مبادرات فردية تتصدر لتكون بوابة الأمان لعائلات محتاجة
– تتكاتف مجموعة من النساء والرجال، على هدف واحد، أساسه خدمة أبناء مجتمعهم من الفئات الأقل حظا، وممن يعانون ظروفا معيشية قاسية، يحتاجون فيها إلى أدنى متطلبات الحياة اليومية، وقد يكون شعارهم فقط أن هذا “واجبنا”، وتطبيقا لقوله تعالى “وتعاونوا على البر والتقوى”.
“واجبنا” هي مجموعة من السيدات من معارف وصديقات وحتى قريبات، جمعهن حب الخير والبحث عن بؤر الفقر والحاجة في مختلف محافظات المملكة، واتخذن من مواقع التواصل الاجتماعي منصة لإيصال صوت المحتاجين، وتوصيل المساعدات لهم بطريقة سلسة، لتكون تلك المجموعة وسيلة “تشبيك” “للمتبرع والمحتاج”.
وفي الأردن، تتنامى دائما فكرة التكافل الاجتماعي بين الناس، سواء من أقارب أو جيران، أو حتى سكان في ذات المنطقة، وقد تنشط الحركة “التطوعية التكافلية” في مواسم معينة كما في فصل الشتاء، وحاجة الناس إلى المساعدات من وسائل تدفئة وغيرها من المستلزمات، وكذلك الحال في رمضان والأعياد، ناهيك عن المساعدة طيلة أيام العام.
وبحسب المسؤولة في التجمع النسائي، عبير برقاوي، والذي يحمل اسم وشعار “واجبنا”، فإن المبدأ الذي يعملون عليه في المجموعة أن أي حالة يتم الحديث عنها يتم التأكد من طبيعة الحالة ومدى حاجتها للمساعدة، وكل ذلك من خلال التكافل المجتمعي المبني على العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد.
وتقول برقاوي إن المساعدات عادة ما تتعلق بأمور بسيطة من احتياجات الأسرة اليومية، كما الآن في المساعدات التي تتعلق بمستلزمات الشتاء المختلفة، ويتم ذلك من خلال التجمع على السوشال ميديا، مؤكدة على أن دورهم قد يكون في الكثير من الأحيان من خلال التشبيك بين الطرفين، من دون الحاجة إلى وساطة، وهذا قد يكون سبباً في زيادة رقعة المساعدة، وطمأنة المتبرع بأن ما يقدمه من مساعدة تصل إلى مستحقيها بشكل مباشر، دون تدخل من أي طرف.
كما تبين برقاوي أن هناك حالات تتطلب مساعدات في أماكن بعيدة، وتحتاج إلى من يوصل المساعدة إلى مستحقيها، وهو الأمر الذي يحتاج لتدخل مباشر، من باب “الإيصال فقط للمساعدة”، كما في القرى النائية التي تبتعد عن مناطق المتبرعين.
ووفق برقاوي، فإن ما تقوم به السيدات هناك بعض القيود التي تمنع من نشر الأخبار التي تتعلق بتقديم المساعدات للآخرين، كونها تتم بطريقة عفوية وتكافلية فقط، وهذا ما نعتبره شكلا من أشكال الصورة الطيبة لمجتمعنا، وتظهر مدى التكوين الخيري التكافلي للمجتمع الأردني، وهناك المئات من حالات المساعدة التي تتم بين الناس في مختلف الاماكن ولا تحتاج إلى تأطير وتثبيت وإنما تعتمد على مدى حب الجميع للمساعدة والمبادرة لعمل الخير في الوطن.
ولكون هذه الفعاليات تطوعية، ومن مبادرات شخصية، فقد تم إدراج عمل مجموعة “واجبنا” ضمن اتفاقية لتكون فعاليات المجموعة تابعة للأعمال الخيرية العديدة الأوجه في جمعية مسار الخير الخيرية، والتي تعنى بتقديم المساعدات من خلال المشاريع المستدامة، وتخدم ابناء المجتمع المحلي بكل أطيافه، وبخاصة النساء منهن.
ولا يتوقف العمل التطوعي الخيري الشخصي على المجموعات، بل هناك حالات فردية، حيث يبادر أحدهم ببث “منشور” من خلال حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، كأن يقوم أحدهم بطلب المساعدة بشكل مباشر، أو أن يقوم بتقديم ما لديه من قدرة لمساعدة الآخرين، ليتمكن من إيصال المساعدة لمن يحتاجها.
وعلى الصفحات الخاصة بالمدن، أو حتى القرى، وبعضها للعائلات، كتب أحدهم أنه بحاجة إلى جرة غاز لتدفئة عائلته، ويقوم بتوضيح حالته المادية، وإمكانية التواصل معه للتأكد من الحالة، ليبادر كثيرون بتقديم المساعدة له من خلال التنسيق المباشر مع الحالة، من دون وسيط أو جمعية معينة.
هذه الحالات عادة ما تكون أسهل في الوصول للحالة، خاصة عندما يتم التأكد من طبيعتها، ومثال على ذلك، ما قامت به إحدى السيدات المتواجدة في مجموعة مخصصة للبيع وشراء المواد المستعملة، ويتم من خلالها بيع وشراء وتبادل الأثاث أو المقتنيات، لتعم الفائدة بين جميع الأطراف.
بيد أن هذه السيدة، خولة جمعة، تعمدت أن تنشر صورا لمجموعة من المقتنيات الخاصة بها وعرضها للتبرع لمن يحتاجها، وخاصة خلال هذه الفترة، من مدافئ، حرامات، وبعض الملابس الشتوية، وطلبت من أي شخص محتاج في هذه المجموعة أن يتواصل معها لتقديم المساعدة المباشرة له.
وما أن نشرت جمعة هذا المنشور، حتى بادر آخرون إلى تخصيص جزء مما ينوون بيعه في المجموعة للتبرع، بعد أن يتم التأكد من طبيعة الحالة والتواصل المباشر معها، ما ضاعف حجم الحركة “الخيرية التطوعية المباشرة” ما بين أعضاء المجموعة وبشكل تلقائي دون تنسيق وترتيب، بعد أن أكد عدد من أعضاء المجموعة على أن هذا الأمر يساعد على تعميم فكرة التكافل والمساعدة بطريقة أسرع وأسهل.
وبطريقة عفوية، ومن خلال تبادل مجموعة من السيدات الحديثات، في إحدى منشورات الفيسبوك، حول سؤال إحداهن عن طبيعة الضيافة التي تقدم في “مباركة الولادة”، وسؤال إحداهن عن ضيافة متواضعة وبسعر مناسب بسبب وضعها المادي البسيط، بادرت إحدى السيدات بالتواصل المباشر معها، والتبرع لها بضيافتها، كنوع من الدعم المباشر لها.
ومن خلال عدة منشورات، يتكاتف الجميع في توفير مستلزمات إحدى الأمهات التي أجرت عملية ولادة لـ”ثلاثة توائم”، حيث تم جمع كمية كبيرة من حليب الأطفال، والملابس، وعدة مدافئ وأغطية، ومستلزمات أخرى متعددة، بعد أن نشرت شقيقة السيدة حالة الأم وأنها بحاجة فقط لمساعدة لشراء حليب مخصص للأطفال، ولكن بذور الخير في المجتمع تكاتفت وقدمت المساعدة للسيدة وكل ما تحتاجه لفترات طويلة.
وكان اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع قد تحدث لـ “الغد” عن طبيعة المجتمع الأردني، الذي يتميز بالتكافل المجتمعي ودعم الآخرين، ويعتبر هذا الأمر من الإرث والعادات والتقاليد التي اعتاد المجتمع عليها منذ عقود، على الرغم من تغيير طبيعة المساعدات أو كيفيتها، مع التطور الذي تشهده المجتمعات بشكل عام.
ويقول جريبيع إن الأردن، تميز بشكل لافت في تقديم العون والمساعدة بكل أشكالها، بسبب طبيعة التكوين المجتمعي فيها، خاصة بوجود موجات لجوء منذ عقود، ولم يتوقف فيها المواطن عن تقديم العون والمساعدة سواء لأبناء مجتمعه المحليين، أو للاجئين القادمين من الحروب والنكبات، وقذ يكون هذا الدعم بشكل مباشر ولا يخضع للعمل المؤسسي، بل نابع من طبيعة الناس التي تبحث عن وجوه الخير والمساعدة للآخرين، حتى بات هذا الأمر طبيعيا ومعتادا في المجتمع.
وعلى الرغم من تعدد الصور والأشكال وطبيعة المساعدات، إلا أنها تبقى مندرجة تحت ما يسمى بالعمل الخيري، حتى وإن كان بشكل فردي وشخصي أو مؤسسي، كما في المبادرات والجمعيات الخيرية، إذ إنها جميعها منبثقة عن مجموعة من الأشخاص، أو أن أحدهم قام بتأسيس مجموعة “جمعية” لتقديم العون للآخرين، وقد يكون العمل المؤسسي أكثر تنظيماً، ولكن لا يعني ان العمل الفردي الشخصي يقل أهمية عن ذلك، خاصة في ظل طبيعة تكوين المجتمع المترابط، الذي يراعي حاجة وكرامة الشخص في ذات الوقت.
التعليقات مغلقة.