عجلون.. هل تصمد الأنماط الزراعية التقليدية في وجه تغيرات المناخ؟

يزداد اهتمام المزارعين في محافظة عجلون بتغيير أنماطهم الزراعية التقليدية السائدة منذ عقود طويلة في المحافظة، والتفكير الجاد بزراعات أخرى حديثة قادرة على التكيف مع تقلبات الطقس والتغيرات المناخية.

ويؤكد مزارعون ومعنيون، أنهم أصبحوا يعانون كثيرا للحفاظ على زراعاتهم التقليدية، خصوصا في ظل تراجع المعدلات المطرية، وانخفاض درجات الحرارة والرياح الشديدة الجافة والباردة، وظهور أمراض وآفات شجرية جديدة، مطالبين بزيادة الدعم لمساعدتهم في توجهاتهم.

ووفق المزارع محمد القضاة، “فإن التغيرات المناخية عالميا والملموسة محليا، يبدو أنها قد بدأت تفرض واقعا جديدا، يحتاج إلى التكيف معها، خصوصا في محافظة عجلون ذات الخصوصية الزراعية، ما يتطلب مزيدا من التوجيه والدعم للمزارعين للتحول بأنماط زراعاتهم من التقليدية إلى الحديثة وأخرى قادرة على التكيف مع تقلبات الطقس”.
وأكد القضاة، “أن التحديات التي يفرضها التغير المناخي على الزراعات التقليدية في عجلون، يستدعي تحسين الممارسات الزراعية في المحافظة، واستثمارها كفرصة لمواجهة مستجدات المناخ”، مشددا على “أهمية تكثيف دعم التوجه لإيجاد زراعات بديلة عن التقليدية، والتشجيع على الزراعات الحديثة وتمويلها”.
ودعا المزارع أحمد فريحات، الجهات الرسمية والمانحة والداعمة إلى “العمل على برامج تدريبية وتأهيلية لمساعدة وتحفيز المزارعين في المحافظة للتحول والتركيز على أنواع من الزراعات التي تتكيف وتراعي مستجدات وتغيرات المناخ التي بات تأثيرها يزداد على زراعاتهم التقليدية عاما بعد عام”.
وبين فريحات، “أن من أبرز الزراعات الحديثة التي يمكن تعميمها في مناطق عديدة في المحافظة تتمثل بزراعة نباتات عطرية كالخزامى (اللافندر) التي تستغل لاستخراج الزيوت العطرية، وأشجار فاكهة استوائية كالمانجا والبابايا والقشطة التي يباع المستورد منها بأسعار باهظة”.
ومن وجهة نظر الخبير البيئي المهندس خالد عنانزة، “فإن طبيعة عجلون جبلية، وهذه المناطق تحديدا، بدأت تتعرض للعديد من المخاطر الطبيعية التي أصبحت تهدد نظمها البيئية ومكوناتها وعناصرها، وهي ترجع للتغير المناخي، وما ينجم عنه من ارتفاع درجة الحرارة، وانخفاض كميات الأمطار، وتأخر الموسم المطري، واشتداد الرياح الجافة والباردة”.
وأشار عنانزة، إلى “عوامل أخرى بشرية يمكن أن تؤثر في تدمير الموائل الطبيعية للنباتات والحيوانات البرية، كالتعدي على الغابات والتحطيب الجائر والحرائق، وكذلك امتداد النمو العمراني على حساب الأراضي الزراعية، ما يؤدي إلى زيادة الجريان السطحي لمياه الأمطار وانخفاض كميات التسرب إلى باطن الأرض، وتسببها بزيادة انجراف التربة وتراجع نسب الرطوبة التي يعتمد عليها نمو النبات”.
أما المهندس الزراعي معاوية عناب، فيؤكد من جهته، “أن التغيرات المناخية تلقي بآثارها السلبية على العديد من أنواع الزراعات التقليدية في المحافظة”، مبينا، “أنه بدأ يرصد بشكل متزايد منذ عدة مواسم آثارا سلبية على الزراعات نتيجة التغير في الأجواء المناخية، ما يستدعي البحث عن حلول واقعية وفاعلة للمشكلة، والتحول إلى أنماط زراعية جديدة ومقاومة لهذه التغيرات المناخية، وتعميم هذه التجارب على أكبر عدد ممكن من المزارعين في المحافظة”.
وأضاف، “إن تغير المناخ يؤثر على الزراعة، والتغيرات في معدلات الحرارة، وهطول الأمطار، وحدوث التقلبات المناخية الشديدة كموجات الحر، تؤدي لظهور الآفات والأمراض، وتراجع الجودة الغذائية وكميات الإنتاج، ما يستدعي البحث عن أنماط زراعية حديثة ومقاومة للتغيرات”.
