هولاكو في بغداد // الدكتور فخري النصر

في يوم الأربعاء 9 صفر 656 هـ المُوافق 14 شُباط (فبراير) 1258م دخل هولاكو حفيد جنكيز خان امبراطور المغول الى عاصمة الدولة الاسلامية العباسية بغداد في عهد الخليفة ابو احمد عبدالله المعتصم بالله اخر خلفاء العباسيين, بعد اسقاط الدولة الخوارزمية والحشاشين ,وقتل الملايين من الشعوب والجنود من مختلف دول العالم التي كانت موجودة آنذاك من الشعوب العربية والشعوب الأوربية والصينة والتتار وغيرهم .
عندما اجتاح المغول بغداد ودكهم معالم الحضارة والعمران فيها دون مقاومة تذكر من الجنود او الأهالي , طلب هولاكو من قائد جيش المسلمين ان يخرج هو وجنوده اليه دون سلاح او مقاومة, كي ينظموا الى الجيش المغولي, ويخرجوا للزحف على مصر و الشام , وفعلا خرج قائد الجيش مع جنوده عزل من السلاح , فقتلوا جميعا على يد جيش المغول , ففدت بغداد جنودها كسيرا ذليلا في مواقف الذل والهوان بدل ان تسفك الدماء دفاعا عن الوطن بغداد والشرف ويموتوا شهداء .
اجتاح المغول طُرقات بغداد، واستباحوها وقتلوا كُلَّ نفسٍ صادفتهم ونهبوا وحرقوا كُل ما صادفوه عدا بعض بُيُوتٍ للرُعاة والغُرباء، كما أمَّن المغول سُكَّان بغداد المسيحيين على حياتهم بِتوصية من زوجة هولاكو النسطوريَّة دوقوز خاتون , وكذلك اليهود ومن التجأ إلى دار ابن العُلقُمي، وطائفةٌ من التُجَّار بذلوا المال ليسلموا وذويهم من القتل, وكان أغنياء بغداد من المُسلمين يُدركون المكانة التي يحتلها السُريان لدى هولاكو لذا سارعوا إلى وضع أموالهم أمانةً لدى بطريرك السُريان النساطرة لكي لا ينهبها جُنود المغول.
وعرض هولاكو قصر الخلافة لِلبطريرك وأمر لهُ بِبناء كاتدرائيَّة، وأقدم المغول على إحراق عدد من معالم المدينة وأماكنها المُقدَّسة، مثل جامع الخليفة ومشهد موسى الجوَّاد ومقابر الخُلفاء ,وحرق المغول كُتب العلم والأدب وبيت الحكمة وغيرها من مكتبات بغداد ، وقيل أنهم استخدموها جسرًا لِعُبور النهر والقوها في نهر دجلة حتى اسود لونة من الحبر ، ودمَّروا الكثير من المعالم العُمرانيَّة من مساجد وقُصور وحدائق ومدارس ومُستشفيات , واستباح المغول بغداد أربعين يومًا، فمالوا على البلد وقتلوا جميع من قدرُوا عليه من الرِّجال وَالنِّساء والولدان والمشايخِ والكُهُول والشُّبَّان، فكانوا يذبحون الرجل، ويسبون من يختارونه من بناته وجواريه، ولم ينجُ من هذه المذبحة سوى القليل، وأغلبهم كان ممن اختبأ في الآبار وأقنية المجارير والأوساخ، وأقدم بعض الناس على الاختباء في الحانات والدكاكين وأقفلوا الأبواب على أنفُسهم، فكان المغول يكسرون الأبواب أو يحرقوها، ويقتحمون تلك الأماكن ويقتلون من فيها، وقام بعض هؤلاء بِمُحاولة الاحتماء على السُطوح، فكان المغول يصعدون ورائهم ويذبحونهم، فتسيلُ دمائهم في المزاريب إلى الأزقَّة.
وبعد قتل الجنود وقائد الجيش خرج الخليفة المعتصم بالله ومعه أولاده الثلاثة ابو الفضل عبدالرحمن وابو العباس احمد وابو المناقب مبارك ويرافقه ثلاثة الاف شخص من كبراء الدولة وشخصيات المدينة الى هولاكو للاستسلام , فطلب هولاكو من الخليفة ان يخرج الناس من بيوتهم و يستسلموا بسهولة دون مقاومة ففعلوا , فكان المغول بقتلهم .
وعندها قال هولاكو للخليفة: انك مضيف ونحن الضيوف , فهيا احضر ما يليق بنا, فاخرج الخليفة الفي ثوب وعشرة الالاف دينار وبعض الجواهر والنفائس والجواري , فلم يلتفت اليها هولاكو ووزعها على الجنود وقال للخليفة :ان الاموال التي تملكها على وجه الارض ظاهرة وهي ملك عبيدنا , ولكن نريد الدفائن , فاعترف الخليفة بوجود حوض من الذهب الاحمر في ساحة القصر , وامر هولاكو بإحصاء نساء الخليفة فعدوا سبعمائة زوجة وسرية والف خادمة (حوض من الذهب الاحمر وسبعمائة غانية والف خادمة ) كلها للخليفة وحدة .
يا الله , حوض الذهب كان الخليفة يجمعه من اقوت الشعب ويكنزه من مال الفقراء والمحرومين والمساكين ,و لم يأبى الخليفة ان ينفق الذهب على اعداد الجيش وتعبئته , ليدافع عنه وعن بغداد, بل قدمة هدية الى هولاكو في ساعة ذل واهانة .
ثم طلب المعتصم من هولاكو ان يمن عليه باهل حرمة من مئات الجواري اللواتي لم تطلع عليهن الشمس والقمر ولم يراهن احد , ونسائنا الكادحات في الحقول والبراري والباحات , يعملن جاهدات على احراز القوت لأطفالهن, ورق هولاكو للخليفة وطلب منه ان يختار مائة من هذه النساء السبعمائة ,ويترك الباقي , فخرج الخليفة بمائة من المحببات والاهل والقريبات .
أنَّ ما جمعهُ بني العبَّاس خلال خمسة قُرونٍ من أموال أصبح غنيمةٍ للمغول، فجمعوه وكدَّسوه حتَّى صار وكأنَّهُ جبلٌ على جبل. وسأل هولاكو الخليفة لمَّا رأى كثرة أمواله: «إِذَا كُنْتَ تَعرِفُ أنَّ الذَّهَبَ لَا يُؤكَلُ فَلِمَ احتَفَظتَ بِهِ، وَلَم تُوَزِّعَهُ عَلَى جُنُودِكَ، حَتَّى يَصُونُوا لَكَ مُلكَكَ المَورُوثُ مِن هَجَمَاتِ هَذَا الجَيشِ المُغِيرِ؟ وَلِمَ لَم تُحَوِّلَ تِلكَ الأَبْوَابَ الحَدِيدِيَّةِ إلى سِهَامٍ وَتُسرِعَ إِلى شَاطِئَ نَهرَ جَيحُون لِتِحُولَ دُونَ عُبُورِي؟» فقال الخليفة: «هَكَذَا كَانَ تَقدِيرُ الله»، فردَّ هولاكو: «وَمَا سَوفَ يَجرِي عَلَيكَ إِنَّمَا هُوَ تَقدِيرُ الله , ثُمَّ أمر هولاكو بِوضع الخليفة في السجن وأن يُمنع الطعام عنه، ولمَّا طلب المُستعصم بشيءٍ من الطعام أرسل له هولاكو طبقًا فيه جواهر ذهب وفضَّة وطلب منه أن يأكلهم.
ثم أمر هولاكو بِإعدام الخليفة، فقتلهُ المغول بعد أن جُمع في سجَّاد، وركلوه ركلاً بالأرجل حتَّى مات، وقيل خنقوه أو أغرقوه. وكان عُمرُهُ يومئذٍ ستًّا وأربعين سنةً وأربعة أشهُرٍ، وبلغت مُدَّةُ خِلافَتهِ خمس عشرة سنةً وثمانيةُ أشهُرٍ وأيَّام. كما قتل المغول الابن الأكبر لِلخليفة أبو العبَّاس أحمد ولهُ خمسٌ وعُشرون سنة، ثُمَّ قُتل ولدهُ الأوسط أبو الفضل عبدُ الرحمٰن ولهُ ثلاثٌ وعُشرون سنة، وأُسر ولده الأصغر مُبارك وسُبيت بناته فاطمة وخديجة ومريم. ,. وفي اليوم التالي لِإعدام الخليفة، تتبع المغول العباسيين قتلًا، فقضوا على كُلِّ شخصٍ وجدوه حيًّا من العبَّاسيين إلَّا أفرادًا قلائل لم يأبهوا لهم. وبذلك قُضي على دولة خُلفاء آل العبَّاس الذين حكموا بعد بني أُميَّة وكانت مُدَّة خلافتهم خمسًا وعشرين وخمسُمائة سنة وعددهم سبعةٌ وثلاثون خليفة..
وفي عام 2003 م سقطت بغداد مرة اخرى في يد الجيش الامريكي , عندما كان جورج بوش الابن رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية, بعد ثلاثة اسابيع من القصف العنيف والمعارك غير المتكافئة , فقتل الآلاف من القوات المسلحة العراقية والعديد من المقاتلين الذين وفدوا إلى العراق قُبيل عملية الغزو من اجل الدفاع عنها ، وتم تدمير البُنى التحتية والاقتصادية ونهب وسلب وسرقة الوزرات والمنشئات الحكومية وتخريب ممتلكاتها ونهب المتاحف ,وأفادت دراسة أعدها معهد الاستطلاع البريطاني بسقوط نحو مليون عراقي خلال الفترة من عام 2003-2007, وبقي صدام حسين يقوم الغزو الاميركي حتى عام 2006 م , وتم إعدامه فجر يوم عيد الاضحى المبارك العاشر من ذو الحجة 1427هـ /الموافق 30/ ديسمبر 2006 عليه رحمة الله فمات شهيدا مدافعا عن بغداد ورفض تسليم بغداد والعيش في المنفى , لأنه درس التاريخ وعرف قصة الخليفة المعتصم بالله .
وفي 8 ديسمبر 2024، انهارت سوريا البعثية بقيادة الرئيس بشار الأسد خلال هجوم كبير شنته قوات المعارضة.و قادت هيئة تحرير الشام الهجوم بدعم من فصائل متمردة أخرى بما في ذلك الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا كجزء من الحرب الأهلية السورية المستمرة التي بدأت في عام 2011. كان الاستيلاء على دمشق بمثابة نهاية حكم عائلة الأسد التي حكمت سوريا كنظام شمولي وراثي منذ تولي حافظ الأسد السلطة في عام 1971 بعد الثورة التصحيحية..
وفي الختام لا ندري ما هو الصحيح والى اين تسير الامور , وما هو الصح من الخطاء , وعلى جميع الظروف القادم افضل من حكم الاسد لعنة الله علية وعلى والدة حافظ الاسد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة