رحلة في المجهول .. موت يترصد أردنيين قرَّروا هجرة غير شرعية وتقصير بالتوعية
ينتشر نحو مليون أردني في بلاد الاغتراب سلكوا طرقًا شرعية وقانونية تحفظ لهم حياتهم وكرامتهم ومبادئهم وأخلاقهم، وتعبوا لتحسين أوضاعهم وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية بل وساهموا ببناء المملكة، لكنَّ السَّنوات الأخيرة وانتشار وسائل التَّواصل الاجتماعي والاحتيال جعل عددًا من الأردنيين ضحية لعديمي الضَّمير من تجار وسماسرة يوهمون ضحاياهم بهجرة وثراء سريعين لكنها عبر طرق مليئة بالموت وانتهاك الكرامة.
التَّحقق من قضية الهجرة غير الشَّرعية لأردنيين لم يكن بالأمر اليسير فهناك أطراف عدَّة ودول تشترك في هذه القضية، لكنَّ وكالة الأنباء الأردنية (بترا) بحثت في هذه القضية وتبين أنَّ أطراف القضية يصل عددهم إلى 15 طرفًّا، هم الأشخاص الذين قرَّروا السَّفر بطرق مخالفة لقوانين الدَّول التي قرَّروا الهجرة إليها، والدول التي استقبلتهم، وأخرى مروا من خلالها، وسماسرة وتجار هذا النَّوع من الهجرة، ومحامي الهجرة غير الشَّرعية، وأجهزة الدَّولة الأردنية والمتمثلة بوزارة الدَّاخلية والأجهزة الأمنية التَّابعة لها، والخارجية وشؤون المغتربين، ووزارة الثقافة، والاتصال الحكومي، وخبراء التَّنمية وعلم الاجتماع، والسِّفارة الأمريكية والبريطانية في عمَّان، ودائرة الهجرة التَّابعة للأمم المتحدة.
بعد نحو 30 يومًا من المتابعة، تبين لـ(بترا) أنَّ جواز السَّفر الأردني يُعتبر مفتاحًا لدخول مالكه لـ 53 دولة حول العالم ودخول عدد آخر عبر الفيزا، وهو في المرتبة 90 عالميًا والـ 10 عربيًا من حيث قوته حسب مؤشر جايد لترتيب جوازات السَّفر، وهذه الميزة تجعل الخروج من الأردن سهلًا إلى كثير من الدول العالمية، لكن فئة محدودة تقرِّر الالتفاف على قوانين السَّفر وبالتالي تستغل قوة جواز السَّفر للوصول إلى دول تتواجد بها عصابات وسماسرة الهجرة ليبدأ الاستغلال والذي ينتهي بتنازلات صعبة على الانسان.
وحسب مصادر رسمية حكومية تواصلت معها (بترا)، فإنَّ الأردن بأجهزته كافة يتواصل باستمرار لمواجهة الهجرة غير الشَّرعية، وقد أعادت السلطات المختصَّة أكثر من 100 شخص من المطار وبدأت بمراقبة المكاتب والأشخاص المتورطين بالهجرة غير الشّرعية واستغلال النَّاس والاحتيال عليهم وتعريضهم للخطر، والإضرار بالعلاقات الأردنية مع الدول التي تقدِّم تسهيلات كبيرة في مجال السَّفر للأردنيين بالمجالات كافة من دراسة وعمل وعلاج وسياحة.
وعلمت (بترا) من مصادر مسؤولة بأنه يتم التنسيق مع الجهات ذات العلاقة لوضع آلية جديدة للتَّعامل مع هذه القضية وضبطها، وأنَّ كل الإجراءات بهذه القضية تكون في النِّهاية لضمان حماية المواطن الأردني الذي قرَّر الهجرة بطريقة غير قانونية، وإبعاده عن طريق المحتالين وتجار البشر، وحمايته من الانزلاق في طرق قد يفقد بسببها حياته.