وأكد عناب، “أن أصحاب مزارع كثيرة بدأوا يلاحظون منذ مواسم عدة أن أشجارهم والثمار تتضرر كثيرا جراء ارتفاع درجات الحرارة وانتشار الأمراض والفطريات التي أخذت تفتك بالأشجار بسبب تقلبات الطقس، الأمر الذي أدى لإتلاف الثمار وألحق بهم خسائر وكلف كبيرة يتكبدونها تتعلق بالرش وتوفير الأسمدة، ما يتسبب بخسائر كبيرة لهم، ما جعلهم على استعداد تام في حال توفير الدعم والتدريب لهم، للتحول من الزراعات التقليدية إلى الزراعات الحديثة”.
يشار إلى أنه وبهدف التوجه بالتحول بأنواع الزراعات من التقليدية إلى الحديثة، فقد وفرت جهات مانحة العام الماضي والحالي الدعم للعشرات من صغار المزارعين في المحافظة، بهدف تأسيس مشاريعهم الحديثة التي تدربوا عليها، ويستطيعون من خلالها تجاوز مشكلة التحول في الظروف المناخية، وتضمن لهم زراعات تستطيع التكيف، وتحقق مردودا جيدا.
وقال الخبير المائي الدكتور ثابت المومني، “إن التغيرات المناخية العديدة، كتقلبات الطقس، والتباين المفاجئ بدرجات الحرارة، والرياح الشديدة، وتساقط البرد والأمطار الغزيرة في غير وقتها، وأثناء بداية الأزهار، ومع تراجع معدلاتها السنوية وسوء توزيعها خلال الموسم، وتسببها بانجراف الأتربة، بدأت تؤثر على كثير من أنواع الزراعات التقليدية من حيث تضرر ثمارها وتدني إنتاجها، وانتشار أنواع من الآفات والفطريات المقاومة للمبيدات”.
وشدد المومني، على “أهمية اتخاذ إجراءات احترازية أو تغيير الأنماط الزراعية على المديين المتوسط والبعيد، بحيث تبدأ بتكثيف برامج التوعية والإرشاد العلمي للمزارعين، وزيادة الدعم لهم، واختيار أنواع من الزراعات الأكثر ملاءمة للتكيف مع هذه التغيرات المناخية، وتعزيز الرقابة والحفاظ على عناصر البيئة والتنوع الحيوي”.
من جهته، أكد مدير زراعة المحافظة المهندس رامي العدوان، “أن الكثير من الزراعات التقليدية والأشجار المثمرة قد تأثرت سلبا وبنسب متفاوتة بتقلبات الطقس، كتراجع الأمطار وانخفاض الحرارة وارتفاعها، وتساقط البرد وهبوب الرياح الشديدة”، مشددا في الوقت ذاته على “أن مديرية الزراعة تدعم التوجهات الساعية للتحول إلى زراعات حديثة، أثبتت نجاحها في عدد من المزارع في المحافظة، التي تضم نباتات كالخزامى لاستخراج الزيوت العطرية، وأشجار فاكهة استوائية كالمانجا والبابايا والقشطة التي يباع المستورد منها بأسعار باهظة”.
ودعا العدوان، المزارعين إلى “التوسع وتعميم الزراعات الحديثة”، مؤكدا “أنها تأتي ترجمة للرؤية الملكية السامية في تعزيز التنمية والإدارة ومساعدة فئات المزارعين من خلال توفير التدريب والتأهيل ومنح القروض”.
إلى ذلك، يؤكد مسؤولون في مشروع دعم الخدمات الزراعية وصغار المزارعين (JHF)، الذي تنفذه وزارة الزراعة بالشراكة مع المركز الوطني للبحوث الزراعية والمؤسسة التعاونية الأردنية ومؤسسة الإقراض الزراعي، بتمويل من سفارة مملكة هولندا بالأردن من قبل تحالف يضم منظمة “ميرسي كور” وجامعة فاغنجن الهولندية وشركة “أدفانس كونسلتينغ”، أن إطلاق هذا المشروع يأتي ضمن الخطط والإستراتيجيات الزراعية الاقتصادية التي تعزز من دور المزارع الأردني وصغار المزارعين ضمن الفئات المستهدفة في ظل التغير المناخي الذي نشهده حاليا لتحسين الممارسات الزراعية.
يذكر أن المشروع وقع العام الماضي 60 اتفاقية مع مزارعين رياديين في المحافظة من خلال توفير قرض حسن من دون فائدة، وعدد من المنح لصغار المزارعين، وذلك بهدف تحسين مستوى الممارسة الزراعية لدى المزارع لزيادة الإنتاجية من خلال التقنيات الحديثة التي تناسب المنطقة، وبما ينعكس على عوائد المزارع وتحقيق مستوى معيشي جيد لهم.

 

عامر خطاطبه/ الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة