كيف تمكن “العمل الإسلامي” من الفوز في الانتخابات النيابية؟
أسدل الستار على انتخابات مجلس النواب الـ20، والتي جرت وقائعها وفق قانون الانتخاب الجديد رقم (4) لسنة 2022، اذ يدمج بين نظامين انتخابيين في آن واحد، وقد خصص 41 مقعداً للتنافس الحزبي من إجمالي 138، وأعاد رسم الدوائر الانتخابية لدائرتين: محلية وعامة، وتتوزع الدائرتان بين 97 مقعداً للدوائر المحلية و41 للقائمة العامة المخصصة للأحزاب والتحالفات الحزبية.
عملت الهيئة المستقلة للانتخاب بجهود ملموسة في التنظيم ومتابعة العملية الانتخابية بتفاصيلها كافة، وعبر موقعها الإلكتروني، كشفت نشاطاتها عن الحجم الكبير في تواصلها مع المجتمع بشأن مجريات الاستعداد والتحضير للانتخابات، ووضعت أسماء القوائم الحزبية والمترشحين للدائرة الانتخابية العامة 25 قائمة وعدد مترشحيها 686 منهم 499 ذكور بنسبة 72,3 % في حين بلغ عدد المترشحات 187 يشكلن 27,7 %، وشارك في الانتخابات 36 حزبا من أصل 38 حزبا، وبلغ عدد القوائم في الدوائر الانتخابية المحلية 172، ترشح فيها 937، بينهم 747 بنسبة 80 % مترشحا من الذكور، والإناث 190 يشكلن 20 %.
أما ما يتعلق بمشاركة الأحزاب، فإن الانتخابات أجريت وفقاً لقانون الانتخاب الجديد، الذي خصص 41 مقعدا للتنافس الحزبي، وفي هذا الإطار لمسنا اندفاعا ورغبة ومشاركة من الأحزاب في الانتخابات، ليصل عدد الأحزاب المشاركة 36 حزبا من أصل 38 حزبا، في حين بلغ عدد التحالفات الحزبية 5، ضمت 16 حزباً، ولم يعلن أي حزب تحفظه او مقاطعته للمشاركة في الانتخابات؛ ما يعد نجاحا لهذه التجربة، فالقبول بالمشاركة يعد علامة من علامات الرضا عن القانون الجديد، وعن جدية العملية الانتخابية.
“العمل الإسلامي”
مشاركا في الانتخابات
عبر رصد النتائج التي حققها حزب جبهة العمل الإسلامي؛ الذراع السياسية لحركة “الإخوان المسلمون” في الأردن، ونيله الترتيب الأول من حيث عدد الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات (464350 صوتا بنسبة 28,3 % من إجمالي عدد اصوات المقترعين وقدرها 1.638.353 صوتا، فإن هذه المشاركة تشكل 9 % من اجمالي النسبة العاملة للمقترعين وقدرها 32,3 %)، ولولا مشاركة جبهة العمل لكانت النسبة العامة للاقتراع 23 % فقط.
تدفعنا هذه النتائج للبحث والتحليل في الإجراءات والسيناريوهات التي اتبعها حزب الجبهة والتي أدت الى الفوز في الانتخابات، وعبر خطوات ومسلمات ومعطيات وحقائق واقعية رصدناها عن طريق اتباع منهجية أنثروبولوجيا للحركات الاجتماعية التنظيمية في المجتمع الأردني، نجد بان الحزب حقق هذه النتائج وفقا للمعطيات التالية:
1 – تنوع المترشحين واختيارهم بدقة وعناية وخطوات محسوبة: فقد شارك حزب الجبهة في الانتخابات بقائمتين: حزبية ضمت 38 مترشحا ومترشحة، ومحلية ضمت 11 قائمة، ضمت 64 مترشحا ومترشحة، بإجمالي مترشحين 102 مترشحا ومترشحة على القوائم. وبعد دراسة بوسترات الدعاية للمترشحين التي أخرجت وصممت بعناية فائقة، لاحظنا وجود 17 من حملة الدكتوراة و5 نقباء نقابات مهنية و23 معلما و6 مديري مدارس و17 نائبا سابقا مخضرما و14 مهندسا و5 محاسبين و2 من الشيشان والشركس و2 من المسيحين و7 من حملة شهادة الماجستير و8 محامين و1 طبيب، و19 أنثى و25 شابا و8 مدرسي جامعات و2 ممرضين و2 مهندسين وحرفيين و2 صيادلة و1 مهندس زراعي و1 خبير طاقة، و2 خطيب مسجد و8 إعلاميين و26 ناشطا إسلاميا واجتماعيا و5 أعضاء مجالس محلية وبلدية وامانة عمان ومجالس المحافظات و3 أعضاء من لجنة الحوار الوطني ولجنة تحديث المنظومة السياسية. هذه القائمة الحزبية المتنوعة، حققت نسبة مشاركة كبيرة في الاقتراع لصالح الحزب.
