مقترح حل الدولتين الميت ،وواقع الإحتلال الصهيوني المتجدد. // نايف المصاروه.
يعود تاريخ مقترح حل الدولتين، إلى ما بعد هزيمة عام 1967، او ما يعرف بالنكسة، وينص الإقتراح على إنشاء دولتين إحداهما إسرائيل والأخرى فلسطين، بناء على قرارات الأمم المتحدة وخاصة قرار مجلس الامن رقم 242، والذي ينص في الفقرة الاولى منه على :-
1- يعلن أن تطبيق مبادئ الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط وهذا يقتضي تطبيق المبدأين التاليين:
أ- انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها (في النص الإنجليزي: “من أراضِ احتلتها”) في النزاع الأخير.
ب- أن تنهي كل دولة حالة الحرب، وأن تحترم وتقر الاستقلال والسيادة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة، وحقها في أن تعيش في سلام في نطاق حدود مأمونة ومعترف بها متحررة من أعمال القوة أو التهديد بها.
والأراضي التي احتلتها اسرائيل عام 67، تضم مناطق الضفة والقدس الشرقية وغزة وما يربطها، وتشكل 22% من أراضي فلسطين التاريخية.
وقد أثيرت نقاشات عديدة وما تزال، حول سبب إصرار محرري القرار باللغة الإنجليزية على حذف “أل” التعريفية، ووضع كلمة “أراضي”!
وهنا اسأل اذا كان مجلس الامن، يؤكد عدم شرعية الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب، فكيف يدعو لإقامة دولة موسومة بالعرف الدولي، قوة قائمة على الإحتلال، وعلى أرض محتلة لها أصحابها؟
وأسأل ايضا.. قبل نكسة عام 1967 اين حدود الاراضي الفلسطينية التي كانت تحتلها اسرائيل؟
وكيف لإسرائيل أن تجتزء قرار مجلس الأمن وتصر على النص الإنجليزي المجزوء ب” أراضي”، وليس الأراضي؟
وأسأل ايضا… اين كان أصحاب الأرض والحق ” الفلسطينين بشكل خاص، والى متى سيستمرون في التسويف وعدم تسمية الاسماء بمسمياتها ؟
وأين كان العرب واحرار العالم، وهيئة الأمم المتحدة، ومجلس الامن من تنفيذ بنود القرار رقم 242 والذي نص على :-، التأكيد على عدم شرعية الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب ؟
إسرائيل تركز في مطالبها على تطبيق الجزء الثاني من القرار، وبالرغم من احتلالها وسيطرتها على 78% من أراضي فلسطين التاريخية، حيث ما فتئت تطالب بالاعتراف بها، وبيهوديتها ، قبل انسحابها الى حدود ما قبل عام 1967، وفي ذات الوقت تقتل وتحتل وتتوسع، وتسابق الى الهيئات الدولية تتباكى وتشكو المقاومة الفلسطينية.
واشير ايضا الى حقيقة واضحة، أن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لن ينتهي مطلقا، حتى تعود الحقوق العربية والإسلامية لإصحابها ، وخاصة بما يتعلق بالقدس كلها وليس جزء منها.
ومن وجهة نظري أرى ويرى معي غيري كثيرين من المفكرين والباحثين والسياسيين وحتى عامة الناس ، أن مقترح حل الدولتين يستحيل تطبيقه على الأرض، لعدة أسباب منها :-
أن القدس وما فيها من مقدسات اسلامية ومسيحية، هي ارث عربي اسلامي ومسيحي، وهي منطقة وقف لا يستطيع اي مفاوض عربي، أن يتنازل عنها او يفرط فيها،وحقيقة أخرى ثابتة، بأنه ليس للصهاينة أي حق فيها وهنا اورد دليلا على ذلك.
بعد الإضطرابات والإشتباكات العنيفة التي وقعت خلال شهر آب سنة 1929، بين العرب واليهود في القدس وفي أنحاء عديدة من فلسطين وهو ما عرف ( ثورة 1929)، أرسلت الحكومة البريطانية إلى فلسطين لجنة تحقيق عرفت باسم “لجنة شو” فأوصت هذه بإرسال لجنة دولية لتحديد حقوق العرب واليهود في حائط البراق.
