عام وغزة تحت الإبادة.. هل حقق العدوان أهدافه؟

بعد عام على الحرب الصهيونية على قطاع غزة، الذي تحول مع الهجمات الجوية والمدفعية إلى أكوام من الركام ومنطقة وصفتها تصريحات أممية بأنها “منكوبة وغير صالحة للعيش”.

ففي مثل هذا اليوم من العام الماضي، شنّت حركة “حماس” وفصائل فلسطينية هجوما مباغتا وغير مسبوق على إسرائيل واقتحم مقاتلوها مواقع عسكرية ومستوطنات حدودية مع القطاع، وأطلقت نحو 5 آلاف صاروخ باتجاه مناطق وسط وجنوب إسرائيل.

وردا على هذا الهجوم، شن جيش الاحتلال هجوما بربريا على القطاع، واجهت خلالها إسرائيل اتهامات بارتكاب جرائم حرب، خلفت اكثر من 41 ألف شهيد فلسطيني، بينهم اكثر من 16 ألف طفل، واكثر من 96 ألف جريح.
وأدخل هجوم “حماس” والفصائل الفلسطينية المباغت، على مستوطنات ومواقع إسرائيلية في منطقة غلاف غزة، تل أبيب بحالة صدمة وإرباك على كافة المستويات، وسط اتهامات لحكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو والمنظومة الأمنية والجيش بفشل التنبؤ به، الأمر الذي عده مسؤولون إسرائيليون اكبر خرق استخباراتي في تاريخ الدولة العبرية.
وفي السابع من تشرين الأول “أكتوبر” العام الماضي، وعقب هجوم حركة “حماس” الذي شمل إطلاق نحو 5 آلاف صاروخ وتسلل مسلحين للمستوطنات ومواقع عسكرية إسرائيلية محاذية للقطاع، تبعه تسلل لعناصر من فصائل فلسطينية أخرى، أعلن القائد العام لكتائب “القسام محمد الضيف، بدء عملية “طوفان الأقصى” ردا على الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة والمسجد الأقصى، والذي أسفر بمجمله عن مقتل 1200 إسرائيلي وإصابة 5431.
ليرد الجيش الإسرائيلي بعدها بغارات أولية في عملية أطلق عليها اسم “السيوف الحديدية”، فيما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل في حالة حرب، تزامنا مع تشديد الحصار المفروض على القطاع منذ منتصف 2006 بإغلاق كافة المعابر والحدود.
وفي الثامن من تشرين الاول “أكتوبر”، اطلق “حزب الله” صواريخ باتجاه مناطق شمال إسرائيل، فيما رد جيش الاحتلال بقصف جنوبي لبنان، وما تزال الهجمات المتبادلة مستمرة، اسفرت مؤخرا عن اغتيال امين عام الحزب حسن نصرالله والعديد من قيادات الحزب.
وفي 13 تشرين الاول” أكتوبر”، أنذرت إسرائيل سكان محافظتي غزة وشمالي القطاع اللتين يعيش فيهما نحو 1.2 مليون فلسطيني، بإخلاء منازلهم والتوجه إلى جنوبي منطقة وادي غزة.
وفي السابع عشر من ذات الشهر، استشهد ما يزيد على 500 فلسطيني بقصف إسرائيلي استهدف محيط المستشفى الأهلي العربي “المعمداني” في غزة وبعدما تبنى جيش الاحتلال القصف رسميا حذف تصريحه وتنصل من مسؤوليته عقب حالة الغضب الدولي الواسعة التي خلفها.
وفي التاسع عشر من تشرين الأول “أكتوبر”، دخلت جماعة الحوثي اليمنية الحرب، حيث أطلقت صواريخ وطائرات مسيرة من اليمن وتم اعتراضها، فيما أكدت لاحقا استمرار هجماتها حتى وقف حرب الإبادة الجماعية على غزة.
وفي 27 من تشرين الأول “أكتوبر”، اعلنت اسرائيل بدء العملية البرية في محافظة الشمال وامتدادها لغزة ومحافظات الوسطى والجنوب في الأسابيع والأشهر التالية، بدعوى إطلاق سراح الأسرى والقضاء على قوة حماس العسكرية.
وفي نهاية ذات الشهر، قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي حيا سكنيا مكتظا في مخيم جباليا، ما أسفر عن استشهاد وجرح 400 فلسطيني معظمهم أطفال، فيما لم تتوفر أرقام تفصيلية لأعداد القتلى والجرحى.
وفي السابع عشر من تشرين الثاني “نوفمبر”، أعلنت وكالة غوث وتشغيل الاجئين الفلسطينيين “الاونروا” أن فلسطينيي غزة والشمال أصبحوا على حافة المجاعة، حيث لجأوا آنذاك لتناول أعلاف الحيوانات والحشائش، جراءمنع إسرائيل وصول المساعدات الإغاثية إلا بكميات شحيحة جدا، حيث يهدد الموت جوعا نحو 800 ألف نسمة هناك، وسط استمرار حلقة التجويع والتعطيش بحقهم.
وفي الثامن عشر من تشرين الثاني “نوفمبر”، قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي مدرسة تؤوي آلاف النازحين بمخيم جباليا ما أسفر عن استشهاد 200 فلسطيني، بحسب تلفزيون فلسطين الرسمي.
وفي 24 من تشرين الثاني “نوفمبر”، وبوساطة قطرية مصرية أميركية، بدأت هدنة مؤقتة لأربعة أيام بين إسرائيل و”حماس”، تم تمديدها يومين إضافيين، ثم يوما واحدا؛ تم خلالها وقف مؤقت لإطلاق النار وتبادل أسرى وإدخال مساعدات إنسانية للقطاع.
وفي الثالث من كانون الأول “ديسمبر”، اعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي بدأ عملية برية شمال مدينة خان يونس (جنوب) بزعم وجود مقر قيادة حماس في المدينة منذرا بإخلاء عدة أحياء منها، حيث كانت آنذاك تؤوي نازحين جاؤوا من غزة والشمال بعدما صنفها الجيش “منطقة آمنة”.
وفي 29 من كانون الأول “ديسمبر”، رفعت جنوب إفريقيا قضية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، متهمة إياها بارتكاب “إبادة جماعية”، حيث انضمت إليها لاحقا 7 دول أخرى، وأمرت المحكمة في 26 كانون الثاني “يناير” الماضي، بموجب القضية تل أبيب باتخاذ “تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وتحسين الوضع الإنساني في غزة”.
وفي تطور خطير اغتالت اسرائيل في31 تموز “يوليو”، رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية بقصف صاروخي استهدف مقر إقامته في طهران، غداة مشاركته في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان وسط إدانات متعددة وتحذيرات من تصعيد إقليمي.
وتعلن حركة حماس في السادس من آب “اغسطس”، اختيار زعيمها في غزة يحيى السنوار رئيسا لمكتبها السياسي خلفا لهنية.
وفي هذا الاطار، وبعد عام من بدء الحرب على قطاع غزة، يقول النائب الاسبق د.هايل الودعان الدعجة، ان الصدمة التي تلقاها الكيان الاسرائيلي في السابع من تشرين الأول “أكتوبر” الماضي، هزته ومرغت انفه بالتراب وجعلت من مقولة الجيش الذي لا يقهر وللمرة الثانية بعد حرب الكرامة بعيدة عن الواقع، فعدا عن اختراق منظومته الامنية والاستخباراتية والدفاعية على يد المقاومة الفلسطينية، فقد ظهر انه كيان هش وضعيف ولا يقوى على البقاء والدفاع عن نفسه الا بمساعدة القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وتابع  أن هذه القوى وعلى وقع الضغط الشعبي الذي تتعرض له نتيجة ما يرتكبه الكيان المجرم من مجازر وابادة جماعية، شعرت بالحرج  وبأنه قد تحول الى عبء عليها وبصورة تتناقض مع المبادئ والقيم التي اوهمت العالم بانها تحملها وتدافع عنها من ديمقراطية وحريات وحقوق انسان، وهي المبادئ التي انقلبت عليها عندما تصدت وبشتى الطرق لمواطنيها عندما عبروا عن رفضهم لهذه الابادة عبر المسيرات والاحجتاجات الشعبية التي اجتاحت شوارع الدول الغربية، ليخسر بذلك الكيان الاسرائيلي دعم المنظومة الغربية (شعبيا على الاقل ) وتعاطفها بعد سنوات طويلة نجح عبرها بالكذب والتزييف والخداع كسب هذا الدعم.
وتابع: إضافة لإهتزاز ثقة الشارع الاسرائيلي بالجيش وقدرته على حمايته، عدا عن الصورة التي ظهر فيها الكيان الاسرائيلي ككيان منبوذ ومعزول ومتمرد على القوانين والمنظمات الدولية الحقوقية والانسانية عندما ضرب بممواقفها وقراراتها عرض الحائط، ووضع الكيان نفسه تحت رحمة تنظيمات مسلحة تحيط به من كل جانب في الوقت الذي تمتلك فيه ترسانة اسلحة من الصواريخ والمسيرات المتطورة التي جعلت كافة مناطقه في مرمى نيرانه لدرجة ابقاء شارعه وقياداته السياسية والعسكرية في الملاجئ معظم الاوقات.
وتابع: اضافة لتسببه بتهديد مصالح الدول الغربية بعد ان ساهم بخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة تنذر بوقوع حرب اقليمية قد تكون او تترك تداعياتها الخطيرة على دول العالم اجمع.
من جهته، قال الخبير العسكري والاستراتيجي نضال ابو زيد، انه في ظل عام كامل من القتال متعدد الجبهات كسرت المقاومة في غزة تابوهات تاريخية للجيش الذي لا يقهر، حيث نجحت المقاومة للآن بمنع الاحتلال من تحقيق اهدافه، الذي وضعها المستوى السياسي وهي القضاء على “حماس” وخلق واقع امني جديد وتحرير الاسرى، وبما ان النتائج تقلص تحقيق الاهداف يمكن القول ان صمود المقاومة جرد الاحتلال من تحقيق اي انجاز يذكر.
واضاف ابو زيد ان الاحتلال استراتيجيا خسر مفهوم الردع الاقليمي الذي كان يتمتع به، بعد تعرضه لضربات متكررة من المقاومة بشكل عام حتى نجح الحوثيون بضرب عمق عاصمة الكيان ونجحت ايران بالرد مرتين على الاحتلال ونجحت المقاومة بتجريد الاحتلال من رسم صورة نصر، ما يعزز فرضية ان الاحتلال بعد كل هذا القتال الذي دخله بمنطق المنتصر يحاول ترميم صورة الردع.
واشار ابو زيد، الى ان الاحتلال خسر ايضا التفوق الاقليمي كقوة اقليمية وحيدة تمتلك اكبر ترسانة واحدث تكنولوجيا عسكرية لم تنجح بالمحافظة على هذا التفوق بعد سنة من القتال فشل فيه من كسر ارادة المقاومة.
وقال ابو زيد، ان مفهوم النصر لم يعد يقاس بالخسائر بل بكسر الارادة حيث تخوض المقاومة نوعا هجينا من القتال يعرف بالعمليات غير المتكافئة نجحت عبرها بجر الاحتلال للقتال لفترات طويلة انهكت الجيش المصنف رقم 18 على مستوى العالم حسب تصنيف جلوبال سيكيورتي.
واشار ابو زيد الى ان الاحتلال خسر ايضا في المستوى التكتيكي الكثير من الموارد البشرية العسكرية نتيجة حدة العمليات امام المقاومة سواء في غزة او مع حزب الله مؤخرا، يضاف لذلك تراجع في صورة الجيش لدى المجتمع الاسرائيلي حسب ما أشارت استطلاعات الرأي الاسرائيلية.
كما اشار ابوزيد الى ان من اهم خسائر الاحتلال النظرية العالمية التي ظل يعمل عليها لعقود منذ 76 عاما بان يحصر مفهوم الصراع بانه صراع فلسطيني اسرائيلي ثم التقسيم بجعل الصراع بين حماس واسرائيل، فيما الحرب بعد 7 تشرين الأول “اكتوبر” اعادت انتاج الشعور بان الصراع عربي اسرائيلي وليس فلسطينيا اسرائيليا فقط.
وخسرت اسرائيل، بحسب ابو زيد، الغطاء الدولي بعد الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها جيش الاحتلال وبعد لغة الخطاب المتطرف الذي انتهجتها حكومة اليمين الاسرائيلية مما جعل الشارع الغربي يقف امام مفهوم المظلومية الذي كانت تروج له اسرائيل وإعادة القضية الفلسطينية للمحافل الدولية بعد ان أفل نجمها لسنوات طويلة.
من جهته، يقول رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات، الحقيقة ان هناك الكثير من التغيرات التي طرأت على اسرائيل وغيرت الكثير من المفاهيم التي بدت ثابتة وهي ان اسرائيل ما تزال تواجه مشكلة الشرعيه واضفاء المشروعية على الاحتلال.
واضاف “فقد اعاد السابع من تشرين الأول “اكتوبر” التذكير بالاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وبأن المشكلة هي الاحتلال وسياساته العنصريه والتطرف”، قائلا: لقد كشفت الحرب عن الوجه الوحشي للآله العسكرية الإسرائيلية وما سببته من دمار للبنية التحتية وكذلك خسائر فادحة في المرافق الصحية والاهم من ذلك المعاناة الانسانية الرهيبة التي نقلتها وسائل التواصل الاجتماعي العالمي خاصة الجرائم المرتكبة بحق النساء والاطفال.
وتابع: إن ملاحقة المحاكم الدولية ستبقى تؤشر الى ان اسرائيل انتهكت القانون الدولي الانساني وتسببت بمذابح كبيرة رغم ادعائها بأنها تحافظ على أمنها.
وقال: اما على المستوى الاقتصادي فقد عانى اقتصاد اسرائيل من انكماش بسبب توقف الطيران وتوقف عجلة الانتاج وانخراط المجتمع الاسرائيلي في الحروب سواء في غزه او لبنان وحتى سورية والعراق واليمن.
وختم: ورغم الدعم الغربي الا ان هذا الدعم لن يستطيع محي ما حدث في السابع من تشرين الأول “اكتوبر”، فما تزال اسرائيل تراوح مكانها في حرب استنزاف غير معروف نهايتها لليوم بل انها تتوسع في الحروب.

 زايد الدخيل/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة