بركان الجنوب.. هل يتمكن حزب الله من الانتصار على الاحتلال الإسرائيلي؟

منذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، شهدت الأشهر التسعة بعد انطلاق عملية “طوفان الأقصى” ما يزيد على أربعة آلاف اشتباك بين حزب الله اللبناني وجيش الاحتلال الإسرائيلي.

وتسببت الاشتباكات والمناوشات بقتل وإصابة العشرات على جانبي الحدود، كما أجبر عشرات الآلاف من الكيان المحتل على النزوح من أماكن سكناهم في الأراضي المحتلة بسبب صواريخ حزب الله.

وحتى اللحظة تتصاعد وتيرة الهجمات؛ ما يؤشر إلى تزايد احتمالية أن نكون على مرمى حجر من حرب فعلية، حرب التصريحات التي بدأت بالتزامن مع بدء الاشتباكات، والتي ازدادت سخونتها لنصل إلى تهديدات مباشرة من مسؤولين من الكيان المحتل.
ويعد جيش الاحتلال، نظرا لعدته وعتاده وتمويله الأميركي متفوقا على حزب الله، لكن الأخير، من الناحية العسكرية، يعد أحد أقوى القوات المسلحة غير النظامية في العالم. فما الذي يحدث إذا التقت قوتان بهذا الاختلاف والتفاوت في أرض المعركة؟
قد يظن أن فارق العتاد وحده يكفي لتحديد المنتصر، لكن الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك. فحرب لبنان في عام 2006 كانت كفيلة بإظهار خطأ تلك الفكرة. ويمكن أن تلحظ ذلك في تحليل قدمه الخبير الأمني الإسرائيلي بواز جانور الذي أوضح أنه “في غضون 34 يوما فقط من الحرب غير المتكافئة ضد إسرائيل، أظهر حزب الله مرونة تنظيمية، وقدرة على البقاء، واستخدام أشكال متعددة ومبتكرة من القوة النارية”.
بل ورأى بعض الخبراء في هذا النطاق، مثل باحث الدفاع الأميركي فرانك هوفمان، أن حزب الله أثبت أن الجهات غير النظامية قادرة على “دراسة وتفكيك نقاط الضعف في الجيوش ذات النمط الغربي واستنباط التدابير المضادة المناسبة”. السبب في ذلك لم يكن تحديدا القوة العسكرية، ولكن ما يصفه المتخصصون باعتباره نوعا مختلفا من الحروب يعد حزب الله أحد أفضل نماذج تطبيقه، وقد سمِيت هذه الحروب “الحروب الهجينة”.
ولا تمتلك الحرب الهجينة تعريفا عسكريا محددا حتى الآن، لكن يمكن القول إنها إستراتيجية تمزج بين الحرب التقليدية والحرب غير النظامية، فتكون هناك قوات نظامية مسلحة تقليدية الطابع ذات تكتيكات ومعدات عسكرية قياسية، إلى جانب أسلحة مثل الدبابات والمدفعية والطائرات، إلى جانب تكتيكات الحرب غير النظامية، مثل استخدام وحدات أو خلايا صغيرة متنقلة وتكتيكات الكر والفر والكمائن وعمليات “تخريب” بنى العدو التحتية.
ما سبق يمكن اعتباره نقطة قوة حزب الله جيشا وجماعة. ويثبت قدره الحزب على التكيف. فهيكلية قواته تمكنه من التكيف بسرعة مع الظروف المتغيرة، واستخدام أشكال مختلفة من الحرب حسب الحاجة.
ورغم أن جيش الاحتلال الإسرائيلي وضع أنظمة لكشف المسيرات عبر الحدود لتحسين وقت الاستجابة ودقة الاعتراضات، وأنشأ وحدة مخصصة لاستهداف المسيرات، الا أن المسيرات القادمة من جنوبي لبنان تمكنت من اختراق المجال الجوي لكيان الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مرة.
والطائرات المسيرة مجرد مثال لكيفية استثمار القوى الأضعف من حيث العتاد في أسلحة توفر لها ميزات إستراتيجية في الحرب الهجينة، ويجري ذلك على أشياء أخرى مثل الاستثمار في القذائف رخيصة الثمن المضادة للدبابات، فقد أطلق حزب الله في حرب لبنان عام 2006 أكثر من 1000 صاروخ مضاد للدبابات، وبسبب ذلك أصيبت قرابة 45 % من الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية بأعطاب مختلفة.
أسس ذلك لمرحلة جديدة من أشكال الصراع مع الدبابات في هذه المنطقة، ضد دولة الاحتلال التي تفوقت بشكل أساسي في معارك الدبابات، واستخدم حزب الله صاروخ “كورنيت” الروسي الموجه والمخصص للاستخدام ضد دبابات القتال الرئيسية الأثقل في ترسانة الحرب البرية المزودة بدروع تفاعلية متفجرة، هذه الإستراتيجية طورتها فيما بعد كتائب القسام بتطوير “الياسين 105” المحلي الصنع، الذي أوقف عددا كبيرا من آليات الاحتلال عن العمل، وقتل وأصاب من كانوا داخل تلك الآليات.
الأمر بالنسبة لحزب الله لا يقف عند حدود القدرات في المعارك غير النظامية. ففي عام 2006، كانت المفاجأة التي واجهها الاحتلال هي أن حزب الله كان مسلحا بأدوات مثل الصواريخ الموجهة بدقة التي تستخدمها الدول عادة، كما استخدم مقاتلوه المسيرات لجمع المعلومات الاستخبارية، وتواصلوا عبر الهواتف المحمولة المشفرة، وراقبوا تحركات القوات الإسرائيلية باستخدام معدات الرؤية الليلية الحرارية، وهذا ينقل جانبا من تكتيكاتهم العملياتية إلى مستوى الجيوش.
منذ ذلك الحين، حاول حزب الله دعم ترسانته بأسلحة أكثر تعقيدا تخدم “الجانب النظامي” وأعلن حزب الله أنه أطلق صواريخ مضادة للطائرات على طائرات حربية إسرائيلية بشكل أجبرها على التراجع.
أجهزة الاستخبارات الأميركية أعلنت قبل عدة أشهر أن روسيا تنوي إرسال نظام دفاع جوي متقدم سمي “أس أيه- 22” بشكل غير مباشر إلى حزب الله، وهو نظام دفاع جوي مضاد للطائرات ذات الأجنحة الثابتة والمروحيات وصواريخ كروز والمسيرات يمكنه العمل بشكل مستقل أو ضمن بطارية تصل إلى ست مركبات إطلاق.
وباستخدام رادار مخصص، يستطيع نظام أس أيه- 22 تتبع ما يصل إلى 20 هدفا تكتيكيا في آن واحد على مدى يتراوح بين 32 و36 كيلومترا، وقد تم تجهيزه بما يصل إلى اثني عشر صاروخا من طراز 57 أيه 6 بتوجيه لاسلكي ورأس حربي متشظٍ، ومدفعين من فئة 30 ملم 2 أيه 38 أم؛ مما يسمح له بالاشتباك مع ما يصل إلى أربعة أهداف في وقت واحد.
وتشير تقديرات أن حزب الله  يمتلك ما بين 120 و200 ألف صاروخ، تتنوع في مداها وقدراتها، بعضها يمكنه ضرب أهداف دقيقة في الداخل الإسرائيلي وبشكل خاص مراكز البنية التحتية العسكرية الأساسية، وهنا ستضطر دولة الاحتلال إلى تكريس منظومتها الدفاعية لحزب الله فقط إذا ما قامت الحرب.
ويعمل حزب الله حاليا على إضافة أنظمة توجيه إلى الصواريخ غير الموجهة التي يمتلك منها عشرات الآلاف من القطع، وهذا من أجل تحويلها إلى صواريخ دقيقة.
وعلى مدى قرابة 20 سنة مثل حزب الله نموذجا في الحروب المرنة، ويعتقد أنه أصبح الآن أكثر تطورا، وتمكنت قواته من بناء تكتيكات غير نظامية أدق. وهذا تحديدا ما يقلق مسؤولي الاحتلال، خاصة أنهم لم يحققوا أهدافهم المرجوة في غزة، فلا هم قضوا على المقاومة الفلسطينية، ولا أعادوا أسراهم، فما بالك بنزاع عسكري هجين، وفتح جبهة قتال ضارية أخرى؟ -(وكالات)

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة