هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ وَنَحْنُ إِخْوَانُهُ // هبة احمد الحجاج
—
يَقُولُ ” أَمْبِرْتُو إِيكُو “فَيْلَسُوفْ وَ لُغَوِيٌّ إِيطَالِيٌّ :
«يُوجَدُ أُنَاسٌ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْعَيْشَ بَعِيدًاً عَنْ الضَّجِيجِ ، هَذِهِ الْحَاجَةُ الْمَاسَّةُ لِلضَّجِيجِ تُشْبِهُ الْإِدْمَانَ عَلَى الْمُخَدِّرَاتِ، فَهُوَ وَسِيلَةٌ لِلْهُرُوبِ وَ تَجَنُّبِ التَّرْكِيزِ عَلَى مَا هُوَ هَامٌّ وَضَرُورِيٌّ فِي حَيَاةِ الْإِنْسَانِ، كَالْعَوْدَةِ إِلَى دَاخِلِ الْإِنْسَانِ!» .
وَهُنَا تَحْدِيدًا شَعَرْتُ كَأَنَّهُ يَقْصِدُ بِالضَّجِيجِ ؛ ضَجِيجَ زُمَلَائِنَا ” الطُّلَّابِ ” فِي قَاعَةِ الْمُحَاضَرَةِ ، مِنْ جِهَةٍ تَرَى مَجْمُوعَةً تُصْفِقُ بِشَكْلٍ غَرِيبٍ ، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى مَجْمُوعَةٍ تَهْتِفُ بِصَوْتٍ عَالٍ وَكَأَنَّهُمْ فِي مُظَاهَرَاتِ ” الطُّلَّابُ يُرِيدُونَ إِلْغَاءَ الْمُحَاضَرَةِ ” ، وَتَرَى هُنَاكَ مَجْمُوعَةٌ يَتَصَارَخُونَ مَعَ بَعْضِهِمْ الْبَعْضِ بِحُجَّةِ النِّقَاشِ وَلَا أَحَدَ يَسْمَعُ الْآخَرَ ، وَتَرَى الْأُخْرَيَاتُ إِحْدَاهُنَّ تَزَغَّرَتْ فَجَاءَةٌ لِأَنَّهَا سَمِعَتْ خَبَرَ أَعْجَبَهَا وَزَمِيلَاتُهَا أَصْبَحْنَ يَصِحْنَ مُؤَازَرَةً لَهَا ، وَ بَاقِي الْحُضُورِ يَتَهَامَسُونَ ؛ كُلُّ شَخْصَيْنِ مَعَ بَعْضِهِمَا الْبَعْضِ ، وَهَذَا بِحَدِّ ذَاتِهِ يُعَدُ ضَجِيجًاً لِأَنَّهُ يُصْبِحُ كَدَبِيبِ النَّمْلِ وَتَشْعُرُ أَنَّ رَأْسَكَ كَالْقُنْبُلَةِ فِي أَيِّ لَحْظَةٍ سَتَنْفَجِرُ مِنْ شِدَّةِ الضَّجَّةِ .
وَإِذْ يَفْتَحُ بَابَ الْقَاعَةِ أُسْتَاذُ الْمُحَاضَرَةِ ، فَلْيَتَّزِمْ الْكُلُّ الصَّمْتَ ، وَ سَادَ السُّكُونُ وَكَأَنَّ أَحَدًا أَخَذَ شَرِيطًا لَاصِقًا وَوَضَعَهُ عَلَى فَمِ كُلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، نَحْنُ الْآنَ كَمَا قَالَ الْمِثْلُ : ” ارْمِي الْإِبْرَةِ تُسْمَعُ رِنَّتَهَا “. وَلَكِنَّنَا الْآنَ نَسْمَعُ قَرْعَ نَلْعِ الْأُسْتَاذِ ، وَضْعَ حَقِيبَتِهِ السَّوْدَاءِ عَلَى الطَّاوِلَةِ وَحَيَانًا بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهِ..
وَقَالَ :- مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ قَرْنٍ ، وَتَحْدِيدًا عَامَ 1910، تَنَبَّأَ عَالَمُ الْأَحْيَاءِ الدَّقِيقَةِ الْحَاصِلُ عَلَى جَائِزَةِ نُوبِلْ فِي الطِّبِّ وَأَوَّلِ مَنْ رَبَطَ الْبَكْتِيرْيَا بِمَرَضٍ مُعَيَّنٍ “رُوبَرْتْ كُوخْ” بِمُسْتَقْبَلِ الضَّوْضَاءِ عَلَى الْأَرْضِ قَائِلًا: “يَوْمًا مَا سَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْبَشَرِ أَنْ يُقَاتِلُوا الضَّجِيجَ بِشَرَاسَةِ كَقِتَالِهِمْ لِلْكُولِيرَا وَالطَّاعُونِ ” ، لَا عَلَيْنَا لَيْسَ مَوْضُوعُنَا الْآنَ ..
مَوْضُوعُنَا عَنْ الصُّحْبَةِ وَ الصَّدَاقَةِ.
مَا رَأْيُكُمْ فِيهَا ؟
أَجِبْنَا أَجْوِبَةً مُخْتَلِفَةً مِنْهَا : الْأَصْدِقَاءُ الصَّبَاحِيِّينَ نَادِرِينَ ، مَحْظُوظٌ مَنْ أَهْدَتْهُ الْحَيَاةُ وَاحِدًاً مِنْهُمْ .
الْأَيَّامُ السَّعِيدَةُ يَصْنَعُهَا الْأَصْدِقَاءُ دَائِمًاً .
هُنَاكَ نَوْعٌ مِنْ الْأَصْدِقَاءِ أَنَا أُسَمّيهِ “الْمَرْجِعَ” لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّكَ وَإِيَّاهُ “وَاحِدٌ” وَأَنَّ مَصْلَحَتَكَ لَا تَقِلْ أَهَمِّيَّةً عَنْ مَصْلَحَتِهِ، أَنْتَ تَثِقُ تَمَامًا فِي قَرَارَتِهِ لِأَنَّهُ يَنْسُبُهَا لِنَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْسُبَهَا لَكَ، شَخْصٍ مِثْلَ هَذَا مِنْ الصَّعْبِ أَنْ يُجَامِلَكَ أَوْ يَلْحَقَ الضَّرَرَ بِكَ ، بِالتَّالِي تَأْخُذُ مَشُورَتَهُ وَأَنْتَ مُطْمَئِنُّ الْبَالِ .
مِنْ بَيْنِ كُلِّ الْأَصْدِقَاءِ هُنَاكَ صَدِيقٌ وَاحِدٌ يُشْبِهُ الْبَحْرَ ، تَزُورُهُ كُلَّمَا ضَاقَ صَدْرُكَ .
” الْأَصْدِقَاءُ حَظٌّ وَنَصِيبٌ ، يَخْتَارُهُمْ اللَّهُ لَكَ إِمَّا دَرْسًاً أَوْ سَنَدًاً عَلَى مَدَى الْعُمْرِ ” .
اسْتَمْتَعَ لَنَا أُسْتَاذُنَا ثُمَّ قَالَ :- فَمَا بَالُكُمْ بِصُحْبَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟!
تَعْظِيمُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وَإِجْلَالِهِ وَتَوْقِيرِهِ، شُعْبَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شُعْبِ الْإِيمَانِ ، وَحَقٌّ وَاجِبٌ مِنْ حُقُوقِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا ، وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ فَقَالَ: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(الْفَتْحُ:9:8).
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: “قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يُعَظِّمُوهُ، {وَتُوَقَّرُوهُ } مِنْ التَّوْقِيرِ وَهُوَ الِاحْتِرَامُ وَالْإِجْلَالُ وَالْإِعْظَامُ”، وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: “فَالتَّسْبِيحُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالتَّعْزِيرُ وَالتَّوْقِيرُ لِلرَّسُولِ ، وَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ”. وَقَالَ السَّعْدِيُّ: “أَيْ: تَعَظِّمُوهُ وَتَجَلُّوهُ، وَتَقَوَّمُوا بِحُقُوقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”.
وَمَحَبَّةُ النَّبِيِّ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) الْحَقِيقِيَّةُ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ كَلِمَاتٍ يُرَدِّدُهَا اللِّسَانُ، أَوْ دُرُوسٌ وَخَطَبٌ يَتْلُوهَا الْوُعَّاظُ وَالْخُطَبَاءُ، وَلَا يَكْفِي فِيهَا الِادِّعَاءُ فَحَسْبُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَحَبَّتُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَيَاةَ تَعَاشٍ، وَمَنْهَجًا يَتْبَعُ، وَصَدَقَ اللَّهُ إِذْ يَقُولُ: ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (آلِ عِمْرَانَ:31).
فَقَدْ أَحَبَّ وَعَظَّمَ الصَّحَابَةِ “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ” رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبًّا وَتَعْظِيمًا فَاقَ كُلَّ حَبٍّ وَتَعْظِيمٍ، وَقَدْ سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ “رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ” كَيْفَ كَانَ حَبُّكُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: ” كَانَ وَاللَّهِ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ أَمْوَالِنَا وَأَوْلَادِنَا، وَآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، وَمِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الظَّمَأِ”. وَقَدْ عَبَّرَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ قَبْلَ إِسْلَامِهِ عَنْ مَدَى حُبٍّ وَتَعْظِيمٍ وَتَوْقِيرِ الصَّحَابَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ بَعْدَ مُفَاوَضَتِهِ مَعَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَالَ: (أَيْ قَوْمٍ! وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ، وَكِسْرَى، وَالنَّجَاشِيِّ، وَاَللَّهِ إِنْ رَأَيْتَ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، وَاَللَّهِ إِنْ تَنْخَمْ نُخَامَةٌ إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وُضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحُدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ) .
وَأَمَرَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِالِاقْتِدَاءِ بِسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: ” فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعُضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ “.
وَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ هُمُ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ تَوَلَّوْا الْحُكْمَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ : أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ ( رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ).
وَلَقَّبُوا بِالرَّاشِدِينَ لَمَّا امْتَازَتْ فَتْرَةُ حُكْمِهِمْ مِنْ حُكْمِ رَشِيدٍ حَيْثُ قَامُوا بِنَشْرِ الدِّينِ خَيْرَ قِيَامٍ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُمْ رَحْمَةً وَعَدْلًاً، وَاتَّسَعَتْ رُقْعَةُ الدَّوْلَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي عَهْدِهِمْ لِتَشْمَلَ الشَّامَ وَالْعِرَاقَ وَمِصْرَ وَغَيْرَهَا .
وَامْتَازَ حُكْمُهُمْ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الرَّعِيَّةِ وَالتَّوْزِيعِ الْعَادِلِ لِلثَّرْوَةِ، وَاخْتِفَاءِ مَظَالِمِ الدَّوْلَةِ، وَقِلَّةِ الْمَظَالِمِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ، وَسَادِ الْوِئَامِ وَالْأُلْفَةِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمَ فِي عَهْدِهِمْ .
وَلَمْ تَأْتِ وِلَايَةُ هَؤُلَاءِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِنَاءً عَلَى احْتِكَارٍ لِلسُّلْطَةِ أَوْ تَفَرُّدٍ بِهَا، وَإِنَّمَا عَنْ اخْتِيَارٍ مِنْ أَهْلِ الْحِلِّ وَالْعَقْدِ لَهُمْ وَتَوَافُقِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِمْ ، وَاخْتِيَارُ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ لَمْ يَكُنْ عَنْ مُحَابَاةٍ لَهُمْ لِقَرَابَةٍ أَوْ رَهْبَةٍ أَوْ رَغْبَةٍ وَإِنَّمَا كَانَ لِفَضَائِلَ حَازُوهَا، وَمُؤَهِّلَاتِ أَهِلَّتِهِمْ لِيَكُونُوا هُمْ وُلَاةُ الْأَمْرِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِهِ، وَهَذِهِ الْفَضَائِلُ هِيَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُنَّتِهِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ نُبْذَةً مِنْهَا لِكُلِّ خَلِيفَةٍ حَتَّى يَعْلَمَ النَّاسُ فَضْلَهُمْ وَسَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِمْ خِلَافَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
الْخَلِيفَةُ الْأَوَّلُ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ، وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِدِيقًاً كَوْنَهُ صَدّقَهُ فِيمَا كَذَّبَهُ فِيهِ أَكْثَرُ النَّاسِ مِنْ خَبَرِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، فَضْلًاً عَنْ كَوْنِهِ أَوَّلَ مَنْ آمَنَّ بِهِ مِنْ الرِّجَالِ، وَهُوَ رَفِيقُ النَّبِيِّ فِي هِجْرَتِهِ، وَصَاحِبُهُ فِي الْغَارِ، وَمُلَازِمِهُ فِي كُلِّ حَيَاتِهِ، وَلَهُ فَضَائِلُ كَثِيرَةٌ عَرَّفَهَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَجَّلَهَا لَهُ لِتُعْرِفَ لَهُ الْأُمَّةُ قَدْرَهُ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ قَوْلُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱلِلَّهَ مَعَنَا [التَّوْبَةُ: 40] رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدّثَهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَنَحْنُ فِي الْغَارِ – : لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرْنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: ( يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ . فَوَصَفَ اللَّهُ أَبَابَكْرَ بِالصُّحْبَةِ الْخَاصَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ مَزِيدًاً مِنْ التَّشْرِيفِ، وَأَشْرَكَهُ مَعَ نَبِيِّهِ فِي الْمَعِيَّةِ الْإِلَهِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ كَمَالِ الْعِنَايَةِ وَالْحِفْظِ.
وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي فَضْلِ الصِّدِّيقِ تَصْرِيحُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَحَبَّ الرِّجَالَ إِلَيْهِ، فَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسَ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ فَقَالَ: ( عَائِشَةُ، فَقُلْتُ مِنْ الرِّجَالِ ؟ فَقَالَ: أَبُوهَا، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَعَدَّ رِجَالًاً ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
الْخَلِيفَةُ الثَّانِي: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهُوَ مِنْ أَوَائِلِ مَنْ أَسْلَمَ، وَكَانَ إِسْلَامُهُ كَمَا وَصَفَهُ عَبْدَاللَّهُ بْنُ مَسْعُودٍ فَتْحًاً، وَخِلَافَتُهُ رَحْمَةٌ . وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ فَرَحًا عَظِيمًاً، فَصَلَّوا فِي الْكَعْبَةِ وَكَانُوا لَا يُصَلُّونَ قَبْلَ ذَلِكَ إِلَّا فِي بُيُوتِهِمْ، وَسَارَ عُمَرُ فِي مَسِيرَةِ الْإِسْلَامِ سِيرَةَ الرِّجَالِ الْعُظَمَاءِ فَدَافَعَ عَنْهُ وَدَافَعَ عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَاجَرَ مَعَ مَنْ هَاجَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ نِعَمُ الصَّاحِبِ لِرَسُولِ اللَّهِ الْمُلَازِمِ لَهُ الْمُتَعَلِّمُ مِنْهُ، وَكَانَ مِنْ نَوَابِغِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ وُزَرَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَاصَّتِهِ، وَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي الْفَضْلِ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَقَدْ وَرَدَتْ فَضَائِلُهُ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًاً فَجًّاً قَطُّ إِلَّا سَلَكَ فَجًّاً غَيْرَ فَجَكَ ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ . وَذَلِكَ لِقُوَّةِ دِينِهِ فَلَا سَبِيلَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ.
