مجمع اللغة العربية ينظّم ندوة افتراضية احتفالاً بيوم اللغة الأم
نظّم مجمع اللغة العربية الأردني، اليوم، ندوة افتراضية بمناسبة يوم اللغة الأم، أدارها عضوُ المجمع الأستاذ الدكتور سمير الدروبي عبر تقنية الاتصال المرئي عن بعد.
رحّب الدروبي بالمشاركين في الندوة التي أتت في إطار اليوم العالمي للغة الأم الذي أعلنته منظمة اليونسكو قبل عقدين من الزمان تقريباً، متزامنةً مع احتفالات المملكة الأردنية الهاشمية بالمئوية الأولى لتأسيس الدولة.
وأشار الدروبي في الكلمة الافتتاحية إلى أول المجامع اللغوية الرسمية في الوطن العربي الذي أنشأه الملك فيصل بن الحسين في دمشق عام 1918م وكان له الدور العظيم في تعريب لغة التعليم والإدارة والجيش، وفي العام التالي لإبعاد الملك فيصل من بلاد الشام وصل الأمير عبدالله بن الحسين وأسس في الأردن عام 1923م أول مجمع لغوي وسُمّي أعضاؤه، وصدر منشوره، وعقدت جلساته، وأصدر بعض قراراته، ولكن الانتداب البريطاني عطّله.
وتابع الدروبي: “لكن الأفكار النبيلة التي تخدم لغة الأمة ومشاريع نهضتها لا تموت، فتم إحياء فكرة المجمع المؤسس في عهد الإمارة، وصدر قانون مجمع اللغة العربية الأردني في عهد المرحوم الملك الحسين بن طلال سنة 1976م، وبدأ المجمع نشاطاً كبيراً في خدمة العربية، وأطلق مشروع ما يسمى بحملة التعريب للكتب الجامعية في كليات العلوم في الجامعات الأردنية، وبدأ بتعريب المصطلحات والرموز العلمية، وأصدر مجلته العلمية التي نيفت أعدادها على المئة عدد، وعقد مؤتمراته ومواسمه الثقافية، وشارك في مناهج اللغة العربية وغير ذلك”.
واشتملت الندوة على خمسة محاور هي: اللغة العربية اللغة الأم ولغة الأمة، والتخطيط اللغوي وأثره في تطور اللغة، والبعد التعلّمي والاقتصادي للغة، ومفهوم اللغة الأم لأهل اللغة ولمستقبلها وأثر الترجمة عليها، واللغة والهوية القومية، وشارك فيها خمسة من أعضاء المجمع هم الأساتذة: الدكتور عبدالمجيد نصير، والدكتور سمير استيتية، والدكتور إبراهيم بدران، والدكتور محمد عصفور، والدكتور علي محافظة.
المحور الأول: اللغة العربية اللغة الأم ولغة الأمة، قدّمه الدكتور عبدالمجيد نصير العضوُ العامل في المجمع والأستاذ الجامعي المتخصص في الرياضيات، ورئيس الجمعية الأردنية لتاريخ العلوم، وله ما يزيد على مئة وثلاثين بحثاً وكتاباً في الرياضيات وفي التراث العربي الإسلامي. تحدث نصير عن أصل اختيار الحادي والعشرين من شباط من كل عام يوماً للغة الأم الذي يعود للعام ١٩٤٨م عندما استقلت دولة الباكستان بأغلبيتها المسلمة عن الهند وتألفت من جناحين: الشرقي وهو منطقة البنغال ولُغته البنغالية، والغربي من بلاد السند ولُغته الأوردية، لكن مؤسس الباكستان الدكتور محمد علي جنا جعل اللغة الأوردية لغة رسمية على الجناحين ولم يعترف باللغة البنغالية فقامت حركة في البنغال بانتفاضة يطالبون فيها بأن تعترف الدولة الباكستانية بلغتهم، وبعد تواصل المظاهرات اعترفت الدولة باللغة البنغالية لغة متداولة على مساواة من اللغة الأوردية. وباقتراح من دولة بنغلاديش بعد استقلالها وافقت اليونسكو على اعتبار هذا اليوم يوما للغة الأم. ثم رأت اليونسكو أن تدرس موضوع اللغات في العالم وتوصلت إلى طباعة أطلس للغات المهددة منها بالانقراض، وحوت أول طبعة حوالي ٦٠٠ لغة، ثم ظهرت الطبعة الثانية سنة ٢٠٠١م وآخر طبعة سنة ٢٠١٠م وفيها ما يقارب ٢٥٠٠ لغة مهددة بالانقراض مع تحليل للغات ومناطق استعمالها، ثم توصلت مجموعة منتدبة من اليونسكو إلى نشرة عنوانها حيوية اللغات وما يهددها، ووضعت تسعة معايير تقيس هذه الحيوية وست درجات تقيس ما يهدد لغة ما ويدفعها للانقراض.
المحور الثاني: التخطيط اللغوي وأثره في تطور اللغة، قدّمه الدكتور سمير استيتية العضوُ العامل في المجمع والأستاذ الجامعي في اللسانيات، الذي نشر ما يزيد على خمسين كتاباً وبحثاً محكماً. وقال استيتية في مستهل حديثه: “لقد كان ينبغي أن يرافق تطور الدولة الأردنية تطورٌ في اللغة واستعمالها وحفظها في المجتمع الأردني، لكن الذي حدث هو تراجع عما كان يصبو إليه المشرع بشأن رسمية اللغة العربية، وإن تطوير اللغة تطويراً علمياً غير منعزل عن التخطيط، والتخطيط لا يكون بمعزل عن القوانين والتشريعات، فلا بد من تشريعات تؤسس لهذا التخطيط وتحمي تنفيذه حتى يكون عملاً مؤسسياً بعيداً عن الارتجال، وأشار إلى نص الدستور الأردني في مادته الثانية أن العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وكان هذا فتحاً بحقّ، خاصّةً عندما كانت الدول العربية تصارع وجود الاستعمار في بلادها. وقد صدر قانون مجمع اللغة العربية الأردني أول مرة في زمن الملك المؤسس، ثم جاء فتح آخر بإنشاء وتأسيس مجمع اللغة العربية الأردني، وكان من أهم أهدافه الحفاظ على سلامة اللغة العربية والعمل على أن تواكب متطلبات العلوم والآداب والفنون، ويعد هذا جزءاً كبيراً من التخطيط اللغوي”.
المحور الثالث: البعد التعلّمي والاقتصادي للغة، قدّمه الدكتور إبراهيم بدران العضوُ العامل في المجمع، ووزير التربية والتعليم في الأسبق، وله خمسة وعشرون كتاباً في الطاقة والتكنولوجيا والفكر والثقافة والاقتصاد الاجتماعي. تناول بدران الموضوع من جهة مختلفة، أشار فيها إلى التوجهات المستقبلية التي حددتها الثورة الصناعية الرابعة بمسألة الرقمية (والروبوتات وإنترنت الأشياء) والتغير في التعليم ليصبح معتمداً بشكل أساسي على التعلّم وليس التعليم؛ بمعنى أن الطالب والأستاذ وكل فرد عليه أن يكون دائما مستعداً للتعلّم الذاتي حتى يتمكن من مجاراة ما يقع من تغيرات متواصلة في العلم والتكنولوجيا والمنتجات وكل شيء، وبالتالي فإنه دون المهارة الحقيقية للتعلّم لن يكون المجتمع قادراً على اللحاق بالمجتمعات الأخرى. وفي هذا المجال تبرز قضية اللغة العمود الفقري للتعلّم. وطرح بدران تساؤلات عدة، أهمها: كيف يمكن للطالب أن يتعلم ذاتياً حينما يكون ضعيفاً في اللغة؟! مشيراً إلى ظروف جائحة كورونا التي فرضت على المدارس والجامعات التعلم عن بعد، والتعلم عن بعد يتطلب أن يجلس الطالب ويتفاعل مع ما يجد على الشاشة أو يرجع بنفسه إلى مصادر المعلومات، والواضح أن هناك ضعفاً في هذا الموضوع، وهناك مؤشر دولي يسمى مؤشر فقر التعلّم، واللافت للنظر أن هذا المؤشر في بلد مثل اليابان لا يزيد على ٣٪، بمعنى أن ٣٪ من الطلبة اليابانيين يصلون إلى سن العاشرة ولا يتقنون القراءة والكتابة والاستيعاب والنقاش، والخطير أن النسبة في البلاد العربية ٤٨ ٪، بمعنى أن ٤٨٪ من الطلبة العرب يصلون إلى السن نفسه وهم لا يتقنون تلك المهارات. وبالتالي يصبح هذا الضعف عقبة مستقبلية أمام قدرتهم على التعلّم واكتساب المعرفة الذاتية.
المحور الرابع: مفهوم اللغة الأم لأهل اللغة ولمستقبلها وأثر الترجمة عليها، قدمه الدكتور محمد عصفور العضوُ العامل في المجمع وأستاذ النقد في قسم اللغة الإنجليزية في الجامعة الأردنية وغيرها من الجامعات العربية، وهو ناقد معروف وترجمان كبير. عرّف عصفور في بداية حديثه مفهوم اللغة الأم وهي عبارة عربية شاعت ويمكن أن نجد لها تفسيراً (لغة الأم) وهي اللغة التي يتعلمها الأبناء من الأمهات، واللغة الطبيعية التي تنتشر بين أفراد أمة من الأمم يظن أهلها أن الناس كلهم يجب أن يتعلموها ليسهل التخاطب والتفاهم بين البشر. لكنْ يمكننا أن نفسر عبارة اللغة الأم حسب عصفور بالقول إنها اللغة التي تخلف لهجات تنتمي كلها إلى عصر واحد، فأبناء الأمة الواحدة لا يتطابقون تماما لكنهم يتشابهون تشابهاً يلفت النظر حتى لو كانت الأم تنتمي إلى عائلة فيها لغات أخريات مثل السامية. وتابع: نحصر الكلام على اللغة الأم في سياق اللغة العربية، أين نجدها؟ وهل نعود إلى الوراء في التاريخ لنجد نصوصاً قديمة نقول إنها هي الأم؟ إن النقوش العربية القديمة تختلف اختلافاً بيّناً عن اللغة التي اعتدنا على الدراسة فيها من شعر جاهلي ونصوص قرآنية وحديث نبوي، فالذي وصلنا من هذه النصوص ما هو إلا المستوى الفصيح من اللغة، المستوى الذي قد نصفه بأنه المستوى الرسمي من اللغة وهو مستوًى يختلف عن المستوى المحكي. فاللغة غير الرسمية لم تصلنا لا من العصر الجاهلي ولا من العصور التي تلته ولذلك يجد العرب أنها تستحق الدراسة حتى وقت متأخر جداً.
المحور الخامسُ الأخير: اللغة والهوية القومية، قدّمه الدكتور علي محافظة العضو العامل في المجمع، وهو أستاذ جامعي في الجامعة الأردنية وأول رئيس لجامعة مؤتة ثم ترأس جامعة اليرموك وجامعة جدارا، وهو أيضاً مؤرخ كبير ومفكر معروف له عشرات الأبحاث والكتب المطبوعة. تحدث محافظة عن لغتنا العربية وعلاقتها بأمتنا وذكّر بأن هذه اللغة من أقدم لغات العالم، ولذلك هي الذاكرة الجماعية للأمة والمحافظة على خلاصة تجربتها في التاريخ وحصيلة ما أسست لنفسها من أساليب بالنظر والفكر والتقويم والاكتشاف والإبداع ومختلف مجالات العلوم والتكنولوجيا ومختلف مجالات الحياة. ولغتنا هي المعبر عن هويتنا القومية وما انتهت إليه من مستويات من النضج والنمو، وهي تعبر بصورة أو بأخرى عن المستوى العلمي والثقافي والإبداعي في الفنون والآداب والعلوم. وعلى صعيد المستقبل فإن لغتنا هي الطريقة الوحيدة لكل نمو داخلي بيننا يمكن أن تستفيد منه التجارب الإنسانية كأداة مهمة في صناعة تاريخ الأمة وإثراء الثقافة الإنسانية، وتتميز لغتنا بأنها لغة القرآن الكريم أي لغة الدين الإسلامي، وهي بهذه الصفة حافظت على وجودها وعلى الاهتمام بها واستعمالها عبر التاريخ. وهي أداة خلق الوعي، وتشكل جزءاً من الشخصية الوطنية لكل شعب من شعوبنا.
-الدستور- نضال برقان
التعليقات مغلقة.