“عمليتا القدس” تخلطان أوراق الاحتلال وتربكان مخططاته الاستيطانية
لم يكدْ الاحتلال الإسرائيلي يخرج من صدمته الكبيرة “بعملية القدس”، التي أدت لمقتل 7 مستوطنين إسرائيليين، حتى تفاجأ أمس بعملية فلسطينية جديدة في بلدة سلوان المقدسية أصابت مستوطنين اثنين بجراح خطيرة، مما جعله يدخل في حالة إرباك وقلق شديدين دفعه لإغلاق المدينة، وأنحاء الضفة الغربية، وإعلان الاستنفار العام والتأهب الأمني العالي الخطورة.
فيما يرى العديد من الخبراء بأن عملية القدس حملت العديد من الرسائل للاحتلال، وخصوصا بعدما أربكت كيانه ومتطرفيه من أمثال “إيتمار بن غفير” و”بتسلئيل سموتريتش”.
وعلى وقع إعلان الفصائل الفلسطينية النفير العام؛ فإن حكومة الاحتلال تبحث عن ردٍ قاسٍ وأكثر وقعاً لقمع الغضب الفلسطيني العارم، كما أوعزت لمؤسستها الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بتعزيز الإجراءات المُشددة التي حولت القدس المحتلة إلى ثكنة عسكرية مغلقة، أسوة بأنحاء الضفة الغربية، وسط حملة اعتقالات واسعة طالت عدداً من الفلسطينيين.
في حين يتجه ما يسمى وزير الأمن القومي الإسرائيلي، المتطرف “ايتمار بن غفير”، لما سماه “تعميق التسلح” أي بزيادة أعداد السلاح بيد المستوطنين المتطرفين، مما يؤدي في منظوره اليميني إلى منع حدوث العمليات الفلسطينية وقتل أي فلسطيني بزعم محاولته تنفيذها، وذلك في خطوة خطيرة تنذر بمزيد من التصعيد والاحتقان والصدام حد انفجار الأوضاع في القدس المحتلة، وبقية أنحاء الضفة الغربية.
وأوعزت سلطات الاحتلال بتعزيز القوات العسكرية في الضفة الغربية، وزيادة اليقظة ورفع حالة التأهب وزيادة القوات على “طول ما يسمى خط التماس بين الضفة الغربية وفلسطين المحتلة عام 1948، وتكثيف حماية المستوطنات والطرق (الالتفافية الاستيطانية)، فضلاً عن التحضير لسيناريوهات تصعيد محتمل في المنطقة”، بحسب موقع صحيفة “معاريف” الاسرائيلية.
ولم تسلم حكومة الاحتلال من انتقادات داخلية واسعة بسبب ما اعتبرته أوساط سياسية وأمنية عسكرية إسرائيلية “تقصيراً ملحوظاً” في إحباط العمليتين الفلسطينيتين ومعالجة تبعاتهما، وفق صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، وذلك في أعقاب قيام فتى فلسطيني (13 عاماً) بإطلاق النار وإصابة مستوطنين اثنين بجراح خطيرة أمس في بلدة سلوان، بالقدس المحتلة.
ولا تزال المؤسسة السياسية والأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تعيش حالة صدمة كبيرة بسبب عملية القدس، التي وصفت وسائل الإعلام الإسرائيلي نتائجها “بالفظيعة والقاسية، وغير المسبوقة منذ العام 2011″، وفق صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية.
وليس مستبعداً أن يكون لعمليتي القدس تبعات سلبية على أمن الاحتلال واستخباراته وأسطورة قبضته الأمنية المحكمة في مدينة القدس تحديداً، وهي المدينة الأمنية شبه المغلقة التي تغرقها كاميرات الاحتلال الذكية فضلا عن عناصره الأمنية الظاهرة والمتخفية، وحواجزه العسكرية التي تفصل بين أحيائها وشوارعها وأزقتها.
وكشفت عمليتا القدس “هشاشة” الاجراءات الأمنية التي كان من المفترض على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية اتخاذها بعد جريمة جنين، التي أوقعت 10 شهداء فلسطينيين، في ظل توقع الاحتلال بالتحرك الفلسطيني المتوقع للرد عليها، إلا أن العمليتين “وجهتا للجهاز الأمني الإسرائيلي ضربة مزدوجة”، وفق “القناة 13” الإسرائيلية.
