عودة الغزيين للشمال.. رمزية الصمود ورفض التهجير
– لم يكن جيش الاحتلال الذي استمات بتنفيذ ما اسماه “خطة الجنرالات” لتقسيم قطاع غزة، بفصل شماله عن جنوبه، وتهجير سكان القطاع، يدرك بأن الصمود الاسطوري للغزيين ومقاومتهم، سيبددان وهمه بتقطيع اوصال القطاع، على طاولة التفاوض لوقف حربه الوحشية.
اعتقاد الاحتلال بانه قادر على صياغة حالة جديدة في القطاع، تستند على تهجير سكانه، بعملية فصل جبرية بين شماله وجنوبه، لم تكن مجرد خطة دموية، استخدم فيها اعتى اسلحته التدميرية ضد سكان عزل، بل خالجه الوهم، بانها ستكون مقدمة لتهجير الغزيين لاحقا من القطاع كاملا.
لكن هذا الحلم – الوهم؛ سرعان ما بدده صمود الغزيين ومقاومتهم، ليستمر 471 يوما، تعرض فيها أبناء القطاع لقتل ودمار وإبادة غير مسبوقين في عصرنا، ما جعل أحلام الاحتلال كوابيس، أمام هذا الصمود في وجه ترسانة عسكرية متوحشة، تبددت مطامعها على طاولة تفاوض، للتوصل الى وقف إطلاق النار، وحرمت الكيان من تحقيق حلمه بالتهجير وهشمت “خطة الجنرالات”.
كل ذلك الصمود الذي سجلته عودة الغزيين الى شمالهم، تزامنت مع الموقف الأردني الصلب والقاطع برفض تهجير الغزيين، وكذلك الموقف المصري، وهو ما يدعم موقف البلدين، في مواجهة الرئيس الاميركي دونالد ترامب، الذي دعا لتهجير الغزيين قبل أيام الى الأردن ومصر.
في هذا النطاق، بين المحلل السياسي د. عامر السبايلة، أنه صباح أمس كان مشهد عودة الغزيين لشمال القطاع، تكريسا لحق العودة الفلسطينية المحملة بالصمود ورفض التهجير، وهي تتزامن مع تراجع إدارة ترامب عن تصريحاته، بادعاء أن ما رمى اليه هو إخراج الغزيين من قطاعهم، من اجل إعماره، لكن عودة الغزيين في اليوم الموعود لشمالهم، سانده موقف قاطع للأردن ومصر والفلسطينيين برفض أي شكل من أشكال التهجير لأي غزي.
وأضاف السبايلة “إن مشهد عودة الغزيين مهم كرمز لتكريس رفض فكرة التهجير، لكن في هذه المرحلة لا يمكن النظر له على انه المعيار الوحيد، لأنه حاليا يمثّل التحدي والقدرة على البقاء”، لافتا إلى أن ما قام به الاحتلال خلال 15 شهرا مضت، تمثل بضرب وحشي للبنية التحتية في القطاع، وقتل لمعالم الحياة فيه، وبالتالي تعظيم المأساة البشرية هناك.
وشدد على أن “برغم أن رمزية العودة مهمة، لكن قدرة البقاء ستتحدد أيضا في المرحلة المقبلة، إذا ما كان رهان الاحتلال على ضرب معالم الحياة، يمكن أن يبدأ بتأسيس لفكرة الانتقال ولو مؤقتا إلى أماكن أخرى بحجة إعادة الإعمار”.
وقال السبايلة “في النهاية كل ما هو مؤقت ينتهي دائما”، منوها إلى أن الإصرار على البقاء مهم “لكن يجب الإدراك على أن الاتفاق، ما يزال في مراحله الاولى، ولا نعلم إذا كان سيصمد مستقبلا”، مبينا أنه لا يمكن تقييم الأوضاع في غزة، فمقومات الحياة مفقودة والأزمة الإنسانية تتفاقم، برغم محاولة العودة للحياة الطبيعية، وهذا ما ما يثير السؤال حول مدى القدرة على البقاء، بدون مقومات للحياة.
وبين أن الاحتلال يعوّل لتحقيق مأربه بالتهجير حاليا على الوضع الإنساني وصعوبته، وبالتالي خلق أوضاع معيشية في أماكن أخرى بصورة مؤقتة.
المختص بالشأن الإسرائيلي عصمت منصور، بدون أدنى شك، فإن مشهد عودة أهالي غزة لمنازلهم في الشمال، مؤثر، يحمل دلالات إنسانية ورمزية حول تعلق الإنسان بأرضه وبيته، حتى لو كان مهدّما ومن دون أي مقومات حياة.
وأشار منصور، إلى أن الإصرار على التمسك بهذا البيت والأرض، دلالة إنسانية رمزية نبيلة جدا، بخاصة في ظل استغلال هذه الكارثة التي أحدثها الاحتلال، من قبل ترامب واليمين الصهيوني للترويج لفكره تهجير الغزيين. مضيفا أن ذلك “له دلالة عسكرية وعملياتية متعلقة بالحرب وتجددها، فعودة السكان للشمال ستصعب العودة الى الحرب، ونأمل بأن تخلق واقعا يعثّر ويصعّب عودة القتال، ويفتح مجالا أوسع للانتقال للمراحل الثانية والثالثة”.
وأكد أن الغزيين قالوا في مشهد العودة وهم يحملون أمتعتهم على أكتافهم وينتظرون اياما في البرد والعراء، كي يفتح لهم الكيان منفذ عودتهم لبيوتهم، إنهم لن يقبلوا بأي حل سوى الإعمار والبقاء على ارض وطنهم، وإنهاء الحصار عن قطاعهم وحل قضيتهم العادلة.
وأوضح منصور، أن من لم يخرج تحت القصف والدمار والمجازر وجنازير الدبابات” لن يخرج بإغراءات ويتخلى عن أرضه.، معتبرا بأن العودة للشمال ردّ عملي على تصريحات ترامب، وردّ ميداني يقول إن الناس لا تبحث عن خروج من وطنها، بل تريد البقاء هناك وتعيد إعماره.
وأضاف أن موقف الأهل في غزة، سانده موقف الأردن الثابت ومصر الصلب، مبينا أن الأردن وقف بوجه صفقه القرن، موقفا سجله التاريخ وكان له دور بأحباطها. مشيرا إلى أن الأردن يقف في رأس الحربة بمواجهة هذه المشاريع، مؤكدا أن “عودة الغزيين للشمال، تساند الموقف الأردني أكثر، وتجعله أكثر صلابة وحجّة في مواجهة تصريحات ترامب”.
وأكد منصور على ضرورة أن يكون هناك توافق فلسطيني مدعوم باحتضان والتفاف عربي يُنهي مسأله الانقسام الفلسطيني، ويزيل عقبة “اليوم التالي” في غزة، لأنه إذا كان هناك توافق على حكم القطاع وإدارته، مقبول فلسطينيا ومُجمع عليه بين كل الأطراف، فستزول العقبات التي يتذرّع بها رئيس الوزراء المتطرف بنيامين نتنياهو بمواصلة الحرب.
بدوره، قال المحلل السياسي جهاد حرب، إن مشهد عودة الغزيين لشمال القطاع، يشير بوضوح الى مدى تمسك الفلسطينيين بأرضهم وعودتهم، وفيه يقول الغزيون للعالم، إنهم يرفضون الأمر الواقع وممارسة مشاريع تصفوية تتعلق بتهجيرهم، بعد أن أثبتوا خلال 15 شهرا مضت بأنهم متمسكون بأرضهم، برغم أن الموت كان يلاحقهم ليل نهار.
ولفت حرب، إلى أن مشهد العودة “عنوان واضح للعالم، بأن الفلسطينيين يرفضون مخططات تهجيرهم، كما جاء على لسان ترامب، بأي شكل. مؤكدا أن الفلسطينيين مستمرون بالصمود والتشبث بأرضهم، وكما فعلوا برفض مخططات التهجير في خمسينات القرن الماضي وبداية السبعينات في القطاع فإنهم “اليوم يرفضون عمليا مخططات الاحتلال، ويقضون عليها”.
وقال إن هذا التمسك برفض التهجير من الغزيين، يتزامن مع الموقف الواضح والجلي من القيادتين الاردنية والمصرية برفض مخططات التهجير برغم الأثمان الكبيرة جراء ذلك على البلدين. معتبرا بأن المسأله الجوهرية حاليا، هي الموقف المساند من القيادة الأردنية وعلى رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني، التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك، بأن قضيه فلسطين هي قضية الأردن والامة العربية.
وأضاف إن العودة بهذا الشكل تفرض على القيادات في كل الفصائل الفلسطينية الارتقاء لمكانة وفعل الشعب الفلسطيني، لإنهاء الانقسام وإقامة حكومة واحدة متفق عليها من الفلسطينيين من أجل مصلحتهم وفي مقدمتها مصلحة الغزيين.
وأوضح أن الغزيين واجهوا الموت خلال الأشهر الماضية، مصرين على البقاء فوق أرضهم للحفاظ عليها ومنع مخططات الاحتلال، ومن أجل مستقبل الفلسطينيين بإقامة دولتهم.
وكالات