقي مصداقية وسلامة الخدمة في ذمة القائمين عليها.
وفي هذا السياق، يحذر نشطاء في السياحة من خطورة ترك هذه المزارع وبيوت الضيافة من دون رقابة رسمية.
ووفق الناشط نصر العتوم، فإن سياحة المزارع من أهم أنواع السياحة في محافظة جرش وبدأت بالرواج في السنوات الأخيرة ونشطت أكثر خلال جائحة كورونا لما توفره من خصوصية تامة لزوارها، قائلا “يجب أن تخضع للرقابة الدورية، كما يجب ترخيصها من وزارة السياحة والآثار لتنظيم عملها، خاصة هذه الفترة التي تشهد نشاطا في عملها”.
إلى ذلك، بين مصدر مسؤول في محافظة جرش أن عدد المزارع السياحية وبيوت الضيافة والنزل البيئية وهذه المواقع التي توفر خدمات سياحية ويتم استثمارها بشكل شخصي من قبل أصحابها تزيد على 400 موقع موزعة في مختلف القرى والبلدات في محافظة جرش.
وأضاف المصدر، كان من المتوقع أن يتم ترخيصها وتنظيم عملها تحت مسمى بيوت الضيافة وتتبع لوزارة السياحة قبل الجائحة، غير أن ظروف الجائحة أخرت هذا التوجه وسيتم العمل على ترخيصها قانونيا ومتابعة عملها في الفترة المقبلة.
وأكد المصدر ذاته، أن وزارة الداخلية معنية بمراقبة عملها ومتابعة الملاحظات والشكاوى التي ترد بحقها حرصا على سلامة مستخدميها والحد من حدوث أي تجاوزات اجتماعية وأخلاقية فيها.
وكان مدير سياحة جرش فراس الخطاطبة، قد أكد في حديث سابق مع “الغد”، أن المزارع التي يستثمرها أصحابها في جذب الزوار والسياح إلى محافظة جرش ما تزال غير مرخصة وغير تابعة لسياحة جرش وسيتم في الفترة المقبلة ترخيصها قانونيا تحت مظلة وزارة السياحة ليتم متابعة عملها وتنظيم استثمارها حرصا على سلامة الزوار وراحتهم ومراقبة الاشتراطات الصحية والهندسية والفنية كافة فيها.
وأوضح أن هذه المنشآت التي تستثمر بمختلف الطرق وتحت مسميات عدة عددها بالمئات بمحافظة جرش وهي نشطة في هذه الفترة وتلقى رواجا بين الأسر والعائلات التي تفضل هذا النوع من السياحة.
ومن جانبه، يطالب الخبير السياحي ومدير غابات دبين في الجمعية العلمية الملكية المهندس بشير عياصرة، أن يتم مراقبة هذه المزارع ووضعها تحت غطاء قانوني، يضمن تنظيم عملها وترخيصها ومراقبتها لحمايتها من الممارسات الخاطئة، التي قد تعرض المحافظة لمشاكل كبيرة، لا سيما وأنها أصبحت ظاهرة منتشرة في محافظة جرش بشكل ملحوظ ومن دون أي غطاء قانوني يضمن الحفاظ على سلامة مستخدميها.
ويرى العياصرة، أن هذه المشاريع الصغيرة التي تنتشر في الأرياف، من الممكن أن تتحول إلى مشاريع استثمارية كبرى تهتم بسياحة العائلات وتخفف الضغط على الغابات، مشيرا الى أنها يمكن أن تكون نافذة سياحية تسوق سياحيا لمحافظة جرش، ضمن ضوابط وإجراءات وتراخيص وآلية عمل منظمة ومراقبة، حرصا على سلامة الزوار من أي ممارسات خاطئة.
وقال “إن هذه المزارع السياحية تعد بديلا مناسبا وآمنا تتوفر فيه الخدمات السياحية كافة، ضمن أعلى درجات الضوابط الاجتماعية والإخلاقية والسياحية ودون العبث بالغابات”.
ويرى العياصرة أن السياحة البيئية هي البديل الآمن حاليا للغابات ومن الممكن تطوير فكرة المشروع من خلال الجمعيات والهيئات الشبابية والمسارات السياحية إلى شاليهات سياحية ومزارع سياحية مخدومة وتتوفر فيها الشروط السياحية كافة لتخفيف الضغط على الغابات.
صابرين الطعيمات/ الغد
التعليقات مغلقة.