وقد وافقت جمعية عصبة الأمم على هذه التوصية بقرار أصدرته يوم 14/1/1930، وتشكلت بموجبه لجنة من ثلاثة أعضاء من غير الجنسية البريطانية مهمتها “تسوية مسألة حقوق ومطالب اليهود في حائط المبكى، والمسلمين في نفس الحائط والذي يعرف ” بالبراق”، لأن هذه المسألة “تستدعي حلاً سريعاً نهائياً”.
وانتهت اللجنة من وضع تقريرها في مطلع كانون الأول 1930، وخلصت فيه إلى استنتاجات حازت على موافقة الحكومة البريطانية وعصبة الأمم معاً فأصبحت، بذلك وثيقة دولية هامة تثبت حق الشعب العربي الفلسطيني في حائط البراق وأهم هذه الاستنتاجات:
1) تعود ملكية الحائط الغربي إلى المسلمين وحدهم، ولهم وحدهم الحق العيني فيه، لأنه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف، الذي هو من أملاك الوقف، وتعود إليهم أيضاً ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط، وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط، لكون الرصيف موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير .
2) إن أدوات العبادة و/أو غيرها من الأدوات التي يحق لليهود وضعها بالقرب من الحائط بالاستناد إلى أحكام هذا التقرير أو بالاتفاق بين الفريقين لا يجوز في حال من الأحوال أن تعتبر أو أن يكون من شأنها إنشاء أي حق عيني لليهود في الحائط أو في الرصيف المجاور له.
3) لليهود حرية السلوك إلى الحائط الغربي لإقامة التضرعات في جميع الأوقات “ولكن مع مراعاة شروط حددها التقرير.
4) يمنع جلب أية خيمة أو ستار أو ما شابههما من الأدوات إلى الحائط.
5) لا يسمح بنفخ البوق بالقرب من الجدار”.
وأشير ايضا الى تساهل مجلس الامن وهيئة الامم المتحدة، في التعامل مع قضية احتلال فلسطين وعدم الجدية الحقيقية في حلها، وذلك بين واضح، فمثلا وبالرغم من استمرار وجود الاحتلال الاسرائيلي،على الأراضي الفلسطينية، وزياده توسعه الإحتلالي، وبالرغم من الجرائم الإرهابية التي يرتكبها بحق الشعب العربي الفلسطيني، وبالرغم من استمرار واشتعال الصراع والحرب، يصدر مجلس الامن بتاريخ 22 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، قراره رقم 338 والذي تنص الفقرة الثانية منه على دعوة جميع الأطراف المعنية إلى البدء فوراً بعد وقف إطلاق النار، وبتنفيذ قرار مجلس الأمن 242 (1967) بجميع أجزائه.
ومع أن القرار 242، يدعو الى انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها (في النص الإنجليزي: “من أراضِ احتلتها”) في النزاع الأخير،وفي حقيقتها القانونية هي الاراضي التي احتلتها عام 1967.
وبالرغم من وضوح كل اسباب المعضلة والمشكلة ، وهو وجود الإحتلال وعدم الجدية واتخاذ الإجراءات القانونية الحازمة والحاسمة،من قبل المجتمع الدولي، لإجبار الكيان الإسرائيلي المحتل بشكل خاص على تنفيذ قرار مجلس الامن 242.
وهذا واضح من خلال ترك الحبل على الغارب لإسرائيل، وعدم إتخاذ اجراءات قانونية رادعة بحقها ، ترغمها على القبول والتطبيق الجبري.
وبالرغم من سنوات الحرب، وفي 12/مارس، آذار، عام 2002، اصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1397، والذي يشير إلى جميع قراراته السابقة ذات الصلة، ولا سيما القرارين 242(1967) و338 (1973)، وأكد على رؤيتة لمنطقة تعيش فيها دولتان، إسرائيل وفلسطين، جنبا إلى جنب ضمن حدود آمنة ومعترف بها، وشدد أيضا على ضرورة احترام قواعد القانون الإنساني المقبولة عالميا،والى غير ذلك من المطالبة بوقف فوري لجميع اعمال العنف، ودعوة الجانبين الى التعاون في تنفيذ خطة تنت وتوصيات ميتشل، ووقف العنف واستئناف عمليه السلام.
كما قرر في الفقرة الرابعة ” أن يبقي المسالة قيد نظره” .
