مريم فريحات تخط دراسات في “مؤشرات النص السردي-صوت الواقع والمرجع”
– ضمن إصدارات المفرق مدينة الثقافة الأردنية، صدر عن وزارة الثقافة كتاب بعنوان “مؤشرات النص السردي-صوت الواقع، والمرجع، والذات الكاتبة”، لأستاذ الأدب والنقد الحديث في جامعة البلقاء التطبيقية، أ. د. مريم جبر فريحات، والكتاب يشمل دراسات في الرواية والقصة القصيرة الأردنية.
تقول المؤلفة، في مقدمتها للكتاب، إنها حاولت أن تتلمس بعضا من إشكالات النص السردي في الأردن، بنوعية الروائي والقصصي، يحدوها في كل ذلك رغبة في الكشف عن طابع الفردة والاختلاف بين النصوص، لاسيما أن سردية النص الروائي وأدبيته لا يمكن إدراكهما في ضوء المشترك وإنما في ضوء المختلف الخاص، وتجلت في هذه الخصوصية نماذج من السردية العربية الأردنية، لهذا الاعتبار يمكن للقارئ الوقوف على ما وصل إليه النص السردي في هذه البقعة الصغيرة من الوطن العربي من اجتراح لأساليب القص الحديث وتقنياته ومن انفتاح على العوالم المرجعية والممكنة، زيادة على تبين موقف الذات الكاتبة ورؤاها إزاء ما تعرض من مشكلات مختلفة المصادر متباينة التأثير في الفرد والمجتمع.
وتشير فريحات إلى أنها احتكمت إلى مبدأي الإفادة والوجاهة، فاختارت المداخل التي تجلو المؤشرات الأبرز وتحدد طبيعة النمط السردي، وهو ما من شأنه أن يستدعي الاتكاء على تحليل البنى النصية، والإصغاء إلى أصواتها المختلفة وهي تتفاوض في ساحات النصوص، والتقاط المؤشرات الدالة على التشكلات الفنية والمضمونية في النصوص، وذلك عبر ثيمات عامة تحددت في الجزء الثاني من العنوان وهي “صوت الواقع، والمرجع، والذات الكاتبة”، على ما تحمله تلك الثيمات من أبعاد سردية وحوارية تحيل إلى زمن كتابتها، وفضاء أحداثها، وأبنيتها اللغوية والأسلوبية الدالة على مرجعياتها وسياقاتها الفكرية والاجتماعية والسياسية المختلفة، وتكشف في مجملها عن موقع تلك الأعمال على خريطة الإبداع المحلي والعربي، وموقف الذات الكاتبة ووعيها على واقعها في مرحلة زمنية شهدت وتشهد حراكا وتطورا لافتا في مجال الإبداع الروائي والقصصي كما ونوعا، أو من تشكيل خصوصية الصوت الإبداعي الأردني. وتقول المؤلفة “اتخذت القراءات المتضمنة في هذا الكتاب من مكونات النص السردي وعناصره المختلفة وما تتضمنه مؤشرات دلالية خاصة بالشخصية، والأحداث بأطرها المكانية والزمانية، إلى جانب العتبات النصية من عناوين ومقدمات وتصديرات مختلفة، منطلقا للكشف عما تنبني عليه تلك المكونات وما تنتجه في الآن نفسه، من البنية الفكرية والاجتماعية التي شكلت نسيج رواية إبراهيم نصرالله، وبوليفونية السرد بوصفها التقنية الأكثر ملاءمة لإقامة شكل من التناسق الحكائي يبرز دور الشخصية الساردة، ويقدم اعتراف الشخصية الروائية، ودورها في مآل مجتمع الرواية وتشكله الأسطوري على وقع هيمنة المادة والجنس والسلطة في رواية جمال ناجي، ناهيك عن تماهي الذات الكاتبة بالشخصية لتعيد تشكيل تجربة السجن في نص سردي يتداخل فيه الروائي بالسيري، لينتج خطابا يمثل وجها من وجوه السلطة الرقابية، بما يكمن خلفه من مضمر القول ومحظوره في تجربة هاشم غرايبة الروائية”.
وترى فريحات أن العودة للنصوص السردية السابقة زمنيا على ما أشارت إليه تكشف عن تباين في الوعي على أنماط الكتابة السردية والمؤشرات التي تتضمنها مكوناتها وعناصرها القصصية؛ الشخصيات، والأحداث، والمكان، والزمان، واللغة والتقنيات السردية، وفي ذلك ما يشي بتطور الوعي الفني مقترنا بقدرة ملحوظة على تمثل الكاتب لخطاب مجتمعه ومشكلاته، مما يمكن جلاؤه في روايات عيسى الناعوري، من بروز وعي حاد على تحولات المجتمع وقضايا ورهانات العادات والتقاليد الناظمة لنسيجه، وأشكال الكبت الاجتماعي، والنزوع لحرية التعبير عن الذات في مجتمع كان يسير بكثير من التردد والمحافظة نحو انفتاح حضاري، وافد من الغرب.
وترى المؤلفة أن روايات الناعوري ظلت خاضعة لهيمنة تقليدية السرد، وإبراز عناية الذات الكاتبة بضرورة تصوير بالواقع من خلال التعبير الروائي المتشبث بإستار الماضي في المستوى الفني، دون أن ينفي ذلك موقع الناعوري المؤثر والريادي في مسيرة الكتابة السردية الأردنية، لكن مثل هذه التجارب تكشف، في الوقت ذاته، عما وصلت إليه الفنون السردية الروائية والقصصية، عبر عقود من الزمن منذ أواخر القرن الفائت وأوائل القرن الحالي، من تطور لافت، على أيدي أعلامها في الوقت الحاضر، ومنهم أصحاب الأعمال موضع القراءة والدراسة في هذا الكتاب بما حققوه من موقع في الفضاء الإبداعي محليا وعربيا. وتقول فريحات، إنها استكمالا للكشف عما وصلت إليه الفنون السردية في الأردن من تطور، توقفت عند المؤلف في جزء آخر من الكتاب وهو الأثر الذي تركه واحد من مؤشرات النص القصصي القصير، وهو المرجع، بأشكاله المختلفة، الرمزي والأسطوري والتراثي والديني والايديولوجي، وتأثيره في النص القصصي شكلا ومضمونا، مما تبدى في نماذج لعدد من أعلام القصة في الأردن، مثل فايز محمود، وهند أبو الشعر، وهاشم غرايبة، ومفلح العدوان، وأحمد الزعبي، ويحيى عبابنة، ومخلد بركات.
وتبين المؤلفة أنها وقفت في بنية القصة القصيرة عند محمود الريماوي، وملامح تجربته الفنية والموضوعية الضاربة في عمق الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية، بمكوناتها التي تحمل خصوصيته الإبداعية، كما تحفل بتداعيات المرحلة وانعكاساتها على حياة الإنسان الفلسطيني، والعادي المهمش الذي لم يحفل بتفاصيل معاناته، على ما يحمله ذلك كله من تجليات لملامح تطور القصة القصيرة ومواكبتها لما يشهده هذا الفن من تطور، عربيا وعالميا.
الناقد المغربي الدكتور سعيد يقطين، كتب مقدمة للكتاب يتحدث فيها عما يتميز به الكتاب، وهو “خصوصية القراءات المختلفة التي يضمها هذا الكتاب في كونها تصدر عن باحثة متأنية ودقيقة ومحيطة بمواضيعها، ولها رؤيتها التي تنم عن امتلاك الأدوات الضرورية للتحليل والقراءة، أما اللغة التي كتب بها هذا الكتاب، فهي خالية من التكلف والادعاء، وفي الوقت نفسه واضحة منسابة، من دون إنشائية أو بلاغة زائفة، سوى تعبير عن وضوح في الرؤية، ودقة في تمثل القضايا والإشكالات التي تطرحها”. يشير يقطين إلى أن فريحات اختارت في القراءة ثلاثة نصوص لتجارب متميزة وكتاب فرضوا حضورهم في المشهد السردي الأدبي في الأردن والوطن العربي، وهم “إبراهيم نصرالله (شرفة العار)، جمال ناجي (عندما تشيخ الذئاب)، هاشم غرايبة (القط الذي علمني الطيران)”، فكانت متأنية ومتتبعة دقيقة للمنجز السردي؛ حيث أمسكت بالمؤشرات التي تتميز بها كل رواية، وترصدها من العتبات إلى البنيات الفنية التي تختلف بها كل رواية عن الأخرى، متطلعة إلى الإحاطة بمختلف جوانبها المعمارية والتقنية، ومرجعيتها الواقعية. ويرى يقطين أن المؤلفة لم تفتها الإشارات الدالة الكامنة وراء الرؤى المتباينة لدى كل واحد من الروائيين، سواء وهو يعطي الراوي العلمي إمكانية تقديم المادة الحكائية، أو هو يتخفى وراء الشخصيات التي تمارس السرد في غياب الراوي المركزي، أو وهو يعلن اسمه الشخصي. وكان لقراءتها الدقيقة أثرها الكبير في جعلها تنجح في تقديم كل تجربة مبرزة خصوصيتها الشكلية والمضمونية، ولعل اختيارها لهذه النصوص دليل على قدرتها على التمييز وإدراك غناها وخصوصيتها.
ويقول يقطين “وقفت فريحات في تقديم صورة مجملة وعامة، متأنية وعميقة عن السرد العربي في الأردن، سواء من خلال اختيار النصوص، أو تحليلها مفردة أو مجتمعة، وهذا النوع من الدراسات الذي يتناول بالدرس السرد، عموديا أو أفقيا، يمكن للقارئ غير المطلع، والباحث معا على تشكيل صورة شاملة عن الفسيفساء السردية، وجعله قادرا على وضعها في سياق التجربة السردية العربية الحديثة والمعاصرة. كما أن هذا النوع من القراءات يمكن المبدع السارد من تكوين رؤية بانورامية عن الصيرورة في خصوصيتها وشموليتها”.
ويلفت يقطين إلى أن هذه الدراسات تتوزع بين نوعين من القراءة “القراءة النصية التحليلية، والقراءة التركيبية النقدية”؛ حيث تدور الدراسات كلها في فلك السرد العربي الحديث بالأردن من خلال الرواية والقصة القصيرة وسواء في القراءة النصية أو التركيبية فيبدو أن المؤلفة ملمة بالنص الذي تدرسه، ومحيطة به إحاطة دقيقة وشاملة. وفي الوقت نفسه، نجدها تقيم حوارا مع الدراسات السردية النقدية العربية والغربية، فتستفيد منها في تأطير جوانبها النظرية حسب ما تقتضيه ضرورة التوضيح أو تمليه أهمية التأطير المنهجي والنظري، لذلك جاء كتابها في منحيين، يتمثل أولهما في تطوير النقد السردي العربي من ناحية، والسرد العربي في الأردن قراءة متأنية وعميقة.
عزيزة علي/ الغد
التعليقات مغلقة.