هل الجنة للمسلمين فقط؟ / د.فخري بني نصر
في البداية لا أقصد في هذا المقال التدخل في امور الغيب, وفي أمر اختص به الله سبحانه وتعالى, بل هو دعوة للناس جميعا للدخول في دين الله الاسلام ,ودخول الجنة التي عرضها السموات والارض , ويكون لمعظم البشر مكان بها الا من ابى.
موعد الجنة هو يوم القيامة , بعد موت البشر والحجر , وبعد الحساب والعذاب لكل البشر في السموات العلى, وانها للمؤمنين الموحدين لله سبحانه وتعالى من جميع البشر وليست للمسلمين فقط .
فما نحن المسلمين الا بشر مما خلق الله سبحانه وتعالى اعطانا الله سبحانه وتعالي العقل والدماغ كي نفكر ونتدبر في امور الكون, وامور الغيب ونعمر الارض أي الاستحلاف , و تترك لله سبحانه وتعالى مصير العباد وتحديد مصيرهم اما للجنة او النار , فهو الحكم و صاحب الاختصاص يدخل من يشاء من البشر في رحمته , ويعذب من يشاء قال تعالى في سورة الانسان : يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)) واليكم بعض الدلائل القرآنية:
1- قال تعالى في سورة الحج : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)- بيَّن الله تعالى في هذه الآية أن الفصل بين الناس ومقاضاتهم هو شأن إلهي خالص لا ينبغي لأحد من عباده ان بتدخل به.
2- قال تعالى في سورة الحج : اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) اذن اختصاص الله سبحانه وتعالى بالفصل والحكم والحساب مبنيّ على علمه المطلق المحيط بسرائر النفوس، وهي خاصية إلهية لم يشرك بها أحداً من خلقه، فالإنسان لا يعلم سرائر أقرب الناس إليه مثل زوجه وولده، والحساب يقتضي العلم المطلق، والأمور لا تكون حقائقها دائماً كما تبدو ظواهرها، لذلك يجب على الإنسان ألا يتجرأ على الحكم والقطع فيما ليس له به علم، وأن يدع مهمة الفصل بين الخلائق ونجاتهم أو هلاكهم لله سبحانه وتعالى العليم بذات صدور.
3- قال تعالى في سورة الأنبياء: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ (47) , فهذا تعهَّد من الله سبحانه وتعالى بالعدل المطلق لكل الخلائق يوم القيامة وليس البشر فقط ، وهو تعهد يكفي ليسكب في النفس الطمأنينة والرضى: فيما كتب الله لنا .
4- قال تعالى في سورة الزلزلة : يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) , الحساب يوم القيامة يكون بمثاقيل الخردل، بل بمثاقيل الذرة من تناهي دقته، والمحاسَب هي النفس الإنسانية، من كل الأمم والشرائع، وفي آية سورة الزلزلة من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، لم يقل المسلمين وحسب، بل الناس، فالله تعالى لن يضيع مثقال ذرة من خير لغير المسلمين يوم القيامة..
5- قال تعالى في سورة البقرة : وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (111) , نكر الله سبحانه وتعالى على أن اليهود والنصارى قد احتكارو الجنة لهم ولملتهم , وهذه ُ أَمَانِيّ مِنْهُمْ يَتَمَنَّوْنَهَا عَلَى اللَّه بِغَيْرِ حَقّ وَلَا حُجَّة وَلَا بُرْهَان وَلَا يَقِين عِلْم بِصِحَّةِ مَا يَدَّعُونَ , وَلَكِنْ بِادِّعَاءِ الْأَبَاطِيل وَأَمَانِيّ النَّفُوس الْكَاذِبَة , ” المنهج ذاته مدان، وهو منهج اعتقاد أمة من الأمم أن رحمة الله وجنته خاصة بها دون غيرها، وهو مرض إنساني قديم لم يبدأ بالمسلمين. فهل يعقل أن يقع المسلمون في ذات المرض وهم يتلون الكتاب، فيقولوا لن يدخل الجنة إلا من كان مسلماً؟!
6- قال تعالى في سورة الاسراء : مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (15() , وهذا أصل ثابت في الدين، وهو أن الله تعالى لا يعذب الخلق إلا بعد إقامة الحجة عليهم، ومعرفتهم الحق ثم اختيار الجحود والضلال بعد تبين الطريق.> >
وإذا قال قائل إن الرسول قد بُعِثَ فعلاً، فسيظل السؤال قائماً: وهل بلغت رسالة الرسول كل الخلق بلاغاً مبيناً يجلي الحق لهم ويمحو أي شبهة والتباس في عقولهم وقلوبهم؟ إن علة إرسال الرسول ليس أن يعيش الناس في زمانه، بل أن تصل إليهم رسالته ببلاغ مبين، وكثير من الناس اليوم، وربما أكثر الناس، لم تصلهم رسالة الرسول بيِّنةً واضحةً فلا يجري عليهم حكم التكذيب والعناد.>
وهناك أهل الفترة ويقصد به الناس الذين عاشوا في فترة انقطاع الرسالة، مثل الذين عاشوا بين زماني عيسى ومحمد عليهم السلام، ورأى كثير من الفقهاء أن حكم هؤلاء أن الله يعرض لهم امتحاناً خاصاً يوم القيامة فإما نجوا وإما هلكوا. وما يهمنا في هذا السياق هو أن علة أهل الفترة لا تزال باقيةً في كل زمان، فما أكثر الناس في زماننا هذا وفي كل زمان، من الذين لم تبلغهم رسالات الرسل واضحةً جليةً، فهم لم يكذبوا ويعاندوا، بل لم يعرفوا الحق، لذلك ظننا في الله تعالى أنه لا يعذب أحداً حتى إقامة الحجة عليه، سواءً في عالمنا هذا أو في عوالم أخرى لا نعرف حيثياتها بعد الموت.
7- قال تعالى في سورة البقرة آية 62 : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (62 ).
هذه آيات في القرآن الكريم تتحدث عن رحمة الله بغير المسلمين ممن آمن وعمل صالحاً, وقال المفسرون إن الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، والذين هادوا هم من آمنوا بموسى عليه السلام، وماتوا على ذلك قبل بعثة عيسى عليه السلام، أو أدركوه وآمنوا به، والنصارى وهم الذين آمنوا بعيسى عليه السلام وماتوا على ذلك قبل أن يدركوا محمداً صلى الله عليه وسلم أو أدركوه وآمنوا به، والصابئون قيل: هم قوم من أتباع الأنبياء السابقين , فهؤلاء جميعاً من آمن منهم بالله واليوم الآخر وصدق النبي الذي بعث إليه ومات على ذلك فلهم أجرهم عند ربهم.
وفي هذه القرن الحادي والعشرين هناك أفراد كثيرون لا يعلمون عن الأمم الأخرى علماً كافياً مستفزاً للبحث. إن الأمم بطبيعتها الاجتماعية منغلقة على أنساقها ونُظُمها، وقليلون من يغادرون أسوارهم الثقافية. هذه طبيعة بشرية لا علاقة لها بالإيمان والكفر، تماماً كما أن أكثر المسلمين لا يفكرون بقراءة التراث الصيني والهندي والأفريقي، ومن أجل ذلك اقتضت حكمة الله تعدد الأمم والشرائع، وهذا ما يشير إليه القرآن صراحةً في سورة المائدة قال تعالى : لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48), في هذه الآية يخبرنا الله تعالى أن حكمته اقتضت تعدد الشرائع، ثم يأمرنا أن نستبق الخيرات.
8- قال تعالى في سورة المائدة : وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) وقال تعالى في سورة المائدة : لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) , هذه الآية تأتي في سياق الثناء على الهدى والنور الذي تضمنته التوراة والإنجيل وحث أهل الكتاب على الحكم بها , ونفصد هنا التوراة والانجيل الذي انزل على موسى وعيسى عليهم السلام الاصلية وليست المحرفة التي يتداولون بها الان .
9- قال تعالى في سورة آل عمران : إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19))…….وقال تعالى : وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)
نعم الدين عند الله الاسلام ,ولن يقبل غير الاسلام دينا في هذا العصر ,فجميع الشرائع السماوية قد الغيت بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
والإسلام يأتي في القرآن بمعنى إسلام القلب والوجه لله فهو أكبر من حصره في شريعة الرسول محمد: “بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ”.
ولو قصد بالإسلام بشريعة الرسول محمد، فسيبقى شرط البلاغ المبين قائماً، دعونا نقرأ الآية كاملةً: “إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ”..
إن الذين لم يقبلوا بالإسلام في هذه الآية هم الذين جاءهم العلم ثم بغوا وكفروا، وهذه جريمة واضحة، لا تمكن مقارنة أهلها بمن لم يأته العلم أصلاً ولم يبغ ولم يكفر، لكنه لم يعرف.
10- القرآن الكريم قرر حقيقة تعدد الأمم حتى بعد بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ولنتأمل هذه الآيات: من سورة الاعراف قال تعالى : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ۖ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ۚ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ۗ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170).
هذه الآيات تقرر أن بني إسرائيل سيبقون إلى يوم القيامة، وأن منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، فلو كان الحديث عن بني إسرائيل في زمان موسى لما قال “إلى يوم القيامة”، أي أنه حتى في زماننا هذا فإن من بني إسرائيل الصالحون ومنهم دون ذلك، وفي ذات السورة: “وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ”.
أما النصارى فقد قال فيهم مخاطباً عيسى عليه السلام: “وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ”، أي أن الله تعالى كافأ أمة عيسى “المسيحيين” بأنهم سيبقون ظاهرين على من كفر به “اليهود” إلى يوم القيامة، وهذا ما نراه حتى زماننا هذا أن المسيحيين أكبر عدداً من اليهود الذين كفروا بعيسى. وفي آية أخرى يذكر الله من خصائص أمة عيسى: “وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً”، أي أن هذه خاصة باقية فيهم نجدها في كل زمان، فإذا كان القرآن يذكر في موضع أن أتباع عيسى باقون إلى يوم القيامة، فما هي الحجة المنطقية التي سنقرر وفقاً لها أن ثناء القرآن عليهم في مواطن عديدة سيقتصر على زمان ثم سينقطع؟
11- إن علة العذاب والنار في القرآن مرتبطة دائماً بأفعال المرء الاختيارية المتعلقة بالتكذيب والعناد والاستكبار والظلم والإفساد، وكلمة الكفر ذاتها تعني في السياق القرآني دائماً الجحود بعد تبين الآيات، فالكفر لا يكون إلا بعد معرفة الحق:< , “فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ”، “وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا”، “فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ”، “الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ”.. إذاً فهو جحود بعد معرفةٍ وإيمانٍ، وهو ظلمٌ وعلوٌ واستكبارٌ، ومن المعلوم أنه ليس دافع كل غير المسلمين الجحود والظلم والاستكبار، فهذه الصفات لا تلحق بالمرء بمجرد ولادته في بيئة معينة، إنما يكتسبها بعد تبين الحق له ورفضه.>
12- و في المشهد الختامي من سورة المائدة يسأل الله تعالى عيسى عليه السلام: “وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ”، فيذكر من جواب عيسى عليه السلام: “.. إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”. <
مع أن الجريمة هنا جريمة كبرى وهي اتخاذ عيسى وأمه إلهين من دون الله، ومع ذلك ترك عيسى عليه السلام مصيرهم إلى المشيئة الإلهية بما يحتمل المغفرة أيضاً: “وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم”!!
والسؤال الذي يثيره هذا المشهد: هل نحن أعرف بالله من عيسى عليه السلام؟ وما الذي يدفع كلمة الله وروحه إلى ذكر احتمال المغفرة لمن اقترف هذا الأمر العظيم في نظرنا، إن كانت قضية النار محسومةً كما تتصورها عقولنا؟
13- ليس المقصود هنا التهوين من خطر الشرك، فجزاؤه واضح في القرآن الكريم : “إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ”، لكنَّ المقصود أن أحداً من البشر، بمن فيهم الرسل عليهم السلام، يحيط بكل الملابسات والحيثيات التي تنطوي عليها النفوس البشرية، وبما يعطيهم الحق لتقرير مصيرهم، وفي مقولة عيسى عليه السلام، فربما لا يستوي في ميزان الله من قال بألوهية عيسى عن عمد واستكبار وكفر وكان إماماً من أئمة الضلال، ومن قال هذه الكلمة تخليطاً وجهلاً وتقليداً لأبويه لأنه ولد في الأجيال اللاحقة، فترك عيسى كلا الخيارين لله تعالى؛ إما يعذبهم وإما يغفر لهم، وفق علم الله تعالى وإحاطته المطلقة بسرائر نفوس عباده ومقاصدهم ونياتهم.
المقصد من هذا المقال هو إظهار أن مصائر الناس في الآخرة أكبر وأعمق مما تميل إليه اراء بعض المسلمين وقطعهم بأن كل الأمم الأخرى في النار، ولو كان القضاء يسيراً لما اختص الله لنفسه بهذه المهمة دون غيره: إن الله يفصل بينهم يوم القيامة”.
ويكفي لنا أن نعلم أن الله تعالى يحاسب الناس وفق علمه المطلق وعدله المطلق وبعد ذلك وفق رحمته التي تفوق رحمة الأم بوليدها.
وفي الختام نقول ان الدين عند الله الاسلام لجميع البشر من ادم عليه السلام الى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , وهناك شرائع سماوية جاءت الى الانبياء صالحة في زمان ومكان محددين ,وان الحساب والعقاب يترك الى الله سبحانه تعالى ,فهو صاحب الاختصاص والحكم بين البشرية والخلائق جميعا , عنده موازين خاصة يحاكم بها البشرية وموازين خاصة للكائنات الاخرى , يدخل من يشاء في الجنة من البشر الموحدين المؤمنين بالله سبحانه وتعالى ,ويدخل في النار الكفار والملحدين الذين عرفوا الله وانكروه او رفضوا الشريعة الاسلامية التصحيحية.
اللهم نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
إسلام ويب
الفتوى
الرئيسية العقيدة الإسلاميةالإيمان ونواقضهالكفرالكفر الاعتقادي والعملي
عقيدة المسلم في دخول غير المسلمين الجنة
416353
91025
الثلاثاء 7 شعبان 1441 هـ – 31-3-2020 م
0 11
السؤال
إذا سئل أحد المسلمين: هل النصراني، أو المشرك، أو الملحد ،أو أي شخص لم يؤمن بأنه لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، هل يدخل النار أم يدخل الجنة، فبماذا يجيب؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإذا سئل المسلم هذا السؤال، فعليه أن يجيب بأن كل من وصلته دعوة الإسلام، وبلغه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فعليه أن يؤمن به. فإن كفر به بعد بلوغ الدعوة، وقيام الحجة عليه، فهو كافر مخلد في النار.
وأما من لم يسمع بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تقم عليه الحجة، فحكمه حكم أهل الفترة، والصحيح فيهم أنهم يمتحنون في الآخرة، كما فصلناه في الفتوى: 171719.
فهذا الذي يجب على كل مسلم أن يعتقده، ويجيب به كل من سأله عن مصير اليهود، أو النصارى، أو الملحدين.
فكل من لم يؤمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن كتاب الله المنزل على نبيه، بعد قيام الحجة عليه؛ فهو كافر مخلد في النار.
ومن صحح دين الكفار، أو اعتقد نجاتهم في الآخرة، فهذه ردة مخرجة عن الملة -والعياذ بالله-، قال تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين {آل عمران:85}، قال البهوتي في كشاف القناع في بيان موجبات الردة: (أو لم يكفر من دان) أي: تدين (بغير الإسلام، كالنصارى) واليهود (أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم) فهو كافر؛ لأنه مكذب لقوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران:85]. انتهى.
وقال النووي في الروضة في بيان موجبات الردة: وأن من لم يكفر من دان بغير الإسلام، كالنصارى، أو شك في تكفيرهم، أو صحح مذهبهم، فهو كافر، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده. ثم قيد تلك الموجبات للردة بقوله: فكل هذا، أو شبهه، لا شك في تكفير قائله، إن كان ممن يظن به علم ذلك، ومن طالت صحبته المسلمين، فإن كان قريب عهد بإسلام، أو بمخالطة المسلمين، عرفناه ذلك، ولا يعذر بعد التعريف. انتهى.
والله أعلم
موقع اسلام وب