أمير من حوارينا


جهاد المومني

=

تابعت ككل الاردنيين مقابلة سمو ولي العهد الأمير الحسين على قناة ( العربية )، وقد شدتني اجابات الأمير على اسئلة غير تقليدية لم نعتد عليها في صحافة عالمنا العربي المقيد بالجدية التامة سواء بلغة الجسد ام بالحديث الملتزم، وفي التقييم المهني البحت في عالم الاعلام والصحافة فإن هذه المقابلة تعتبر بكل المعايير حدثاً إعلامياً مهماً ولافتاً أكثر من كونها مقابلة تلفزيونية مع شخصية بمستوى ولي عهد المملكة الاردنية الهاشمية لطالما نأى بنفسه عن الاعلام وحافظ على قربه من الناس بعيداً عن الاضواء، مقابلة طرحت فيها الاسئلة صريحة ولكن بحذر قابلتها اجوبة مشذبة ومدروسة بعناية لكنها صريحة وشافية لا يعتريها التلميح ولا الغموض. كانت مقابلة مفتوحة تحت عنوان جريء مضمونه (اسأل ما تشاء )، ورغم ارتجال الاعلامي طاهر بركه في الكثير من اسئلته التي استطيع ان اجزم انها لم تعد مسبقاً، تجلى الأمير في اجاباته المقنعة التي تخاطب العقل والوجدان، وفيما يشبه المبارزة بالكلمات وجدنا اميرنا الوسيم يرد التحدي بصدق وعفوية ويقدم للعالم ردوداً وافية ولطيفة ومقنعة بمنتهى اللباقة واللياقة التي  عرفناها ونعرفها عند ملوك وأمراء الأردن.
تفوق الأمير في اجاباته على الاسئلة التي طرحت وفي اجاباته على اسئلة كثيرة لم تطرح ، وبرزت براعته حتى في تعديل السؤال الملتوي، وظهرت ملامح الدهشة على وجه المذيع عندما تبين له انه امام شاب اردني قدير من مدرسة الملك عبد الله والملكة رانيا العبدالله التي ربت فأحسنت التربية في كنف ملك حرص على ان يكون حاضراً في بيته وبين عائلته رغم الظروف الصعبة في منطقتنا وفي العالم وانشغاله اليومي بالاحداث من حولنا، وكما قال الامير الحسين فأنه كان ولا يزال يعتبر نفسه محظوظاً بعائلته الهاشمية وبزواجه من فتاة سعودية اضفت على حياته الكثير من السعادة وربما الرشاقة التي ميزت عزوبية الحسين الشاب في جنديته وفي حركته الدؤوبة بين الناس وخاصة الشباب، وهذه العائلة الاردنية الصغيرة ومعها كل الاردنيين ينتظرون بفرح غامر قدوم بكر سمو ولي العهد الحسين ابن عبد الله وسمو الأميرة رجوة الحسين ليملأ البيت الهاشمي بالمزيد من الفرح.
نجح الأمير في أول فرصة يقدم فيها سردية واقعية لمسيرة الاردن من موقع ولي العهد كما عاشها ويراها اليوم وكما سيكون شاهداً عليها في قادم الايام، لنجد أنفسنا كمشاهدين شغوفين بمعرفة الجانب القيادي في شخصية الأمير الحسين، بأننا امام أمير واع ومثقف وسياسي محنك يعرف تماماً كل كلمة يقولها ومكانها وزمانها ليس على حساب الحقيقة رغم مراراتها أحيانا، وانما الحقيقة كاملة كما هي دونما رتوش أو تجميل، فالمعاناة في فلسطين فاقت كل تصور جراء وحشية الاحتلال والاردن المتعلق قيادة وشعباً بما يجري في فلسطين وما يعانيه أهلنا هناك يجابه الضغوطات على اختلافها السياسية والاقتصادية لتغيير مواقفه، لكنه مع ذلك لا يتراجع قيد انملة عن مواصلة نصرة اهلنا في غزة وفي الضفة، والاردن الذي يتحمل عبء كارثة اللجوء لا يتردد في تقديم ما يستطيع للتخفيف عمن ضاقت بهم بلدانهم، رصيدنا احترام العالم لنا وجهود جلالة الملك عبد الله وحكمته جعلت منا بلداً يسمعه العالم ويحترمه.
هذا الأمير الهاشمي من حوارينا، ملامحه، مشاعره الوطنية التي فاضت بها عيناه حباً لوطنه وشعبه، حديثه العذب وكلماته العفوية التي طغت بدفئها على الاحساس بأهمية وضرورة انتقائها بعناية لا يتقنها الا كبار السياسيين ممن مارسوا الحكم سنوات واتخذوا أكبر القرارات وأهمها.
ادهشني هذا الشاب النبيل برزانته ورجاحة تفكيره ونظرته الى مستقبل الاردن الغالي دون أن يغفل عن تاريخه والتحديات التي واجهها هذا البلد وتجاوزها بحكمة ملوكه وقدرتهم على توريث الحكمة والحنكة من جيل الى آخر، هؤلاء هم ملوك الاردن من عبد الله المؤسس طيب الله ثراه الى عبد الله المعزز اطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية، وهذا هو الحسين ابن عبد الله ولي عهده وهذه هي مدرسته في تنشئة قائد فذ سخره منذ ولادته كي يقف امامنا اليوم ويقدم اروع توصيف لبلدنا في ماضيه وحاضره ومستقبله، بعض الماضي الذي تجاوزناه والبعض الذي نتعلم منه ونبني عليه، والحاضر الذي نستلهم منه دروساً للمستقبل كما نراه في عيني الأمير واعداً وجميلاً.
*عضو مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.