ولنا في الشتاء ألف حكاية // أحمد القضاه

بلسما يطيب الارض بعد حر الصيف وجفافه، بعد الخريف وقسوته، ياتي الشتاء يغيث الارض ونباتها.
في الشتاء تبدو الطرق المبتلة واضويتها المنعكسة وشح السائرين فيها شديدة الفتنة والجمال، في الشتاء تعصف الرياح ويسمع المنصت دويها الف حكاية وتلمع البروق وقوة الخالق..
فصل الشتاء من بين الفصول له معالمه وأياته الدالة عليه من برودة ومطر وقصر في النهار وطول في الليل ، وهذا ما عناه حديث النبي _ صل الله عليه وسلم_ حين قال ” الشتاء ربيع المؤمن، طال ليله فقامه، وقصر نهاره فصامه”
ومن فضائل فصل الشتاء انه يذكر بزمهرير جهنم..
في ليالي الشتاء الهائج بصوت الرياح والمطر كنا انا واخوتي واهلي نجتمع في غرفة الجلوس.. وكان هناك سباق للجلوس قرب مدفاة الحطب، وكالعادة لا يخلو سطح المدفاة من اباريق ” واحدا دائما للماء الساخن، واخر لل زهورات، يجمتع الجميع حول المدفاة وتتدور الاحاديث والقصص القديمة ويكون اغلب الحديث لكبير الجلسة، (الاب والام) ويذكر احداث ومواقف مر بها او سمع عنها، وتكثر المواقف الطريفة، وتسمى هذه الجلسة ( ب التعليله) لقرب جلوسهم من بعض وتكون الزيارات متبادلة بين الاقارب والاصداقاء، وبهذه الجلسات يكثر ذكر الاجداد ومواقفهم بالشتاء وكيف كانوا يتعاملون مع هذه الظروف قديما، قبل تطور التكنولوجيا، دون كهرباء ودون انترنت، الكل مستمتع ومنصت، رائحة القهوة وصوت ايقاع سقوط حبات المطر والرياح …
في صباح الشتاء تشرق الشمس بخجل تختبى خلف الغيوم، العصافير تتطاير من زهرة لاخرى،
الاطفال يستيقظون للذهاب الى المدرسة، والامهات بالمطبخ لاعداد وجبة الافطار، رائحة ابريق الشاي والخبز المقرمش، وصوت الشيخ عبد الباسط في ارجاء المنزل، الكل يرتدي معطف خوفا من البرد، نشرة الاخبار تحذر من السيول والمنحدرات وتجنب مناطق تجمع الامطار ..
امثال كثيرة ترافق فصل الشتاء
” البرد بقص المسمار ” في الدلالة على شدة البرد، والبرد سببا في الامراض،
اما عبارة ” النار فاكهة الشتاء ” فتدل على مواقد الحطب القديمة التي كانت موجوة ولا زالت في غرف المعيشة، حيث لابد ان تجتمع العائلة، فتكون النار اجمل ما في فصل الشتاء كونها تجمع الناس ..

” اللهم اسقنا غيثا مغيثا مرينا نافعا غير ضار ”
ثمة فرق كبير بين كلمتي الغيث والمطر، فكلمة ” الغيث ” التي وردت في القران الكريم ثلاث مرات فقط، يقصد بها حلول الفرج محل الضيق واليسر محل العسر، فكلمة ” الغيث ” في القران لا تذكر الا في مواطن الرحمة والنعمة وياتي ذلك مقرونا بالخير الوفير ” ثم ياتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس ”
اما كلمة ” مطر  ” التي ورد ذكرها عشر مرات في القران، فيقصد بها دوما استخدام الماء كوسيلة من وسائل العذاب وايقاع الجزاء بمن يستحقونه من البشر .
” وامطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ”

لتكتمل مرحلة اشعال المدفاة لا بد من وجود الحطب وعند توفره تكون قد تخطيت البرد والانجماد، الحطب مخلفات من الاشجار اليابسة او ما بعد التقليم، يتم جمعه وتقطيعها باداة حادة لها مقدمة كالفاس او بمنشرة صنعت خصيصا لهذه المهمة..
وفصل البرودة يبدا رسميا 22 ديسمبر ويستمر حتى 20 مارس، ليالي باردة وانجمدات، انخفاض حاد على درجات الحرارة وتساقط ثلوج..
فصل الشتاء يعتبر موسم خيرا ورعب لمربي الحيوانات والمزارعين ، فعادة ما تولد الاغنام والابقار بهذه الايام فاذا لم يكن على جاهزية تامة بدفى المكان وقوة تحمله لظروف الطقس من رياح وثلوج، وفي المنخفضات القوية تتكسر الاشجار مما يؤدي الى خسرتهم، الاعشاب تنبت ولها بريق، الارض مبللة والصخور اتضحت تفاصيلها، برد ورعد والابواب مقفلة والشبابيك مغلقة، المنطقة بسكون تام، الاسواق مغلقة، والسيارات تمشي بحذر .
الشتاء بات ضيفا ثقيلا على ملايين الاسر، اصبح يمثل ازعجا وعبئا على الاباء والامهات، ما اقساه من فصل على الفقراء والارامل وساكني المخيمات، فنقص الغذاء والدفء يواجهون صعوبة في تامين وجبات غذائية كافية ملابس دافئة خلال فصل الشتاء، صعوبة العيش في منازل غير لائقة، فالفقراء غالبا يعيشون غالبا في منازل غير لائقة، يعرضهم للبرد وامراض الجهاز التنفسي .
” اللهم في هذا البرد القارص، نستودعك كل من لا ماوئ له، وكل من لا لباس له، وكل مبتلى وكل مفقود، اللهم نسالك الستر والعافية في الدنيا والاخرة، فاخفظهم بحفظك وارحمهم برحمتك يا ارحم الراحمين “