“حفائر مائية” جافة.. مربو ماشية يعانون شح المياه بصحراء الكرك
في موسم مطري وصف بـ”الشحيح”، في أغلب مناطق محافظة الكرك، بات الجفاف مصيرا محتوما لغالبية حفائر وسدود الحصاد المائي المنتشرة بمناطق شرقي المحافظة، والتي يعتمد عليها اعتمادا كبيرا في سقاية المواشي، بينما يفرض هذا الواقع معاناة، تشتد صيفا، على مربي الماشية، المضطرين إلى خوض رحلة البحث عن مصادر المياه البديلة في صحراء الكرك.
ورغم تردي المواسم المطرية خلال السنوات الماضية، بقيت الحفائر تحتفظ بكميات بسيطة تسد احتياجات أصحاب المواشي من المياه لسقاية مواشيهم، إلا أن توالي ضعف كميات الأمطار المتساقطة وخاصة الموسم الحالي، حول أغلبها إلى حفائر ترابية جافة، باستثناء عدد قليل منها، ما زاد من معاناة أصحاب ومربي الماشية في المناطق الشرقية، والتي تعتبر المواشي مصدر رزقهم الوحيد، وفق عدد منهم.
ويؤكد مربو ماشية، أن جفاف الحفائر يرتب عليهم البدء بنقل مواشيهم الى مناطق تواجد آبار المياه وأنابيب المياه القريبة من البلدات والمدن، أو شراء صهاريج بأسعار عالية لسقاية مواشيهم، وتزداد المعاناة أكثر مع قدوم فصل الصيف، وزيادة حاجة المواشي للمياه بشكل أكبر.
ويعتمد مربو الماشية في لواء القطرانة، ومنطقتي الأبيض والسلطاني والدامخي وباير ولواء الحسا، وغيرها، من المناطق على وجه التحديد، على سقاية مواشيهم خلال العام من السدود والحفائر الترابية التي أنشاتها الأجهزة المعنية بوزارة الزراعة والقوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي، في سنوات ماضية، لتوفير المياه للمواشي وزيادة مخزون الآبار.
وساهمت عمليات التنظيف والتوسعة للحفائر والسدود الترابية في المحافظة، والتي وصل عددها حتى العام الحالي، قرابة 25 سدا وحفيرة، منتشرة شرقي المحافظة على امتداد الخط الصحراوي، في زيادة سعة السدود، وديمومتها طوال العام، في حال امتلائها بمياه الأمطار.
وتتباين السعة التخزين بين حفيرة وأخرى، إذ تبلغ سعة بعضها 100 ألف متر مكعب، بينما تبلغ سعة حفائر أخرى 25 ألف متر مكعب.
وتراوحت نسبة الأمطار المتساقطة في مناطق الجنوب هذا الموسم 2023-2024، بين 55 % إلى 77 %، وبقيت بمجملها دون معدلها العام، وفق نشرة الأرصاد الجوية الصادرة الشهر الحالي.
وتمتد الحفائر والسدود على طول خط انتشار تربية المواشي في بلدات المحافظة الشرقية، خصوصا في القطرانة والأبيض والسلطاني ومحي والحسا والقصر والغوير واللجون، وغيرها من بلدات المحافظة على الواجهة الشرقية، التي ينتشر فيها العدد الأكبر من المواشي في المنطقة.
وخلال السنوات الأخيرة، وبسبب توافر كميات كبيرة من مياه الحفائر والسدود، استغل أهال في المناطق الشرقية وفرة المياه بالحفائر بزراعة محاصيل في الارضي المحيطة بها، والتي أصبحت تنتج محاصيل زراعية مختلفة، وتوفر فرص عمل للشبان في تلك المناطق.
وتنفذ مديريات الزراعة بمحافظة الكرك وضمن خطة الوزارة للحصاد المائي بمختلف المناطق عمليات التنظيف والتوسعة للحفائر والسدود الترابية القديمة الواقعة شرقي المحافظة قبل فترة من بدء موسم الأمطار في كل عام، لتكون جاهزة لاستقبال أي كميات من المياه الجارية والمتساقطة بالمنطقة، وغالبا ما تمتلئ الحفائر والسدود الترابية بكميات كبيرة من الطمي خلال الموسم المطري والذي يعمل على تخفيض سعتها التخزينية.
وكان وزير الزراعة المهندس خالد الحنيفات أكد خلال لقائه بمربي الماشية بالقطرانة في وقت سابق من العام الماضي، أنه وتنفيذا للتوجيهات الملكية السامية للنهوض بالقطاع الزراعي والمساهمة في التنمية الزراعية، فقد تم وضع خطة مستقبلية للحصاد المائي وإعادة التأهيل لأغلب السدود والحفائر والتي تبلغ طاقتها التخزينية 67 مليون م3، والعمل على زيادة التركيز في تنفيذ أكبر عدد من الحفائر والسدود ضمن البادية الأردنية وكافة المحافظات وبقية المناطق ذات القدرة الانتاجية في المشاريع الزراعية.
وأضاف أن الوزارة نفذت العام الماضي 63 حفيرة وسدا وستعمل الوزارة هذا العام على إنشاء 60 حفيرة وسدا هذا إلى جانب خطة إنشاء آبار تجميع المياه والتي نفذ منها العام الماضي ما يزيد على 5 آلاف بئر تجميع مياه وسيتم استكمال إنشاء 5 آلاف بئر تجميع مياه هذا العام.
وأكد حينها، أن الوزارة معنية بما يخدم قطاعهم، بخاصة في ظل ما رصدته لقطاع الثروة الحيوانية ودعم المزارعين العام الحالي، وشدد على أن هذا العام 2024 سيشهد توسعا كبيرا بإنشاء الحفائر، عبر خطة حصاد مائي، لخدمة مربي الأغنام، مشيرا إلى أن هذا الأمر سيوفر مياها ضمن مناطق تربية المواشي في البادية والمحافظات.
وأشار الحنيفات أن أهمية الحصاد المائي تتلخص في إنشاء الحفائر والسدود الترابية لتوفير المياه خلال فترات مختلفة من العام وذلك بحجز أكبر كميات من مياه الأمطار، وتأمين المياه لمربي الثروة الحيوانية لسقاية المواشي، وبالتالي رفع مستوى الدخل بزيادة الإنتاجية، وتنمية وتطوير البيئة في أراضي المراعي، وايضا تغذية المياه الجوفية وتخفيف الضغط على الآبار الجوفية.
ولفت أن الخطة الوطنية للزراعة المستدامة 2022-2025 أكدت على الحصاد المائي وتنمية واستدامة القطاع الحرجي والنظام البيئي وتطوير برنامج وطني مستدام لصون وإعادة تأهيل المراعي من خلال تطوير إستراتيجية موحدة للحصاد المائي في البادية وكذلك استخدام تقنيات حصاد مياه الأمطار في الزراعة وإعادة تأهيل البادية.
وأشار إلى أنه ضمن خطة العام 2023 تم تنفيذ 11 موقعا في محافظة الكرك وبسعة تحزينية تعاقدية 230 ألف متر مكعب، منها إنشاء ثلاث حفائر وسدود جديدة وصيانة 8 مواقع.
ويؤكد مربي الماشية عفاش العمامرة من منطقة باير أن وجود الحفائر الترابية في مناطق رعي المواشي الشرقية، يخفف من أعباء شراء ونقل مياه الصهاريج على مربي الماشية، في حين الآن وبسبب جفاف أغلبية الحفائر سيضطر المربون إلى نقل المياه بواسطة صهاريج لمسافات طويلة، من خطوط الأنابيب في مناطق القطرانة والأبيض والحسا والسلطاني والغوير وزحوم، أو يشترونها من آبار خاصة، مشددا على أن مربي الماشية يعانون من قضايا كثيرة من أهمها نقص مياه شرب المواشي.
وقال خالد الحجايا من لواء القطرانة، إن للحفائر أهمية بالغة في توفير كميات كافية بموسم الأمطار الجيد لسقاية المواشي، مشيرا إلى أن الموسم الحالي يعتبر من أكثر المواسم قلة بالأمطار، حيث إن العديد من الحفائر في مناطق مختلفة لم تصلها المياه أصلا.
وأشار إلى أن الحفائر توفر المياه للمواشي في مناطق انتشارها، بدلا من الانتقال لمسافات طويلة في رحلة شاقة ومتعبة للحصول على المياه، كما أنها تخفف من الأعباء المالية المترتبة على المربين، ما يسهم بتوفير دخل إضافي لهم، كان يصرف لشراء المياه من آبار خاصة.
وقال الناشط البيئي رائد الضمور من بلدة الغوير شرقي المحافظة إن عملية رصد الحفائر والسدود الترابية الموجودة بالكرك والمناطق الشرقية تظهر أن أغلبها قد جف، أو لم يتم تجميع المياه فيها على مدار الموسم الحالي، بسبب ندرة الأمطار، لافتا إلى أن سدا واحدا على امتداد مئات الكيلومترات بالصحراء يوجد فيه مياه، وهو سد ابو ركبة، وهو لا يكفي لجميع أصحاب المواشي، وخصوصا انهم يتوزعون على مساحات واسعة في المناطق الشرقية.
ولفت إلى أن معاناة مربي الماشية ستكون كبيرة هذا الموسم، لأن المياه مهمة لسقاية الماشية، وخصوصا بالمناطق الشرقية، حيث ترتفع درجات الحرارة صيفا بشكل كبير.
عامر خطاطبه/ الغد
التعليقات مغلقة.