وأخيرا ترجل نجم القدس / د. حمزة ذيب مصطفى
=
بسم الله الرحمن الرحيم
وأخيرا ترجل نجم القدس رئيس لجنة إعمار الأقصى والصخرة المشرفة المهندس رائف نجم
من المعلوم أن الناس ليسوا سواء في حالهم وحياتهم، وليسوا على نسق واحد في طبيعة سلوكهم وعيشهم. فمن الناس من يعيش لوحده ولا يهمه من الحياة إلا شأنه وكفى. ومن الناس من ينذر نفسه للآخرين، فيمشي في قضاء مصالحهم ويقف إلى جانبهم، فيعين ضعيفهم، ويطعم جائعهم، ويحاول جهده في دفع الظلم عنهم، ولا يرد سائلهم، وإن رده رده بأدب وتواضع. هنيئا لهؤلاء الناس عند بارئهم وخالقهم. جاء في الحديث الصحيح عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، يغبطهم بمكانهم النبيُّون والشهداء. قال ولقيت عبادة بن الصامت فحدثته بحديث معاذ، فقال: سمعت رسول الله يقول عن ربه تبارك وتعالى: حقت محبتي على المتحابين فيّ، وحقت محبتي على المتناصحين فيّ، وحقت محبتي على المتباذلين فيّ، وهم على منابر من نور، يغبطهم النبيُّون والشهداء والصديقون “. حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد وابن حبان وغيرهم. وفي رواية أخرى زيادة ” وحقت محبتي على المتزاورين فيّ “.
ما أعظم هؤلاء الناس الذين لا يعيشون لذاتهم فحسب، ولا يعكفون على مصالحهم وكفى، ولا يعرفون من الحياة سوى أنفسهم فقط. ومما لا شك ولا ريب أن العلاقة مع الناس والإختلاط بهم ومعاركتهم فيها الألم، وفيها النصب والتعب، وفيها المعاناة وأحيانا المعاناة القاسية. لكن الأجر في هذا عظيم، والإنسان مثاب على كل ذلك فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم “.
فكل شيء عند الله له حسابه وجزاؤه قل أم كثر، جلَّ أم عظُم.
ومن الناس من يكون همُّه همَّ الأمة بوجه عام، يفكر في الأمة حاضرها ومستقبلها ليل نهار، ينام على همها ويستقظ على آهاتها. لا يرقأ له جفن وهو يرى حال الأمة بائسا أو يائسا، تراه مفكرا وحائرا كلما ضرب الأمة ما لا يسرها، تراه مُطْرقا مغموما كلما ألمَّ بالأمة ما يكربها ويشينها.
هكذا كان الأستاذ المهندس الأخ المفضال رائف نجم ( أبو يوسف ) ابن القدس وعاشق ترابها والمفكر ليل نهار في مقدساتها ومستقبل هذه المقدسات. كان الأقصى المبارك وإعماره شغله الشاغل، والمدير لفكره الحائر. ينبض فؤاده مع ألم القدس المستمر في زمن تراجع النفوذ الإسلامي وبكل أسف.
عرفت هذا الرجل مسئولا أمينا، ومسئولا صادقا مع نفسه المؤمنة ومع المؤمنين في الأرض. عرفته مخلصا من أخمص القدمين إلى مُشاشة الرأس. كله نبلٌ ووفاء وحرص على أمته بوجه عام وعلى القدس الشريف بوجه خاص.
كان تسلمه لوزارة الأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية في دولة الأردن الشقيق بعد تسلمي لعمادة كلية الدعوة وأصول الدين بعام واحد وفي فترة وجيزة متقاربة حيث تسلمت عمادة كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة القدس بتاريخ 18 / 4 / 1990 م، وتسلم منصب وزارة الأوقاف سنة 1991 م. وكانت كلية الدعوة وأصول الدين تتبع وزارة الأوقاف الأردنية بحكم أنها المُنشِأ لهذه الكلية. وكان إنشاؤها أول كلية في جامعة القدس وأول من حمل اسم جامعة القدس بقرار من حكومة المملكة الأردنية الهاشمية، وقبل مجيء السلطة الوطنية الفلسطينية ببضع سنين.
وكان لا بد من الذهاب إلى وزارة الأوقاف الأردنية ما بين الفينة والفينة سيما وأن وزارة الأوقاف كانت تدعم كلية الدعوة وأصول الدين بمبلغ يصل إلى ستين ألف دينار سنويا، ثم بجهد كبير بعد توفيق الله لي وصل المبلغ إلى مائة ألف دينار أردني. وكان هذا في حينه رقما عاليا وكبيرا.
وعلى ضوء ذلك فلم تكن رواتب العاملين في كلية الدعوة تتأخر ولو ليوم واحد، لا بل كانت تصرف دائما قبل نهاية الشهر بيومين أو ثلاثة وأحيانا قبل ذلك. فكان التدفق المالي كافيا بفضل الله ثم بفضل السياسة الحكيمة التي كانت عليها إدارة كلية الدعوة وأصول الدين والتي تسلمت إدارتها ثلاثة عشر سنة متتالية. حتى انتقلت إلى مناصب إدارية أخرى في الجامعة كمستشار للجامعة وحاملا لملفها بخصوص العلاقات الخارجية في كل الوطن العربي والعالم الإسلامي كافة. ثم أصبحت بعد ذلك وبالإضافة لما أنا فيه من مناصب ومسئوليات – وكلها تكليف وليست تشريفا – عميدا لكلية الدعوة وأصول الدين ثانية وعميدا في الوقت ذاته لكلية القرآن والدراسات الإسلامية حتى انتقلت إلى وزارة التربية والتعليم في قسم المناهج بطلب وإلحاح من قسم المناهج. حيث عملت في المنهاج الفلسطيني الأول للسلطة الوطنية الفلسطينية وذلك سنة 1995 م بعد مجيء السلطة الوطنية الفلسطينية. عملت أنا ومجموعة من زملائي في إعداد الخطوط العريضة للمؤلفين ورئيسا لفريق المؤلفين للصفوف السادس والتاسع والتوجيهي ( الثانوية العامة ).
فعلى ضوء ذلك كان إلحاحا كبيرا من قسم المناهج كي أشارك في المنهاج الجديد الثاني 2016 م. وقد لبيت هذه الرغبة واستجبت لهذا المطلب، وهذا الذي كان وتم. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
لنعد ثانية إلى الأستاذ المهندس رائف نجم. فبحكم عملي ومنصبي كان لا بد من مجالسته واللقاء به لضرورة العمل. فكان نعم الرجل ونعم المسئول ونعم الوزير ونعم الإنسان.
وتشاء الأقدار ثانية أن ألتقيه وأجتمع به ومعه مرارا، حيث كنا سويا أعضاء في اللجنة التنفيذية للمؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس، وكان رحمه الله تعالى رئيسا للهيئة الإستشارية في هذا الموقع الهام.
وبالمناسبة فإن اللجنة التنفيذية للمؤتمر الإسلامي العام تضم لفيفا ونخبة مختارة مميزة من العلماء والمفكرين وأساتذة الجامعات وخبراء في مجال التربية والقانون والدراسات الهندسية والطب ومدير المسجد الأقصى في وزارة الأوقاف الأردنية. فهم زملاء وإخوة أجلاء تجمعنا اللجنة التنفيذية للمؤتمر الإسلامي حيث نلتقي دوما باستمرار، كان آخرها لقائي ببعضهم في عمان بتاريخ 27 / 12 / 2021 م نضع الدراسات ونكلف من يقوم بعمل الأبحاث الخاصة بشئون القدس من صحة وتعليم وبنية تحتية ومشاريع هامة للقدس في قضاياها المتنوعة ونجري الإتصالات اللازمة مع أهل الإختصاص وذوي الإهتمام في المواقع الكثيرة والمتعددة. فالأستاذ أبو يوسف رائف نجم المهندس المدني هو أحد فرسان هذا الموقع الهام وغيره من المواقع الكثيرة والمتنوعة. ويحظى باحترام كبير وإجلال رفيع منا جميعا كمجلس تنفيذي ومن الأمين العام للمؤتمر معالي الدكتور عزت جرادات، ذي القلب النابض بالقدس وهمومها والأمة الإسلامية وشئونها المتنوعة والمتعددة فأنعم به من مسئول وأكرم به من أمين عام لمؤتمرنا الإسلامي لبيت المقدس.
مناصبه وعضويته
كما أن الأستاذ المهندس قد شغل أيضا منصب وزير الأشغال العامة ما بين 1984م – 1985م. وكان عضوا في كثير من المواقع والمجالس واللجان منها على سبيل المثال: مجلس أمناء جامعة الزرقاء الأهلية. ومجلس أمناء مؤسسة الأمل الأردنية للسرطان. ومجلس إدارة البنك الإسلامي الأردني. ومجلس أمناء مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي. واللجنة الملكية لإعمار مساجد ومقامات الصحابة والشهداء في الأردن. ولجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة. وإبان ما كان وزيرا للأوقاف كان رئيسا لها بحكم منصبه حيث يرأس دائما وزير الأوقاف هذه اللجنة. وعضو المؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس. وجمعية حماية القدس الشريف.
وأما بخصوص الجمعيات الخاصة بالقدس فمنها أيضا:
نائب رئيس لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة منذ ثلاثين عاما بشكل مستمر، ورئيسا لها إبان ما كان وزيرا للأوقاف – وفق ما أسلفنا – لأنه حسب قانون اللجنة لعام 1954م يعتبر وزير الأوقاف بصفتة الوظيفية رئيسا لها. وعضو جمعية أصدقاء المعهد العربي بالقدس. عضو اللجنة الوطنية الأردنية للدفاع عن القدس، وعضو اللجنة الإعلامية والمالية المنبثقة عنها. عضو اللجنة الملكية لشئون القدس من سنة 1970 – 1991 م. عضو اللجنة العليا لإعادة صنع منبر صلاح الدين الأيوبي. عضو مجلس أمناء جائزة عبد الحميد شومان العالمية للقدس. وغيرها من اللجان الخاصة بالقدس.
كتبه ومؤلفاته:
وكان الأستاذ المهندس إلى جانب ذلك كله مؤلفا ومصنفا وكاتبا ومن كتبه ومؤلفاته: كتاب ” كنوز القدس ” ، منظمة المدن العربية في الكويت عام 1983م.
” نحو خطة عملية لإعمار المقدسات ” . المؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس / 1985م.
” القدس خلال مرحلة الإحتلال الإسرائيلي” عمان / 1983 م.
” القدس أنموذج للتعايش السلمي “. وزارة الأوقاف عمان / 1991م.
” الإعمار الهاشمي في القدس ” عمان / 1994 م.
” في رحاب العلم والإيمان ” عمان / 1986م.
” الإعجاز العلمي للقرآن الكريم برهان النبوة ” عمان / 1980 م.
” دليل القدس ” منظمة التحرير الفلسطينية / عمان / 1995 م.
” المواصفات العامة للأبنية ” عمان / الطبعة الأولى 1972 م. والطبعة الثانية 1988 م.
كتاب ” ذكريات ” بالإضافة إلى العديد من الأبحاث العلمية الإسلامية وأبحاث بشأن القدس.
الأعمال الإعلامية:
* وضع وقدم فيلما وثائقيا عن القدس لمدة ساعة كاملة، وتم عرضه في معظم القنوات الفضائية العربية.
* قدم العشرات من الحلقات التلفزيونية العربية تم بثها من القنوات الفضائية.
* تسجيلات في إذاعات عربية وإنجليزية في العالم العربي وفي أوروبا، في كثير منها عن القدس.
* حضَّر باسم المملكة الأردنية الهاشمية ملفا كاملا من الصور عن حالة المعالم الدينية والتاريخية في القدس ( البلدة القديمة ). وتُرجِم إلى الإنجليزية والفرنسية من قبل الأستاذين إبرهيم شبوح وعز الدين باش شاووش. ، وقُدِّم إلى اليونسكو ثم حضر الجلسات كمندوب عن المملكة الأردنية الهاشمية وتم إقناع ثلثي أعضاء لجنة التراث العالمي بعدالة الطلب. وتم تسجيل القدس القديمة ضمن قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر في عام 1982 م.
* أسست الجامعة العربية مركزا لترميم آثار القدس في عمان، وكان مستشارا فنيا لهذا المركز.
* وضع ثلاثمائة سؤال أكاديمي وجوابا عنها لتكون موضوع مسابقة لطلبة المدارس، وقد تبناها المؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس، وخرجت في كُتَيِّب مناسب لتوعية الجيل الصاعد وتثقيفه بما يلزم من ثقافة عربية وإسلامية لا بد منها.
وغير ذلك الكثير الكثير، إضافة إلى العديد من المؤتمرات والندوات المحلية والعالمية والتي حضرها وشارك فيها أو قدم فيها أبحاثا حول القدس الشريف.
رحم الله الأخ الأستاذ والزميل الكريم المهندس رائف نجم أبا يوسف والذي ينحدر من أسرة عريقة في القدس رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته حيث كانت وفاته تاريخ 24 / 11 / 2021 م. جعل الباري كل ذلك في ميزان حسناته. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
د. حمزة ذيب مصطفى
عضو اللجنة التنفيذية
للمؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس – الأردن
17 / جمادى الآخرة / 1443 هـ
وفق 20 / 1 / 2022 م
التعليقات مغلقة.