قانون شريعة الغاب.. وضرورة الرد على مطب ومطلب التهجير بالصمود، والسعي نحو التحرير // نايف المصاروه.
القَانُونُ في اللغة هو مقياسُ كل شيء وطريقه.
ويعني أيضاً القاعدة، التي يُقصد بها النظام والاستقرار على نمط معين.
و(في الاصطلاح) : أَمرٌ كلِّيٌّ ينطبق على جميع جُزئيَّاته التي تُعرَّف أَحكامُها منه.
وفي التعريف القانوني: هو مجموعة قواعد عامة ملزمة ومجردة تنظم السلوك البشري الاجتماعي، ويتبعها جزاء إما على شكل مكافأة وإما عقوبة لمن ينفذها أو يخالفها، ويتم ذلك من قِبل السلطة العامة في الدولة.
وقيل أيضا.. القانون في السياسة وعلم التشريع هو عبارة عن مجموعة قواعد التصرف التي من خلالها يتم إجازة وتحديد حدود الحقوق والعلاقات بين الناس والمؤسسات ، بالإضافة إلى العلاقة التبادلية بين الدولة والأفراد، وتحديد العقوبات للأشخاص الذين يخالفون تلك القواعد.
نسمع كثيرا عن القانون الدولي، ولكن نطاق هذا القانون يتمحور حول فرعين اساسيين هما: قانون الأمم (قانون الشعوب)، والاتفاقات الدولية والمعاهدات (اتفاقيات ومعاهدات جنيف )، وهما فرعين يختلفان من ناحية الأسس النظرية .
أما قانون شريعة الغاب، حيث تعيش السباع والمفترسات وسائر الدواب والحيوانات، فليس لها قانون تحتكم إليه، كونها مخلوقات فاقدة الأهلية، وغير مكلفة بخلاف الانسان، ويضرب مثل قانون شريعة الغاب كناية أو تشبيها، بما يعني البقاء للأقوى.
إن صاحب الحق، يجب أن يبقى على الدوام، مستمسكاً بحقه، يدافع عنه ويحافظ عليه ، لا يرده عنه ولا يمنعه منه كل أهل الأرض قاطبةً ، ولو تكاثروا وتعاضدوا، لأن الحق هو الأحق فيدمغه ، والباطل هو الباطل فيبطله.
مما يعني بأن لا يساوم أهل الحق على الحق، أو يرضون بديلاً عنه، أو يكون لهم جزء مقسوم منه، فإن في ذلك عنوان عريض إما لقوة الحق وأهله، أو لضعفهم إن استكانوا وتخاذلوا.
وبالرغم أن عالمنا الإنساني الذي نعيش فيه اليوم ، هو أقرب إلى واقع شريعة الغاب بكل أسف ، ولو سلمنا بكل المدنية والتحضر، فإن عالم القوة بكل مسمياتها هو الذي يُملي وهو الذي يحكم.
وبكل أسف فإن الهيئات والمنظمات الدولية والحقوقية ، ما هي إلا أدوات في أيدي أسود المشهد الدولي، يأمرونها ويسيرونها وفق رغباتهم ومصالحهم.
لن أعود إلى بدايات الصراع العربي الإسرائيلي، وإحتلال فلسطين وما تبع ذلك من ويلات الحروب والقتل والتشريد والتهجير.
ولكني سأشير أولاً – إلى تقاعس أهل الحق وتقصيرهم بالدفاع عن حقهم، ومن ثم قبولهم بواقع الإحتلال ، وبعد ذلك قبولهم بما يسمى زوراً مقترح الأرض مقابل السلام .
كما أشير ثانياً – إلى تقاعس وتقصير الهيئات والمؤسسات الدولية، عن القيام بواجباتها، التي أنشئت من أجلها ، ولا أريد أن أعرج على سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها تلك الهيئات والمؤسسات الدولية،والتي هي واضحة كل الوضوح، وبات يعرفها عامة الناس،حتى الأطفال من بينهم.
ومن الضرورة بمكان أن أشير إلى نتائج الحرب الصهيوأمريكية الأخيرة والقذرة، التي شنتها دولة الإحتلال الإسرائيلي على غزة مؤخراً، وما تبعها من إجتاح لمدينة جنين ومخيمها ومدينة طولكرم وما سيلحق بها.
وكل ذلك بغطاء سياسي، وتمويل وعطاء اقتصادي وعسكري أمريكي وأوروبي، والذي يهدف في غايته إلى تعزيز الإحتلال وترسيخه.
وتنفيذ المخطط الصهيوني التوسعي نحو دول المنطقة العربية المجاورة لفلسطين، لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى.
ذلك الحلم الذي تعود جذوره التاريخية إلى أوهام ، وإلى جملة الأكاذيب التوسعية لليمين الصهيوني المتطرف، من خلال معتقدات دينية صهيونية كاذبة، تفيد بأن الأرض الموعودة، تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات بالعراق، كما يزعم معهد “التوراة والأرض” الإسرائيلي، وحملها وأصّل لها سابقاً ولاحقاً، قادة الحركة الصهيونية منذ بدايتها قبل أكثر من 120 عاما.
كمؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل، حين أعلن مشروعه التوسعي عام 1904، وزعم أن “حدود دولة إسرائيل تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات”.
وعلى النحو ذاته، طالبت عصابة “أرغون” الصهيونية المتطرفة، التي ظهرت خلال فترة الانتداب البريطاني بأرض فلسطين (1922-1948) والتي أُدمجت في الجيش الإسرائيلي لاحقا، بأن تكون دولة فلسطين التاريخية والأردن دولة يهودية يطلق عليها اسم “إتسل”.
إزدياد وتيرة الدعوات الصريحة، للصهاينة اليمنيين والمتدينين ، والتي باتت تتكرر وبشكل متزايد مؤخراً، لضم كل الضفة الغربية وتهجير أهلها، ورفض إقامة دولة فلسطينية، هو طرح سياسي توسعي خبيث، لم يأتي من فراغ، بل إن ذلك أمر مدروس ومخطط له بعناية، ويسير وفقاً لرؤية إسرائيل الكبرى والتي تمتد على كل فلسطين التاريخية، وتتجاوزها إلى غيرها.
وقد تم تعزيز ذلك بقانون الدولة القومية الإسرائيلي الذي تم تمريره في عام 2018، وقرار الكنيست الذي رفض إقامة دولة فلسطينية في أي مكان بين النهر والبحر.
إن المتبصر بعلم السياسة، وما يدور في أسرارها وأخبارها، والمطلع على نور القرآن الكريم والسنة النبوية، وما فيهما من قصص وأخبار ، عن دهاء بني إسرائيل ومخططاتهم يُدرك تماماً، أن طرح ما يسمى بصفقة القرن ، ثم إعتراف أمريكا بأن القدس كلها هي عاصمة لدولة الإحتلال الإسرائيلي، وإن الجولان العربي، هو حق طبيعي للمحتل الإسرائيلي، ما هي إلا مقدمات لحدث سيتبعه مثله من الاحتلال والظلم والطغيان، إن لم يواجه من قبل أهل الحق بالرد بصاعين .
في ظل غياب وتغييب العدالة الدولية، والسعار المحموم ، الذي تنتهجه دولة الاحتلال الإسرائيلي، دون رقيب أو حسيب، والذي تجلى من خلال تكرار العدوان و الحرب الإسرائيلية على غزة مراراً ، وما إرتكبته إسرائيل في غزة مؤخراً، من جرائم إبادة وتطهير عرقي وتمييز عنصري، وفضائع القتل والجرح والتشريد والتهجير والإرهاب المنظم ، والأحداث المتسارعة في جنين وامتدادها لطولكرم، والمنطقة كلها ، ما هي إلا دلالات واضحة على التخطيط العملي العميق ، لترسيخ وولادة فكرة “إسرائيل الكبرى”.
وقد لوحظ منذ بداية حرب الإبادة الجماعية مؤخراً على غزة،بأنه قد زادت الدعوات من قبل الساسة الإسرائيليين ومن معهم من المتطرفين اليمينيين في كل الضفة الغربية، بضرورة تصفية القضية الفلسطينية بشكل عام، والبداية تكون من غزة، وذلك بتفريغها من أهلها، لإقامة مستوطنات إسرائيلية وبنايات شاهقة على شواطئها ، وقد حظيت هذه الدعوات بدعم معظم الوزراء وأعضاء الكنيست .
وللربط بين الخطط والأفكار التوسعية الإسرائيلية قديما وحديثاً ، وما بدأ يتكشف مؤخرا حول نوايا تهجير أهالي غزة ، والتي أعلنها صراحة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي تقضي خطته ، إلى نقل الفلسطينيين من غزة إلى كل من مصر والأردن، ويقال أيضاً إلى إندونيسيا وألبانيا، وذلك بحجة أن غزة مكان مدمر ولا يصلح للسكن، ويحتاج إلى قدرات بشرية ولوجستية ومالية كبرى لإعادة الإعمار.
وهنا أسأل.. من الذي دمر غزة مراراً ، وجعلها مكاناً غير صالح للسكن، أليست إسرائيل من فعل كل ذلك، وأعانتها عليه أمريكا؟
إذن فالمطلوب أن تتحمل كل من إسرائيل وأمريكا، وحدهما لا سواهما مسؤولية الدمار والخراب، وعليهما تقع مسؤولية إعادة الإعمار في غزة؛
وأما عن دعوات التهجير فأقول.. كيف يستقيم تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع ممارساته، فهو يعيد المواطنين الأجانب من كل الجنسيات، ويخرجهم من أمريكا، ويعيدهم إلى أوطانهم بحجة مخالفة قوانين الهجرة.
وفي ذات الوقت يريد تهجير الفلسطينيين من وطنهم إلى أوطان أخرى،(كيف يكون ذلك ومن يقبله؟
واين المنطق والعقل فيه !
ختاماً… إن أي طرح سياسي لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، إلى أي مكان آخر، سواء بهجرة مؤقتة أو دائمة ، إن هي إلا خطط ونوايا خبيثة دُبرت بليل، ولها مقاصد سياسية وأمنية وجيوسياسية خطيرة وخبيثة، وهي مرفوضة جملة وتفصيلاً وبشكل قطعي لا يقبل بنقاشها .
وهذا الرفض ليس كلاماً للاستهلاك، وإنما يتطلب اتخاذ خطوات عملية، كرد أساسي وسياسي على إسرائيل وحلفاءها، ومن ذلك:-
اولاً:_فلسطينيا…بقاء ومتابعة صمود الشعب الفلسطيني على أرضه في كل فلسطين عامة، وفي غزة خاصة، ولا أروع من التضحيات وبسالة الصمود التي سطرها الغزيون،على أرضهم رغم شدة وقع التضحيات وفداحة الخسائر.
وليس هناك أروع ولا أجمل من الرد على دعوات التهجير ، بمثل مشهد عودة النازحين الغزيين إلى شمال غزة.
ثانيا:- يجب أن يكون هناك تغيير جذري، في آليات عمل السلطة الفلسطينية، وضرورة التحول مما هي عليه الآن، لتكون فعلياً إلى صف الشعب الفلسطيني كله ، وتدافع عنه وتحفظ كل حقوقه.
وضرورة توجيه رصاص بنادق أمن السلطة ومسلحيها، بإتجاه المستوطنين وجيش الإحتلال الإسرائيلي، إذ لا يعقل، ولا يقبل ولا يستساغ، أن يبقى الشعب الفلسطيني يقارع الإحتلال ويقاومه، وفي ذات الوقت تبقى السلطة تنسق مع الإحتلال، وقوات أمنها تعتقل وتلاحق المقاومين !
ثالثا:- ضرورة قيام تحالف فلسطيني، يجتمع تحت لواءه كل الفصائل الفلسطينية، وبقيادة واحدة، وهدف واحد وهو رفض التهجير والعمل من أجل التحرير، وإعلانها جميعها، بالعودة إلى المقاومة والكفاح المسلح.
رابعا :- ضرورة إيجاد دعم حقيقي عربياً وإسلامياً للفلسطينيين، بشكل سياسي وإقتصادي.
أ. – سياسيا في كل المحافل الدولية، من خلال حث المجتمع الدولي للتدخل وبشكل عاجل، لاتخاذ خطوات عملية، لكبح جماح إسرائيل ولجمها عن إجرامها، وإلزامها بتطبيق قرارات الشرعية الدولية.
ب – وإقتصاديا.. لتمكين أهل فلسطين من المقاومة والبقاء على أرضهم وعمارتها بالبنيان ولو كان يسيرا، وغراس أشجار الليمون والزيتون، وإن كان صغيرا، فإن مصير الاحتلال والظلم إلى الزوال، ولتبقى فلسطين على الدوام رمزاً للحق والسلام.
كاتب عربي مسلم.