وبالنسبة للاحتلال، فإن ما يدعو للإرباك والقلق معاً أن “عملية القدس” استطاعت إيقاع نحو 7 قتلى في صفوف مستوطنيه من خلال عنصر فلسطيني واحد وبواسطة “مسدس حربي من عيار 9 ملم، بدون الحاجة إلى سلاح رشاش يصعب إخفاؤه، أو عبوة ناسفة يمكن تتبعها، أو مجموعة قتالية”، وفق نفس القناة الإسرائيلية.
ويحمل هذا الأمر في تفاصيله قلقاً هائلاً للاحتلال، لما يعد إنجازاً كبيراً للمقاومة الفلسطينية على مستوى التدريب وإعداد العنصر النضالي الفلسطيني المحترف القادر على تنفيذ عملية يريد الاحتلال إيهام العقل الفلسطيني بأنها “مستحيلة”.
بينما لا تزال أجواء التوتر والاحتقان قائمة في القدس المحتلة وسط انطلاق المسيرات والتظاهرات الفلسطينية الغاضبة ضد جرائم الاحتلال، بما تخللها مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال التي اقتحمت أحياء المدينة ونفذت عمليات مداهمة واعتقالات واسعة بين صفوف الفلسطينيين.
وتصدى الشبان الفلسطينيون لاقتحام قوات الاحتلال بالمفرقعات النارية والحجارة والزجاجات الحارقة، بينما امتدت المواجهات إلى أنحاء مختلفة من القدس المحتلة، والتي شهدت الإعلان عن إضراب شامل وإغلاق المحال التجارية، في ظل دعوات فلسطينية لتصعيد المواجهة مع الاحتلال.
وخلال ثلاثة أيام استشهد في القدس المحتلة 4 شبان فلسطينيين؛ هم خيري علقم ووديع أبو رموز ويوسف محيسن ومحمد علي، ارتقوا انتصاراً لشهداء جنين ودفعاً عن المسجد الأقصى المبارك والقدس المحتلة.
من جانبها؛ باركت القوى والفصائل الفلسطينية عمليتي القدس، بوصفهما، وفق حركة “حماس”، ردا طبيعيا على مجزرة جنين، وردا على تدنيس المسجد الأقصى المبارك، والجرائم والاعتداءات الصهيونية المتصاعدة بحق الشعب الفلسطيني.
وقالت “حماس” إلا أن ما يحدث في القدس “رسالة لحكومة الاحتلال بأن إرادة الشعب الفلسطيني لا تُكسر، وعزيمته لا تلين، ومقاومته تشتد رغم الألم والتضحيات”.
وأكدت أن “الشعب الفلسطيني سيواصل ضرب مواقع العدو وثكناته ومستوطناته، وستبقى المقاومة خياره حتى تحرير أرضه ومقدساته وانتزاع حقوقه الوطنية الفلسطينية كافة”.
رسائل العملية بالقدس
رئيس مركز القدس الدولي حسن خاطر يرى أن عملية القدس جاءت ردًا سريعًا على مجزرة جنين التي ارتكبها الاحتلال بحق الشهداء، وجاءت في الوقت والمكان المناسبين.
ويوضح خاطر، أن العملية أوصلت رسائل عديدة لحكومة الاحتلال التي أوغلت في دماء الشعب الفلسطيني، وكانت تحمل الكثير من الوعود الخطيرة التي تستهدف الشعب والأرض والمقدسات والأسرى والأمن، وجاء هذا الرد لكي يربك حساباتها بأكملها.
ويضيف أن” تلك الضربة الموجعة نفذها شاب بطل لوحده، لا ينتمي لأي فصيل فلسطيني، حسب الاحتلال، وهذا أكثر ما يُرعب ويُخيف قادة الاحتلال، ويصيبهم بالجنون”.
ويتابع “يجب على الاحتلال أن ينتظر الضربات من أي شاب فلسطيني، لأن اتساع تلك الدائرة يُخلط كل أوراق الاحتلال ويُربكه ويُشعره بالعجز الكامل”.
وبنظر خاطر، فإن” مثل هذه العمليات بهذا المستوى من النوعية والنتائج ربما تزيد، باعتبار أنها تُوسع دائرة المرشحين لتنفيذ عمليات بطولية أخرى لتشمل كل شباب فلسطين، مما يُحول الاحتلال إلى حالة هستيريا يكون عاجزًا تمامًا أمام مواجهتها”.
