قراءة في خطاب الموازنة العامة للدولة. اسباب العجز والحلول//نايف المصاروه.

بداية اعترف بانني لست متخصصا في علم الإقتصاد والسياسات المالية، كما انني لست فقيها في تشريعات  تعدد فرض الضرائب ، ومعها ومثلها الرسوم بكل مسمياتها ومنها الرسوم على الرسوم .
لكني قارئ جيد ومتابع فطن، لكل ما يجري على ساحتنا وسياستنا الوطنية، وكذلك ساحة وسياسة من حولنا إقليميا ودوليا.
صحيح بأننا نتاثر بما يؤثر سلبا على المجتمع الدولي، ولكن السؤال.. لماذا نتاثر سلبا فقط، ولا نتأثر إيجابيا بكل الإيجابيات التي يتأثر بها غيرنا وما أكثرهم؟

في قرائتي المتواضعة لخطاب قانون الموازنة العامة للدولة بمجمله، وإن أطالت الحكومة في الشرح والبيان وكثرة الأرقام، فهو إنشائي طويل ممل ومخيب للامال، وخلاصتة.. “، بأنه قدرت النفقات العامة للعام 2023 بنحو 11432 مليون دينار، وبإرتفاع مقداره 871 مليون دينار، أو ما نسبته 8.2 بالمائة عن مستواها لعام 2022، وأما العجز المتكرر فسيبلغ  مليار و862 مليون دينار بعد المنح.

والرد على ذلك.. بصراحة وصدق ودون تنميق ، يكون بالإعتراف الحقيقي.. بأن كل السياسات المالية القائمة على جرم ” الربا وبكل تنوعه وتنميق مسمياته  ” ، لا ولن تنجح او تفلح في  تحقق التنمية والإستقرار الإقتصادي ، وأقرأوا قول الحكيم الخبير، سبحانه وبحمده” {يَمۡحَقُ ٱللَّهُ الربا.. }، يمحق  …اي بمعنى ينقص الله تعالى المال، إما حسا بتلفه وتعرضه للخسائر والنكبات والإهتزازات ، أو تذهب بركته.
ثم اتبع الله تعالى ذلك البيان بالإنذار والوعيد فقال سبحانه {  فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ فَأۡذَنُواْ بِحَرۡبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ.. }،فاذنوا اي إعلموا تماما وأيقنوا تصديقا .
ولأننا تركنا ما أمرنا به واتبعنا غيرنا، فلا غر ولا عجب ان نتأثر بكل الويلات.

ويكفي ان أشير  إلى ما يعانيه العالم اليوم جراء التعاملات الربوبية ،كتفشي الأمراض وتنوعها، وما جائحة كورونا وتبعاتها وما سبقها عنا ببعيد ، ثم استمرار ويلات الإرهاب والحروب، وآخرها الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على الإقتصاد العالمي، والركود التضخمي ، وكثرة الجرائم ونوعياتها، وتغير المناخ وكثرة الكوارث كالزلازل والبراكين، والحرائق والفيضانات وغيرها.

إعتراف الحكومة ، بإن الاقتصاد عانى من العديد من الفرص الضائعة، واختلال الأولويات التي ورثتها هذه الحكومة، فهذه ليست اول حكومة تلقي باللوم على الحكومة التي سبقتها،وهذا قول يتكرر في كل عام، ونسمع عن خطط شتى، ولكن لا ينفذ منها إلا اليسير.

جاء في مشروع قانون الموازنة، بأنه قدرت النفقات الجارية لعام 2023 بمبلغ 9839 مليون دينار لترتفع بنحو 766 مليون دينار أو ما نسبته 8.4 بالمائة مقارنة بعام 2022.
وسبب  هذا الإرتفاع  هو الزيادة على مخصصات الجهاز العسكري وجهاز الأمن والسلامة العامة بنحو 153 مليون دينار، وزيادة رواتب الجهاز المدني بنحو 135 مليون دينار، وزيادة رواتب المتقاعدين العسكريين والمدنيين بنحو 24 مليون دينار.
كما جاء الإرتفاع في النفقات الجارية بسبب” * زيادة مخصصات فوائد الدين العام  بنحو 149 مليون دينار مقارنة بعام 2022 لتصل إلى نحو” 1577” مليون دينار في ضوء الإرتفاع في أسعار الفائدة العالمية جراء السياسات الهادفة إلى إحتواء التضخم عالمياً.

وقد شكلت هذه المخصصات، ما نسبته 64 بالمائة من إجمالي النفقات الجارية،ويضاف لها مخصصات فوائد الدين العام لتصبح النسبة 82 بالمائة من إجمالي النفقات الجارية.
بمعنى ان جل الموازنة تذهب رواتب للعاملين والمتقاعدين، وسداد لفوائد الدين العام والذي يزداد ولا ولن يتوقف.
والسؤال… إذا كان ما مقداره 64 بالمائة من الموازنة هو رواتب للعاملين والمتقاعدين ، فماذا تبقى من الموازنة للمشاريع الراسمالية؟

وإذا كان ما مقداره 18بالمائة من الموازنة يذهب لسداد فوائد الدين العام فقط ، فمتى سنبدأ في سداد الدين الكلي؟

وتؤكد الحكومة على أن اقتصادنا يخطو بثقة على مسار التعافي التدريجي، حيث من المتوقع أن يحقق الإقتصاد الوطني نمواً بنسبة 2.7 بالمائة لعامي 2022 و 2023 مقابل 2.4 بالمائة لعام 2021.
والسؤال.. كيف السبيل إلى ذلك، وما هي آليات ووسائل النمو؟
ومثل ذلك.. وفي ظل إرتفاع العرض على الطلب، كيف سيتم كبح جماح التضخم؟

وتقول الحكومة بأنها تدرك… انخفاض القوة الشرائية في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، وتشوه العبء الضريبي بارتفاعه على الطبقة الوسطى بدلاً ممن هم أكثر دخلاً، وبأنها  تدرك  الألم الإقتصادي والصعوبات المالية  التي يعيشها المواطن الأردني، وتراها أرقاماً، كما تراها في حياة الناس وفي معاناتهم .

تدرك الألم ،و القلب الذي يخفق بالألم، ففيها وجهة نظر، أما  انها تراها ارقاما في حياة الناس، فهذا صحيح وواقعي،،، وقد إرتفعت معدلات الضرائب الاستهلاكية على الكثير من المواد الغذائية الأساسية، بالإضافة إلى الضرائب على المحروقات، الأمر الذي أدى إلى رفع العبء الضريبي على الطبقة الوسطى ومحدودة الدخل، وبإعتراف الحكومة وضمن موازنتها، حيث ارتفعت إيرادات الضرائب على المحروقات من قرابة 463 مليون دينار في عام 2015 إلى قرابة 1070 مليون دينار في عام 2019.
وهو نهج قائم  ومتبع حتى اللحظة، وهو ما دفع الناس للإحتجاج والتظاهر على ذلك ،وهناك تقارير ودراسات دولية ومحلية، تثبت بأن الأردن يعد ثاني أعلى دولة عربية في أسعار المحروقات وخاصة البنزين .

أما العقل الذي  يريد البحث عن الحلول… فإن الواقع خلافه، وأن ايسر الحلول، هي الضرائب والرسوم ، وقد  قدرت الإيرادات المحلية لعام 2023 بمبلغ 8767 مليون دينار بزيادة مقدارها 829 مليون دينار أو ما نسبته 10.4 بالمائة عن مستواها لعام 2022،حيث سترتفع الإيرادات الضريبية بنحو 696 مليون دينار أو ما نسبته 11.7 بالمائة.
فيما قدرت المنح الخارجية بنحو 802 مليون دينار في عام 2023 مقابل 796 مليون دينار لعام 2022.

وهمسة للحكومة.. اذا كانت تدرك، لماذا لا تعمل على التدرج الحقيقي بخفض الضرائب والرسوم، فيزداد الطلب على العرض،  وبدون ضغط على المواطن او المستهلك وبما لا يثقل كاهله،وبهذا نحقق التنافس والتوسط السعري ، وزيادة التأتيات الضريبية بشكل تلقائي!
للعلم سياسة الرفع المتبع، هي سياسة خنق وسلوك استفزازي، لا ولن يجدي.

اما التشوه الضريبي، فالحل بالتشريع العادل الذي يراعي الحقوق، ويجب أن تكون بشكل تنازلي لا تصاعدي، وأما معضلتي التهرب والتجنب الضريبي، فالحل لها.. هو بتجذير الثقة بين المواطن والمسؤول وكل المؤسسات، وترسيخ مبدأ التعامل بالصدق، لتحقيق قاعدة الإنتماء وبناء الثقة .
بمعنى اكثر وضوحا..نعم أدفع الضريبة كواجب وطني، ولكن يجب أحصل على ما احتاج من  الحقوق، كخدمات النقل والطرق والتعليم والصحة وغيرها، وبإعتراف الحكومة في خطاب الموازنة ، بأن هناك تراجعا في مستوى الخدمات والبنية التحتية.
وسؤال يتكرر.. إلى متى سنبقى نعتمد على الضرائب والرسوم والمنح ، لتكون فقط هي الرافد الابرز لدعم الموازنة؟

ومتى سيكون لدينا وفر ورصد مالي لمشاريع راس مالية حقيقية، في قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والتعدين، واستغلال الموارد والمصادر الطبيعية، لتكون وتشكل أذرعة وعونا للإقتصاذ الوطني، ورافدا مهما  للخزينة العامة، حتى نتوقف عن الإقتراض ونبدأ بسداد الديون، وليس فوائدها فقط!

لا أدري.. هل يعلم سادة القرار، ما هو الأثر السلبي  للإقتراض وقبول المنح والهبات، على مفهوم السيادة واستقلال القرار الوطني؟
وقد قيل.. إن الذي يمد يده.. لا يحق له ان يمد رجله.

والسؤال أيضا.. بماذا سبقتنا سنغافورة وماليزيا وغيرها؟
فاين هي العقول الذي تبحث عن الحلول؟

وجاء في مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2023 أيضا، رصد مخصصات مالية بقرابة 8.1 بالمئة لتبلغ قرابة 1363 مليون دينار بارتفاع مقداره قرابة 111 مليون دينار عن عام 2022، لدعم وتطوير  التعليم الجامعي بكل مستويات، ودعم  (صندوق الطالب المحتاج) ودعم الجامعات ومخصصات التغذية المدرسية ومكرمة الملك  لأبناء العسكريين والمعلمين ومخصصات رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة.

التعليم والتوظيف  حق لكل مواطن وهو واجب على الدولة، لكن يجب إعادة النظر ببعض الحقوق التي تمنح لبعض المسميات، ، والأهم هو توجيه  تلك المخصصات إلى من يحتاجها من الفقراء ومحدودي الدخل فقط.

كما جاء في مشروع قانون الموازنة العامة، المحافظة على سياسة زيادة مخصصات صندوق المعونة الوطنية/ الدعم النقدي الموحد، والتي ارتفعت في عام 2023 لتصل إلى قرابة 244 مليون دينار.

وهو امر محمود وجميل، وحق وواجب على الدولة، إن ترعى المحتاجين من مواطنيها، ولكن هذا الأمر وإن كان محمودا وواجبا، فهو ليس على الإطلاق، بل يجب إعادة النظر بالأسس وشروط الإنتفاع.
وهنا أربط سياسة العون الإجتماعي،مع واقع البطالة التي بلغت نسبتها 22.8 بالمائة خلال عام 2022، وتأثيراتها الإجتماعية والإقتصادية والامنية.

وتقول الحكومة بأنها  تدرك  أن الشعور بالإحباط الذي يهدد شبابنا الباحث عن العمل حقيقي، وهو في واجهة سلم أولوياتها .

ترى هل تعلم الحكومة،التي ترسم الخطط، وتسعى لجذب الإستثمارات، وأعلنت عدة مرات عديدة، عن برامج للتشغيل والتوظيف ، وأنها وبدلا من ضبط السوق وتوفير فرص العمل الحقيقية للاردنيين، وتفضيلهم في ذلك على غيرهم، إلا أننا  نجد أن مئات الآلآف من فرص العمل تذهب للآجئين وغيرهم من الوافدين .
والسؤال.. كيف لدولة تعاني من إرتفاع في نسب الفقر والبطالة، ثم تأتي ببعض الإستثمارات وتشجعها وتقيمها ،ثم تذهب فرص التشغيل والتوظيف لغير مواطنيها؟
ختاما.. إن المال العام أمانة ثقيلة، وحفظه واجب ، وسيسأل عنه كل من تولى شانه، تخطيطا وإدارة وإنفاق.

كاتب وباحث أردني.

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة