مطالبات بنص صريح يمنع حبس المدين غير القادر على السداد

 مع إعلان وزير العدل بسام التلهوني، تشكيل لجنة خاصة لمراجعة قانون التنفيذ بما يكفل الوصول لتحقيق العدالة لجميع الفئات، طالب قانونيون بضرورة أن تتضمن التعديلات، وجود نص صريح يمنع حبس المدين غير القادر على السداد.
وكان التلهوني بين، في تصريحات صحفية، أن هذه المراجعة ستنطلق من مبدأ أساسي وأصيل، وهو الحفاظ على حقوق الدائنين وحماية المدينين، وهي معادلة مهمة تنتهي نتائجها بسيادة القانون وحماية الحقوق.
وأضاف أن تشكيل اللجنة يهدف للاستماع لكل وجهات النظر والمقترحات التي تحقق المصلحة العامة بين الطرفين الدائن والمدين.
وكان المجلس القضائي أصدر قرار أواخر آذار (مارس) الماضي، يتضمن “تأجيل حبس المدين لمن يقل مجموع ديونه عن 100 ألف دينار مع منعه من السفر”، مستندا إلى مبرر صحي يتعلق بضرورات الحد من الاكتظاظ في السجون، وفي فترة تحول العديد من المؤسسات والأفراد الى متعثرين ماليا، نتيجة توقف أو تأثر أعمالهم خلال تداعيات الجائحة.
ومن جهتهم، طالب متخصصون وقانونيون بضرورة إلغاء المادة 22 من القانون، والتي تنص على ألا تقل الدفعة الأولى في حالة تسوية الدين عن 25 % من مجمل المبلغ المحكوم به، إضافة إلى السماح بحبس المدين على ديون عدة خلال سنة واحدة، والسماح بحبسه على الدين نفسه في السنة اللاحقة، معتبرين أن هذه المادة تخالف التزامات الأردن، بموجب العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية التي لا تجيز حبس المدين لعجزه عن السداد.
وفي هذا السياق، يقول المحامي عمر العطعوط إن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ينص على عدم جواز حبس المدين، لكن ذلك ليس بشكل مطلق، كون المادة 11 من العهد نفسه، تقول “لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي”. ولفت الى أن العجز عن الوفاء بالدين، يعني أن المدين لا يمتلك المال وغير قادر على السداد، وليس ممتنعا أو متهربا عن ذلك.
ويوضح أن ذلك هو الذي كان مطبقا في الأردن لغاية العام 2002، وفق قانون الإجراء السابق للقانون الساري حاليا “التنفيذ”، إذ كان يحصر قانون الإجراء الحبس في الحالات التي لا يعرض بها المدين تسوية، أو يمتنع عن الوفاء بدينه، وفق قدراته الفعلية، أو ظهر بالبيانات أن لديه ما يمكنه من الدفع لكنه أخفاه بقصد عدم الدفع.
وأضاف “لكن ما حصل أنه في العام 2002 وبسبب ضغط البنوك والشركات الكبرى، استبدل النص في قانون التنفيذ المؤقت، بحيث بات يسمح بسجن المدين غير القادر على الوفاء بالدين ورفع نسبة الدفعة الأولى من السداد الى 25 %”.
وحول المخرج لإيجاد آلية تضمن حقوق الدائن والمدين، يرى العطعوط أن الواجب العودة الى قانون الإجراء القديم للعام 1952.
وتابع أن العودة الى هذا النص، تحمي حقوق الدائنين من التهرب، كما أنها تحمي حق المدين غير القادر من احتجاز حريته.
وزاد “مع تأكيد ضرورة العودة لنص قانون الإجراء، لكن لا يجوز فرضه على الديون السابقة كون الجهات المدينة أعطت وفقا للقانون الحالي”، بالتالي فإن عودة لقانون الإجراء دون أثر رجعي، تضمن حقوق جميع الإجراء.
وتتفق مديرة مجموعة القانون لحقوق الإنسان ميزان المحامية ايفا أبوحلاوة مع العطعوط في الرأي، وتقول “إن الأصل ألا يكون هناك حبس لأي شخص بسبب عدم القدرة على الوفاء بدين تعاقدي”.
واعتبرت أن يتم وضع الحرية كضمانة للدين التعاقدي هو نوع من أنواع العبودية، مشددة على ضرورة أن تكون ضمانات الدين غير الحرية.
وقالت “الى جانب أن حبس المدين هو نوع من العبودية وانتهاك لحقوق الإنسان، فأيضا لا يجوز أن تكون ضمانة الدين على حساب الدولة”، لافتة في ذلك الى الكلفة التي تتكبدها الدولة في السجون نتيجة لحبس المدين.
وطالبت بضرورة أن ينص التشريع على ضمانات أخرى غير احتجاز الحرية، مثل ضمانة الراتب، الكفيل، عقار أو أرض.
وقالت إن الأصل أن يكون هناك تجريم لمن يتهرب من الوفاء بدينه وليس حبس المدين، داعية في هذا السياق الى ضرورة تعديل قانون العقوبات واستحداث بند يجرم تهرب الشخص من الوفاء بدينه في حال ثبت قدرته على سداد الدين لكنه يتهرب منه.
وتساءلت أبوحلاوة، ما الجدوى من سجن شخص غير قادر على السداد، وأي حقوق تمكن الدائن من تحصيلها في حال حبس المدين غير المقتدر؟
ومن جانبه، اعتبر المحامي لدى منظمة النهضة العربية للتنمية والديمقراطية “أرض” رامي قويدر، أن تشكيل اللجنة خطوة مهمة في السعي لإيجاد حلول تشريعية تهدف للموازنة بين الدائن والمدين، وتعديل قانون التنفيذ وطرح موضوع حبس المدين، وحقوق الدائن خطوة مهمة في إيجاد تشريع قانوني يوازن بين الطرفين.
ولفت قويدر الى أن موضوع حبس المدين لعدم سداد الدين من المسائل المعقدة قانونيا وحقوقيا، لافتا الى إشكالية مدة الحبس لعدم السداد هي 90 يوما في السنة والواحدة على الدين الواحد، وتجدد بعد انتهاء السنة، ولكن إذا تعدد الدين أو تعدد الدائنون، يحق لكل منهم تجديد الطلب حسب المدين، وبالتالي تصدر أحكام متعددة تقتضي بحسب المدين 90 يوما عن كل دين، بغض النظر عن قيمة المبلغ المستحق.
وأشار الى أن ذلك يخلق إشكالية قانونية وحقوقية، فهو حبس غير محدد مربوط بالسداد، وإذا كان الشخص لا يملك أموالا ولا يستطيع العمل بسبب الطلبات القضائية التي بحقه، أو موقوفا بسبب هذه القضايا، فبالتالي لن يستطيع السداد.
وبين أن هذا أيضا من الناحية الاقتصادية، يؤدي الى تكليف الخزينة مبالغ كبيرة نتيجة بقائه في السجن مدة طويلة غير معروف الى متى، هذا فضلا عن الحماية الدولية الواردة في القانون الدولي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بحبس المدين والتزامات الدولة تجاه الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، ومواءمة التشريعات المحلية معها.
وأضاف قويدر “في الوقت ذاته، إذا لم يكن هنالك تطبيق للتنفيذ الجبري على المدين الممتنع عن السداد، فإن ذلك يؤدي الى ضياع الحقوق وفقدان الثقة والتأثير على استقرار التعاملات التجارية والمدنية بين مختلف الجهات، ما يؤثر على الاقتصاد بشكل عام وعلى اقتصاد الأفراد بشكل خاص، عدا عن فقدان الثقة في قوة الأوامر القانونية وحق اللجوء الى التقاضي، وضمان تنفيذ الأحكام القضائية”.
وتابع “لذا لا بد من إيجاد آليات وأدوات تشريعية تضمن الموازنة بين حقوق وواجبات الطرفين، وأن ترتكز هذه الأدوات والآليات على التمييز بين المدين حسن النية وسيئ النية والمدين المعسر الحقيقي والمعسر احتياليا، والمقتدر وغير المقتدر، بحيث أن يكون هنالك نص واضح يحدد من هو المدين المقتدر وسيئ النية، والممتنع عن السداد إضرار بالدائنين”.
وطالب، كذلك، بالتوسع في موانع الحبس الواردة في المادة 23 من قانون التنفيذ، وعلى سبيل المثال، تحديد قيمة المبلغ الذي يجوز الحبس عليه، وذلك بعمر المدين وحالته الطبية وعدد أفراد أسرته، وإذا كان لهم معيل أم لا أو توجد مصادر دخل أم لا، مع ضمان إجراءات تحقيقيه تضمن صحة الادعاءات.
ولفت الى أنه من الممكن تخفيف مدة الحبس، مع ضمان تباعد فترات الحبس حتى يعطى المدين فرصة ليتمكن من إيجاد مصدر دخل يتمكن من خلاله السداد.
ومن جانبه، بين المهتم بالشأن الاقتصادي سامر الجعبري، أنه الى جانب مخالفة قانون التنفيذ الحالي للعهد الدولي، لكنه أيضا ثبت عدم قدرته على حل مشكلة التعثر عن السداد، لافتا في ذلك لامتلاء سجلات التنفيذ المدني.
وتظهر إحصائيات 2019 وجود نحو 194 ألف دعوى في دوائر التنفيذ المدني، ويرى الجعبري أن حجم القضايا وتشعبها وعدم وجود أرقام دقيقة حول الأعداد، وامتلاء سجلات التنفيذ القضائي وأعداد المتعثرين، يوضح بشكل جلي عجز الآلية الموجودة حاليا على معالجة الأمر.
ودعا الى ضرورة تشكيل لجنة من: الغرف التجارية، وزارة الصناعة والتجارة، وزارة الداخلية، دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، دائرة الأراضي والمساحة، جمعية البنوك والبنك المركزي وجمعية شركات التمويل الأصغر (سند)، ووزارة العدل، وصندوق الزكاة.
ولفت الى أن هذه اللجنة يجب أن تعمل على: تحديد مفهوم المتعثرين والحالات المنطبقة وبناء آليات المعالجة بتحديد ونقل الأموال المنقولة وغير المنقولة كافة الخاصة بالمتعثرين، ونقل ملكيتها للدائنين، وحق المتعثر في الحفاظ على ما يضمن الحد الأدنى من الحياة الكريمة، كراتب التقاعد أو الضمان الاجتماعي، واستقبال طلبات المتعثرين كل على حدة، وتطبيق مفهوم الغارمين في الإسلام على من تنطبق عليهم الشروط، ومحاولة تسييل الموجودات القائمة لمن يملك موجودات قابلة للبيع أو الاستبدال لأصحاب الديون.
وأكد أهمية مساعدة صندوق الزكاة للحالات الإنسانية للمتعثرين، الى جانب تعديل التشريعات والأنظمة القائمة حاليا، لتجاوز الأزمة ومنع تكرارها.
وبين أن معالجة هذا الخلل، لا تتضمن إعادة كل الحقوق لمن خسر أمواله أو أقرض جهات عجزت عن السداد، ولكن على الأقل سيضع حدا لهروب آلاف الأردنيين خارج الأردن، المشردين في دول العالم المختلفة، كما سيسهم بإخراج آلاف السجناء أو إيقاف التنفيذ عن آلاف الأردنيين المختبئين والمختفين داخل الأردن.
وتابع “ومن ناحية أخرى، يملك العديد من هولاء موجودات محجوز عليها من الدائنين، ولكن طريقة التنفيذ على الموجودات المحجوزة في الأردن وصعوبة التشريعات المنظمة لها تعقد من المسألة”.
وختم الجعبري أن الاقتصاد الأردني في العام 2021 بعد تبعات كورونا، يواجه تحديات صعبة، ومن الضروري معالجة القضايا العالقة لتخفيف الضرر الحاصل.

نادين النمري/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة