كنوز فوتوغرافية في مئوية الدولة الأردنية سلطان الأطرش في الأزرق 1922
التجأ الكثير من أحرار العرب الى الدولة الأردنية الوليدة في عشرينيات القرن الماضي، هرباً من الاضطهاد والتهديدات بالاعتقال أو القتل، بعضهم عاد لوطنه بعد سنوات، وآخرون بقوا في الأردن ومنحوا الجنسية الأردنية واستلموا مناصب رفيعة في الدولة، ومنهم أول رئيس وزراء في تاريخ الدولة الثائر السوري رشيد طليع، وثاني رئيس للوزراء في عهد الامارة أيضاً مظهر رسلان، وآخرون كثر قدموا من سوريا ولبنان وفلسطين والعراق والحجاز وغيرها من الأقاليم العربية ساهموا في إغناء الحياة السياسية والحزبية والنشاط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في البلاد.
ومن أهم وأبرز الشخصيات التي وجدت في الأردن وبين أبناء شعبه ملاذا آمنا الزعيم الوطني السوري سلطان الأطرش المعروف في بلدته السويداء وبين أبناء طائفته الدرزية تحديدا بـ»سلطان باشا» و»الأمير سلطان» أيضاً، ونجده في تلك الصورة العائدة للعام 1922 -وهي من أرشيف مؤسسة غيتي العالمية- يجلس في بيت شعر الأزرق مع عدد من الثوار الذين لجؤوا معه للأردن اثر الحكم عليه بالإعدام في دمشق من قبل قوات الاحتلال الفرنسي…فما هي تفاصيل رحلتي لجوئه للأردن وظروفهما؟
اللجوء الأول الأول 1922
ولد سلطان باشا الأطرش في قرية القريّا في محافظة السويداء منطقة صلخد في الجمهورية العربية السورية، لدى عائلة الأطرش الشهيرة. والده ذوقان بن مصطفى بن اسماعيل الثاني مؤسس المشيخة الطرشانية 1869، كان ثائرا و زعيماً محلياً قاد معركة ضارية في نواحي الكفر عام 1910، وهي إحدى معارك أبناء الجبل ضد سامي باشا الفاروقي، والتي كانت تشنها السلطنة العثمانية على جبل الدروز لكسر شوكته وإخضاعه لسيطرتها، أعدمه الأتراك شنقاً بسبب تمرده عام 1911. أماّ والدة سلطان فهي شيخة بنت إسماعيل الثاني.
هو كبير إخوته علي و مصطفى و زيد، و له أختان سمّية و نعايم تزوج في سن التاسعة عشرة من عمره من ابنة عمه فايز غازية لكنها توفيت بعد فترة قصيرة دون أن يرزق منها أطفالاً و بعد عودته من الخدمة الإجبارية تزوج من ابنة الشيخ ابراهيم أبو فخر من بلدة نجران و اسمها تركية و رزق منها جميع أولاده الذكور: طلال و فواز و يوسف و جهاد توفوا جميعاً و منصور و ناصر و طلال و الإناث: غازية و بتلاء و زمرد و تركية و نايفة و عائدة و منتهى.
خدم سلطان الأطرش في الجيش العثماني والتحق بجبهة رومانيا، وعندما قامت الثورة العربية الكبرى عام 1916 انضم لها وكان أول من رفع علمها على أرض سورية قبل دخول جيش الملك فيصل، حيث رفعه على قلعة صلخد و على داره في القرياّ، وكان في طليعة الثوار الذين دخلوا دمشق سنة 1918، بعد أن رفع العلم العربي في ساحة المرجة فوق مبنى البلدية بدمشق، منحه الملك (فيصل الأول) لشجاعته لقب (أمير) عام 1916، كما منحه أيضاً رتبة فريق في الجيش العربي، وهو يوازي لقب باشا.
في تموز 1920، جهز سلطان الأطرش قوات كبيرة لملاقاة الفرنسيين في ميسلون، لكنه وصل متأخراً بعد انكسار الجيش العربي واستشهاد القائد يوسف العظمة وزير الدفاع. عارض سلطان إنشاء الدولة الدرزية عام 1921 و قبل ذلك و بعده عارض بشدة الانتداب الفرنسي.
في 7 تموز 1922، بدأت علاقة سلطان تسوء مع الفرنسيين بعد اعتدائهم على التقاليد العربية في حماية الضيف، حين اعتقلوا أدهم خنجر الذي اشترك في عملية محاولة اغتيال الجنرال غورو و احتمى بدار سلطان باشا الأطرش هرباً من الفرنسيين.
بعد هذه الحادثة جهز سلطان قوة من رجاله و اشتبك مع الفرنسيين في معركة تل الحديد 1922 وكان من نتائجها قتل وأسر ضباط فرنسيين، لجأت فرنسا إلى المفاوضات ووافقت على إطلاق سراح أدهم خنجر مقابل الافراج عن 4 جنود أسرى و لكنها سرعان ما أرسلت أدهم إلى الإعدام في بيروت و دمرت منزل سلطان الأطرش. لذا لجأ سلطان و الثوار إلى الأردن مؤقتاً حيث عادوا بعد سنتين إلى الجبل و كان قد اكتسب شعبيةً هائلة.وفي عام 1925 انطلقت الثورة من جبل الدروز لتشمل سورية كلها و جزءاً من لبنان. و قد تولى سلطان باشا الأطرش قيادتها بالإجماع، و تعد من أهم الثورات ضد الاحتلال الفرنسي بسبب أنها شملت سورية كلها و امتازت بمعارك ضارية بين الثوار و القوات الفرنسية.
اللجوء الثاني 1954
لم يتوقف نضال سلطان الأطرش بعد الثورة، بل شارك أيضاً بفعالية في الانتفاضة السورية عام 1945 و كان جبل الدروز بتوجيه منه أسبق المقاطعات السورية في طرد الفرنسيين إذ طوق أبناءه مراكزهم و أخرجوهم فكان ذلك بداية خروجهم من سورية، كما دعا في العام 1948 إلى تأسيس جيش عربي موحد لتحرير فلسطين، وبالفعل تطوع المئات من الشباب واتجهوا للمشاركة الفعلية في حرب 1948.
وأثناء حكم الشيشكلي، تعرض سلطان لمضايقات كثيرة نتيجة اعتراضه على سياسة الحكم، فغادر الجبل إلى الأردن في كانون ثاني 1954، عندما عمّ الهياج أنحاء سورية لاسيما بين الطلبة الذين كانوا في حالة إضراب مستمر، واعتقل العديدون بينهم منصور الأطرش أحد أبناء سلطان الأطرش، فجرت محاولة درزية لإخراجه من السجن أدت إلى اشتباك مسلح، سرعان ما تحولت إلى معركة في جبل الدروز، وعاد الأطرش إلى بلده بعد سقوط الشيشكلي.
توفي سلطان الأطرش عام 1982 في السويداء وأقيمت له جنازة رسمية بحضور مئات الآلاف.
خالد سامح/ الدستور
التعليقات مغلقة.