غابات الهيشة بالشوبك في مواجهة مخاطر الجفاف والتحطيب
الشوبك – تواجه أشجار “غابات الهيشة” المنتشرة بين الشوبك والبتراء خطر الانقراض، جراء الجفاف المرتبط بتراجع معدلات الهطل المطري خلال السنوات الماضية، يرافقه عمليات الرعي والتحطيب الجائرين، ما تسبب بتقلص مساحاتها، في ظل جهود متواضعة حيال حمايتها.
وفي الوقت الذي مازالت غابات “الهيشة “ذات الطبيعة الجمالية والتي تؤمها مئات الأسر للتنزه في محافظة معان تعاني من تدهور الغطاء النباتي وتتعرض للاستنزاف، الأمر الذي يهدد التنوع البيئي والحيوي فيها، تغيب عنها المرافق الخدمية الضرورية ويتراجع مستوى النظافة في مواقع التنزه، سيما وأن الغابات تعتبر من المواقع الاستجمامية بالمحافظة، بما يهيئ بيئة سياحية تسهم في تنشيط الواقع السياحي في المنطقة.
وطالب سكان في محافظة معان، بإيلاء غابات “الهيشة” مزيدا من الاهتمام كونها تعد موقعا سياحيا طبيعيا والمتنفس الوحيد المهم في محافظة معان، ما يتطلب تكثيف حملات النظافة البيئية ومراقبة الاعتداءات المتكررة على هذه الغابات، من خلال تسيير دوريات راجلة ومتحركة، باعتبارها ثروة وطنية يتوجب المحافظة عليها من التدهور النباتي والتصحر والتلوث، حيث طالت تبعات الجفاف والتصحر وانحباس الأمطار والاعتداءات المتكرره أجزاء واسعة من تلك الغابات.
وأشاروا، إلى ضرورة تطوير البنية التحتية وجذب الاستثمار السياحي الى تلك المنطقة كونها تعد فرصة تنموية اقتصادية للمجتمع المحلي وموطنا لحماية الأنماط الحيوية فيها، إلى جانب تحويلها كمقصد سياحي عالمي لإطلالتها الساحرة على مدينة البتراء الأثرية.
إلى ذلك، أكدت مفوض شؤون التنمية المحلية والبيئة في سلطة إقليم البتراء الدكتورة مرام فريحات، أن آخر دراسة بحثية أجريت في منطقة غابات الهيشة الطبيعية، لبيان عمليات رصد الأثر البيئي على الرقعة الزراعية، خلصت إلى أن موقع الغابات يتعرض لاعتداءات كبيرة ومتكررة، وان تلك الغابات تفقد كل أسبوعين 7 أشجار معمرة ونادرة في 10 أمتار مربعة من مساحة الغابة في الأماكن التي يتم فيها رصد الأشجار.
ويؤكد مصدر رسمي في مديرية زراعة لواء الشوبك، طلب عدم نشر اسمه، أن غابات الهيشة تعاني من معيقات وتحديات تحول دون تطورها والمتمثلة في اعتداءات متكررة، خاصة في ظل ارتفاع أسعار المحروقات وما تبعه في ازدياد نسبة التحطيب والتجارة بأخشاب الأشجار الحرجية لغايات استخدامها للتدفئة شتاء وعمليات الرعي الجائر، وسط ضعف المراقبة الدورية التي تنفذ على هذه الغابات ذات المساحة الواسعة من قبل طوافي الحراج، لضبط ومتابعة أي اعتداءات تتم ومراقبة زوار هذه الغابات للحد وضبط العديد من المخالفين، إضافة إلى الزيارات والسياحة العشوائية واعتداءات من قبل المصطافين للمنطقة على مدى سنوات طويلة من دون إدارة لزوار الموقع، فضلا عن بقايا الشواء ومخلفات الزوار، الأمر الذي بات يهدد التنوع البيئي والحيوي فيها، داعيا إلى تكثيف وزيادة موظفي الرقابة لحمايتها وتنفيذ سلسلة من ورشات العمل التوعوية في المحافظة، سواء كانت رسمية أو مؤسسات مجتمع مدني لنشر الوعي حول القيمة البيئية والاقتصادية للغابات.
كما دعا الى إشراك المجتمع المحلي في إدارتها ورعايتها وتوعيتهم بقيمتها وأهميتها وحماية الثروة الحرجية من التعديات.
وتعد غابات الهيشة الموقع السیاحي الطبیعي الوحيد والأهم في محافظة معان، وذات طبيعة خلابة تتميز بجمالها وربيعها وبيئتها وغاباتها الغنية بالتنوع الحيوي، ما جعلها قبلة للسياحة الداخلية ومتنفسا مجانيا لـ”آلاف العائلات”، في ظل انعدام المتنزهات للترویح عن أنفسهم، وفق سكان بالمحافظة.
