عائلات تعثر على الترفيه بأقل التكاليف في المتنزهات والمطلات الصيفية
بأقل التكاليف، تبحث العديد من العائلات الأردنية عن متنفس لها في ليالي الصيف المختنقة، دون أن يضطر أفرادها لدفع مبالغ إضافية تتسبب بضائقة مالية لهم أو تحول دون قدرتهم على الخروج من المنزل.
على جوانب الطرقات، وبما تجود به منازلهم، تفترش عشرات العائلات الأردنية جوانب الطرق المطلة والمفتوحة، رغبة في الترفيه عن أنفسهم وتغيير أجواء المنزل، خصوصاً في العطلة الصيفية.
على امتداد طريق شارع الستين في مدينة السلط، تجلس الكثير من العائلات الأردنية على جوانب الطرقات، يحضرون معهم الكراسي والفرشات ويوقودون غازهم الصغير. تفوح رائحة الشاي والقهوة في المكان، يتبادلون الحديث ويقضون ساعات في الهواء العليل.
على مطل شارع الستين وفي مساءات الصيف، يمكن للمارة من ذلك الشارع رؤية عشرات العائلات التي تجلس على جوانب الطرقات، تتبادل أطراف الحديث وأصوات الضحكات وحديث الأطفال الذين تسليهم أضواء الشارع والمقاهي والمطاعم التي يعج بها شارع القدس في مدينة السلط. هذا المشهد يستمر طوال الصيف وحتى ساعات متأخرة من الليل.
فرش بساطه على حافة الطريق وأشعل غازه الصغير ليصنع إبريقاً من الشاي، ومعه البوشار المنزلي وما تواجد في المنزل من فواكه وتمر وغيرها من الأصناف التي يصبح لها طعم آخر خارج المنزل. حتى زجاجات الماء المعبأة من المنزل كانت معهم.
بعفوية وبساطة ودون أي تكاليف، لبى الأربعيني حاتم محمد رغبة أطفاله الملحة في التنزه. بما توفر من المنزل، قضى برفقتهم ثلاث ساعات في الهواء الطلق على طريق المطار، حيث أمضى أبناؤه وقتهم في المشي واللعب على السكوتر ومراقبة السيارات وإنارة الشوارع اللافتة.
في حين تحضر عائلة أبو محمود بين الحين والآخر وجبة الغداء في وقت متأخر لتتناولها برفقة أفراد العائلة في حدائق الحسين، لكسر الروتين وصنع بعض السعادة للأسرة.
ويلفت أبو محمود إلى أن المناطق المفتوحة وجوانب الطرقات المرتفعة أصبحت اليوم وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وجهة للكثير من الأسر التي تبحث عن الترفية وتغيير الجو بأقل تكاليف.
من جهته، يجد خالد الحديدي في المطلات الجبلية مساحة للاسترخاء وكسر الروتين والبحث عن صفاء الذهن بعد يوم شاق مليء بضغوطات العمل، مكتفياً بالجلوس مع كوب من القهوة الذي أعده في المنزل.
على مجموعة العائلة في موقع التواصل الاجتماعي واتساب، ينظم محمد إدريس وعائلته سهرات عائلية في نهاية الأسبوع، حيث يستهدفون المناطق المفتوحة في ساعات المساء.
في جلسة يملؤها الضحك والاستمتاع بعيداً عن أي تكاليف، يمضي إدريس وعائلته وقتاً ممتعاً ومميزاً، يتقاسم فيها الحضور ما تحتاجه النزهة من ماء وشاي وقهوة وموالح، كلها مما يتوفر في البيت.
ويقول إن ما يجعل هذه النزهات والرحلات جميلة هو بساطة تكاليفها، وكذلك التعاون والتكاتف الحقيقي الذي يقوم به جميع من يخرج. الهدف الرئيسي هو “ألا نضطر لشراء أي شيء من الخارج”.
ليست العائلات وحدها من تلجأ إلى هذه الأماكن المفتوحة والمطلات، حيث يذهب عبدالله، البالغ من العمر 18 عاماً، برفقة أصدقائه ليجلسوا على جوانب الطريق، يحملون مقاعدهم معهم ليتناولوا العصائر والمكسرات، ويستمعوا إلى أغاني هواتفهم الجوالة في الهواء العليل، تحت الإنارة التي تتميز بها الطرق السريعة.
ويشير عبدالله إلى أن وجود هذه الأماكن والخروج إليها ساعد الناس على التنزه دون الحاجة للجلوس في المقاهي أو الأماكن المكتظة والملوثة، التي تتطلب دفع مبالغ مضاعفة وتكلف الأهل أيضاً.
ويضيف أن مجانية هذه الأماكن وعدم تحمل أي تكاليف تمكن الأشخاص من الخروج مرات عديدة في الشهر أو كلما شعروا بالضجر.
وينوه اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع إلى أن توجه الكثير من العائلات للتنزه على جوانب الطرقات هو سلوك قديم كانت تتبعه الأسر في ليالي الصيف والعطل الرسمية قبل ظهور المقاهي والمطاعم والمتنزهات.
وتعتبر الأماكن المفتوحة، بحسب جريبيع، الوجهة الرئيسية لكافة العائلات الأردنية بسبب ارتفاع التكاليف بالأماكن الأخرى، وبالتالي، فإنها تتيح للعائلات قضاء أوقات ممتعة دون تحمل أعباء اقتصادية في تلك اللحظات.
كانت الأسرة الأردنية، وفق جريبيع، تدير مواردها بطريقة ذكية لتوفير الترفيه دون تكاليف عالية. ولكن مع ظهور المطاعم والمقاهي والأماكن الترفيهية التي اختارت مواقع خلابة ومرتفعة، والأسعار الخيالية التي تضطر الأسرة لدفعها، أصبحت هذه الأماكن عبءاً اقتصادياً جديداً على الأسر التي غالباً ما تعاني من أزمات اقتصادية متتالية.
ويلفت جريبيع إلى أن هذه الأماكن هي المتنفس الوحيد للأسرة، حيث تجتمع الأسرة الصغيرة والممتدة. وتحقق هذه الجلسات متعة أكبر وتساهم في تعزيز الألفة والتواصل بين أفراد الأسرة، حيث يتقاسم الجميع المسؤولية في تحضير الجلسة وإحضار المشروبات والمأكولات وغيرها.
ونتيجة للظروف الاقتصادية، يقول جريبيع إن الأسر أصبحت تفكر في كيفية ترفيه أبنائها والسهر دون تحمل تكلفة مالية. حيث تقوم بعض العائلات بأخذ “طبختها” من المنزل، وأحياناً تحضر ربة المنزل السندويشات المنزلية والكيك، ويجلسون على جوانب الطرق وفي الحدائق العامة المجانية.
ويضيف جريبيع أنه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، تعود الأسر اليوم إلى هذه الأماكن للترفيه عن نفسها. ويؤكد أن التقاء الأسر في الأماكن المفتوحة دون أعباء اقتصادية يحقق نوعاً من التواصل الاجتماعي والتكافل الأسري، أكثر من المطاعم والمقاهي التي يمضي أفرادها معظم وقتهم على الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي.
ويعتبر جريبيع هذا السلوك “سلوكاً ذكياً”، لافتاً إلى أن الشعب الأردني بطبيعته قادر على التكيف مع الظروف الصعبة والأعباء الاقتصادية، وبالتالي إعادة السلوكيات القديمة بإطار حديث ومتطور.
التعليقات مغلقة.