“عشر ذي الحجة”.. مقاصد أخلاقية وتربوية يعززها الآباء بقلوب الصغار

“إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، حديث نبوي شريف يؤكد فيه النبي عليه الصلاة والسلام أن العبادات المختلفة التي فرضت على المسلمين لا تخلو من دروس أخلاقية وتربوية، وفي كل مرة علينا أن نبحث عن تلك المقاصد التربوية واستغلال تلك المناسبات لتجذيرها في نفوس الأهل والأبناء على حد سواء.
الآن وفي هذه الأيام، يبدأ المسلمون ترقبهم لموسم الحج وعيد الأضحى، ثاني أعياد المسلمين، ويتعمد الكثيرون إحياء العديد من الشعائر الدينية التي حث عليها النبي عليه السلام بمضاعفة الأعمال الحسنة والخيرية، بما يعود على النفس البشرية والمجتمع بالنتائج الإيجابية، سواء من خلال العبادات الخاصة بالإنسان مع الله، أو تكثيف الأعمال الخيرية التي من شأنها كذلك بث روح التكافل والأخوة ومد يد العون للآخرين، لتشكل صورة إيجابية أخرى لتلك المناسبة “الليالي العشر من ذي الحجة”.
“عشر ذي الحجة” التي يتكرر في كل عام الحديث عن أهميتها من الناحيتين الدينية والاجتماعية، إلا أنها لا تخلو كذلك من الآثار التربوية التي يجب أن يتم تسليط الضوء عليها والعمل على استغلالها، خاصة في ظل غياب الأبناء بمختلف المراحل الدراسية خلال الفترة الماضية عن أجواء المؤسسات التربوية التي يمكن أن يجد فيها الطفل ما يعزز بنفسه تلك المقاصد من التربويين إلى جانب الأسرة بالتأكيد.
ومنذ اليوم يبدأ ملايين المسلمين بإحياء النفوس من خلال الأهمية الدينية التي تتميز بها ليالي عشر ذي الحجة التي أقسم بها الله تعالى بقوله “والفجر وليال عشر”، ما يؤكد أهمية العبادات فيها، حيث يكثف المسلمون العبادات، وبخاصة الصيام والذكر، وعمل الخير والتصدق، حتى الوصول إلى يوم عرفة، الذي له أهمية عظيمة ويقف فيه الحجاج على جبل عرفة يدعون الله، وكلهم أمل في الاستجابة.
تربويا، وكما تقول الاستشارية والخبيرة التربوية انتصار أبو شريعة، بأنه حري بنا كآباء وأمهات في هذه الأيام أن نوجه أبناءنا للكثير من المقاصد التربوية لهذه الأيام الفضيلة، فمن الواجب إبرازها بصورة مبسطة ومدعمة بالأمثلة المرتبطة بالواقع، لنغرسها في نفوسهم وليمتثلوا قيمها وأهميتها في حياتهم اليومية.
وتضيف “ولعل من أهم تلك الأمثلة أن الحج عبادة توقيفية، أي لا اجتهاد فيها مع النصوص الشرعية، فهي حق لله عز وجل، لا حق لأحد فيها فهو المشرع لهذه العبادات، ولا حق لأحد أن يغير أو يبدل ما شرعه الله، وهذا يغرس في النفس صدق العبادة وإخلاصها لله عز وجل، وكمال التسليم لأمره، فيتعلم الأبناء أن لا اجتهاد في العبادات التوقيفية”.
كما تبين أبو شريعة أنه يجب علينا تربية الأبناء والنفوس على أن المسلم عليه التوازن في حياته اليومية، فالإسلام دين عدل ووسطية، حتى مع حقوق المسلمين، وتحقيق مبدأ المساواة، حيث يجتمع المسلمون من كل جنس ولغة ولون ووطن في صعيد واحد لباسهم، وعملهم، ومكانهم، ووقتهم واحد، وحدة في المشاعر والشعائر والهدف، والعمل، ووحدة في القول، وعلى هذا يتربى الأغنياء والمترفون أنه مهما كثرت الأموال ومهما ارتفعت المناصب، فليس المال وليس المنصب، وليس الجاه هو المقياس الحقيقي للتفاضل والتفاخر بل تقوى الله وإخلاص العبادة له مقياس التفاضل.
كما أن الحج يُؤصل معنى مهما في قلب كل حاج، فمنذ شروع الحاج في بداية الحج بلبس ملابس الإحرام وهو يؤكد في نفسه صلته بالله وحده ومرجعه إليه، وأنه لا معبود سواه يُعبد بحق، فله يصرف جميع العبادات وإليه يتقرب بجميع الطاعات والقربات، وتحقيق مبدأ المساواة في العبادة، وترسيخ عقيدة التوحيد بشعار الحج (لبيك اللهم لبيك) فهي تربية للنفس على توحيد الله والإخلاص له، ونبذ كل من سواه من المعبودات الباطلة، وتأصيل مبدأ (إنما المؤمنون إخوة)، كما توضح أبو شريعة.
ووفق أبو شريعة، فإن الحج يُمثل مدرسة الأخلاق وميدان تربية النفس على معالي الأخلاق، والتباعد عن الأخلاق السيئة، ومن أهم هذه الصفات والأخلاق التي نستقيها من الحج صفة الصبر، والحلم، والرحمة، والشفقة والإيثار، والتعاون، والتعود على الانضباط، وتلك هي منظومة تربي المسلم على أن يكون منضبطاً في حياته، ويزداد ذلك حينما يكون في أيام الحج فمواقيت العبادة في الحج منضبطة، فلا يمكن أن يؤخر بعضها، ولا يقدمها ولو لثوان.
من الدروس والقيم التي علينا أن نقف عندها، كما تقول أبو شريعة “اعتياد النظام”، حيث يعود الحج الناس على النظام في حياتهم، وله الدور البارز في حل الكثير من أزماتهم، فما نراه من تلك الأنانية والفوضوية في مجتمعاتنا أكبر دليل على بعدنا عن المنهج الرباني الذي يضمن السعادة للبشرية، وهذا ما يراه الحاج جليا ويتربى عليه في مناسك الحج، وتربية الضمير.
وتتابع “الحج يغرس في نفس كل مسلم تلك الغايات النبيلة والأخلاق الفاضلة المؤثرة، ليكون الحاج قدوة لمن يراه ويخالطه من المسلمين وغيرهم، فالمسلم لا بد وأن يربي نفسه على مراقبة الله عز وجل، وأن يكون له ضمير يردعه ويحبسه عن كثير من الأقوال والأفعال والأشياء التي فيها ضرر وهي ممنوعة ومحرمة شرعاً”.
لذا، ترى أبو شريعة أنه حريّ بالمسلم أن يكون دائم القرب من الله بعيداً عن معصيته ومخالفة أمره، والليالي العشر من ذي الحجة فرصة كبيرة أمام الأبوين في تربية الأبناء، لاستثمارها في توضيح المقاصد النبيلة التي تتحقق في هذه الأيام المباركة.

تغريد السعايدة/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة