مناشير “كاتمة للصوت”.. ظاهرة جديدة تغتال الثروة الحرجية في جرش
جرش– فيما تجددت ظاهرة الاعتداء على الثروة الحرجية في غابات محافظة جرش بعد انتشار بيع مناشير الحطب الحديثة “كاتمة الصوت”، نظرا لزيادة الإقبال على استخدام الحطب كبديل للتدفئة عن الكهرباء والمشتقات النفطية، تشدد وزارة الزراعة والجمعية الملكية لحماية الطبيعة إجراءاتها للرقابة على الغابات خاصة في ساعات المساء، والعطل من خلال تعزيز دوريات المراقبة والطوافين وأبراج المراقبة، ورصد مداخل ومخارج الغابات.
وأثار تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من الصور ومقاطع الفيديو لنحو 10 أشجار حرجية معمرة يقدر عمرها بعشرات السنين تعرضت للاعتداء قبل بضعة أيام في غابات حرجية قريبة من بلدة ساكب، استياء عاما في محافظة جرش، مطالبين بتشديد الرقابة على الأحراج كون هذه الأشجار ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها بشتى الطرق وعدم التهاون مع العابثين.
وأكد هؤلاء النشطاء أن ظاهرة الاعتداء على الثروة الحرجية تجددت بعد انتشار بيع مناشير الحطب التي تعمل بدون إصدار أصوات، ما يمكن العابثين من الاعتداء على الاشجار في مواقع بعيدة وغير مراقبة.
وفي هذا الصدد، قال الناشط غسان العياصرة إنه اعتاد على مراقبة الأحراج وتفقدها بشكل يومي كونه فنانا تشكيليا، ويعمل على إعادة تدوير المخلفات البيئية وتحويلها إلى تحف فنية، مشيرا إلى أثناء تفقده يتفاجأ يوميا بوجود أشجار معمرة من السنديان والبلوط واللزاب يجري الاعتداء عليها وقطعها وسرقة خشبها لغايات التدفئة والتجارة.
وأكد العياصرة أن الغابات البعيدة عن الطرقات، والتي لا تصلها أبراج المراقبة هي الأكثر عرضة للاعتداء، خاصة في هذه الفترة التي تشهد انخفاض درجات الحرارة وخلو المنطقة من المتنزهين، ولبعدها عن أبراج المراقبة بحكم طبيعة الغابات واسعة الانتشار ومساحاتها كبيرة وصعوبة تجنيد حراس مراقبة لكل جزء فيها، ما يتركها عرضة للاعتداء.
ويؤكد العياصرة أن العابثين يبحثون عن المواقع البعيدة عن المراقبة والتجمعات السكنية ويستخدمون مناشير حطب حديثة تعمل بالشحن ولا تصدر أصواتا أثناء تقطيع الأشجار، ما يتيح لهم فرصة الاعتداء على الثروة الحرجية بسهولة وبدون معيقات.
إلى ذلك، قال الناشط نصر العتوم إن ظاهرة الاعتداء على الثروة الحرجية بدأت بالتنامي بعد ارتفاع أثمان الكهرباء وأسعار المشتقات النفطية التي يعتمد عليها المواطنون في التدفئة، لا سيما وان تكاليف التدفئة على الحطب والجفت أقل وأوفر وأكثر جدوى مقارنة بوسائل التدفئة الأخرى.
ويستسهل مواطنون الحصول على الحطب كون محافظة جرش تزخر بغابات حرجية تحيط بعدد كبير من القرى والبلدات البعيدة عن أعين الرقابة، نظرا لامتداداتها الواسعة وصعوبة تجنيد دوريات مراقبة في كل كيلو متر فيها، ما يشجع العابثين على الاعتداء على الثروة الحرجية أو بيع خشبها في السوق السوداء بأثمان مرتفعة وبطرق سرية مدروسة، هربا من دوريات وزارة الزراعة والجمعية العلمية الملكية لحماية الطبيعة، وفق العتوم.
وبين أن ظاهرة الاعتداء على الثروة الحرجية تراجعت قبل بضع سنوات، إلا أن ارتفاع أثمان الكهرباء وأسعار المشتقات النفطية جدد هذه الظاهرة، وهو ما كانت تحذر منه الجهات التي تعمل على حماية الطبيعة والحفاظ عليها، خاصة وأن أقل شجرة معمرة في غابات جرش لا يقل عمرها عن 500 عام، ونموها يحتاج إلى كثير من السنوات حتى تصل إلى هذه المراحل.
بدوره، قال رئيس قسم الحراج في زراعة جرش المهندس فايز الحراحشة إن الاعتداء الأخير وقع في غابة قريبة من بلدة ساكب، حيث تم تقطيع 8 أشجار كبيرة معمرة، وما زالت التحقيقات جارية لإيقاع أشد أنواع العقوبة بالمعتدين على الثروة الحرجية قبل ساعات الفجر الأولى، وفي منطقة بعيدة عن الرقابة، وتم استخدام مناشير حطب كاتمة للصوت، ولم يتمكن الطوافون وأبراج المراقبة من رصد الاعتداء.
وقال الحراحشة إن “العابثين يتجرأون على الثروة الحرجية باستخدام مناشير تعمل بالشحن وهي بدون صوت، ومنها أنواع أصواتها منخفضة جدا وغير مسموعة، ومتوفرة في محال المواد الزراعية وأسعارها عادية، ويمكن لأي مواطن شراؤها بهدف التقليم أو تنظيف الأغصان الجافة”.
ويرى أن حاجة المواطنين للحطب ازدادت هذا العام نظرا لارتفاع تكاليف الكهرباء والمشتقات النفطية كذلك، ووجود غابات كثيرة تحيط بقرى وبلدات محافظة جرش واسعة الامتداد”.
وقال إن مديرية الزراعة ترفع الجاهزية في فصل الشتاء نظرا لزيادة عدد الاعتداءات، حيث زادت عدد الدوريات إلى 10 للمراقبة، و4 دوريات إضافية، كلها تعمل وهدفها تغطية مساحة أكبر للمراقبة والتفتيش الدوري.
وأضاف أن سبب تراجع الاعتداءات هو التشديد من قبل كوادر مديرية الزراعة بالتعاون مع الجهات المعنية، واتخاذ عقوبات رادعة بحق المعتدين، لاسيما وأن أشكال الاعتداء تتمثل بالقطع والرعي الجائر وافتعال الحرائق.
وعزا الحراحشة سبب التراجع في حالات الاعتداء على الثروة الحرجية في جرش التي تزيد مساحتها على 27 % من مساحة المحافظة إلى الإجراءات الصارمة التي قامت وزارة الزراعة بتنفيذها بالتعاون مع الجهات المختصة، موضحا أن اهم هذه الإجراءات هي زيادة وعي وتثقيف المواطنين بخطورة الاعتداء، وأثر ذلك على البيئة والصحة والاقتصاد، ودور الأحراش في الحفاظ على التوازن البيئي، فضلا عن زيادة محطات المراقبة والأبراج والدوريات المنتشرة في مختلف المناطق الحرجية.
وأضاف أن وزارة الزراعة تقوم منذ عامين كذلك باستخدام طائرة بدون طيار لمسح الغابات عن طريق تصويرها والتعرف على المناطق التي تتعرض للاعتداء والعبث من قبل المعتدين، ورصد تحركاتهم على مدار الساعة، فضلا عن ان قانون الزراعة للعام 2015 غلظ العقوبات على المعتدين، بالتعاون مع الحكام الإدرايين.
وقال إن هذا القانون يعتبر رادعا لكل من تسول له نفسه الاعتداء على الثروة الحرجية أو العبث بها، خاصة مع تعيين قاض خاص للنظر في هذه القضايا، والمخول بتسريع إيقاع أقصى العقوبات.
وتجند مديرية زراعة جرش في هذا الوقت كافة أجهزتها من خلال المراقبين وأبراج المراقبة ودوريات الحراج، حيث تعمل على مدار الساعة 6 دوريات مراقبة و5 دراجات متنقلة بين الطرق الزراعية والفرعية، وتصل إلى مواقع مختلفة، فضلا عن 6 أبراج مراقبة مزودة بأجهزة لاسلكية، وطائرة بدون طيار يتم استخدامها بالتعاون مع الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، فضلا عن مراقبة الأحراش ذات الكثافة الشجرية العالية.
وتعكف مديرية الزراعة على إعداد الخطط للمحافظة على مشاريع التحريج، التي أنجزتها المديرية في مختلف مناطق المحافظة، بدءا من اتخاذ اجراءات عاجلة للحد من الاعتداءات من خلال دوريات ثابتة على جميع مداخل ومخارج الغابات ضمن مناوبات على مدار الساعة، وصولا إلى زيادة المساحات الحرجية من خلال الاستمرار بزراعة الاشجار الحرجية وتوفير الظروف الملائمة لنموها وبقائها، خاصة وان المديرية توفر هذه الأشتال بالمجان.
وبين الحراحشة أن كمية الحطب التي تم بيعها مباشرة من المديرية إلى المواطنين لا تتجاوز 70 طنا هذا العام، فيما لم تتجاوز 180 طنا العام الماضي، وهي كميات متواضعة مقارنة بعدد الطلبات المقدمة إلى مديرية الزراعة، والتي تقارب الف طلب خلال عامين، مشيرا إلى أن نسبة المتوفر من الأخشاب لا تغطي سوى جزء بسيط من حاجة المواطنين للحطب في جرش، فضلا عن منح المواطنين أكثر من 180 رخصة لتقليم الأشجار في أراضيهم.
صابرين الطعيمات/ الغد
التعليقات مغلقة.