في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق.// احمد القضاه

في كل يوم ومن الصباح الباكر يدور البائع بين الزقاق وفي سيارة قديمة متهالكة،
يله يا بندورة، يله يا بندورة
يدور كثيرا ويامل بان يبيع البضاعة او البعض منه، لشراء متطلبات العائلة، تحت اشعة الشمس والتعب الجسدي والنفسي، ورغم ذلك يدور ..
لقمة العيش الذي يسعى من اجله يتحمل لاجلها الكثير الكثير،
لاحظت سلوك غير موفق عند الاطلاع على عملية البيع، الاستفزاز من الزبون للتاجر وتقليل من قيمته،وانا هذه البضاعة لا تصلح للبيع ، وهذا الشيء محرم..
وقال الله تعالى:” لا تبخسوا الناس اشياءهم”
وقال القرطبي : البخس النقص وهو يكون في السلعة بالتعيب، التزهيد فيها او المخادعة عن القيمة والاحتيال في الزيد في الكيل والنقصان منه، وكل ذلك من اكل المال بالباطل .
وتعتبر التجارة من الاعمال الذي تعود لصاحبها بالارباح المادية وايضا تعتبر فرصة كبيرة للتعامل مع مختلف اطياف المجتمع، وكان الرسول_صلى الله عليه وسلم_ يعمل تاجرا وهو صغيرا بالسن، وكان متعلق بعمه علي بني ابي طالب_ كرم لله وجه_وطلب منه الذهاب معه الى الشام للتجارة، فاستجاب عمه لطلبه، وحمله معه على البعير .
وذاع صيت النبي_صلى الله عليه وسلم _وعرف بين اهل مكة بامنته، وصدقة، وجميل صفاته واخلاقه .
وكان الرسول_صلى الله عليه وسلم_ كثير الوعظ والارشاد للتجار، وكان عند مروره من السوق يقول : (ان التجار يبعثون يوم القيامة فجارا الا من اتقى وبر وصدق) .
فالتجارة ليست محصورة على البيع فقط بل لها اساسيات، يجب عليك التحلي بعدة صفات، الصدق، الامانة، والاخلاق حميدة، وكان للتجارة جزء كبير من نشر الديانة الاسلامية حول مناطق العالم، مما يدل على حسن اخلاق التجار وحسن تعاملهم، نقلوا للشعوب الاخرى صورة طيبة عن اخلاق المسلمين ..
وسمعت قصة لتاجر رواها مذيع على احدى القنوات الدرامية، في زمن كان هناك تاجر اخلاقه حميدة وله صيت بالامانة والصدق، كان لديه بضاعة كثيرة بالسوق، يبيع ويشتري والكل يدعي بان الله يبارك له برزقه، سمعه هذا الكلام عجوز فقير يرتدي سروال ممزق، عند مروره بجانب السوق، قرر بعد تردد الذهاب الى التاجر لسلف منه بعض البضاعة وبيعه:
العجوز : السلام عليكم
التاجر : وعليك السلام يا شيخ
العجوز: انا المدعو ضيف الله، اريد استلف القليل من البضاعة، اذا تسمح !
التاجر : انا خالد واسمح يا شيخ ضيف الله، صرخ على العمال وطلب منهم تحميل البضاعة على البعير وكان عددها ثلاث
العجوز: يا سيدي هذا كثير ولا استطيع ان ادفعهم لك في المستقبل، لا اريد ثلاثة اريد واحدة فقط
التاجر : يا شيخ هذه هدية لك ولولادك ترزق منها وادعو لي .
دمعت عينه ودعا له بالرزق وقبل الذهاب طلب من التاجر بان يكتب ورقة تثبت عملية البيع .
التاجر وافق على شرط العجوز وكتب بالورقة ( لخالد التاجر ثمن ثلاثة بعير من الشيخ ضيف الله )
ذهب العجوز والبعير ..
وبعد زمن طويل كان التاجر خالد قد كبر بالسن وتراجعت تجارته وهو على وشك الافلاس، قرر هو وزوجته الرحيل الى قرية لا يعرف احد فيه، لانه كان مقصدا للفقراء والمحتاجين ويقدم لهم يد العون والمساعدة ..
رحل خالد وزوجته الى قرية لا يعرف احد فيه ولا احد يعرفه، وعند اول يوم جاء رجل الى خالد ليخبره بان الوالي يريد انا يقابله ويتعرف عليه، ذهب خالد وجلس مع الوالي والحاشية وكانت وليمة كبيرة، عند غياب الشمس قرر خالد العودة الى بيته وقبل العودة دعا الوالي والحضور الى وليمة في مساء الغد، رجع الى زوجته واخبرها بما حصل، اصاب الزوجة حالة من الجنون كيف تقيم ولمية ونحن لا نملك شيئا ناكله ،! ؟
ومن هنا خرج مثل (الطبع غلب التتطبع)
برر خالد الموقف وقال لها : لا اعرف، افتكرت نفسي قديما..
جاء الصباح خالد وزوجته في ارتباك ولا يعرفون ماذا سيحصل لهم ويفكرون بحل، مع مرور قطيع كبير من الخراف ومعها شابان من امام البيت، قرر خالد الذهاب اليهم وطلب منهم المساعدة والمعونة ،
خالد: السلام عليكم ايها الشاب
الشاب : وعليك السلام
خالد: اريد خروف، وسادفع ثمنه بعد عشرة ايام
الشاب: اعتذر، الخراف ليست لي ولا استطيع انا اعطيك، فهذه امانة وضعها والدي رحمه الله لاحدى التجار منذ زمن طويل، بحثنا كثيرا ولم نعثر عليه؟!
خالد : ما اسمه التاجر ؟!
الشاب: لا اعرف، يوجد ورقة تركها والدي مع امي، انتظرني ساذهب واحضره، رجع الشاب ومعه ورقة بيده، وعند قراءتها كان مكتوب فيها ( للتاجر خالد ثمن ثلاثة بعير من الشيخ ضيف الله )
خالد : انا التاجر وانا خالد وانا من اعطى والدك البعير وعيونه تتدمع فرحا
الشاب: وكيف تثبت ذلك ! انا لا اعرفك وهذه امانة بعنقي منذ سنين .
قرروا ان يذهبوا الى الوالي ليكون حاكم في هذه القضية، وبعد راي الوالي والعودة الى قرية خالد اثبت انه هو المقصود وان هذه الازراق كله له ..
وعاد خالد الفقير ليصبح خالد التاجر .
الاحسان والمعاملة الطيبة لا تندثر واجرها عند الله عظيم، والله ان احسنت لا تنال الا الاحسان لو بعيد حين .
” وكل ساق سيسقى بما سقى “