دولة قطر بين توالي المناسبات والاحتفاء بالإنجازات / د. منصور محمد الهزايمة
=
تجري الاستعدادات في دولة قطر هذه الأيام على قدم وساق لاستقبال العديد من المناسبات الهامّة على أرضها، مما جعل الدولة بقضها وقضيضها تتحول إلى ورشة عمل هائلة، وتتسابق مع الزمن لإنهاء كل ما يتصل بهذه المناسبات من تجهيزات وتحضيرات، ولتتمكن من تقديم ما من شأنه أن يكون فخرا للقطريين والعرب أجمعين، علما بأن هذه الأعمال والفعاليات تتقاطع دائما مع خطة الدولة المرسومة والموسومة أيضا برؤية قطر (2030). أولى المناسبات التي باتت تدق الباب، ولم يعد يفصل عنها غير أيام قليلة، هي بطولة كأس العرب لكرة القدم، حيث تلتقي فرقهم من شتى ربوعهم في دوحة العرب، والتي يبلغ عددها ستة عشر فريقا، يتنافسون بنبل ومحبة، ويجسدون وحدة العرب الشعبية الأبدية، لتجمعهم الرياضة بعيدا عن أهواء السياسة، ورياحها الموسمية، ومماحكاتها، إذ تبدأ البطولة في الثلاثين من الشهر الحالي، لتنتهي يوم حلول المناسبة الأغلى في دولة قطر، وفي حياة مواطنيها والمقيمين على أرضها، ألا وهي مناسبة اليوم الوطني للدولة، التي تحل في يوم الثامن عشر من ديسمبر الذي يصادف أيضا يوم الاحتفاء باللغة العربية، والذي توليه دولة قطر أهمية بالغة، يعكسها ما صدر مؤخرا من قرار عن مجلس الشورى الجديد. في مناسبة اليوم الوطني وقبلها بأسابيع تجد مظاهر التعبير عن حب الوطن وقيادته، قد زحمت البلاد، برفع رايتها ذي اللونين الأبيض والعنابي ورؤوسها التسع، أو برسمها، وبصورة أمير البلاد فوق البيوت والمحلات والشوارع والشواطئ والسفن والمراكب، كما تتزين سيارات المواطنين والمقيمين بهما، لكن بحب لا بمرسوم. مما يجدر ذكره أيضا، أن الدولة تقترب سريعا من المناسبة العالمية، التي تنتظرها منذ اثنتي عشر سنة حتى موعدها، وهي بطولة كأس العالم التي ستقام لأول مرة في بلد عربي، ومنذ أُعلن عن هذه الاستضافة، أهدت دولة قطر هذه المناسبة إلى الأمة العربية، وقد رفعت مؤخرا الستارة عن ساعة العد التنازلي لأيام العام الأخير الذي يسبق اقامة هذه البطولة العالمية، حيث تشد عندها الأنظار والرحال إلى الدوحة من جميع بقاع العالم. حصلت دولة قطر على حق استضافة البطولة في الثاني من ديسمبر(2010)، أي منذ اثني عشر عاما حتى قيام البطولة في الحادي والعشرين من نوفمبر من العام القادم، منتزعة حق التنظيم من دول كثيرة، تقديرا لما قدمته من ملف يتضمن كثيرا من الأفكار الإبداعية، فيما يخص وعود التنظيم والإجراءات الملائمة، لكنّ الدولة منذ حينه تحولت إلى ورشة عمل عظيمة، ولا يتوقع أن تتوقف الماكينة عن الهدير حتى موعد البطولة، وقد كان نصيب البنية التحتية من التخطيط والإنفاق والإلهام عظيما ومتشعبا بين رؤية (قطر 30) من حيث شبكة الطرق الواسعة، والجسور المعلقة المبهرة، وشبكة المترو الأحدث في الشرق الأوسط، وكذلك فيما يخص التجهيزات المتصلة بالبطولة مباشرة من منشآت وملاعب، إذ أن كل واحد منها ينافس الأخر في البناء والتفرد. منذ أن حظيت الدولة بحق تنظيم البطولة (2010) مرت بها الكثير من الظروف التي كان يُخشى أن تمس المناسبة مباشرةً، مثل الحصار الذي تعرضت له لمدة أربع سنوات، كما كان التشابك مع المنظمات الدولية فيما يتعلق بملف العمال، وقد استطاعت الدولة أن تتجاوز كل هذه العقبات تشريعيا وتنفيذيا بجدارة، كما نأمل أن يقفل ملف الجائحة العالمية قبل لقاء البطولة. إن تنظيم دولة قطر للفعاليات الكبيرة ليس غريبا، أو مقلقا، تبعا لما اكتسبته من خبرة في هذا المجال، فقد استضافت المؤتمرات العربية والدولية في السياسة والاقتصاد مثل مؤتمر الشرق الأوسط وشمال افريقيا الاقتصادي منذ (1997)، وقمتين عربيتين (2009) و(2013) وعدد من القمم الخليجية (83،90،96،02،14) مثلما أنها أضحت عريقةً في تنظم جولات المفاوضات بين اطراف النزاع في شتى بقاع العالم، كما أنها نجحت في إقامة العديد من الفعاليات الرياضية الخليجية والعربية، واستضافت أولمبياد القارة الأسيوية (أسياد 2006)، وقد نهضت بتنظيم هذه المناسبات دون أن يتأثر مجرى الحياة بشيء يذكر. تقتضي الموضوعية القول: إن تنظيم بطولة كاس العالم يُعد من المناسبات الضخمة، بما يتطلبه من بذل جهود جبارة لتقديم وجه مشرق لدولة قطر والأمة العربية، وهذه البطولة تحتاج من التنظيم في شتى المجالات ما ينيف عن غيرها من المناسبات، فيكفي أن نعرف أن أكثر من مليون إنسان -في أدنى التقديرات- سيصلون الدوحة بذات الوقت، ولمدة تقترب من شهر، بما يلزمهم من مبيت وطعام وفنادق ودعم لوجستي شامل وتحريك المجموعات البشرية الكبيرة والمتنوعة بين الملاعب، لكننا على ثقة بأن الدوحة ستكون كما عودتنا على قدر أهل العزم. يكمن الجديد أيضا بأن الجماهير القادمة إلى الدوحة ستكون من التنوع الثقافي بما ينبغي التنبه لعاداتهم وممارساتهم وأخلاقياتهم، ولا سيما تلك القادمة من المجتمعات الغربية خاصة ما يتعلق بأساليبهم في التشجيع، وقد كان يوما لممارسات مشجعي كثير من الفرق الأوروبية -تحديدا- في بطولات سابقة ما يثير القلق، ولذا فإن الاعتبارات الأمنية لا بد أنها تحظى بأولوية عظيمة، لا تغيب عن السلطات هنا في الدوحة، وكالعادة ننتظر من دولة قطر أن تبهرنا جميعا كما كان عهدها دائما.
التعليقات مغلقة.