في رمضان.. أردنيون يتوحدون بدعوات النصر وتخفيف أوجاع الغزيين
على مدار أكثر من 5 أشهر والحرب على غزة ما تزال تنتهك كل شيء وتحصد المزيد من الأرواح. ويأتي رمضان هذا العام والحزن يلف القلوب والبيوت والأحاديث، فالكبير والصغير يتجه بأنظاره إلى غزة الجريحة والأكف كلها ترتفع نحو السماء بأدعية النصر وفك الكربة عن الأهل هناك.
سياسة التجويع والنزوح والموت بكل أشكاله مستمرا، والتلاحم الإنساني في أوجه وقوفا مع الأهل في غزة. رمضان هذه المرة جاء مختلفا وقلت فيه مظاهر البهجة والزينة التي اعتاد عليها الأردنيون في كل عام، فغزة بوجعها حاضرة على الموائد وفي اللقاءات العائلية وصلاة التراويح وفي كل الأوقات من خلال الدعاء لها والتضرع لله بأن يحميها أرضا وشعبا.
غزة وحدت المشاعر والقلوب على حبها والإيمان بحقها في شهر الخير وهذا ما لمسه أبو جهاد خلال الأيام القليلة الماضية. يقول لم تغب غزة عن وجداننا وضمائرنا ولا سيما في الجمعات الرمضانية مع الأهل والأقارب المشاعر كلها ملتحمة مع وجعهم وتشريدهم وصمودهم والألسنة تنتفض بالدعاء لهم أن ينصرهم الله ويثبتهم.
ويبين أن للصائم دعوة لا ترد عند إفطاره ومن أجل ذلك كانت كل الدعوات من الصغير قبل الكبير لرفع الظلم والحصار عن أهل غزة. أبو جهاد مع عائلته يحرص يوميا ومنذ بداية الشهر الفضيل على التذكير بما تعانيه غزة حتى تبقى القضية راسخة في أبنائه وأحفاده.
بينما أسماء سالم (46عاما) وهي أم لثلاثة أطفال تجد أن رمضان هذا العام فرصة للشعور مع أهلنا المحاصرين في القطاع دون طعام أو شراب حتى وإن لم تكن المعادلة متساوية فنحن على الأقل نصوم لنأكل عند الأذان، لكن في غزة يصومون دون أن يعرفوا موعدا لإفطارهم وما إذا كانوا سيفطرون أم سيكونون شهداء الحق.
وتشير أسماء إلى أنها تهتم بتربية أطفالها على الإحساس بالآخر واحترام وجعه وغزة تستحق منا الكثير لذلك تجد أن رمضان وحد الأدعية والقلوب وكأنه هذه المرة جاء ليقدم دروسا واقعية في التضحية.
وفي هذا الخصوص يبين اختصاصي علم الشريعة الإسلامية الدكتور منذر زيتون، أن رمضان من ميزاته أنه يوحد الشعائر بين المسلمين، بحيث أن الصيام واحد والإفطار أيضا في وقت واحد إضافة إلى أن الناس أمام التعب والجوع والعطش متساوون.
وكا يقول، الهدف من توحيد الشعائر هو فعليا توحيد المشاعر فالإنسان المرفه وغير المرفه يمتنع عن تناول الطعام والشراب، وهذا إشعار إجباري بالغير، إذ إن رمضان يجبرنا أن نشعر بغيرنا من المحرومين والجوعى هذا في طبيعة الحال لا شك، ولذلك من واجبنا في رمضان أن نكثر من الصدقات وتفطير الصائمين حتى نعبر عن شعورنا ليس فقط بالكلام والامتناع عن الطعام والشراب وإنما بإعانة المحتاجين والفقراء ومد يد المساعدة لهم.
“هذا التلاحم الطبيعي، فكيف ونحن أمام حالة لم تسبق مثلها في التاريخ حالة ضد أهلنا وإخواننا في قطاع غزة، وحتى وإن لم يكونوا كذلك هم جيراننا وهم أبناء آدم يعني بيننا وبينهم الإنسانية وإن لم يكونوا حتى مسلمين”، مشيرا زيتون أنهم بالنسبة لنا امتداد تاريخي وجغرافي ولغوي أيضا، ولذلك لا بد أن تكون مشاعرنا تجاههم أكبر وأعمق وأبلغ ولهذا غزة حاضرة في كل لحظة حاضرة في الوجع وفي المعاناة وفي الجوع حاضرة في تفاصيلنا كافة فهم يدافعون عنا عن الأمة عن كرامة المسلمين.
ووفق زيتون، فإن حقوقهم كبيرة جدا لا نستطيع أن نوفيهم إياها، لذلك فلندعوا جميع المسلمين لأن يكثفوا من الدعاء لغزة وأن يجعلوا لهم دعوة قبل الإفطار، كما في الحديث الشريف للصائم عند فطره دعوة لا ترد، وأيضا مد يد العون لهم من خلال المال والمال هنا بالنسبة لأهل غزة ليس صدقات ولا تبرعات ولا زكوات فقط بل هو جهاد مالي، والقضية ليست تعاطف وكلمات ودعوات القضية يجب أن تكون اقتطاع جزء من أموالنا وإرساله إلى غزة، لأن هناك من يموت جوعا، نحن صائمون وهم صائمون من خمسة أشهر.
ويدعو زيتون كل إنسان لإرسال ما تيسر من المال لإهل غزة ولو القليل لدعمهم وإنقاذهم وتوفير الطعام لهم، فنحن نعلم كم هم محاصرون ومحاربون من الدول الكبرى التي تدعي حقوق الإنسان وكرامة الإنسان هذه الدعوات سقطت أمام غزة.
ويرى الاختصاصي الاجتماعي الأسري مفيد سرحان، أنه ومنذ بداية العدوان الإجرامي الصهيوني على قطاع غزة كان الأردنيون من أوائل الشعوب التي أعلنت مناصرتها ودعمها للأهل والأخوة في القطاع. وقد تمثل ذلك بصور متعددة منها الموقف الرسمي المعلن والذي يدعو إلى وقف هذا العدوان واعتباره جريمة، وكذلك خروج المظاهرات والمسيرات والوقفات الشعبية في مدن وقرى وأرياف وبوادي ومخيمات الأردن، وهي لم تتوقف منذ بداية العدوان حتى الآن.
وكما أقدم الأردنيون على تقديم الدعم المادي والعيني للأهل في غزة، وتبرعوا بدمائهم للجرحى والمصابين. كما تم نقل عدد من الجرحى للعلاج في مستشفيات الأردن. وكانت المستشفيات الميدانية الأردنية في قطاع غزة الشاهد الأكبر على هذا الدعم والمساندة. وكذلك الإنزالات الجوية للمواد الإغاثية والأدوية والمساعدات.
ووفق سرحان، كل ذلك وإن كان الأردنيون يعتبرونه أقل القليل وهو واجب الأخوة إلا أنه تعبير عن أصالة الشعب الأردني والتصاقه بفلسطين وقضيتها. فقوة الأردن هي قوة لفلسطين وقوة فلسطين هي قوة للأردن.
اما أحاديث غزة وهمومها لا تفارق الأردنيين في مجالسهم وهم يتابعون أخبارها أولا بأول، بل يعيشون الحدث بكل تفاصيلها، وبعض الأسر الأردنية لها أقارب في قطاع غزة، استشهد منهم الكثيرون وأصيب بجروح آخرون، إضافة إلى المفقودين. وزاد من المعاناة ضعف الاتصالات وانقطاعها لفترات طويلة مما جعل التواصل صعبا أو متعثرا فزاد من درجة القلق النفسي.
ويبين أن إلغاء مظاهر الفرح في الأعراس والحفلات والتبرع بالتكاليف لأهالي غزة، كان حاضرا، حتى مع طول فترة العدوان فإن مشاعر الأردنيين لم تتغير بل إن وسائل الدعم والمساندة تتجدد وتتواصل.
وفي رمضان شهر الجهاد والصبر والثبات تواصل دعم الأردنيين وغابت الكثير من مظاهر الزينة كنوع من إظهار التأثر وأن هذا العام مختلف عما سبقه من أعوام. بل إن شهر رمضان فرصة أكبر لمزيد من العطاء والمساندة لأهالي غزة. فهو شهر الكرم والجود والتكافل فيه يقدم الإنسان من ماله لمساعدة الآخرين، فتزايدت حملات الدعم في مختلف المناطق.
ولعل ما يميز رمضان هو الإقبال على الله تعالى بالعبادة بصورها المتعددة. والدعاء من العبادات التي لها أهمية كبرى في حياة المسلم لما لها من أثر كبير في رفع البلاء، فهو صلة مباشرة بين العبد وربه. والدعاء متاح للجميع الفقير والغني. وهو مطلوب في الشدة والرخاء. وفق سرحان
ويلفت إلى أنه في رمضان نزيد من دعائنا إلى الله تعالى أن يحفظ إخواننا في غزة وأن يشفي الجرحى ويفرج الكرب. والدعاء متاح في جميع الأوقات، ومن أفضل أوقاته وقت الإفطار، والقنوت في الصلوات وفي صلاة التراويح ووقت السحر، وطوال اليوم، وعند اجتماع الأسرة على الإفطار وفي الإفطارات العائلية حتى تبقى القلوب متصلة مع الخالق وتكون غزة وأهلها ماثلة في القلوب دائما.
التعليقات مغلقة.