وادي القَطار بين الكرك ومأدبا…وجهة متكاملة لسياحة المغامرة

قد يختلف الزمان ولكن توافق الأحفاد مع الأجداد ببناء سدود لتجميع مياه روافد الموجب بأودية تتشابه أسماؤها عبر ممرات جيولوجية تجتمع بها المقومات لتكون وجهة متكاملة لسياحة المغامرة والمعرفة.

السد القديم ..

من الطريق الملوكي اتجهنا عبر مثلث بلدة ذيبان نحو السهول الشرقية لنقطة البداية بوادي القَطار قرب بلدة الجميل، الوادي الذي سوف نمشيه كاملا وصولا لسد الموجب المنشأ في عام 1999م وبحيرته الواقعة بين محافظتي الكرك ومادبا.

يعتبر وادي القطار المشابه بالاسم لواد آخر شرق العاصمة عمان والمنسوب لصفة الصخر الذي يقطر وينطف ماء، وحسب دليلنا سالم نزيلات أن به عددا من المقاطع الممكن أن تكون نقاط يمارس عليها الإنزال الجبلي ودروب التفافية لمن لا يريد ذلك ولكنها تحتاج للتأهيل كونها لم يقم أي هواة أو فريق آخر بغرس أوتاد وحلقات تربيط الحبال وتحديد نقاط السلامة أو الترسيم الإلكتروني وحفظه حسب الأصول بنظام التموضع، ولذلك استخدمنا تطبيقات جهاز جارمن لدقة إحداثياته إلى جانب التوثيق الفوتوغرافي لنشره مع المقال ووسائل التواصل الاجتماعي التي تجمع أصحاب الهواية من الأردن ومن الخارج.

فبعد البداية بنصف كيلومتر كان هناك آثار لسد تاريخي قديم تبقى منه جزء من الجدار الرئيسي على كتفي الوادي ببناء ضخم متين من حجارة محلية تم تعشيقها بإحكام دُعمت بملاط وطين بحجم بطول إجمالي يقارب الخمسين مترا وكان قد دمر من منتصفه بفعل ضغط المياه أو التقادم وعدم كفاية الصيانة والترميم بذلك الزمان، وارتفاع يصل لعشرة أمتار ما بين أعمق نقطة ونهاية الأكتاف، وهنا يجتمع أسلوب التفكير مابين الأجداد القدماء ببنائهم هذا ونحن الأحفاد ببنائنا لسد الموجب الحديث لنفس الغاية والهدف مع فارق تقنيات الهندسة وامكانيات العمارة والمواد.

خام الكوارتز ..

وما إن تدخل قلب الوادي حتى تأخذ الطبقات الصخرية بالتكشف والتنوع بشكل ملحوظ؛ ما يدعوا للتفكر والتأمل بعصور التكوين وعذرية المكان الذي بقى على حاله بعد أن جف البحر القديم قبل ملايين السنين والممتد لحفرة الإنهدام، إلى أن تبلغ مسافة تتكشف بها الصخور الخالصة البياض وعملت بها المياة قنوات وأخاديد ملساء وبحيرات متتالية نقبت بشكلها الحالي بأثر توالي المساقط والمقاطع مشكلة مسارا بيئيا جيولوجيا خالص التكامل يصلح أن يكون مسارا بحثيا لطلبة الجامعات الدارسين للتخصصات ذات العلاقة، وما يميزه أيضا كثافة وجود بلورات خام الكوارتز « ثاني اكسيد السيليكون» بشكل لم نشاهده بمواقع أخرى بهذا الحجم في المملكة.

الإنزال المذهل ..

وبعد مسير طويل بمجرى الماء وصلنا للمسقط الأول والذي يصلح بأن يكون نقطة إنزال بشكل مستقيم.

أخذ قائد المجموعة المتمرس محمود الكردي بتحديد نقاط التثبيت ومتعاونين معا بزرع وتديْن لكل نقطة يحددها لربط الحبال ونقطة إضافية تكون في نتوئات الصخر ذاته لضمان الثبات والأمان، لنتوالى بعدها بعملية الإنزال البالغ ارتفاعه 30 مترا بمقطع مستقيم يتوسطه عين ماء القَطار العذبة التي استمد الوادي إسمه نسبة إليها،كانت سببا بوجود نباتات أصبحت موطنا آمنا لتبني الطيور أعشاشها بها، ومن الجانب الآخر آثار درب واضح تبيّن أنه لحيوانات مفترسة تقصدها لوجود العين المرتفعة لقضاء حاجتها من الشرب، إلى أن يفضي بك الإنزال لبركة ماء تجاوز ارتفاع سطحها 2 متر نقبت بفعل ماء العين وانهمار السيل وقت الشتاء ، ويمكن أن يرتفع منسوبها التجميعي أكثر من ذلك، مقطع يأسرك بجماله ويسحرك بتنوعه، يدعوك للعودة وإعادة التجربة وخير شبيه له من إنزالات الجنوب الإنزال المعروف بإنزال الجنة بوادي غراب مع اختلاف الارتفاع وطبيعة الماء.

كرم الضيافة .

وبعد تأمل طويل أكملنا مسيرنا بسيق أبيض أصم انتهى بتكوينات صخرية سداسية مشابهة لسداسيات وادي الهيدان السمراء مع اختلاف اللون وندرتها لبياضها، كان يستريح بقربها أحد الرعاة الذي كان قد تنبّه لوجودنا من نباح كلابه فدعانا لمشاركته بـ»كاسة شاي» من إبريقه المعد مع حليب شياهه وزعتر بري جمعه من بين الصخور، فما أجمل هذه البساطة البعيدة عن تعقيدات المدينة وضوضائها.

استكملنا طريقنا لغاية مطل يفضي على وادي الموجب « أرنون» عربي الاسم والأهل والتاريخ عبر العصور والذي مر منه الرحالة العرب والكثير من المستشرقين والمؤرخين ودُوّن في مذكراتهم وأفردوا له فصولا بمراجعهم لأهميته، مطل يأخذك للأفق البعيد والمحتاج أيضا لإنزالين متتالين الأول 10 مترات آخذا مدخله شكل البئر، والمحتاج لمهارة وانتباه أكبر وخبرة بالتماسك على صخوره الملساء، ثبتنا هناك نقاط ربط الحبال بثقوب الصخور دون الحاجة لغرس أوتاد أفضى بنا مدخله لعدد من اللولبيات أوصلتنا للإنزال الثالث بفضائه المفتوح على الوادي من ارتفاع 40 مترا حيث يلتقي مع وادي السلايطة لنؤهل نقطة إنزالة شبه المستقيم، لنتحرر بعدها من خوذ السلامة والحزام الحامل استكمالا لمسيرنا الراجل عبر بساتين الكرمة والجوافة ومزارع الطماطم والفول وما جاد به موسم الزراعة، وكيس الرحال لايعود فارغا لأهل البيت .. وكان لنا نصيب أن نجد نبات الحويرنة الذي يعد طبقه الطيب البسيط مع اللبن والثوم وحسب ما وثقه الطب البديل فهو علاج لتخفيف تورم المرارة ومزيل فعال للسموم من الكبد ومنقوع بذوره علاج لانقباض عضلات القلب كونه غنيا بكثير من الأملاح والكالسيوم والمنغنيسوم والبوتاسيوم وسلسلة من الفتامينات الأساسية من ب 3 و6 وجي.

وما إن دخلنا منطقة المزارع قرب السد إذا بمجموعة كلاب تطارد ابن آوى « واوي « كان قد انسل لقن دجاج محاولا الإضفار بإحداها إلا أنه استطاع الهرب بدهائه بعد مراوغة طويلة بين الصخور كان لنا نصيب الصدفة لأن نشاهدها.

ومنها بعد مسير بلغنا بداية تجمع مياة سد الموجب من الجانب الشرقي نقطة النهاية متممين بذلك 14 كلم بسلام بمسار غني بالمشاهدات والتجارب يصلح بأن يكون مسارا معتمدا على خارطة سياحة المغامرة لتوفر كامل المقومات والشروط المستوجبة لذلك من ضمنها ثلاثة إنزالات جبلية يمكن القيام بها أو الدوران الراجل من حولها لتشغيل عدد من أبناء المنطقة بالدلالة والدعم اللوجستي على الطريق.

عبدالرحيم العرجان/ الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة