كنيسة الرسل في مادبا.. معلم أثري زاخر بالثقافات البشرية
مادبا- انتاب السائح الإيطالي أندريه حالة من الانبهار والدهشة الممزوجة بالفرح والمتعة، وهو يتأمل اللوحات الفسيفسائية المعلقة على الجدران والمرصوفة على أرضية كنيسة الرسل في مدينة مادبا، حين زارها وأمضى فيها زهاء الساعتين، جائلا، مدققاً في ملامح كل لوحة فسيفسائية التي أوجد فيها لغة تعبيرية تنقل في طياتها شاهداً على عظمة تاريخ هذه المدينة، وفق ما ذكره لـ “الغد” في سياق حديثه، والفرح يتسيد محياه.
وتشكل كنيسة الرسل نقطة جذب للسياح الأجانب، الذين يتوافدون عليها للاطلاع على أقدم كنيسة بيزنطية في مدينة مادبا، والتي يعود بناؤها إلى العام 578م، وتم اكتشافها العام 1903 على يد الأب مانفريدي؛ حيث قام بقراءة كتابة الإهداء وحدد من خلالها اسم الأسقف سرجيوس واسم الكنيسة وتاريخ بنائها، وفق مدير آثار مادبا خالد الهواري.
ويشير الزائر أندرية وهو باحث عن التاريخ وفنان تشكيلي، إلى عظمة تاريخ هذه المدينة عبر العصور لتعطي دلالات ومؤشرات على أهميتها كموطن أصيل للثقافات البشرية، وذلك من خلال الشواهد التي تتمثل في آثارها المتواجدة في أرجاء المدينة والمناطق المحيطة بها.
وقال: “من يمتلك الإبداع عليه البحث المستمر لتطوير إبداعه”، مشيراً إلى أن مدينة مادبا لوحة بانوراما متكاملة تشد من يأتي إليها وتجعله يمكث وقت طويلاً لما تمتلك من آثار عظيمة وتحكي وتحاكي عظمة تاريخها بطريق الوصف الماثل للعيان.
ويقول الناشط بالشأن السياحي عدي العواد “إن السياسات المعتمدة في القطاع السياحي، لا تخدم القطاع السياحي وتعزيزه بشكل يمكنه من استقطاب الاستثمار، الذي يعد من المكملات الأساسية في رفع عجلة الاقتصاد الوطني، وبخاصة أن مدخولات السياحة تشكل 14 % من عوائد الاقتصاد الأردني”.
ويرى المواطن ساجر الشوابكة، أن هناك تطوراً ملحوظاً في الحركة السياحية، بسبب الأمن والأمان الذي ينعم به الأردن، لكن يقول “إن هذا لا يكفي في منهجية وديمومة استقطاب السياح؛ إذ يجب وضع استراتيجية مغزاها (ديمومة الفعل السياحي)، وهذا لن يأتي إلا بوضع سياسات استراتيجية ترويجية فعلية لتسويق المعالم السياحية كافة في المملكة”.
وأكد الهواري أن بناء الكنيسة الذي أجري له ترميم شامل وكامل، يتكون من ثلاثة أروقة وكنيستين صغيرتين في الجهة الشمالية، مشيراً إلى أنه تم المحافظة على الأرضيات الفسيفسائية داخل الكنيسة التي أنتجها رجل فن الفسيفساء سلمان من حسبان، والذي وقع اسمه في الدائرة الوسطية في صحن الكنيسة، والتي تمثل تشخيص البحر ممثلاً في هيئة امرأة تخرج من المياه بين الأسماك والحيوانات البحرية.
ويضيف الهواري أنه في العام 1993 تم ترميم المبنى بدعم من وزارة السياحة والآثار والمركز الأميركي للأبحاث الشرقية، بتصميم وتنفيذ المعماري عمار خماش، الذي قام بتغطية أسقف الكنيسة وأعطائها الطراز المعماري القديم والتراثي، ليتلاءم مع مكانة الكنيسة وقيمتيها التاريخية والحضارية، وفقا للمعايير التي تعطي دلالة أكيدة، على أن هذه المدينة مرت بحضارات متعاقبة على مدى العصور.
وأكد أن وزارة السياحة والآثار أصدرت تذكرة موحدة للمواقع السياحية والأثرية التابعها لها، لترويج المواقع الموجودة على المسار السياحي والأثري في مدينة مادبا وهي (المتنزه الأثري والقصر المحروق والمتحف وكنيسة الرسل)، مضيفاً أن دائرة الآثار العامة عملت على تحسين المرافق العامة، وإجراء الترميمات اللازمة لهذه المواقع، تحضيرا لموسم السياحة في الصيف المقبل.
وأوضح الهواري أن عدد زوار المواقع يرتفع وينخفض حسب الوضع الأمني في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، مشيرا الى أن زوار مدينة مادبا هم سياح أجانب من أوروبا وأميركا وروسيا ومن أنحاء العالم كافة، فيما عدد السياح العرب الذين يزورون المواقع الأثرية ضعيف، بيد أن السياحة الدينية في مدينة مادبا نشطة جداً نظراً لوجود مقام النبي موسى عليه السلام في جبل نيبو، وكنيسة الخارطة والمواقع الأثرية في مادبا وذيبان، وخصوصاً جبل مكاور.
وقال المدير التنفيذي لبلدية مادبا جلال المساندة، إن مادبا مدينة سياحية عالمية، وبالتالي من أدنى واجبات البلدية أن توفر بنية تحتية وتجميلية للشوارع والأحياء، لتليق هذه المدينة بكونها مدينة سياحية عالمية تستقطب السائحين من مختلف أنحاء العالم”، متوقعا أن يكون هناك موسما سياحياً أفضل مع اختيار مدينة مادبا عاصمة للسياحة العربية للعام المقبل 2022.
ويلفت رئيس جمعية تطوير السياحة والحفاظ على التراث في مادبا سامر الطوال، إلى عدم وجود استراتيجية تسويقية سياحية في المملكة “فالسياح يأتون للاطلاع على المواقع السياحية والأثرية من دون التسوق والإقامة في مادبا”.
التعليقات مغلقة.