وهذه العملية البطولية- كما يرى المختص في شؤون القدس- أرسلت رسالة للاستيطان والمستوطنات في القدس، كونها وقعت في مستوطنة “النبي يعقوب” شمالي القدس، خاصة أن الاحتلال دفع الكثير من الأموال، ووضع مخططات عديدة لإقامة هذه الأحزمة الاستيطانية حول المدينة.
ويبين أن وقوع العملية في إحدى المستوطنات المهمة، يعنى الآن وضع قضية الاستيطان في حالة إرباك، وهذه العملية ستخلط الكثير من الأوراق والمخططات الاستيطانية، مما سيؤثر على جلب مزيد من المستوطنين للقدس، وسيحد من تغول الاستيطان في محيطها.
وأوصلت العملية رسالة أخرى للزعماء المتطرفين أمثال “إيتمار بن غفير” و”بتسلئيل سموتريتش” وغيرهم، مفادها أن “رود الفعل على جرائم الاحتلال ليس بالسهولة التي تتصورونها، يمكن أن تقولوا ما تشاءون، لكن حين المساس بأبناء شعبنا، فإن الردود ستضع حدًا لهم، وستُحولهم في نظر المستوطنين من أبطال إلى أقزام ومنبوذين”، وفق خاطر.
ويرى خاطر أن عملية القدس رفعت من معنويات الشعب الفلسطيني، الذي شعر بالنشوة والفرحة بالعملية التي ثأرت لمشاعره ولأبطاله في جنين.
ويضيف أن “الجيل الفلسطيني الشاب هو جيل المفاجآت والتضحيات والبطولات، واستمرار جرائم الاحتلال سواء في القدس أو الأقصى أو باقي الأراضي الفلسطينية تدفعه لتنفيذ مزيد من العمليات الفدائية”.
صفعة قوية
وأما المختص في شؤون القدس ناصر الهدمي فيؤكد أن العملية البطولية في القدس وجهت صفعة قوية لحكومة الاحتلال، وأربكت حساباتها الأمنية.
ويقول الهدمي، إن” المتطرف بن غفير ظن بعربدته وتعديه على أبناء الشعب الفلسطيني ومقدساته في المسجد الأقصى والقدس وجنين، يستطيع أن يردع هذا الشعب ويدفعه للقبول برؤية مشاهد الجرائم الإسرائيلية دون أن يكون هناك رد قوي عليها”.
ويضيف أن الشهيد علقم نفذ عمليته البطولية وأوقع هذا العدد من القتلى والجرحى في صفوف المستوطنين، ثأرًا وانتقامًا لشهداء جنين، وتعبيرًا عن حالة يعيشها الشارع المقدسي والفلسطيني، بسبب التعقيدات التي أوجدها الاحتلال بفعل جرائمه واعتداءاته.
وبحسب الهدمي، فإن” الشهيد علقم نفذ العملية منفردًا دون أن يتمكن الاحتلال من كشف متى وأين ستكون الضربة التي ستوجعه، مما دلل على أن الشهيد كان متدربًا تدريبًا متقدمًا”.
مزيد من العمليات
ويؤكد الهدمي أن جرائم الاحتلال زادت من قدرة أبناء شعبنا على التخفي والانتقام للشهداء والمقدسات، لافتًا إلى أن هذه العملية جاءت لتعبر عن طموحات شعبنا، الذي أبدى ابتهاجًا كبيرًا فيها.
وحول تداعيات عملية القدس، يرى المختص في شؤون القدس أن الواقع مُهيأ لمزيد من العمليات الفدائية، في ظل تصاعد اعتداءات الاحتلال وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته.
ويضيف أن” حكومة الاحتلال لا تمتلك الخبرة والحكمة الكافية للإقناع بأن المسار الذي جاء على أساسه بن غفير وسموتريتش مسار دموي لن يؤدي للهدوء، بل لمزيد من المواجهة والعمليات التي تنذر بانفجار الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
ويشدد الهدمي على أن الشعب الفلسطيني لن يرفع الراية البيضاء، بل سيبقى يُدافع عن أرضه ومقدساته، ما دام الصراع مع الاحتلال
مستمرًا.-(وكالات)
التعليقات مغلقة.