وهنا اسأل منذ عام 2002، وبالرغم من كل التوسع والإرهاب الصهيوني، وجرائم الإضطهاد والفصل العنصري، والتوسع الإستيطاني، وبالرغم من كثرة القتلى والجرحى والمعتقلين من الأطفال والنساء، ووجود المرضى بين المعتقلين، ماذا فعلت الأمم المتحدة؟
صحيح انه قدمت العديد من المقترحات، وتولت الولايات المتحدة، واللجنة الرباعية، وأجمع العرب على ما يعرف بمبادرة السلام العربية ، كل ذلك بغية الوصول الى حلول، لكن اين واقع تلك الحلول امام تعنت اسرائيل وعدم استجابتها للمطالب؟
واصرارها على الإحتلال وتهويد فلسطين والإحتفاظ بالقدس كعاصمة لدولتها المحتلة!
الكثير من الدول يتبنى موقف حل الدولتين لتسوية الصراع في فلسطين المحتلة،على أساس قيام دولتين إحداهما إسرائيل وتقوم على أرض فلسطين المحتلة عام 1948، والأخرى فلسطين وتقوم على أراضي حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 .
ولكن عند الحديث عن الحلول ، لا توضح كل الأطراف الدولية موقفها من قضايا عودة وحقوق اللاجئين ووضع القدس، وهي حلول يرى كثيرون أنها تستحيل تطبيقها، بسبب التعنت الإسرائيلي ، ويكتفون بالأقول دون التطبيق .
وإسرائيل التي ما فتئ بعض قادتها يلوحون بقبولهم لحل الدولتين، والتي ما لبثت على الأرض، أن تكرس عكس هذا السيناريو، برفضها المطلق وقف الاستيطان والعودة لحدود 67، وتأكيدها دائما بأن لا تنازل عن القدس، وحتى تصورها عن الدولة المستقبلية لفلسطين، يلخص في خلق كيان محاصر منزوع السلاح يعيش على الحصار الإسرائيلي المستمر والدائم وهو الواقع حتى اليوم.
وفضلا عن ذلك فمن الجانب الفلسطيني كذلك، توجد عراقيل كثيرة أمام تحقيق حل الدولتين، إذ تبدو قضية اللاجئين عصية على الحل، في ظل عجز السلطة الفلسطينية عن فرض حل متفق عليه بشأن فلسطينيي الشتات.
وإلى جانب حق العودة أيضا ، لا يوجد توافق داخلي فلسطيني، حول القضايا الكبرى التي يجب حسمها في أفق اتفاق مع إسرائيل حول حل الدولتين، وبينها “حظر المقاومة”.
علما بأن إسرائيل التي سبق ونقضت عهودها مع العرب والفلسطينيين مرات عديدة، تجعل من المستحيل، الثقة بها أو بوفاءها بكل التزامتها وتعهداتها ومواثيقها، مع كل من يتعامل معها.
حتى نعي ونعرف اسباب التلكؤ والمماطلة الإسرائيلية، بقبول حل الدولتين هو الإنحياز الامريكي لها، وقد ظهر ذلك عيانا منذ امد بعيد، وخير دليل ما اعلن عنه، احد كبار موظفي الرئاسة الامريكية، في عام 2017، بأن واشنطن لم تعد متمسكة بحل الدولتين، كأساسا للتوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
وأن “حلا على أساس دولتين لا يجلب السلام، ليس هدفا يريد أحد تحقيقه”، مبرزا أن “السلام هو الهدف، سواء أتى عن طريق حل الدولتين إذا كان هذا ما يريده الطرفان أم عن طريق حل آخر إذا كان هذا ما يريده الطرفان”، وقد طرح مشروع ما يسمى ” بصفقة القرن” وويلاتها.
وتجلت هذه النكسة بإعلان وقرار الرئيس الأمريكي السابق ترامب ، في السادس من ديسمبر/كانون الأول 2017،واعترافه بالقدس بشقيها الغربية والشرقية، عاصمة لإسرائيل، ودعوته وزراة الخارجية الأميركية للبدء الفوري في إجراءات نقل السفارة الأميركية إلى القدس الشرقية ، وهو قرار مرفوض قانونيا، وبالرغم مما أثاره من رفضا واسعا فلسطينيا وعربيا ودوليا.
وهنا أسال ،اي حق لأمريكا او لأية دولة أخرى تمنح ما ليس لها، وتمنع من وصول الحقوق لأصحابها؟
كل ذلك يقودني الى ان هناك عدة أسباب، تدفع اسرائيل الى التعنت وعدم قبول حل الدولتين او اي مقترح للسلام، والجرأة على سلب وسرقة الحقوق العربية الفلسطينية، والتي منها :-
* – تواطئ المجتمع الدولي مع اسرائيل، وعلى راسه هيئة الامم المتحدة ومجلس الأمن وكل المنظمات الحقوقية والإنسانية ،بالرغم من وضوح جنوح اسرائيل، واجرامها وإرهابها بحق اهل فلسطين من جرائم سابقة، كمذبحة دير ياسين وغيرها، والحرب على جنين وتكرارها على غزة عام 2014 وما قبلها وما نتج عنها من قتل اكثر من ” 2000”شخص وجرح اكثر من”10000” آخرين، واعلانها لقانون يهودية الدولة العنصري، وتكرار الإعتداءات على حرمة الاماكن المقدسة، والتي كان آخرها ما حصل في رمضان الماضي، ومحاولتها التهجير القسري لسكان حي الشيخ جراح وحي سلوان وغيرها، وما كان مؤخرا من جرائم بحق اهل غزة من تدمير للابنية والأبراج والمساكن على رؤوس ساكنيها، وقتل لاكثر من ” 250”شخص، وجرح اكثر من ”2000” آخرين، وما يشكله من خرق واضح للقانون الدولي .
*- انعدام الحيادية من قبل بعض رعاة السلام، كالولايات المتحدة، وانحيازها ودعمها المستمر لإسرائيل ، والتأكيد الدائم على حفظ أمنها .
*- تفريط العرب بشكل عام والفلسطينين بشكل خاص بحقوقهم، من خلال الموافقة والقبول بقرارات مؤتمر ” أوسلوا” كلها، وما فيها من تنازل عن الحقوق وترسيخ وتجذير للاحتلال .
* – تخاذل العرب وهوانهم، وخذلانهم لأهل فلسطين، ومن خلال معاهدات السلام الاسرائيلية مع مصر والأردن سابقا، وما تبعه لاحقا من قبل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وما يخطط له في المستقبل، واثر ذلك على ضعف الموقف الفلسطيني، وزيادة وجرأة المعتدي الصهيوني، وهو ما ظهر مؤخرا، من خلال شدة وقوة القصف والأضرار التي خلفتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ودمار البنية التحتية، وهو ما ساتناوله لاحقا من خلال مقالتي التي ستكون بعنوان، غزة.. بين واقع الصمود والدمار، وجهود إعادة الإعمار.
إن حل الدولتين مقترح ولد ميتا، لانه قام على الظلم وهظم حقوق الفلسطينين، ومنحها للصهاينة، بالرغم من انعدام اي حق لهم فيها.
وهنا اسال.. هل تقبل الامم المتحدة وكل دول الإتحاد الأوروبي، بأن يطالب المسلمين بأن تعاد لهم الأندلس وكل البلقان؟
وهل تقبل امريكا وبريطانيا وفرنسا، وبشكل رسمي ان يشتري بعض العرب والمسلمين، اراض واحياء عندهم ويبسطون سيادتهم عليها؟
اذا كان بعضهم لا يقبلون الوجود العربي والإسلامي، وما نراه من هدم للمساجد وإغلاق لبعضها، وتضييق على حرية الاعتقاد والتعبد خير شاهد.
ختاما.. إن كل الحلول التي تطرح، هي ضرب من ضروب الخيال،ما لم تتضمن زوال الإحتلال، ولن نقبل كعرب ومسلمين، إلا بكل فلسطين فهي ارض عربية فلسطينية، واما قضية القدس واحتلالها، فهي قضية عقيدة وهوية ووجود، وهي ارض وقف اسلامي ففيها الاقصى القبلة الاولى وثالث الحرمين، وهي المعراج وعلى ثراها سالت دماء الشهداء من الأولين وستكون من الآخرين.
وإن الحل الحقيقي لقضية فلسطين، هو حل الجهاد والإستشهاد، والدفاع عن الحقوق لإستعادتها بكل الأساليب والمسميات، وهذا ما سيكون اليوم وغدا وحتى آخر الزمان، شاء من شاء وأبى من أبى، وتخاذل من تخاذل، وداهن او جبن من دهن وجبن، والله غالب على أمره، وشتان ما بين من يموت خانعا ذليلا تتقاذفه اهواء الهوى والشهوات وحب الدنيا وطلب الرئاسة وحب المال والملك،وبين من يموت في ساحات الوغى والشرف والجهاد فالله أكبر ولا سواء.
التعليقات مغلقة.