عودة كورونا/ نايف المصاروه
–
عودة كورونا، استعجال الشيء قبل أوانه، أم فوضى الوقاية، والتراخي الحكومي !
===========
للتوضيح أولا فإن قول ” من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه ”، ليست بحديث نبوي، ولا بقول صحابي أو تابعي، وإنما هي قاعدة مشهورة من القواعد الفقهية المستقرة عند العلماء.
ومعناها أن من يستعجل أمرا بالوسائل غير المشروعة، أو المشروعة ولكنها مخالفة للواقع الذي يعيش فيه مكانا وزمانا، تعجلاً منه للحصول على مقصوده المستحق له، يعامل ضد مقصوده، جزاءَ فعله واستعجاله.
ويقول بعض أهل العلم، إن هذه القاعدة ذات اتصال وثيق جذري بالقاعدة الأصولية العامة، وهي: “سد الذرائع”.
بعد سلسة من إرتفاع أعداد الإصابات اليومية، التي سجلت في المملكة سابقا، والتي تجاوزت ال ”9 ” آلآلآف إصابة، وأكثر من ” 80” وفاة في بعض الأيام.
ونتيجة للعديد من الإجراءات التي اتخذت، كنشر الوعي والتثقيف الصحي، والحزم في تطبيق القانون، والوعي المجتمعي بخطورة الحالة الوبائية، وتسارع وتيرة الإقبال على تلقي المطاعيم، والإلتزام بالإجراءات الوقائية، كل ذلك أدى الى تراجع أعداد الإصابة والوفاة بشكل متسارع وملموس.
نتيجة لهذا التراجع اعلنت الحكومة، عن خطتها للدخول الى الصيف الآمن والفتح التدريجي للعديد من القطاعات الإقتصادية،والعودة الى التعليم المباشر.
لا شك أن لسلسة الإجراءات التي أتخذت سابقا، كان لها أثرها السلبي، على كل مسميات الحياة العامة للناس، إقتصاديا وإجتماعيا وأمنيا وصحيا، ولكن في سبيل المحافظة على السلامة والعافية، يرخص المال وكل غالي ونفيس.
علميا تسمى الفيروسات المتحورة بالسلالات، ولمعظم التغييرات تأثير ضئيل أو معدوم على خصائص الفيروس، وفقا لمنظمة الصحة العالمية (دبليو إتش أو)، والكثير منها يختفي بمرور الوقت.
ولكن من حين لآخر يكون الفيروس أشد ضراوة وأكثر خطورة، من خلال التحور ، وبسبب عدة عوامل تساعده على البقاء والانتشار، منها وأهمها ضعف المناعة، والبيئة الخصبة لإنتشار الفيروس وهي التجمعات، وعدم الإلتزام بإجرات النظافة والوقاية والتداوي.
ويراقب الخبراء في جميع أنحاء العالم الطريقة التي تطور بها ( فيروس كورونا)، حتى تتمكن الحكومات من الاستجابة للتغيرات المهمة في الفيروس.
ويهتم الخبراء حاليا بأربعة سلالات مختلفة من فيروس كورونا وهي ألفا (تم العثور عليها لأول مرة في بريطانيا)، وبيتا (جنوب إفريقيا)، وغاما (البرازيل) ودلتا (الهند).
بالرغم من ظهور عدة انواع من التحورات والسلالات للفيروس، وظهورها في عدة بلدان ومجتمعات،وكان لها أثرها الكبير، بإرتفاع أعداد الإصابات والوفيات عالميا ، لكن وبكل أسف، نجد استخفاف بإجراءت السلامة والوقاية، ونشاهد إحتجاجات على تلك الإجراءات، في كثير من البلدان.
محليا.. وبعد أن عايشنا شدة التأثر بسبب تطبيق الإجراءات سابقا، لكن عدوى الإستخفاف ، قد وصلت الينا أيضا، وبشكل ملفت ومثير، وبتنا نلمس إستهتار وتراخي شعبي ورسمي، وبكل إجراءات الوقاية والسلامة.
هذا الإستهتار والتراخي، ظهر من خلال كثرة التجمعات، وفي كثير من المواقع والاماكن المختلفة، ولا أود ذكرها أو الإشارة إليها، لكني أشير الى أن الإنسان العاقل يدرك بفطرته، أن الوقاية خير من قنطار علاج!
وأشير أيضا إلى أن الإنسان المسلم الحقيقي، مأمور شرعا بإتخاذ كل إجراءات الوقاية والسلامة، للحفاظ على أمانة النفس والجسد، وأن عنوان الاستقامة على تلك الأوامر، ليس في المظهر فقط ،مع أن ذلك مطلوب، ولكن المطلوب اكثر، هو في قدرته على ضبط نفسه من الوقوع في المخالفة والزلل.
وعندما أقول مخالفة،فهي تعني كل المخالفات، في السر والعلن، وفي الشأن الخاص والعام، في الصغائر والكبائر.
صحيح أن صغائر الذنوب تكفرها الحسنات والصالحات،لكن من يظمن طول العمر والبقاء؟
ولهذا جاء التحذير من الصغائر خشية أن تتكاثر على صاحبها فتهلكه .
شأن المحافظة على الصحة في الشريعة الإسلامية، شأن عظيم، فجاء حكم تحريم الإعتداء على النفس، او على الغير بالجرح أو القتل، كما ورد حكم تحريم إلحاق الأذى بالنفس أو الغير كذلك عن قصد حتى في التعبد.
وأسال كل عاقل وكل مسلم نقي تقي، كيف تقبل لنفسك، أن تذهب الى السوق او المسجد او عند أبويك او جيرانك، وانت لا ترتدي كمامتك، وتتساهل في إجراءات الوقاية والسلامة؟
ألا تخاف على نفسك أن يؤذيها غيرك؟
وكيف تقبل على نفسك، وبسبب الإستهتار والإستخفاف ان تسبب الأذى لغيرك، من أبناءك أو أبويك أو من تحب أو تعرف أو لا تعرف؟
نتيجة للإستخفاف والتراخي الشعبي والرسمي ، ومنذ نحو عشرة أيام بدأنا نلحظ، إرتفاعا ملحوظا في أعداد الإصابات والوفيات اليومية، تجاوزت في بعض الأيام أكثر من ألف إصابة، وهذا مؤشر خطير يدل على تراجع الوعي، وتراجع الإلتزام بقواعد السلامة والوقاية.
وبالامس مثلا سجلت في المملكة” 12 ” وفاة عليهم جميعا رحمة الله ، كما سجلت ” 914 ” إصابة جديدة بالوباء، أدخل منهم ” 100” حالة الى المستشفيات،
ليرتفع إجمالي عدد الإصابات منذ بدء الجائحة إلى 773657 إصابة، وليرتفع عدد الوفيات إلى 10071 وفاة، وليرتفع أيضا عدد حالات الإصابة النشطة الى 11237.
ويرقد في المستشفيات من الحالات المؤكد إصابتها 629 مصابا، وفق موجز إعلامي صادر عن وزارة الصحة.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم، الرحمن الرحيم، أن يرحم كل الموتى، وأن يشافي ويعافى كل المرضى والجرحى.
وزير الصحة د. فراس الهواري وفي تصريحات صحفية سابقة، ومنها على شاشة قناة المنلكة قال:- إنّ لدينا ” 245” إصابة بالمتحور الهندي “دلتا” في الأردن، وفي مناطق مختلفة في العاصمة عمّان، وهناك إصابات في المفرق والزرقاء الكرك.
وإن المتحور الهندي “دلتا” أصبح هو السائد في الأردن، وأكثر من 80% من الاصابات في العاصمة ستكون بالمتحور الهندي، لكن مدة هذه الموجة تعتمد على الالتزام والتطعيم.
وتأكيده على أن 87% من المصابين بالمتحور الهندي “دلتا” لأشخاص لم يتلقوا اللقاح المضاد لفيروس كورونا المستجد، وآخرين تلقوا الجرعة الأولى فقط.
ودعا إلى المسارعة في تلقي اللقاح ، وقوله إن المطاعيم هي السلاح الوحيد أمام فيروس كورونا ومتحوراته، بعد ” فضل الله ولطفه ”، وموضحا أن الجرعة الثانية تحمي من المتحورات بإذن الله،
وأن مخزوننا من المطاعيم جيد ولن نعاني من نقص فيها، لكننا نعاني من ضعف الاقبال على تلقيها”.
د. الهواري والحكومة ،وعبر كل أهل الإختصاص والشأن، أكدوا على ان قوة وذروة وحجم موجة كورونا الجديدة، يحدده التزام المواطنين باجراءات الوقاية والسلامة.
الحكومة أعلنت عن جملة من القرارات الحاسمه حول موضوع الإغلاقات، والعودة للمدارس والتعليم الوجاهي، ووضعت لذلك شرطا لتطعيم 4.5 مليون شخص، بحلول شهر ايلول 9 وذلك الشرط على وجه الخصوص، لفتح المدارس والعودة للتعليم الوجاهي .
من خلال التتبع لحملة التطعيم، والتي بدأت تشهد إقبال على التسجيل، ولكنها تشهد ضعفا في تلقي المطاعيم خاصة الجرعة الثانية، فقد بلغ عدد المسجلين على المنصة 3635040 حتى يوم 3-8-2021، منهم 3072050 من المطعمين بالجرعة الأولى، ومنهم 2313308 من المطعمين بالجرعة الثانية فقط، وهذا قبل 26 يوم فقط من بداية شهر ايلول” 9 “القادم ، وهو ما يؤشر على ضعف الوصول للعدد للمأمول وهو 4.5 مليون شخص.
الحكومة وبحسب بعض تصريحاتها،تقول انها نجحت في تحقيق نسبة 80% من تطعيم المعلمين والهيئات التدريسية ،وتجتهد الان على حملة جديدة لتطعيم فئة الاعمار من 12-18 عام، وهي النسبة الأكثر بين طلبة المدارس، وذلك لتخفيف نسب الاصابات بين هذه الفئات.
وتؤكد الحكومة وفي كل اللقاءات الاعلامية، وعبر كل الوزراء المختصين انه لا بديل عن التعليم الوجاهي بداية العام الدراسي ، وقد وضعت البروتوكولات الطبية و أسس الدوام، والعمل في حال اكتشاف حالات إصابة .
لكن السؤال الذي يطرح وبقوة، ما هي جملة الإجراءات التي ستتخذها الحكومة، وبشكل عاجل، لوقف إرتفاع نسبة الإصابات والوفيات وتقليلها؟
والأهم من ذلك كله، ما هو الدور والواجب الشرعي والوطني والأخلاقي الذي يجب أن يعقله كل مواطن؟
دعوني أهمس، للسلطة التنفيذية، ومن خلال أجهزة الضبط والرقابة، فإن قوة القانون ليس في كثرة نصوصه وتعديلاته، مع ان ذلك مطلوب،ولكن قوة القانون تكمن بالحزم في تنفيذه، على الجميع وفي كل مكان، وعدم التهاون في ذلك .
وهمسة أخرى، للخطباء وأئمة المساجد، العبرة والموعظة شأنها عظيم، وخاصة من على وأعلى المنبر، لكن الجميل أيضا، هو قيام أحد موظفي المسجد، بالوقوف على مدخل المسجد، ومنع كل من لا يتقيد بالاجراءات من الدخول، فالضرورات تبيح المحذورات!
وكم اتمنى ان تنشط لجان المساجد كلها، وخاصة الكبرى منها، لتوزيع الكمامات ووضع المعقمات على مداخل المساجد، والحرص الشديد على التباعد وإحضار السجادة الخاصة بالصلاة، والأهم من ذلك كله، هو بيان حرمة المساجد، وبيان وتوضيح جرم التهاون والإستخفاف باجراءات السلامة.
وهمسة أخرى لكل المؤسسات ، فإن تقيد الموظف والمسؤول، بإجراءات السلامة والوقاية، دليل على الإتباع والتقيد والإلتزام، وفي ذلك أسوة وقدوة لكل من يراجع المؤسسات العامة، والاجمل منع كل مراجع لا يتقيد بالاجراءات من الدخول إليها.
ختاما.. التقيد بإجراءات الوقاية والسلامة والإلتزام بها، واجب شرعي يعني الإلتزام بحدود الشرع ونواهيه، كما ان الإلتزام أيضا واجب وطني وأخلاقي، يعود خيره على الفرد والأسرة والمجتمع والوطن كله، كما ان عدم الإلتزام يسبب الضرر للفرد وأسرته وللمجتمع والوطن كله.
وأذكر بوعينا نرقى ونسلم، كما سلمنا في بداية الجائحة لمن يذكر.
اللهم سلمنا واحفظنا من شر كل وباء وداء، واكتب لنا السلامة والحفظ من كل شر يا خير الحافظين.
شكرا لكم.
التعليقات مغلقة.