ما الهدف من شراء السعودية أبرز نجوم كرة القدم في العالم؟
قبل مدة، قال النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو إن الدوري السعودي للمحترفين في كرة القدم، قد يصبح من بين “أفضل 5 دوريات في العالم” مع استمرار خطة تطويره.
وشهدت الأشهر الأخيرة التحاق عدد من نجوم كرة القدم، من أقوى دوريات العالم، منها الإسباني والفرنسي والإنجليزي والألماني، بنوادٍ سعودية.
كانت البداية مع انضمام رونالدو إلى نادي النصر السعودي، في أواخر شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، في خطوة حبست أنفاس الجمهور، وقوبلت بانتقادات على مدى أسابيع.
يعدّ رونالدو بنظر كثر “أعظم لاعب في تاريخ اللعبة”، وجاء التحاقه بالدوري السعودي، بعدما خرج خائباً من كأس عالم في قطر، آخر مونديال يشارك فيه مع منتخب بلاده البرتغال، وبعد مشاكل لا تنتهي مع ناديه السابق، مانشستر يونايتد الإنجليزي.
وبينما اتهم بعضهم رونالدو بـ”الطمع المادي”، لم يتوقع كثيرون أن تمهّد خطوته الطريق للاعبين بارزين آخرين، إذ اعتبروا أن وضع رونالدو كان استثنائياً وأنه كان في قمة الضعف واليأس في “أواخر مسيرته الكروية” الحافلة.
ولكن من بعده كرّت السبحة، وتواصل توافد اللاعبين العالميين إلى النوادي السعودية، فبات جمهور كرة القدم حول العالم أكثر تقبلاً للفكرة، ولم يعد الأمر بالنسبة له بغاية الغرابة، لتصبح السعودية واحدة من أبرز الوجهات الرياضية لنجوم كرة القدم العالميين.
وأنفق الدوري السعودي للمحترفين خلال الصيف، أكثر من 900 مليون دولار على رسوم الانتقالات لضم لاعبين نجوم أجانب، مما جعله الدوري الثاني الأكثر إنفاقاً على الانتقالات بعد الدوري الإنجليزي الممتاز.
ولا يشمل ذلك الرقم الرواتب الهائلة التي قدمها لجذب اللاعبين من الدوريات الأوروبية الكبرى.
ويقال إن صفقة ضم رونالدو إلى صفوف نادي النصر في عقد يمتد لعامين ونصف بلغت ما يزيد عن 400 مليون دولار.
كما يحكى عن أن ثمانية من بين اللاعبين العشرة الأعلى أجراً في العالم هم الآن في الدوري السعودي، وتترواح أجورهم بين ما يقارب 200 مليون دولار في السنة، في حالة رونالدو، إلى حوالى 30 مليون دولار مع كاليدو كوليباني.
كرة القدم والسعودية: قصة حب قديمة
مع تمركز الدوريات الكروية القوية، والنوادي المنافسة على الألقاب، في عدد من الدول الأوروبية، كان لا بدّ أن يثير تقدّم السعودية في سوق الانتقالات، العديد من الأسئلة.
ولكن، بالنسبة للخبراء في تاريخ لعبة كرة القدم سعودياً، فإنّ الاستثمارات الجديدة ليس مفاجئة على الإطلاق، لا بل أنها تأتي متأخرة، كما يقول الصحافي والمحلل الرياضي باسم الروّاس، لموقع بي بي سي نيوز عربي.
يقول الروّاس إنّ البلاد أرض خصبة جداً للاستثمار بكرة القدم نظراً لأن “الشعب السعودي محب للعبة منذ عشرات السنين”.
هل يؤدي استقطاب لاعبين دوليين إلى نقلة في كرة القدم السعودية؟
ويضيف أنه لطالما كانت الأندية السعودية أندية ثرية نظراً لأن معظم مالكيها من الأثرياء، بجانب امتلاكها القاعدة الجماهيرية الواسعة.
ويلفت الروّاس إلى أنّ انضمام اللاعبين الكبار الى النوادي السعودية بدأ في العام 1978، ومنهم البرازيلي روبرتو ريفيلينو، الذي لعب إلى جانب الهلال حتى العام 1981.
ومن بينهم أيضاً البلغاري خريستو ستويتشكوف، الذي وقّع في أبريل/نيسان من العام 1998، عقداً للعب مبارتين فقط مع نادي النصر، وساعده بالفوز بلقب كأس أبطال الكؤوس الآسيوية.
يذكر الروّاس أن السعودية تأهلت إلى كأس العالم للمرة الأولى عام 1994، ثم تأهلت في أعوام 1998 و2002 و2006 و2018 و2022، كما أنّ فريق الهلال السعودي هو “زعيم (دوري أبطال) آسيا من ناحية الألقاب”.
فورة مؤقتة أم استراتيجية طويلة الأمد؟
يرى متابعون أن استثمارات السعودية في كرة القدم، جزء من رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان.
ويقول الصحافي والمحلل الرياضي آدم جابيرا في اتصال مع بي بي سي نيوز عربي، إن الهدف الرئيسي من استثمار السعودية في كرة القدم هو الربح المادي، إضافة إلى جعل هذه الرياضة الجماهيرية “بوابة للتعريف بالمملكة في العالم، مع ارتباط صورة البلاد في الغرب بأمور أخرى”.
ويضيف أن “استثمار السعودية في اللعبة استثمار مربح، جاذب للإعلانات، وللعديد من القنوات العالمية التي تعاقدت مؤخراً لبث المباريات والمنافسات. والهدف الأبعد أن يخرج الدوري السعودي من الإطار العربي الآسيوي، ليصير من أقوى الدوريات على مستوى العالم”.
ويمكن لهذا الاستثمار، بحسب جابيرا، أن يحقق أهدافاً بعيدة المدى على مستوى السياحة الرياضية، والتي يمكن أن تجذب مواطني الخليج والدول العربية بشكل عام.
وعلى المستوى السياحي، أعلن الدوري الإسباني منتصف الشهر الجاري، توقيع اتفاقية شراكة مع “روح السعودية”، التابعة للهيئة السعودية للسياحة، “لإظهار المملكة العربية السعودية، باعتبارها الوجهة الأكثر إثارة على مدار العام”.
وكان التقارب الرياضي الإسباني-السعودي قد بدأ في العام 2020، إذ استضافت المملكة بطولة كأس السوبر الإسباني ثلاث مرات حتى اليوم.
وبرأي جابيرا، فإن الأولوية يجب أن تكون “الاستفادة من النجوم الأسماء لبناء مدارس كرة قدم وتدريب الشباب السعودي” بهدف بناء أجيال محترفة، وربما نشهد عندها صعود “محمد صلاح أو ساديو ماني سعودي”.
لاعبون منتهو الصلاحية؟
على المقلب الآخر، يرى كثيرون أنه من المبالغ الحديث عن قدرة الدوري السعودي المنافسة على صعيد عالمي، رغم ضمه نجوماً كبار، لأنهم في الحقيقة باتوا في أواخر مسيرتهم الكروية، ولا يقدمون شيئاً للدوري المحلي، باستثناء الضجة الإعلامية.
يقول الرواس إن “كريم بنزيمة، كان من أبرز نجوم ريال مدريد لدى انتقاله إلى السعودية، ولم يكن التعاقد معه تعاقداً مع لاعب منتهي الصلاحية”. مشيراً إلى أن “متوسط أعمار اللاعبين الذي ضمتهم السعودية هو 31-32 سنة، وهو عمر يمكن أن يقدم فيه اللاعب المزيد بعد لكرة القدم”.
من جانبه، يقول جابيرا إن “نيمار وساديو ماني والحارس السينغالي إدوارد ميندي ليسوا في نهاية مسيرتهم. فمع اهتمام اللاعبين بلياقتهم البدنية، بات اللاعب قادراً على الاستمرار باللعب حتى عمر 36 أو 37 بسهولة”.
ويتابع جابيرا أن لاعب كرة القدم “أصبح اليوم مؤسسة وليس مجرد شخص واحد ولديه فريق كامل من المساعدين، وكرة القدم لم تعد مجرد هواية، بل مهنة والهدف منها هو جني المال”.
ويضيف أن اللاعب “يريد أن يجني الأموال وهو يعرف أنه يتقاعد في سن الأربعين كحد أقصى ولديه 10 أو 15 عاماً يجب أن يجمع خلالها الأموال لتأمين حياته”.
وبحسب الرواس، لا يمكن للدوري السعودي أن ينتقل بلمح البصر إلى الصدارة، لكنه يسير في اتجاه تثبيت مكانته. يقول: “هذا العام هو الأول للتجربة السعودية ولا يمكننا أن نحكم على هذه التجربة من الآن. لا يمكن بلحظة واحدة أن يختار أي نجم صاعد اللعب في السعودية بدلاً من أوروبا، بل يحتاج الأمر إلى وقت”.
وتعاقد نادي النصر السعودي مؤخراً مع إيميريك لابورت (29 عاماً)، الذي يعتبر بين أبرز المهاجمين الحاليين على صعيد العالم، بالإضافة إلى النجم البرتغالي الصاعد أوتافيو سيلفا (28 عاماً).
الغسيل الرياضي
لا يمكن غض النظر عن تضخّم تأثير السعودية على كرة القدم، في أقل من عام واحد. وتتهم جهات عدة السعودية بممارسة ما يسمى بـ”الغسيل الرياضي” لتلميع “سجلها الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان”.
ونشرت صحيفة الغارديان البريطانية تحقيقاً في يوليو/تموز الماضي، اتهمت فيه السعودية بصرف 6.3 مليار دولار منذ أوائل العام 2021 حتى تاريخ نشر التقرير، على الصفقات الرياضية، في “محاولة لصرف الانتباه عن سجلها في مجال حقوق الإنسان”.
وبحسب الصحيفة، أنفقت المملكة أموالاً طائلة على مجال الرياضة إلى درجة أنها “غيرت لعبة الغولف الاحترافية بالكامل وحوّلت سوق الانتقالات الدولية لكرة القدم”.
وكان دوري “بي جي إيه” الأميركي للغولف، أعلن عن اندماجه بشكل مفاجئ في حزيران/يونيو الماضي مع دوري “ليف غولف” المموّل من السعودية والذي كان أطلق في تشرين الأوّل/أكتوبر من العام 2021.
وأجرت السعودية أيضاً استثمارات هائلة في رياضات أخرى مثل الملاكمة وسباق السيارات.
وتشير صحيفة الغارديان إلى الاستثمارات السعودية في رياضة المصارعة WWE، كما أوردت أنه في شهر سبتمبر/أيلول المقبل، ستقام بطولة العالم لرفع الأثقال في الرياض، وتتبعها في شهر أكتوبر/ترشين الأول، دورة الألعاب القتالية العالمية، إضافة إلى استضافة مرحلة من جولة الأبطال العالمية في الفروسية.
واستخدمت الصحيفة تعبير “الغسيل الرياضي” في حديثها عن الأمر.
ولعلّ المثال الأحدث على انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، هو تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش”، حول قتل حرس الحدود السعودي ما قدّر بمئات المهاجرين الأفارقة خلال عبورهم إلى المملكة من اليمن.
ويقول التقرير إن المئات، وغالبيتهم من إثيوبيا حاولوا عبور الحدود من اليمن الممزق بالحرب وصولاً إلى السعودية، ليلقوا حتفهم رمياً بالرصاص. وقال بعض المهاجرين لبي بي سي إن أطرافاً بشرية وجثثاً كانت تترك ملقاة على الطرقات. إلا أن مصدر حكومي سعودي قال لوكالة فرانس برس إن الاتهامات “لا أساس لها ولا تستند إلى مصادر موثوقة”.
ويتحدث متهمو السعودية بالـ”الغسيل الرياضي”، أيضاً عن مخاوف بشأن حقوق الإنسان وحقوق المرأة في البلاد، وتجريمها للمثلية، إضافة إلى استخدام البلاد لعقوبة الإعدام، وتقييدها لحرية التعبير، وقتل الصحافي جمال خاشقجي عام 2018، وتورط البلاد بالصراع في اليمن.
وسحبت العديد من الشركات العالمية الكبرى استثماراتها في البلاد بعد مقتل خاشقجي.
وانسحب العديد منها من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وكانت منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان، بينها غرانت ليبرتي، ومنظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، وصفت مثل هذا الإنفاق بأنه “غسيل رياضي”.
وقالت غرانت ليبرتي: “في السابق، رفضت الشخصيات والعلامات التجارية الرياضية عروض المملكة العربية السعودية بسبب انتهاكاتها الموثقة لحقوق الإنسان”. واعتبرت أن “هناك تحولاً مثيراً للقلق في الموقف الأخلاقي، حيث أصبحت الصفقات المربحة مقبولة رغم الانتهاكات المستمرة والمتدهورة”.
وأثار شراء صندوق الاستثمارات العامة لنادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي في أكتوبر/تشرين الأول 2021 مقابل 391 مليون دولار، انتقادات الجماعات الحقوقية أيضاً. وانتقدت منظمة العفو الدولية حينها النادي بعد تسريب صور على تعديلات طالت زيه الرسمي لتتناسب مع ألوان المنتخب السعودي.
وقال فيليكس جاكينز من منظمة العفو الدولية حينها إن الاختيار “يفضح قوة الدولار السعودي وتصميم المملكة على غسل سجلها الوحشي والملطخ بالدماء في مجال حقوق الإنسان”.
ومن جهتها، ترفض السلطات السعودية هذه الاتهامات وتصر على أن الاستثمار في الرياضة هو أحد الركائز الأساسية لاستراتيجية “رؤية 2030” التي تهدف إلى تحديث المملكة وإلى إلهام الناس ليصبحوا أكثر نشاطاً بالإضافة إلى تعزيز السياحة وتنويع الاقتصاد، استعداداً لعالم ما بعد النفط.
وترتكز الرؤية على مشاريع عدة، بينها برنامج يعنى بجودة الحياة. أول هدفين استراتيجيين للبرنامج هما: “تعزيز ممارسة الأنشطة الرياضية في المجتمع” و”تحقيق التميّز في عدة رياضات إقليمياً وعالمياً”.
وقال كارلو نهرا، رئيس العمليات في الدوري السعودي في مقابلة مع بي بي سي نيوز نشرت حديثاً، إن ضم اللاعبين العالميين الى الدوري السعودي لن يتوقف. إذ إن حكومة المملكة قد تعهدت بدعم الدوري مالياً، حتى يحقق الهدف في أن يصبح أحد أفضل الدوريات في العالم من حيث الإيرادات والجودة.
ويضيف أن الدوري السعودي للمحترفين يهدف إلى التنافس مع أفضل الدوريات في العالم، مثل الدوري الإسباني والدوري الإنجليزي الممتاز.
وكان وزير الرياضة السعودي، الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل، قال في مقابلة مع بي بي سي سبورت في نوفمبر/تشرين الثاني 2022: “تعرضنا لانتقادات في السعودية قبل أن نستضيف مثل هذه الفعاليات، بأننا لا نستضيف هذه الفعاليات، والآن بعد أن قمنا بذلك، نتعرض لانتقادات بسبب استضافتها”.
التعليقات مغلقة.