2 – التحالف مع نقابة المعلمين: اعتمد الحزب في الانتخابات على تحالف قوي بين الحزب ونقابة المعلمين المنحلة، إذ أشرك 23 معلما في الانتخابات على مستوى القائمة العامة او المحلية، وهذه خطوة تنظيمية تكتيكية مدروسة بعناية، اذ كان لهم دور كبير في رفع عدد المقترعين المحسوبين على النقابة، بخاصة وأن النقابة لها موقفا مسبقا مع الحكومات السابقة، ولم يقف معهم أو يساندهم إلا “الإخوان المسلمون” في مراحل قضية النقابة مع الحكومة كافة.
وعندما نستعرض أسماء المعلمين الـ23، فجلهم لهم قواعد شعبية وحضور اجتماعي ونقابي في المحافظات والألوية، وهذا التحالف ساهم برفع عدد المقترعين المحسوبين على “الاخوان المسلمون” وحضورهم بما لا يقل عن 100 الف ناخب وناخبة، وفاز في هذه الانتخابات النقابي ناصر النواصرة نائب نقيب المعلمين، والذي كان يقود حراك المعلمين، كما أشرك 5 نقباء آخرين في قائمة الحزب لهم حضور شعبي ونقابي واجتماعي، بالإضافة الى مؤازري الحزب الصامتين، والذي يدعمون قلبا وقالباً مترشحي حزب الجبهة وهم المحسوبون على (حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وتنظيمات أخرى، ولا ننسى بأن القاعدة الشعبية بين الفلسطينيين في الضفة الغربية لحركة حماس كبيرة، والدليل أنها فازت في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الثاني في العام 2006 في فلسطين، وهؤلاء لهم امتداد وتعاطف خارج فلسطين، والآن يتعمق الشعور والدعم لـ”الإخوان المسلمون” في الأردن، كونهم يساندون المقاومة في غزة، ولا ننسى دور جبهة العمل الإسلامي في قيادة المسيرات والتظاهرات والاعتصامات الداعمة لعملية طوفان الأقصى)، فالنتيجة حصول مترشحي الجبهة على هذا العدد من المقترعين، ما ساهم بمؤازرة ودعم بما لا يقل من 100 مقترع.
3 – دعم الطبقة الفقيرة والمناطق الشعبية لحزب الجبهة: القوة التصويتية للحزب، تاريخيا لا تتغلب عليها أي احزاب او قوى وطنية، بخاصة التي شاركت في الانتخابات، لكون معظم الأحزاب حديثة التأسيس وقليلة العدد من حيث الأعضاء والمقرات والتجمعات والفروع، مقارنة بحزب الجبهة، وهنا لا بد من التأكيد على أن الأحزاب حتى تتفوق عدديا على الجبهة، تحتاج لإسناد ودعم من المؤازرين من القوائم المحلية، فهم القوة التصويتية للفوز.
4 – ارتفاع معدلات الفقر والبطالة: اذ وصلت معدلات البطالة الى شريحة كبيرة من السكان، واغلبهم من الشباب، بخاصة المتعلمين، وحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة، فإن مسح العمالة والبطالة في الجولة الثانية 2024، بلغت فيه نسبة البطالة بين حملة البكالوريوس فأعلى للذكور والاناث 43,3 % وبين الاناث 83,2 %، وبين المتزوجين 25,8 %، ومن لم يسبق لهم العمل نهائيا 39.9 %، ما أدى لارتفاع نسبة العزوبة، إذ يبلغ متوسط العمر عند الزواج للذكور 32,4 %، وبين الاناث 30,2 %، اما بشأن معدلات الفقر فبلغت 35 % حسب بيانات البنك الدولي التي أعلنتها بتاريخ 10/07/2023 ولم تنفها الحكومة، أي نحو 4 ملايين فقير في الأردن، في ظل عدم الثقة بالحكومات المتعاقبة بحل هذه المشكلات، لذا فإن هذه الطبقات تكون وجهتها نحو التصويت في الانتخابات والمشاركة في الأحزاب القوية لصالح الأحزاب التي تعد في صفوف المعارضة، وتطالب بتحسين الأوضاع وحل مشاكل المواطنين، والبعد كل البعد عن الأحزاب المفصلة حكومياً.
5 – الاستعداد الجيد للحزب للمشاركة بالانتخابات: “الاخوان المسلمون” يتميزون الى درجة كبيرة بالخبرة والدهاء والحنكة والتكتيك ودراسة الوضع قبل المشاركة في العملية الانتخابية، فهم آخر حزب اعلن عن قوائم مترشحيه، وفاجأ المجتمع والمتابعين بهذا العدد من المترشحين ونوعيتهم ومكانتهم الاجتماعية وخبرتهم الحزبية، وجرت المشاركة في الاقتراع من ناحية القائمة العامة والقوائم الفرعية، وهذا زاد من سخونة الموقف وحصد مزيدا من المقاعد النيابية كون (الصوتين) ملكا لناخب منظم يتحكم بصوته كيفما يشاء وحسب توجهات الحزب، ومنحهم فرصة للتحالف مع مترشحين من خارج الحزب لدعمهم بهدف النجاح، وهذا ما ينتظره المترشحون، في الحصول على أي دعم لحصد الأصوات والفوز، ما يعني حصولهم على مقاعد متقدمة مضمونة للحزب، ستكون ضمن الدوائر الفرعية أيضا، وسيكونون مساندين لتوجهات الحزب في مجلس النواب مستقبلا اذا حالفهم الحظ، وهذا ما جرى على ارض الواقع، ونتوقع وجود نواب من المحافظات وأبناء العشائر جرى دعمهم وايصالهم الى الفوز، وهذا ما ستكشفه في قادم الأيام.
6 – الدقة بتوزيع المقترعين على الدوائر الانتخابية: تقارب اعداد الأصوات للفائزين، فمثلا حصل المترشحون من الدائرة الثانية بمحافظة العاصمة جهاد مدانات على 23726 صوتا، وموسى الوحش على 23721، والفارق بينهما 5 أصوات، وحصل المترشحون من دائرة الزرقاء الانتخابية: ايمن أبو الرب على 16923 صوتا، ونبيل الشيشاني على 16809 أصوات، والفارق بينهما بسيط جدا وقد يعود لصلات قرابية او معرفية تدعمها وليس لصلات حزبية، وفي دائرة العقبة الانتخابية حصل المترشحون: حسن الرياطي 6738 صوتا ولبنى النمور 6410 صوتا، والفارق بينهما بسيط وقد يعود لصلات قرابية او معرفية تدعمهما وليست حزبية.
7 – قوة العلاقة الاجتماعية التي يتمتع بها أعضاء حزب الجبهة في المجتمع: يلاحظ حصول النائب المحامي صالح العرموطي على 29911 صوتا، ويزيد على حصة الحزب بدعم المترشحين موسى الوحش، وجهاد مدانات بـ6190 صوتا، وأيضا فوز المترشحة: راكان أبو هنية 27184 صوتاً، وهي تزيد عن أصوات الحزب للدائرة الثانية بـ3463 صوتا، ويتضح هنا جدوى العلاقة بين المترشحين والمجتمع المحلي، وهم المؤازون لحزب الجبهة. كما نلاحظ أيضا حصول النائب ينال فريحات على 17950 صوتا، وعدنان مشوقة على 14420 صوتاً والفارق بينهما 2530 صوتاً، والسبب يعود الى قوة العلاقة الاجتماعية التي يتمتع بها فريحات في المجتمع المحلي، والتي قدمته على مترشح الحزب الذي فاز أيضا في الانتخابات عدنان مشوقة. هذه النتائج تؤكد وجود مؤشرات لوجود مترشحين آخرين في قوائم محلية، دعمت من الجبهة من دون الإفصاح عن ذلك.
8 – تكثيف وجود “الاخوان المسلمون” في الجامعات: مؤشرات وجود مترشحي الإخوان في الجامعات طفا على السطح، وخرج إلى العيان عندما أعلنت بتاريخ 21/05/2024 نتائج انتخابات اتحاد طلبة الجامعة الأردنية للعام 2024، إذ تصدرت كتلة “أهل الهمة” المحسوبة على التيار الإسلامي، نتائج تلك الانتخابات، وفازت بنحو نصف عدد المقاعد على القائمة المركزية وعلى مستوى الكليات، وشهدت الانتخابات – التي توقفت سنوات إثر جائحة كورونا، أعلى نسبة مشاركة في تاريخ الجامعة وحصدت “أهل الهمّة” 9 مقاعد على مستوى قائمة الجامعة المركزية، تلتها قائمة “النشامى” بـ6 مقاعد وقائمة “الكرامة” بـ3 مقاعد، وبلغت النسبة العامة للاقتراع 2.52 %.
9 -عدم الاستعداد الجيد من الأحزاب الأخرى للمشاركة بالانتخابات: اعتمدت نتائج هذا التحليل على تلكؤ وتباطؤ وعدم مبالاة وعدم متابعة الأحزاب الأخرى للقواعد الشعبية، ومدى صدق المؤازرين للذهاب الى الانتخابات، وهذا وارد جدا في القوائم الحزبية، بخاصة الاحزاب التي شعرت بأنها فقدت الفرصة في الفوز بالانتخابات، فلم تعط مسألة الانتخابات أهمية، وأيضا لم تقم بمتابعة المترشحين للمؤازرين لهم في المحافظات والالوية والقرى والتجمعات السكانية.
10 – استمرت مدة الاقتراع 12 ساعة، إذ فتحت الصناديق الساعة السابعة صباحا وأغلقت الساعة السابعة مساءً، وهذا يعني استمرار مدة الاقتراع لـ12 ساعة، التزاماً ببنود قانون الانتخاب، ما يشير الى انه في كل ساعة انتخابية كان يمارس 136529 مواطنا حقه في الاقتراع من إجمالي عدد المقترعين البالغ 1,638،351، وهذا جهد كبير ومقدر كانت تقوم بتنظيمه الهيئة المستقلة وتديره بنجاح.
11 – بلغ عدد المقترعين لصالح حزب الجبهة 464350 مقترعا، واذا قسمنا هذه النتيجة على مدة الاقتراع البالغة 12 ساعة، فهذا يعني انه كان يصوت للحزب 38696 ألف مواطن في كل ساعة انتخابية، وإن الحزب حصل على 464350 صوتا خلال مدة التصويت، ما يؤكد دقة استخدام الوقت وتوزيع المقترعين على الدوائر الانتخابية من الحزب بإدارة وجهد كبيرين ومتابعة المقترعين للذهاب في الوقت المحدد للاقتراع، وعدم التباطؤ او التلكؤ به، وباختصار ينطوي الأمر على دقة في التنظيم.
وبعد.. هذا تحليل محايد لواقع ما جرى على أرض الواقع من انتخابات نيابية، أديرت وتوبعت بشفافية ونزاهة، تحليل بلا تحيز لحزب او جماعة او تنظيم او منطقة او محافظة او عشيرة، كوننا نتخندق ونتحزب للوطن ومستقبله، ونجاحنا الذي حققناه في إدارة ملف الانتخابات أفرز نواباً، مهما اختلفت أحزابهم وأفكارهم وأمزجتهم، فنتوخى فيهم الخير وحب العمل والعطاء والإخلاص لقائد الوطن جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو ولي العهد الامير الحسين بن عبدالله حفظهما الله ورعاهما سندا وذخرا وفخرا للوطن ورسالته النبيلة العروبية المعطاءة.
*د. حسين الخزاعي
دكتور في علم الاجتماع
الغد