الكرك: هل تصمد الأحزاب أمام سطوة العشيرة بالانتخابات النيابية؟

الكرك- طوال تاريخها الحديث، غالبا ما كانت محافظة الكرك إحدى أهم مراكز العمل الحزبي في المملكة، وخصوصا بالأحزاب ذات الانتماءات السياسية المعارضة بتوجهاتها اليسارية والقومية، وكان يشار للمحافظة على أنها قدمت للوطن رموزا سياسيين بمختلف توجهاتهم، وعبر تاريخ الانتخابات النيابية الطويل، كانت بعض تلك الرموز الحزبية تخوض الانتخابات وتنجح حينا وتفشل حينا آخر. وكان آخر حضور سياسي كبير لتلك الأحزاب أو المحسوبين عليها في مجلس النواب الحادي عشر عام 1989 عندما فاز ثلاثة نواب عن محافظة الكرك ينتمون للتيارات اليسارية والقومية والإسلامية وحازوا أعلى أصوات الناخبين وقتها.

ورغم الحضور السياسي المميز للأحزاب بالكرك إلا أن سطوة العشيرة والالتزام بها غالبا ما يكون مسيطرا  خلال الانتخابات، ولا يصبح المرشح ذا حظ بالفوز إلا إذا حصل على موافقة وإجماع عشيرته، وتقوم أغلب الأحزاب بتقديم مرشحين مقبولين لدى عشائرهم ليصبح هناك أمل بالمنافسة والفوز بين المتنافسين.

وستجري الانتخابات النيابية المقبلة بعد أن قرر مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب موعد إجرائها في الـ 10 من أيلول “سبتمبر” المقبل، وفقا لمرحلة سياسية جديدة بقانون للأحزاب وآخر للانتخابات، تكون بموجبة حصة الأحزاب 41 مقعدا، وتخوض الأحزاب الانتخابات للفوز بمقاعد آخرى في المحافظات.
وفي الكرك بدأت مختلف الأحزاب العمل للمشاركة بالانتخابات على أمل الفوز بأحد مقاعدها الثمانية وبدأت حوارات تشكيل قوائمها الانتخابية، إلا أن أغلبها ما زال يواجه معضلة الحصول على موافقة العشيرة أو أغلب أفرادها للترشح عبرها والتي باتت تعمل بشكل علني وصريح وفقا للقانون، وأصبح ينتمي العديد من المواطنين لها، ويتواجد في الكرك مقرات ومواقع لجميع الأحزاب.
وتواجه الأحزاب حالة سطوة العشيرة لدى أغلب عشائر المحافظة، ولا يبدو أن هناك خروجا عن النهج القديم بتقديم المرشح السياسي والحزبي نفسه بصورة مرشح العشيرة، حرصا على الحصول على موافقة العشيرة وأصواتها الانتخابية، ويكاد أغلب الناشطين السياسيين بالكرك يجمعون على أن هناك صعوبة كبيرة في الخروج على العشائر، وطرح مرشح سياسي حزبي بعيدا عن موقعه بالعشيرة.
ويؤكد مدير المدرسة الحزبية بحزب إرادة بالكرك د. راكز العرود، أن الحزب سيخوض الانتخابات النيابية عبر قائمة خاصة أو العمل على مشاركة مع أطراف آخرى سياسية أو شخصيات بالمحافظة، مشيرا إلى أن الانتماء للحزب أمر مهم وخصوصا بموضوع المشاركة بالانتخابات والاقتراع للمرشح.
وبين أن أي شخص لا يستطيع سلخ انتمائه لعشيرته وخصوصا وأن العلاقة بين الحزبي والعشائري علاقة مقلقة، بخاصة في التجربة الأولى للأحزاب للمشاركة بالانتخابات، مؤكدا أن العديد من الحزبيين بمختلف الأحزاب سيواجهون مشكلة هذه الثنائية، لافتا إلى أن الأحزاب البرامجية سيكون لديها فرصة أفضل بتسويق نفسها لدى المواطنين.
وكان  رئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب موسى المعايطة، أكد في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي أن الأحزاب ستنضج أكثر بعد الانتخابات النيابية المقبلة، مشددا على  أن الأحزاب لها دور أساسي في جذب الناس إلى الانتخابات، وعبر عن تفاؤله بتجربة الأحزاب الجديدة.
ويؤكد الناشط السياسي المحامي عبدالله زريقات أن العلاقة بين الحزبي والعشائري في الانتخابات النيابية وأي انتخابات أخرى، هي إشكالية دائمة وقديمة، مشيرا إلى أنه دائما ما كانت هناك سطوة للعشائر خلال الانتخابات في الترشيح والاقتراع مع وجود هامش يمكن الحركة من خلاله.
ومن المتوقع في ظل القانون الجديد أن تترشح أعداد كبيرة من المرشحين الحزبيين للانتخابات ما يؤشر على المنافسة الشديدة والاختلاف الكبير في وجهات النظر، عبر وجود أكثر من مرشح في كل عشيرة من العشائر ذات الحضور التاريخي بالمجالس النيابية، الأمر الذي يسمح ببروز الموقف الحزبي أكثر بسبب هذا العدد من المرشحين.
وكانت الانتخابات النيابية الأخيرة شهدت بالكرك ترشح 13 مرشحا حزبيا وسياسيا من بين 177 مترشحا، ينتمون إلى تيارات سياسية معينة؛ تشمل اليسارية، القومية، الإسلامية ، الوسطية، في حين خاض  بقية المترشحين في المحافظة؛ الانتخابات وفقا لتوافقات عشائرية محضة، بعيدا عن التعبير عن أي آراء وأفكار سياسية.
وشملت قائمة المترشحين ذوي الانتماء السياسي والفكري المسمى بتيار اليسار، مترشحا وحيدا فقط عن الحزب الشيوعي، ومترشحا عن تيار يسار الوسط من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وخوض الانتخابات ضمن قائمتين منفصلتين.
في حين مثل التيار القومي 3 مترشحين، خاضوا الانتخابات بالمشاركة بـ3 قوائم انتخابية، برغم كونهم ينتمون لتيار سياسي وحزبي واحد، في حين خاض مترشح ينتمي إلى حزب الشراكة وإلانقاذ الانتخابات، وخاض التيار الإسلامي وتحديدا حزب جبهة العمل الإسلامي الانتخابات في قائمة انتخابية واحدة.
ويؤكد  الناشط السياسي رضوان النوايسة، أن الانتخابات الحالية ورغم وجود عدد كبير من الأحزاب والتي أعلنت مشاركتها بالانتخابات إلا أنه لا بد لأعضائها من الحصول على ترشيح أو دعم عشائرهم  ليكون لديهم فرصة بالمنافسة والفوز لاحقا.
ولفت إلى أن هناك حالة من التراجع بالوعي السياسي لدى الناخبين عن الأعوام الماضية، مشيرا إلى أن الكرك، وهي من أكثر المحافظات التي يوجد فيها حضور سياسي للأحزاب، بخاصة القومية واليسارية، ما زالت الأحزاب فيها تعاني من الضعف في التأثير الجماهيري، وإنجاح المرشحين بالانتخابات بشكل دائم.
وقال نائب الأمين العام  للحزب الديمقراطي الاجتماعي د. عودة الجعافرة، إن الانتخابات الحالية وبحضور الأحزاب بشكل رسمي وضمن القانون في التنافس على مقاعد حزبية ، تعطيها فرصة لتقديم نفسها بشكل أفضل وأكثر جرأة من السابق، حيث كان هناك سابقا إخفاء لانتماء الشخص الحزبي داخل عشيرته خوفا من انفضاضهم عنه.
ولفت إلى أن الانتماء للعشيرة لا يمنع الانتماء للحزب ولا يوجد منافسة وصراع بينهما، ويمكن للشخص أن يكون حزبيا وناشطا داخل عشيرته إن استطاع فهم آلية العمل داخل كل منهما.
وبين ان هناك حضورا اجتماعيا وسياسيا طاغيا للعشيرة في المجتمع بالكرك إلا أن هذا الحضور الطاغي كان هو نفسه الذي أخرج شيوعيا وقوميا وإسلاميا أعضاء في برلمان عام 1989، مشيرا إلى أمله بأن تكون الانتخابات المقبلة فرصة للأحزاب للمصالحة مع العشيرة، وتقدم ممثلين لها على مستوى يليق بالمرحلة المقبلة من الحياة السياسية.

هشال العضايلة/الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة