ضرائب مقترحة مستعجلة ( الجامعات نموذجا ) ” 1 ” // د. حفظي اشتية
تفرض دول الدنيا ضرائب على مواطنيها : بعضها عادل وبعضها ظالم، بعضها معتدل وبعضها مبالغ فيه، بعضها مقنع وبعضها مستفزّ، بعضها عامّ يطال العامّة وبعضها خاص بفئة محددة من الناس . وفي كل الأحوال، يفترض أن تلك الضرائب تعود بالخير والفائدة على دافعيها، ويمتد جناها ليشمل الجميع .
ولعل عنوان المقال يُغري بعض الباحثين عن ضرائب جديدة ترفد الخزينة، ولعلنا نساهم في حرف الأنظار عن الفقراء والمعوزين، ونوجهها نحو المترفين العابثين، فنقترح ما يلي :
ــ فرض ضرائب على بعض المسؤولين في بعض الجامعات الذين نهبوا المال العامّ بمسوّغات واهية، وحيل متهافتة، وأساليب ملتوية منحرفة : يتقاسمون المكافآت المنهوبة مع زمرتهم، يفرضون على الطلاب ما لا يلزم، ويغصبون أموال أهاليهم المتعثرين ليغدقوا على عصبة بعض الفاسدين حولهم، المطعون في بعض شهاداتهم وتعيينهم ومناصبهم وخبراتهم وأبحاثهم وترقياتهم….. ويبذّرون ما ليس من حقهم في السفرات والمؤتمرات واقتناص التصنيفات، وتفخيم المكاتب، وتضخيم الأثاث واللوازم، وبهرجة المؤتمرات.
وكل ذلك قلما يعود بالفائدة على الجامعة وطلابها وبنيتها ومرافقها وخدماتها…إلخ.
ــ فرض ضرائب على كل من ساهم في حجب ترقية عن مستحق، فأحبطه، وأنكر جهده، وقتل رغبته ودافعيته، ونفّره من جامعته، وآذى نفسيته، وطمس طموحه، وقهره، وهدم انتماءه لمهنته، وحبه لوطنه، ودفعه نحو الاستقالة والهجرة.
ــ فرض ضرائب على كل من ساعد في ترقية مَن لا يستحق، ببعض أبحاث مسروقة، وشهادات غير موثوقة، يستغل منصبه ليكتب له الآخرون أبحاثا واهية بعيدة عن تخصصه، ثم يشركونه معهم، ويضعون اسمه على أبحاثهم ليترقى ويسرّع ترقياتهم في جوّ أكاديميّ غير سويّ، يتقدم فيه مَن حقه التأخير، ويتأخر الجدير بالتقديم.
ــ فرض ضرائب على كل من ظلم أستاذا جامعيا أو موظفا : يلفّق له التهم، يغتال شخصيته، يشوّه سمعته، يوجه له العقوبات، يسيء له بين أفراد أسرته ومجتمعه ظلما ونكاية، دون أي ذنب سوى أنه لا يمالئ الباطل، ولا يداهن الفاسد، ولا يماري في الحق، ولا يتنازل عنه.
ثم يضطره للّجوء إلى المحاكم بحثا عن العدالة في رحلة مضنية طويلة مكلفة، يخرج منها ظافرا بحقه، لكن بعد خسارة ماله وصحته ومعنويته ورغبته في الاستمرار في عمله ومؤسسته، بينما الظالم خالي البال، لم يخسر شيئا سوى أنه لفّق تهمة، وشكل لجنة متهالكة نسّبت له بما يريد، وألقت حجرا في بئر احتاج طائفة من العقلاء الحكماء لإخراجه بعد جهد جهيد.
ــ فرض ضرائب على كل من اختار نائبا له أو مديرا أو عميدا أو رئيس قسم…. دون أن يتأكد من سيرته الأكاديمية والمهنية والأخلاقية، أو صحته النفسية، فقذف به مسؤولا عن أسوياء يؤذيهم لأنه لم يألفْ نظافتهم، ولم يعتدْ استقامتهم، ولم يطقْ عزة نفوسهم، ولم يتمكن من ترويضهم وتطويعهم ليكونوا شَبَهه، يصفقون نفاقا له، ويمجّدون تهافته وفساده وخواءه.
ــ فرض ضرائب على كل من عيّن أستاذا جامعيا تحت ضغوط اجتماعية، فألقى على كاهل الجامعة والطلاب متهالكا في مستواه الأكاديمي، متهاويا في سيرته، مترديا في مسلكه، فانطلقت يده يعبث فسادا في تدريسه وعلاقاته وعلاماته…. وكان بذلك نموذجا بائسا لبعض طلابه، يقلدونه، وينهجون نهجه، ويقتدون به، وكان بذلك أيضا نموذجا محبطا لفئة أخرى من الطلاب الجادّين، يعاينون فراغه الفكري، فييأسون وهم يبحثون عن رحيق العلم وحميد الخلق عنده فلا يجدون.
ــ فرض ضرائب على كل مسؤول صغيرا كان أم كبيرا، يرى منصبه منصّة للتملق والتزلف والتسلق، وإضاعة الوقت في الضيافة والاستضافة، وبناء العلاقات المصلحية الزائفة، واستثمار المنصب لتصيّد المكاسب، والالتفاف على التعليمات بما يخدم مصلحته، وتأسيس شلّة شائهة على شاكلته تكون عونا له في تزيين أخطائه الطاغية، وتزييف واقعه العاثر، لا يلتزم بدوام، ولا يوجه جهده لخدمة المصلحة العامة، لا يبدع، ولا يجدد، ولا يترك أثرا حميدا، ولا يعزز مُجيدا ليس من زمرته، بل يتعقبه بالإيذاء والعقوبات، ولا يحاسب مخطئا من حاشيته، بل يتعهده بالحوافز والتعزيزات، فيختلط بذلك الحابل بالنابل، ويلتبس الحق بالباطل، والخاسر الأكبر هو المؤسسة والوطن.
فهل من مدّكر؟؟!!
التعليقات مغلقة.