ويؤكد خبراء ومختصون في الزراعة والبيئة، أن منطقة الهيشة هي غابة حرجية طبيعية والوحيدة بمحافظة معان، إذ تمتاز بوجود الأشجار النادرة كالبلوط والعرعر والرتم والبطم والكثير من النباتات وتتمتع بتنوع حيوي وترتفع حوالي 1700م عن سطح البحر، وبالتالي فهي من أعلى المناطق في المملكة، ومطلة على جبال ووديان حجرية تسمى آثار “البيضا” السياحية في مدينة البتراء الوردية.
وقدر الخبراء عمر أشجار الغابة بأكثر من 500 عام، ما يدل على أن هذه الأشجار تنبت في موطنها الأصلي ما أسهم في بقائها تناضل صراع البقاء، رغم تحديات الظروف الطبيعية والتغيير المناخي وعمليات الرعي والتحطيب والاستنزاف للموارد الطبيعية، نتيجة الجهل والعوامل الجوية، مشيرين إلى أن معظم أخشاب الغابة استخدمت في بناء خط سكة الحديد الحجازي في منطقة جنوب الأردن وشمال الجزيرة العربية، بواسطة الحاميات العسكرية العثمانية.
وطالب علي الطوره، وزارة الزراعة التركيز على دور الطوافين وزيادة أعدادهم، وتغليظ العقوبة على من يعتدي على هذه الأشجار، من خلال وضع خطة استراتيجية وطنية لإنقاذ غابات الهيشة، المهددة بالانقراض لتبقى صامدة، نظرا لما تتعرض له من أخطار واعتداءات، أدت إلى تقلص مساحاتها سنويا، منها خطر التصحر بسبب الجفاف، نتيجة تراجع كميات الأمطار، والخطر الآخر هو الإنسان، نتيجة عمليات التحطيب والرعي الجائر.
ويرى أحمد الرفايعة، أن أسباب التعدي على الغابات الوطنية هو توالي ارتفاع أسعار المحروقات، وخاصة الكاز الذي يستخدمه الفقراء في تدفئة أطفالهم، ولا يستطيعون شراءه فيذهبون للتحطيب، مطالبا الجهات المختصة بتكثيف حملات المراقبة عبر دوريات راجلة، ومتابعة أي اعتداءات تتم من تقطيع للأشجار لعمليات التدفئة والطهي أثناء الرحلات، وترسيخ ثقافة المحافظة على البيئة لدى المصطافين.
ويؤكد شادي الحمادين، أهمية إيجاد مركز زوار بالمنطقة يحتوي على الخدمات السياحية، إلى جانب الترويج لهذه المنطقة من خلال برامج سياحية وإحياء فعاليات احتفالية فنية وفلكلورية، وتفعيل فكرة المخيمات السياحية في المنطقة، واستغلال مواسم الحركة السياحية في البتراء، ما يعمل على إطالة مدة إقامة الزائر وإضافة منتج سياحي آخر في مدينة البتراء، وتوفير خدمات البنية التحتية كالكهرباء والمياه ومركز إسعاف ومرافق مختلفة.
وأشار عطاالله العمارين، إلى أن الغابة بحاجة إلى الاستثمار، لما تشكله من فرصة تنموية اقتصادية من خلال إحداث تنمیة مستدامة في المنطقة، وخلق فرص عمل ودمج عناصر المجتمع المحلي، بما يسهم في تطويرها وجذب الزوار إليها، إضافة إلى دورها الرئيس في حماية الأنماط الحيوية، لتكون عنصرا مهما في الترويج السياحي، ومعلما سياحيا جاذبا للسياح ومتنفسا حقيقيا لأبناء المحافظة المحرومين من المتنزهات.
من جهته، أكد رئيس قسم الحراج في مديرية زراعة لواء الشوبك المهندس أحمد الدحيات، أن غابات الهيشة بالشوبك تتعرض للاستنزاف، مرجعا ذلك إلى موجات الجفاف المتكررة التي شهدتها المنطقة، نتيجة تدني معدل سقوط الأمطار على مدار السنوات الماضية، إلى جانب عمليات الرعي الجائر وقطع الأشجار واستخدامها في التحطيب خاصة في فترات الجفاف والممارسات غير المسؤولة التي تمارس من بعض المصطافين في الغابات، من اعتداءات متكررة واستهداف للثروة الحرجية كأبرز التحديات التي تواجه ديمومة الغابات وخضرتها.
وأشار الدحيات، إلى حاجة المديرية إلى زيادة أعداد الطوافين لمراقبة الحراج، اذ لا يتوفر سوى 4 طوافين لمراقبة منطقة غابات الهيشة الواسعة الانتشار والبالغة مساحتها نحو 100 ألف دونم والتي تقع بين لواءي الشوبك والبتراء.
وقال إن وزارة الزراعة نفذت في العام الماضي مشروع إعادة تأهيل وإحياء غابات الهيشة والذي يشكل استراتيجية مهمة لدى الوزارة، بهدف زيادة الرقعة الخضراء، لما لذلك من أهمية كبيرة في الحفاظ على أهم مكونات البيئة الطبيعية، لافتا أن عملية إعادة التأهيل جاءت باستخدام تقنية الشرنقة الجديدة وهي طريقة رائدة تسعى للتغلب على نقص المياه نظرا لحاجتها لكمية قليلة من الماء ولمساعدتها على إعادة تأهيل التربة بالتعاون مع الجانب الهولندي، للمساعدة في استعادة المناظر الطبيعية لتلك الغابات وإعادة التنوع الحيوي والحد من تأثير التغيرات المناخية من خلال زراعة نحو 1200 شجرة بواقع 40 دونما في تلك المنطقة كمرحلة أولى من آلية الشرنقة، حيث تم زراعة أشجار الصنوبر المثمرة والسنديان الشوكي والبلوط والبطم وشجرة الأرز اللبناني.
وأضاف الدحيات، أن مشروع التقنية في الزراعة أثبت نجاحه بنسبة 90 % والذي يهدف أيضا إلى تغطية المساحات غير المزروعة وللتعويض عن خسائر هذه الغابات من الأشجار.
إلى ذلك، أكد مدير الزراعة في سلطة إقليم البتراء المهندس جعفر الهلالات، أن السلطة بصدد تنفيذ مشروع التكيف مع التغير المناخي، بهدف إيجاد متنزه وطني ومتحف بيئي شامل ومتكامل لجميع المرافق والخدمات العامة في منطقة غابات الهيشة الطبيعية، على مساحة 267 دونما، بتمويل من وزارة التخطيط، بعد أن طرح عطاء إعداد الدراسات الفنية والبيئية والتصاميم الهندسية والمعمارية اللازمة له، إلا أن تأخير إنشاء المشروع جاء نتيجة تداعيات جائحة كورونا، متوقعا استلام هذه الأعمال خلال الفترة القليلة المقبلة ليصار بعدها إلى طرح عطاءات التنفيذ مباشره.
وقال الهلالات، إن المشروع سيدعم عملية التنزه المستدام والحفاظ على الغطاء النباتي وزيادة المساحات الخضراء والرقعة الزراعية في منطقة غابات الهيشة، إضافة إلى متابعة ومنع الاعتداءات التي تتعرض لها الغابات، بعد أن يتم تحويلها إلى محمية طبيعية، من خلال إقامة أبراج مراقبة وكوادر رقابية ثابتة داخل الغابة لعمليات تقطيع للأشجار فيها.
وأضاف، أن المشروع الذي تسعى السلطة إلى تنفيذه داخل موقع غابات الهيشة يشتمل على إيجاد مجموعة من خدمات البنية التحتية، لتكون مهيئة لخدمة سكان المنطقة والزوار من أبناء المحافظة، من خلال حفر بئر ماء وإيصال الكهرباء، وإقامة دورات صحية بيئية متنقلة، وتوفير عدد من حاويات النفايات وعدد من الأكواخ ومطعم، إلى جانب توفير مسارات داخل هذه الغابات مجهزة بكافة المرافق والنشاطات اللازمة لخدمة أبناء المجتمع المحلي.
وأوضح، أن السلطة ومن خلال إقامة هذا المشروع تسعى للنهوض بالمنطقة، والحفاظ على التنوع البیئي والحیوي فیها، كونها تعتبر منطقة جاذبة للسیاح والزوار والعمل على جعلها مقصدا رئیسیا للسیاحة والتنزه بالمحافظة، و داعما في التنوع السياحي لمدينة البتراء، أضافه إلى المساهمة في إيجاد مشروعات جديدة وخلق فرص عمل لأبناء المنطقة، بعد أن ضمت الغابة حديثا لحدود السلطة من أجل تحقیق التنمیة المستدامة، مبينا استثمار غابات الهيشة كمتنزه وطني بيئي سياحي سيسهم في خلق منتج سياحي جديد يلبي طموحات الزائر والمجتمع المحلي على حد سواء.
حسين كريشان/ الغد
التعليقات مغلقة.