“صمد التراثية”.. قيمة مهدرة تنتظر الاستثمار
إربد – لم تشفع عراقة قرية صمد التراثية المقامة على بقايا قرية رومانية يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي عام، من وضعها في دائرة الاهتمام وابراز قيمتها المستحقة، وجعلها نقطة جذب سياحي بما يعود بالنفع على أهالي المنطقة.
وتغيب القرية عن اهتمام وزارة السياحة والآثار، في وقت ما تزال القرية محتفظة بيوتها الحجرية ذات الطابع المعماري الذي يدل على الأصالة وجمالية المكان وذاكرة الإنسان الذي رسم هندسة مكانية تعبر عن ذاكرة الأجيال.
وتضم القرية التي تقع في لواء المزار الشمالي وتبعد عن محافظة اربد حوالي 17 كيلو مترا مواقع أثرية ككنيسة قرية داريا وتل زنبوط الأثري وخربة جربا وعشرات المنازل القديمة المملوكة لمواطنين، إضافة إلى مدرسة قديمة والعديد من الكهوف الأثرية.
وحسب سكان المنطقة، فإن القرية تحوي العديد من الآثار، وحال استثمارها فإن ذلك من شأنه تشغيل أبناء المنطقة المتعطلين عن العمل من خلال اقامة مشاريع صغيرة، إضافة إلى أن رفد موازنة الدولة بأموال من خلال العوائد التي ستجنيها من الضرائب والرسوم، مشيرين إلى أن غياب الاهتمام الحكومي عن المنطقة تسبب باعتداءات وتغريب لآثارها وبيوتها التراثية من قبل مجهولين باحثين عن الدفائن.
ويطالب السكان بوضع خطة لصيانة وترميم وإعادة تأهيل قرية صمد لحماية ما تبقى من هذه القرية الأثرية التي باتت شبهه مهجورة من سكانها بعد أن رحلوا الى مناطق أخرى بسبب تدني الخدمات فيها والتلوث البيئي التي احدثته الكسارات المحيطة بالقرية، مؤكدين أهمية الاستثمار في هذه المنطقة من حيث إقامة المطاعم والفنادق لجذب السياح وعمل مسار سياحي للتعريف بها.
ويعاني سكان القرية من الإهمال الرسمي وقلة العناية بقلعتهم الأثرية، وتجاهل المعنيين بالقطاع السياحي من حيث الترويج للقرية كمعلم سياحي مهم، فيما قام ناشطون بالتعاون من سكان القرية بعمل مبادرات فردية لإنقاذ القرية من طي النسيان.
وأشار رئيس مجلس محلي صمد السابق سميح ابو دلو، إلى إهمال رسمي يحيط بقرية صمد القديمة التراثية، فيما اكتفت وزارة السياحة بوضع لوحة على مدخل القرية تشير إلى قرية صمد التراثية دون تطويرها لجعلها معلم سياحي عالمي نظرا للقيمة الاثرية والتراثية التي ما تزال تحتفظ فيها القرية.
ولفت إلى أن القرية غائبة عن اهتمام الجهات المعنية من حيث وضعها على المسارات السياحية واقامة المهرجات الثقافية فيها، وتنظيم الزيارات إليها، مؤكدا أهمية استثمارها سياحيا من خلال استملاك المباني التي باتت شبه خاوية من ساكنيها وعمل مشاريع تعيد الألق لهذه القرية التراثية.
وأشار إلى أن السكان في القرية التراثية اضطروا إلى هجرها بسبب انتشار المقالع والكسارات المحيطة بالمنطقة، وما سببته من ازعاجات وتطاير للغبار واهتزاز للمنازل ناهيك عن الأضرار البيئية، الأمر الذي يتطلب من الجهات المعنية ايجاد حلول لتلك المشاكل البيئة والبدء فورا بإقامة المشاريع.
وقال ابو دلو إن المجتمع المحلي نظم فعاليات في قرية صمد على شكل جلسات في البيوت التراثية، استذكروا فيها أنماط حياتهم الريفية الجميلة وإلقاء قصائد تراثية وأهازيج شعبية من قبل كبار السن، وسط حلقات الدبكة والسامر على أنغام العود ودق المهباش.
واعاد المواطن غازي خالد البدور، من بلدة صمد التراثية ترميم أحد البيوت التراثية، بمجهود فردي ضمن مشروع ترميم مبنى تراثي يتربع على مساحة أكثر من دونم أرض تحيط به مناطق فسيحة ذات اطلالة رائعة.
وشمل الترميم، بيوت عتيقة كانت سكنا بسيطا للأهالي مبنية من الحجارة المشذبة والطين، وتغطي سقوفها سيقان القصاب المجدول والمطرز بالخيوط الليفية، بحيث تكون في الشتاء دافئة وفي الصيف باردة.
ويتطلع أهالي صمد أن تقوم الجهات المعنية بدعم صمد التراثية بمشاريع ترميم تعيد الحياة إليها بعد أن هجرها البعض منهم.
وقال أبو دلو إن بركة صمد القديمة تحولت قبل سنوات والتي كانت تشغل مساحة ستة دونمات، إلى مصنع لألبسة والنسيج، مؤكدا أن ملامح القرية القديمة بدأت بالتلاشي شيئا فشيئا بسبب غياب الاهتمام الحكومي عن هذه القرية، فيما سيضطر مالكو تلك البيوت القديمة إلى بيعها لمواطنين وستتحول تلك القرية إلى كتل اسمنتية لقيامهم ببناء منازل حديثة عليها، الأمر الذي يتطلب من وزارة السياحة ضرورة استملاكها بأسرع وقت ممكن وتحويلها الى بلدة سياحية تستقطب الزوار.
وتشير أرقام موازنة اللامركزية بمحافظة اربد للأعوام السابقة، إلى عدم تخصيص أي مبالغ لتطوير وترميم وصيانة بلدة صمد القديمة، رغم المطالبات الشعبية بضرورة إحياء البلدة وتحويلها إلى قرية سياحية يؤمها الزوار على مدار العام، لما تتميز به من بيئة رائعة صيفا وشتاء.
وقال محمد البدور أحد سكان البلدة أن أجزاء من المباني تعرضت للتخريب بسبب اهتزازها من التفجيرات التي تحدثها الكسارات المحيطة بالبيوت، إضافة إلى هجر السكان لتلك المنازل وتحول كثير منها إلى زرائب للأغنام رغم جمالية المباني التي شيدت بطراز معماري مميز.
ولفت إلى أن الأراضي المجاورة للمنازل تعرضت للتجريف من قبل الباحثين عن الدفائن، مشيراً إلى أن وزارة الأوقاف قامت قبل سنوات بترميم المسجد القديم في القرية، فيما اخليت المدرسة في القرية وأصبحت مكانا مهجورا وتعرضت للتخريب والتكسير.
واشار إلى أن القرية تفتقر إلى أسواق ومواصلات ومشاريع للحرف التقليدية، لافتا إلى أن غالبية المباني ما تزال مملوكة لمواطنين وأن البعض يفكر بإعادة ترميمها لكن عدم قدرتهم المالية يحول دون ذلك، الأمر الذي يتطلب أن تقوم الحكومة بدعم المواطنين من أجل تنفيذ عمليات الترميم والحفاظ عليها.
وقالت رئيسة مبادرة “ميل على اربد” السياحية أمل غوانمة، سعينا من خلال المبادرة إلى تسليط الضوء على المقاصد والمواقع السياحية في شتى أنحاء عروس الشمال، وركزنا العمل على رفع المحتوى المرئي من صور فوتوغرافية ومقاطع فيديو “ريلز” يتم نشرها عبر كافة صفحاتنا على السوشال ميديا أبرزها الفيسبوك.
وأضافت أن الفريق عمل على عدة جولات تصوير فوتوغرافية لمنطقة صمد الأثرية ومن ثم البحث عن المعلومات التاريخية الموثقة من خلال مديرية ثقافة إربد التي قدمت لنا محتوى يناسب ما نسعى له في نشر التوعية الثقافية مما يضفي لمسة المتعة على السياحة لمنطقة لم تحظى بالشهرة التي تستحقها على الصعيد المحلي.
وأشارت إلى أن منطقة صمد لم تحصل بعد على الاهتمام الحكومي الذي تستحقه فهي تجمع التاريخ والطبيعة والتراث الإنساني الأردني العريق.
بدورها، قالت مديرة سياحة اربد الدكتورة مشاعل خصاونة إن قرية صمد تعد تراثية وهناك اهتمام بترويجها كمنتج مهم وقامت وزارة السياحة باستحداث مسار سياحي في لواء المزار الشمالي يضم جميع المواقع السياحية والتي من ضمنها قرية صمد التراثية، إضافة إلى أنه تم استضافة الإعلاميين ووكلاء السياحة والسفر للترويج وتسويق هذا المنتج إلى جانب إقامة الفعاليات والمعارض التراثية ودعم المبادرات الشبابية بهدف التسويق والترويج لهذا المنتج وتم تعزيز الموقع باللوحات الإرشادية السياحية الدالة على الموقع.
وأشارت إلى أن هناك العديد من التحديات التي تحول دون تطوير الموقع واستثماره سياحيا وأهمها أن ملكية الموقع هي ملكية خاصة، فضلا عن ضعف دور الجهات المعنية في تطوير واستملاك الموقع للقيام باستثماره وتطويره سياحيا.
التعليقات مغلقة.