وَمِنْ فَضَائِلِهِ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ نَاسٌ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ . وَمَعْنَى مُحَدِّثُونَ أَيْ: مُلْهِمُونَ يُلْهَمُونَ الصَّوَابَ وَهِيَ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لِعُمَرَ إِذِ اشْتُهِرَ بِآرَائِهِ الَّتِي يَنْزِلُ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ بِتَأْيِيدِهَا.
الْخَلِيفَةُ الثَّالِثُ : عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَبِي عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُلَقَّبُ بِذِي النُّورَيْنِ لِزَوَاجِهِ مِنْ ابْنَتَيْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ مِنْ أَوَائِلِ مَنْ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ الْأُولَى إِلَى الْحَبَشَةِ، وَالثَّانِيَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، وَهُوَ ثَالِثُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ تَوَلَّى الْخِلَافَةَ بَعْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِشُورَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَاتِّفَاقٍ مِنْهُمْ.
مِنْ فَضَائِلِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي، كَاشِفًاً عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَوَّى ثِيَابَهُ، فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ : دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشِ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشِ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتُ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ، فَقَالَ: أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ . فَهَذِهِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذْ عُرِفَ عَنْهُ شِدَّةُ حَيَائِهِ، وَرُبَّمَا إِذَا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَالَتِهِ تِلْكَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا جَاءَ لِأَجْلِهِ، وَلَخَرَجَ دُونَ أَنْ تُقْضَى حَاجَتُهُ، فَسَوَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِيَابَهُ مُرَاعَاةً لَهُ .
وَمِنْ فَضَائِلِهِ أَنَّهُ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ، وَاشْتَرَى مِرْبَدًاً مَوْضِعَ تَجْفِيفِ التَّمْرِ وَتَبَرَّعَ بِهِ لِلْمَسْجِدِ، وَاشْتَرَى بِئْرَ رُومَهْ وَجَعَلَهَا وَقْفًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَعَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :قَالَ : « خَرَجْنَا حُجَّاجًا، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نُرِيدُ الْحَجَّ، فَبَيْنَا نَحْنُ فِي مَنَازِلِنَا نَضَعُ رِحَالَنَا إِذْ أَتَانَا آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ وَفَزِعُوا، فَانْطَلَقْنَا، فَإِذَا النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَى بِئْرٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِذَا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَإِنَّا لِكَذَلِكَ إِذْ جَاءَ عُثْمَانُ وَعَلَيْهِ مُلَاءَةٌ صَفْرَاءُ، قَدْ قَنّعَ بِهَا رَأْسَهُ، فَقَالَ: أَهَاهُنَا عَلِيٌّ ؟ أَهَاهُنَا طَلْحَةُ ؟ أَهَاهُنَا سَعْدٌ ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي أَنْشُدُكُمْ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ يَبْتَاعُ مِرْبَدَ بَنِي فُلَانٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ؟ فَابْتَعْتُهُ بِعِشْرِينَ أَلْفًاً أَوْ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًاً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: اجْعَلْهَا فِي مَسْجِدِنَا وَأَجْرِهِ لَكَ، قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ يَبْتَاعُ بِئْرَ رُومَةَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ فَابْتَعْتُهُ بِكَذَا وَكَذَا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : قَدْ ابْتَعْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ: اجْعَلْهَا سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَأَجْرِهَا لَكَ، قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ، فَقَالَ: مَنْ جَهَّزَ هَؤُلَاءِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ يَعْنِي جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَجَهَّزْتْهُمْ حَتَّى مَا يَفْقِدُونَ عِقَالًاً وَلَا خِطَامًاً قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ )
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
الْخَلِيفَةُ الرَّابِعُ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الصِّبْيَانِ، وَأَوَّلُ فِدَائِيٍّ فِي الْإِسْلَامِ، حَضَرَ بَدْرًاً وَأَحَدًا وَغَيْرَهَا مِنْ الْمُشَاهِدِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَخْلَفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِغَزْوَةِ تَبُوكَ .
مِنْ فَضَائِلِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا رَوَاهُ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَالَ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ، وَكَانَ بِهِ رَمَدٌ فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ عَلَيَّ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا اللَّهُ فِي صَبَاحِهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ غَدًاً رَجُلًاً يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، أَوْ قَالَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ، فَقَالُوا: هَذَا عَلِيٌّ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَةَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَمِنْ فَضَائِلِهِ مَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَلَّفَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُخَلِّفُنِي فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى كَانَ تَطْيِيبًاً لِخَاطِرِهِ وَرَفْعًاً لِمَا تَوَهَّمَهُ مِنَ انْتِقَاصٍ فِي حَقِّهِ بِتَخْلِيفِهِ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَبَيَّنَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَيْسَ فِي الْأَمْرِ انْتِقَاصٌ لِحَقِّكَ وَلَا تَنْزِيلٌ لِقَدْرِكَ وَإِنْ كُنْتَ اسْتَخْلَفْتُكَ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لَكَ فِي هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُسْوَةً إِذِ اسْتَخْلَفَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَلَمْ يَظُنَّ فِي ذَلِكَ انْتِقَاصًاً، وَلَمْ يَعُدْ ذَلِكَ تَنْزِيلًاً مِنْ قَدْرِهِ، فَطَابَتْ نَفْسُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِهَذَا الْبَيَانِ النَّبَوِيِّ وَسَكَنَتْ نَفْسُهُ .
هَؤُلَاءِ هُمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، صَحَابَةٌ نُبَلَاءُ، وِسَادَةُ أَشْرَافٍ، اخْتَارَهُمْ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ فِي حَيَاتِهِ، وَاخْتَارَهُمْ لِخِلَافَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَقَامُوا بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ قِيَامٍ، فَنَشَرُوا الدِّينَ، وَبَلَّغُوهُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَأَقَامُوا الْعَدْلَ، وَنَبَذُوا الظُّلْمَ، فَأَحَبُّوا النَّاسَ، وَأَحَبَّهُمْ النَّاسُ، نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا حُبَّهُمْ وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِلسَّيْرِ عَلَى خُطَاهُمْ .
وَبَيْنَمَا نَسْتَمِعُ إِلَى الْمُحَاضَرَةِ ، سَمِعْنَا صَوْتَ زَمِيلِنَا يَقُولُ :- يَا لَيْتَنَا كُنَّا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
ابْتَسَمَ الْأُسْتَاذُ وَقَالَ :- رَسُولُنَا الْكَرِيمُ اشْتَاقَ لِرُؤْيَتِنَا مُنْذُ قَدِيمِ الْأَزَلِ حَيْثُ جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمَقْبَرَةِ فَقَالَ: ( السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارُ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ، وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ؟ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ، وَأَنَا فَرَّطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ فِي خَيْلٍ دَهِمَ بِهِمْ أَلَّا يُعْرِفَ خَيْلُهُ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَلَا لَيُذَادِنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ: أَلَا هَلُمَّ, أَلَا هَلُمَّ, أَلَا هَلُمَّ. فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا).
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُمُعَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: تَغَدَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَحَدٌ مِنَّا خَيْرٌ مِنَّا؟ أَسْلَمْنَا وَجَاهَدْنَا مَعَكَ, قَالَ: ( نَعَمْ ، قَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ, يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي). قَالَ الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ: رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ, وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ, وَإِسْنَادُ الدَّارِمِيِّ وَأَحَدُ إِسْنَادَيْ أَحْمَدَ صَحِيحٌ.
فَصَلُّوا عَلَى سَيِّدِ الْبَشَرِ ، صَلَوَاتُ رَبِّي وَرِضْوَانُهُ عَلَيْهِ .
مَرْجِعُ الْمَعْلُومَاتِ الدِّينِيَّةِ : فَضَائِلُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةُ .
الْمُؤَلِّفُ: أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّيْسَابُورِيُّ .
لمزيد من المقالات زوروا مدونتنا
: https://www.liakunjilisk.com/
التعليقات مغلقة.