يوم الوفاء والبيعة.. وتستمر المسيرة
يحيي الأردنيون في يوم السابع من شباط كل عام، ذكرى يوم الوفاء والبيعة للقيادة الهاشمية المباركة، ففي مثل هذا اليوم من عام 1999 كان الأردنيون أمام أنظار العالم بأسره يضربون المثل في وفائهم لجلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، وفي بيعتهم لجلالة الملك عبدالله الثاني حيث تنتقل الراية الهاشمية إلى يده ليواصل مسيرة عنوانها الأمل والتسامح وشرعيتها العدل والإنجاز.
ويستذكر الأردنيون مسيرة الوطن بقيادة الحسين الباني على مدى نصف قرن تقريبا.. ملك بنى وأعطى لوطنه وأمته ما يسجله التاريخ بأحرف من نور مثلما يفخرون بقيادة أبي الحسين، إذ يواصل المسيرة بمزيد من العزم والأمل والإنجاز.
وبدا واضحا منذ ذلك اليوم عزم جلالة الملك عبدالله الثاني على تكريس الأردن دولة مؤسسات وقانون قائمة على العدل والمساواة والانفتاح وتوفير العيش الكريم لجميع أبنائه، حيث حرص جلالته على صيانة كرامة المواطن الأردني وتوفير فرص الحياة الكريمة ومحاربة الفقر والبطالة والعمل على تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية يشعر بها الجميع.
والأسرة الأردنية وهي تحيي هذه الذكرى العطرة تنحني أمام الذكرى إجلالا وتقديرا لعطاء الحسين وتستلهم من معانيها الإيمان والتصميم على إكمال رحلة الخير والبناء بثقة أكيدة وهمة عالية تستلهمها من حامل الراية وراعي المسيرة جلالة الملك عبد الله الثاني.
المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال، هو الحفيد الثاني والأربعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ذرية حفيده الحسن بن علي، وولد في عمان في الثامن عشر من شهر شعبان عام 1354 هجرية الموافق للرابع عشر من تشرين الثاني عام 1935 ونشأ وترعرع في ظل والديه المغفور لهما الملك طلال بن عبدالله، والملكة زين الشرف بنت جميل في كنف جده الملك المؤسس عبدالله بن الحسين الذي أنشأ الأردن الحديث نواة للمشروع النهضوي الهاشمي في توحيد بلاد العرب واستقلالها، ذلك المشروع الذي أعده شريف مكة الحسين بن علي وبدأ بتنفيذه بالتعاون مع أنجاله.
وقد نودي بالمغفور له جلالة الحسين ملكا على المملكة الأردنية الهاشمية في الحادي عشر من شهر آب عام 1952، ولما كان في السابعة عشرة من عمره آنذاك فقد شكل مجلس وصاية على العرش إلى أن تولى سلطاته رسميا في الثاني من شهر أيار عام 1953.
ويعتبر الثاني من شهر أيار عام 1953 الذي تسلم فيه المغفور له جلالة الحسين سلطاته الدستورية بالنسبة له أعظم الأيام شأنا في حياته، واستمر المغفور له على ذات النهج الهاشمي بالدفاع عن وحدة الأمة وسيادتها واستقلالها، داعيا إلى حل المشاكل بالوسائل الدبلوماسية بدلا من اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية.
وعمل المغفور له على تحويل وتطوير المملكة إلى دولة عصرية تتمتع ببنية تحتية متكاملة ومستويات رفيعة في جميع المجالات مقارنة مع دول العالم النامية، وكان ذا رؤية واضحة حكيمة، مؤمنا بالمشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات في الحكم وباحترام حقوق الإنسان في العالم العربي، حيث يعترف العالم اليوم بأن الأردن السجل الأنصع لحقوق الإنسان في المنطقة.
وفي عام 1989، أعاد جلالته الحياة البرلمانية حيث تم إجراء أول انتخابات عامة شاركت فيها جميع شرائح المجتمع الأردني، وبعد ذلك بقليل كلف جلالة المغفور له لجنة ملكية تألفت من جميع أطراف الطيف السياسي في الأردن لصياغة ميثاق وطني يضع الإطار الديمقراطي وأسس التعددية السياسية في البلاد وقد تمت مباركة الميثاق الوطني من قبل جلالته في حزيران 1991.
ومنذ عام 1967 عمل المغفور له بإخلاص من أجل عقد مؤتمر دولي للسلام من أجل التوصل إلى سلام عادل وشامل ودائم في المنطقة، مبني على قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338.
وكان للمغفور له دور رئيسي في عقد مؤتمر مدريد للسلام في تشرين الأول 1991، ليس فقط تعبيرا عن التزام الأردن بمسيرة السلام بل لتأمين غطاء للشعب الفلسطيني من خلال وفد أردني فلسطيني مشترك وذلك للتفاوض من أجل مستقبلهم.
وخلال سنين حكمه، كان الحسين رحمه الله يؤمن بالمبادئ والقيم التي كانت تدعو إلى السلام والتسامح والوفاق والمساواة والعدالة حتى تمكن من جعل الأردن نموذجا ومثلا يحتذى به في الوسطية والاعتدال.
وفي الرابع والعشرين من كانون الثاني 1999 أصدر الراحل العظيم إرادته الملكية السامية بتعيين جلالة الملك عبد الله الثاني وليا للعهد مخاطبا إياه: “لقد عهدت إليك بتسلم منصب ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية، وأنا مرتاح الضمير والنفس، وكلي ثقة واطمئنان بأنك أهل لتحمل هذه المسؤولية الجليلة، وقد عرفت فيك، وأنت ابني الذي نشأ وترعرع بين يدي، حب الوطن والانتماء إليه والتفاني في العمل الجاد المخلص ونكران الذات، والعزيمة وقوة الإرادة وتوخي الموضوعية والاتزان والاسترشاد بالخلق الهاشمي السمح الكريم المستند إلى تقوى الله أولا، ومحبة الناس والتواضع لهم والحرص على خدمتهم والعدل والمساواة بينهم وتوقير كبيرهم والرحمة بصغيرهم والصفح عن مسيئهم حيثما كان مجال للصفح وكرم النفس والخلق والحزم عندما يستقر الرأي على قرار ووضع مصلحة الوطن والأمة فوق كل المصالح والاعتبارات”.
ويدرك المتمعن في الكلمات التي خاطب بها جلالة الحسين ولي عهده مدى إيمانه، رحمه الله، بأن مصلحة الوطن يجب أن تكون فوق كل المصالح والاعتبارات، حسبما كان نهجه ورؤاه طيلة سنين عمره، وهو النهج الذي يطبقه جلالة أبي الحسين حاليا من خلال تنفيذ شعار “الأردن أولا”.
وفي السابع من شباط عام 1999 كان الأردن “الأرض والإنسان” في وداع الحسين وسط حشد من قادة العالم في جنازة وصفت بأنها جنازة العصر، وكان ذلك الحضور دليلا على مكانة الحسين بين دول العالم كافة، ومكانة الأردن واحترام الشعوب والقادة له ولقائده.
— (بترا)
التعليقات مغلقة.