محمية رم.. شاهد على التاريخ الحضري وجمال الطبيعة الأردنية
قبل 44 عامًا من الآن كانت حماية بيئة الأردن الطَّبيعية واحدة من انشغالات جلالة الملك الحسين بن طلال طيَّب الله ثراه، فكانت محمية وادي رم على مساحة تصل إلى ألف و500 كيلو متر منها 700 كيلو متر إطار عازل لها، ترجمة لهذا الاهتمام لتكون موئلا نموذجيا أردنيا للحياة الطبيعية.
حينها طلب الملك الرَّاحل الحُسين بن طلال من أحد الخبراء البيئيين عام 1978 إجراء دراسة لأرض الأردن من شمالها الى جنوبها وتحديد الأماكن الطبيعية والإنسانية التي يجب حمايتها، فحدَّد الخبير البيئي كلارك في تقريره 12 موقعًا لحمايتها كان من بينها منطقة رم.
وتقع المحمية التي تمَّ تنفيذها عام 1997، جنوب المملكة على بعد نحو 70 كيلو مترًا من مدينة العقبة، وتتبع لسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة التي تنفق عليها بسخاء حماية لهذا الإرث الطَّبيعي والإنساني والتَّاريخي، وتوفر 105 فرص عمل ثابتة للمجتمع المحلي.
وكالة الأنباء الأردنية (بترا) زارت المحمية وتجولت بها، واستمعت الى شرح من مديرها الدكتور صالح النعيمات، الذي قال؛ إنَّ عدد زوار المحمية خلال هذا العام فقط وصل إلى أكثر من 300 ألف وهذا الرَّقم يتكرَّر ويرتفع كل عام، مشيرا الى أن سنوات ما قبل جائحة كورونا سجلت أرقامًا قياسية للزَّائرين الذين قرروا الاستمتاع بجمال الطَّبيعة في وادي رم بعيدا عن ضجيج الحضارة وتداعياتها وفي أجواء من الأمن والراحة النفسية.
وأشار النعيمات إنَّ جميع المخيمات التي تقع داخل المحمية ويستهدفها الزوار في المواسم السياحية هي ملك لأفراد من المجتمع المحلي، لافتا الى أنَّ الموقع يجمع بين جمالية العامل الطبيعي والأصالة الثقافية في بيئة صحراوية متنوعة التضاريس تنتقل بالزائر من الأودية الضَّيقة والأقواس الطَّبيعية الى المنحدرات والمرتفعات والكهوف.
وأضاف، إنَّ هذه الصَّحراء مليئة بالرسوم المنقوشة على الصخور والبقايا الأثرية الموجودة في الموقع لتروي ما عرفته منطقة وادي رم من مستوطنات بشرية وتفاعل بين الإنسان والبيئة الطبيعية على مدى 12 ألف سنة.
وأوضح النعيمات أنه عُثر في الموقع على 25 ألف منحوتة صخرية و20 ألف نقش على الصُّخور تقف شاهداً على تطوُّر الفكر البشري والمراحل الأولى لتطور الأبجدية، ويؤرخ هذا الموقع لتطوُّر الفلاحة والزراعة والحياة الحضرية في المنطقة.
الطريق إلى المحمية معبدَّة وخالية من العوائق وتسير بين الجبال وصولا إلى مدخل المحمية والذي يحتوي على مركز للزوار ومكان للطَّعام، ومن هناك ينطلق الزَّائرون مع الأدلاء السِّياحيين وغالبيتهم من المجتمع المحلي إلى داخل المحمية، يستمعون الى شرح عن جبل أعمدة الحكمة السَّبعة، وسلسلة جبال أم عشرين، وأشجار الزَّيتون الأقدم في العالم حسب دراسات المراكز العلمية والبحثية.
وتنتشر داخل المحمية المخيمات البيئية وهي عبارة عن نُزل متكامل يشتمل على كامل الخدمات، حيث يستمتع المقيمون بالتأمل والاسترخاء، وينام كثير منهم باكرًا ليشهد شروق الشَّمس على الجبال والرمال مختلفة الألوان، فيما يتوجه آخرون للاستمتاع بتسلق الجبال، والسَّير في الممرات الجبلية العالية وصولًا إلى برك مياه معلَّقة على سطحها، انتهاء بمشاهدة غروب الشَّمس، ثم العودة ليلا للتَّمتع بهدوء المحمية.
ويؤكد النعيمات لـ (بترا) أنَّ عملية مسح دورية تتم للمحمية عبر طائرات مسيرة، إضافة الى دوريات بشرية راجلة، مشيرا الى أن كثيرا من الزَّائرين وجدوا مقتنيات كانوا فقدوها سابقا في المحمية، عازيا ذلك الى نسبة الأمان العالية جدًا.
وأكد أنَّ استخدام المنطاد أو البالون هو أحد الإضافات التي يتم استخدامها من قِبل الزوار في المحمية للتمتع بنظرة شمولية على جمالية المحمية من الجو، حيث يمكن مشاهدة الحيوانات التي تنتشر في المحمية مثل الغزال والمها وغيرهما.
يذكر أنَّ الاتحاد الدولي لحماية الطَّبيعة وبالتعاون مع الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، أجرى سنة 1978 مسحاً وطنياً عرف فيما بعد بتقرير كلارك، خلُص إلى أهمية تخصيص 12 موقعاً لتصبح محميات طبيعة في الأردن.
(بترا) بركات الزِّيود-
التعليقات مغلقة.