يوم حقوق الإنسان 2021: “المساواة والحدّ من التفاوتات”// عُريب هاني المومني
=
يحتفل العالم في 10 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام بيوم حقوق الإنسان، والذي يرمز إلى اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعيّة العامة للأمم المتحدة في عام 1948 الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان. ذلك الإعلان الذي يعتبر الصك الأساسيّ الأول والأهم في ميدان حقوق الإنسان، فهذا الإعلان وعلى الرغم من أنّ الالتزام به هو التزام أدبي، إلا أنّ أهميته تكمن في أنّه أول توافق جماعيّ بين الدول في مجال حقوق الإنسان، يقوم على المساواة وعدم التمييز، ويهدف إلى حفظ حياة الإنسان وكرامته بشكل رئيس، وبالأخص بعد الويلات والآثار السلبية والمآسي التي شهدتها الإنسانيّة جمعاء وخلّفتها الحرب العالميّة الثانية. ويُعتبر هذا الإعلان الوثيقة الأكثر ترجمةً في العالم؛ فقد تمّ ترجمته إلى أكثر من 500 لغة.
إنّ المتتبع لحقوق الإنسان منذ نشأتها وحتى يومنا هذا يُلاحظ تطوّر هذه الحقوق بما يتواءم ويتفق مع الأحداث والمستجدات الحاصلة، فقد تغيرت النظرة التقليدية والتصور القديم لبعض الحقوق والمفاهيم ذات الصِّلة بحقوق الإنسان، كما تمّ إدخال وتنظيم العديد من المفاهيم والحقوق في هذا المجال مثل مواضيع الإرهاب الدوليّ، التنمية المستدامة، والتعايش والتضامن العالمي، وكذلك العيش بسلم دائم، الحفاظ على البيئة، والتمتّع بالتراث الثقافيّ والإنسانيّ والتاريخيّ والثروات الطبيعيّة. كما يُلاحظ زيادة الاهتمام والتركيز على مواضيع حقوق الإنسان بشكل أكبر من السابق في الوقت الحالي. تلا الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان إبرام العديد من الاتفاقيّات والمواثيق منها تلك التي توفّر حماية عامة للجميع، وأخرى توفّر حماية خاصة لفئة معيّنة أو تنظّم حقاً محدداً؛ فقد تمّ اعتماد العهد الدوليّ الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة، وكذلك العهد الدوليّ الخاص بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة. بالإضافة إلى أنّ أهداف التنمية المستدامة 2030 تُعتبر من أهم الأهداف عالميّاً في الوقت الحالي، والتي جاءت نتيجةً للتطورات الحاصلة والظروف في المجتمع العالميّ. ويُمثّل هذا اليوم فرصةً للمهتمّين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان؛ للتأكيد على هذه الحقوق وأهميتها وضرورة احترامها، وفرصةً جيدةً للدعوة إلى التمسك بها وإلى وقف الانتهاكات الحاصلة في العديد من الميادين والكشف عن مواطن النقص فيها، بالإضافة للدعوة إلى اتخاد ما يلزم من إجراءات لتعزيز وغرس هذه الحقوق، وضمان إعمالها وتنفيذها. وقد اعتمدت منظمة الأمم المتحدة موضوع احتفالية عام 2021م بعنوان “المساواة – الحد من التفاوتات والدّفع قدماً بإعمال حقوق الإنسان”، وقد جاء هذا الموضوع استكمالاً للموضوع الذي اعتمدته في العام المُنصرم، والذي حمل عنوان “إعادة البناء بشكلٍ أفضل”، مع الإشارة إلى أنّ موضوع هذه الاحتفاليّة قد جاء كردّ فعل لما واجهه العالم منذ بداية عام 2020م وهو جائحة كورونا، وما رافقها من إجراءات كشفت عن بعض الثغرات ومواطن الضعف سواء على مستوى الأنظمة المحليّة أو العالميّة. ويتطلّب هذا المبدأ “المساواة” ضرورة إعماله في كافة المجالات سواء السياسيّة، المدنيّة، الاقتصاديّة، الاجتماعيّة، أوالثقافيّة، ولكافة الفئات أيضاً. ومن الجدير ذكره بأنّ الحدّ من أوجه عدم المساواة يُمثِّل الهدف العاشر من أهداف التنميّة المستدامة 2030، وقد عكست جائحة كورونا عدم المساواة الموجودة في النظام العالميّ، والظلم في مجالات اللقاحات من خلال توزيعها غير العادل وتخزينها بشكلٍ يتعارض مع القانون الدوليّ وحقوق الإنسان وروح التضامن العالميّ، فيما يُمكن تسميته “بحرب اللقاحات”، وكذلك ظهرت الدبلوماسيّة الصحيّة كمؤثر جديد في الساحة الدوليّة. وتُعتبر المساواة وعدم التمييز من أهم المبادئ والحقوق في حقل حقوق الإنسان، فهذا المبدأ يمكن اعتباره كصمّام الأمان والفاعل الأول في التمتُّع بحقوق الإنسان الأخرى، وعدم إعماله يُرتّب آثاراً ضارة طويلة الأمد ومتعددة الأبعاد، ومن هنا تظهر أهميّة إعماله والتركيز عليه. فالمساواة والإدماج وعدم التمييز هي أفضل السبل لإعادة البناء بشكلٍ أفضل وأكثر عدلاً؛ فعلى سبيل المثال بإمكان الاقتصاد القائم على حقوق الإنسان أن يكسر دوامات الفقر، الذي يُعتبر من أهم التحديات التي تواجه عصرنا. فالعالم اليوم أصبح بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد، يتقاسم الفاعلين بموجبه السلطة، والموارد، والفرص بطرقٍ وآلياتٍ أكثر إنصافاً، وبشكلٍ يضمن تقليل الفجوة ما بين دول العالم النامي والدول المتقدمة، يتشارك به جميع الفاعلين ومنهم الدول وبالأخص الدول النامية، والشركات المتعددة الجنسيّات، والمنظمات الدوليّة؛ فكلنا بشر وكلنا متساوون.
التعليقات مغلقة.