تقول دائرة الهجرة التَّابعة للأمم المتحدة، إنَّ أكثر من 281 مليون مهاجر حول العالم غالبيتهم اختار الطرق القانونية في الهجرة لكن قلَّة هم من اختار الإجراءات غير القانونية وتحدي الدول وإجراءات الحدود وتسليم مصيرهم وأنفسهم لعصابات تقتات على هذا العمل البائس.
وتواصلت (بترا) مع أحد المحامين الذين يعملون في مجال الهجرة بالولايات المتحدة الأمريكية والذي قال إنَّ قبول اللجوء للمهاجر غير الشَّرعي الأردني لا يكون إلا إمَّا بتحويل دينه وإثبات تعرضه للاضطهاد الدِّيني، أو أن يقوم بتحويل جنسه بحيث يصبح مِثلِّي الجنس وإثبات ذلك أيضًا، مؤكدًا أنَّ الأردن لا يُعتبر من البلاد التي تعاني من المجاعة حسب مؤشر الجوع العالمي، ودولة آمنة وليست بلاد حرب.
وتحقَّقت (بترا) من أرشيف الوزارات المعنية في الأردن الإلكترونية، ومنها وزارة الخارجية وشؤون المغتربين ووزارة الثَّقافة والدَّاخلية والموقع الخاص بمديرية الأمن العام، وأرشيف عدد من وسائل الإعلام العامة والمستقلة، وينبغي أن يكون هناك دور للإعلام ولهذه الوزارات بالتَّوعية بمخاطر الهجرة غير الشَّرعية وبثِّ قصص معاناة من يسلكون هذا الطَّريق، وحجم الألم والتَّنازلات التي يقدِّمها شخص يبحث عن الهجرة السَّريعة بحثًا عن ظروف اقتصادية أفضل أو ثراء فاحش، أو هروب من أحكام قضائية لارتكاب جرائم.
ولم تعثر (بترا) على أيِّ دراسة حالة من الجهات المختصَّة في الأردن تبين الأسباب الرئيسية التي دفعت أردنيين للهجرة غير الشَّرعية، خصوصًا وأنَّ كُلفة الرِّحلة للفرد الواحد قد تصل إلى 35 ألف دينار وهذا يدل على عدم وجود وضع اقتصادي ضاغط على هذه الهجرة، ولماذا لم يقم من يمتلك هذه المبالغ بوضعها بحساب مصرفي والتقدم للسفارات من أجل السَّفر بطريقة قانونية.
وحصلت (بترا) على حديث بين مهاجر أردني دخل بطريقة غير قانونية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبين أحد المحامين الخبراء في شؤون الهجرة بأمريكا، وفيها يحاول المهاجر الأردني البحث عن طريقة للحصول على أوراق رسمية للإقامة في أمريكا ويدَّعي أنَّ سبب هجرته هو الجوع، لكنَّ المحامي يخبره بأنَّ الأردن من الدول المصنَّفة الآمنة وتسمح بالتعددية السياسية ولا يدخل ضمن تصنيف الجوع العالمي الصادر عن الامم المتحدة، ولا تعترف بهذا السَّبب لمنحه الأوراق الثبوتية، ويسترسل المحامي في حديثه بقوله إنَّ الحل إمَّا بتغيير الدِّين أو التَّحول الجنسي، أو إثبات الاضطهاد، وفي هذا تنازل عن كثير من القيم رغم أنَّ طريق الهجرة الطَّبيعية الآمنة أفضل حتى ولو أخذت وقتًا أطول.
في الوصف المؤسسي والوظيفي لوزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية، فإنَّ مواجهة الأعمال غير الشَّرعية ومخالفة القانون يكون منوطًا بسلطات إنفاذ القانون في كل دول العالم وأنَّ تدخلات السفارة تكون محدودة في قضايا الهجرة غير الشَّرعية، حيث إنَّ من يقوم بهذا النَّوع من الهجرة أساسا لا يقوم بابلاغ السفارات ويواجه مصيره بنفسه. وأنَّ قضية الهجرة غير الشَّرعية يتم مواجهتها على مستوى عالمي وهي مؤرقة لكل دول العالم، ومن يتخذ هذا الطَّريق لا تحميه القوانين والأنظمة في كلِّ دول العالم.
يقول أحد المسؤولين عن إحدى صفحات الهجرة غير الشَّرعية على موقع التَّواصل الاجتماعي “فيسبوك” والمقيم في المكسيك لـ(بترا)، إنَّه يقوم بهذا العمل منذ سنوات، وفي الواقع هو يقوم بعملية ربط بين الأشخاص الذين يرغبون بدخول الولايات المتحدة الأمريكية وبين أشخاص محليين في المكسيك من أجل عبور الحدود، ولا يعنيه ماذا يحدث بعد عبور الحدود مع هؤلاء الأشخاص.
وتبين لـ(بترا) من خلال قصَّة رواها والد أحد الأشخاص الذين عبروا إلى الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية، أنَّ ابنه وصديقه جمعا 18 ألف دينار وبواقع 9 آلاف دينار لكل واحد، وسلكوا طريق الهجرة غير الشَّرعية، وأنَّ أحدهم كسرت قدمه عند عبور الحدود، وهو الآن يقيم بشكل غير قانوني لمدة 3 سنوات حتى تفصل المحكمة بأوراقه التي تقدَّم بها، مشيرًا إلى أنَّ تصويب الأوضاع قد لا يمنحه الجنسية الأمريكية بسبب دخوله كمهاجر غير شرعي، وهذا ما يجعل مستقبله مهددًا على مدار السَّاعة وقد يتعرض للاستغلال من قبل العصابات والمجرمين وتجار المخدرات والاتجار بالبشر.
وسألت (بترا) والد المهاجر والذي يقيم في الزَّرقاء عن قيمة المبلغ الذي جمعه ابنه وأنَّ باستطاعته وضعه بحساب مصرفي والتقدم للسفارات بشكل قانوني، فأجاب كانت المشكلة في اللغة وأن مقابلة السِّفارة لن تنجح بسبب انعدام مهارات اللغة.
يقول الباحث الحقوقي الرئيسي ومدير البرامج والأبحاث في معهد السياسة والمجتمع حسين الصرايرة لـ (بترا)، إنَّ الظاهرة بدأت بالبروز إلى السطح تدريجياً منذ مطلع العام الجاري، حيث كان انعكاس تسهيل دول غربية كثيرة لإجراءات الفيزا الميسرة الأثر الأهم في تصاعد عدد الحالات، التي قررت مع دول أوروبية أخرى أن تترجم العلاقات المتينة مع الأردن وثقتها باستقرار المملكة وتقدّم مرتبتها على مؤشرات الصعد الأمنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية نسبة لدول عديدة في منطقة الشرق الأوسط.
وقال إنَّ الأردنيين يغادرون بلادهم بطريقة قانونية؛ أوراق ثبوتية صحيحة، فيز معتمدة وبمدد كافية تكفي للوصول إلى أي من دول أمريكا اللاتينية التي تبني ثقتها باستقبال الأردنيين على إجراءات نظيراتها في أوروبا.
“يدخلون الولايات المتحدة الأميركية بطريقة غير شرعية (نقفز من على سلم) – استخدم عدد كبير من الحالات التي استقبلتها نفس العبارة”، يقول الصَّرايرة، إلا أن قانون الهجرة الأميركي يختلف عن أي قانون هجرة في العالم، معتمداً على دستور هذا البلد وفلسفة نشوئه كبلد للمهاجرين بالأساس، فمجرد وصول الأردني الأراضي الأمريكية يتعامل معه قانون الهجرة بعدة مسارات معظمها لا ينتهي بترحيل المهاجر غير الشرعي بل بتصويب أوضاعه، لكن مدة وطريقة تصويب الأوضاع يشوبها الكثير من المخالفات القانونية لأمور أخرى أهمها حقه في العمل والصحة والسكن والأمن وغيرها.
وينوه إلى أنَّ المهاجرين غير الشرعيين يعانون من المعاملة السيئة والمهينة في المجتمعات المستضيفة قد تعرض حياتهم للخطر حد الموت، أجور منخفضة وغير منصفة، ساعات عمل طويلة، مهن صعبة شاقة وخطرة، وإذا تعرض لأي مشكلة كانت فإن أزمته تبدأ بأنه بلا أوراق ثبوتية واضحة وسليمة، وعند تصويب الأوضاع سيصبح أمام خطر اقتصادي حقيقي يكمن في معدلات التضخم العالية هناك والضرائب الباهظة، وهذا ما لا يعرفه الكثيرون عن الولايات المتحدة.
الخلل يكمن في الرحلة، ومن يرتبها، وكيف تترتب حسب الصرايرة، مضيفًا إنَّه إذا كان يشملها التعريف الدولي لجريمة الاتجار بالبشر، وإذا اعتبرت جريمة منظمة أيضاً، فلا أعتقد أن كلا البلدين؛ الأردن وأميركا، والبلدان التي يمر بها المهاجرون ترضى أن ترتكب جريمة شنيعة عابرة للحدود على أراضيها، وأن تنتهك حقوق الإنسان أيضاً فيما بينها.
وأكد أن عنصري الاحتيال والاستغلال متحققان في هذه الرحلة فتصبح أركان جريمة الاتجار بالبشر مكتملة وفق المواثيق الدولية والقانونين
الأردني والأمريكي على حد سواء، وبمراجعة مستفيضة في الأطر القانونية الدولية وبروتوكولات منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص فإن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية أي العابرة للحدود، فإن ما يحدث للمهاجرين غير الشرعيين الأردني ينطبق بصورة واضحة على ما تشير له الشرعية الدولية بهذا الشأن، وتلزم أحكام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المختلفة بهذا الخصوص كافة الدول بمكافحة هذا النوع من الجرائم واتخاذ التدابير اللازمة لمنعها ومكافحتها.
وقال إنَّ “ما يحدث أردنياً هو أن الشبان وعددهم بالآلاف حسب تقديري من استقصائي لهذه الظاهرة والتي شملت مقابلة عدد كبير منهم خلال الفترة الماضية، يبدأ التنسيق معهم لهذه الرحلة المكلفة من هنا من الأردن، هناك عصابات تنسق هذه الرحلة وترتبها وتسلّم الحالمين الشباب من عصابة لأخرى، حتى يصلون إلى الحدود الأمريكية إن وصلوا قبل أن يلقوا حتفهم”.
وقال إنَّ الرحلة قد يصل سعرها لأربعين ألف دولار أميركي وتبدأ من 10 آلاف على أقل تقدير، وكلما دفعت أكثر، كلما كانت نسبة المخاطرة في الرحلة أقل، لكنها بالطبع، لن تحميك من نيران العصابات المتناحرة في أمريكا اللاتينية.
وبين أنَّ المشكلة الأخرى هي أن الأردني حينما يصل الولايات المتحدة الأمريكية وباتفاق مع المهربين يخفي أوراقه الثبوتية أو يتلفها، بمعنى أنه لا يعرف كمواطن أردني أمام السلطات هناك، الأمر الذي يصعب عملية إحصائهم ومتابعة السفارة الأردنية هناك، ووزارة الخارجية في عمّان، فتخليه عن صلته بالأردن وجنسيته جعلته بلا مرجعية قانونية، ما يجعل تعامل الحكومتين الأمريكية والأردنية أصعب مع الظاهرة.
وقال الصرايرة إنَّ المطلوب اليوم هو تنسيق أكبر لمكافحة عصابات الإتجار بالبشر، وليس منع الناس من التنقل أو حقهم من ذلك، لدينا وحدة متخصصة ومحترفة في الأمن العام وباقي المؤسسات الرسمية معنية بمكافحة هذا النوع الخطير من الجرائم المنظمة.
إضافة إلى أن استقطاب واستدراج الشباب في هذا الشأن يبدأ عبر عصابات تتواصل إلكترونياً عبر تيلغرام عادة، وهذه مهمة مناطة بوحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية التي دعمت بقانون أردني متشدد مؤخراً، وتشمل هذه الظاهرة صلب اختصاصه.
وأكد إنَّ المعالجة والتحليل العلمي لهذه الظاهرة واجب، والتي تشير لوقوع الشباب في فخ الوهم والأحلام، غير الواقعية، حتى باعوا أراضي أهاليهم ومركباتهم ودعمهم أقاربهم بالمال، حتى يستثمروا في رحلة المجهول هذه، على اعتبار أن من يصل أمريكا سيصرف على أقاربه ويزيد دخلهم جميعاً، إنه استثمار في اليأس. الإجابات الجاهزة مثل الفقر والبطالة ليست صحيحة بالمطلق، ميسوري حال يدخلون هذا النفق المظلم، وعاملون يتقاعدون من وظائف في القطاع العام الشهي للأردنيين، لأجل هذه الرحلة.
وأوضح بأنَّه يجب طرح أسئلة بأبعاد مختلفة تنظر للمهاجرين على أنهم ضحايا في المقام الأول، للجهل، والتضليل، وانعدام العدالة على عدة مستويات، وفقدان الأمل، وانسداد الأفق، إن صح توصيف أي منها، وهذه مهمة مئات الأكاديميين والباحثين المحليين في الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الصحافية، فهناك مهمة اتصالية حساسة واستراتيجية غائبة أيضاً، فمهمة أذرع الدولة والمجتمع الإعلامية أن تبحث في هذا الأمر وأن تكون شفافة فيما تقدمه للناس من معلومات، وتحارب التضليل الذي يتعرضون له، وتحارب إلى جانب المؤسسات الرسمية هذا النوع من الجرائم المنظمة المعقدة والمركبة والتي تعتمد على الاتصال في صلبها، الذي -بالمناسبة- كثيراً ما ينقطع متى ما تعرض المهاجر للاختطاف أو للحبس خلال الرحلة بعد أن دفع كل ما يملك، وصار بين يدي المجهول.
ولفت إلى أنَّ الأردن لم يصنف يوماً على أنه خطير على سكانه، وبذلك لا ترى السلطات القضائية الأمريكية هناك مبرراً للهجرة غير الشرعية لمواطنينا، ولذلك يخفون أوراقهم الثبوتية، حتى لا ينتسبوا لبلد مستقر يعرقل بقاءهم هناك. وهذا ما يصعّب عملية إحصاء حجم الظاهرة، وقصص أصحابها، وأحلامهم، وعائلاتهم، وما وراء هذا كله.
وناقش رؤساء الدول والحكومات لأول مرة على الصعيد العالمي داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، القضايا المتعلقة بالهجرة واللاجئين، والتزمت بوضع اتفاق عالمي بشأن اللاجئين واعتماد الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية (الاتفاق العالمي)، في عمليتين منفصلتين، ويقدم الاتفاقان العالميان، معاً، أطُراً تكميلية للتعاون الدولي تفي بولاية كل منهما على النحو المنصوص عليه في إعلان نيويورك من أجل اللاجئين والمهاجرين، والذي يعترف بأن المهاجرين واللاجئين قد يواجهون الكثير من التحديات المشتركة ويعانون من نقاط ضعف مشابهة.
ويوفّر الاتفاق العالمي إطاراً تعاونياً، يشمل 23 هدفا وعملية تنفيذ وكذلك متابعة واستعراض، ويتضمن كل هدف التزاما، تليه مجموعة إجراءات تعتبر أدوات سياسية وممارسات فضلى ذات صلة، وسوف يتم الاستفادة من هذه الإجراءات، في إطار إنجاز الأهداف من أجل تحقيق الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية على امتداد دورة الهجرة.
وفي آخر تقرير له واطلعت عليه (بترا)، يقول مكتب الجمارك وحماية الحدود الأمريكي (سي بي بي)، إنَّ وزارة الأمن الوطني قامت بإعادة 720 ألف فرد عبرت غالبيتهم من الحدود الجنوبية الغربية للولايات المتحدة الأمريكية.
يبين أحد المواطنين الأردنيين المقيمين في إحدى الدول الغربية بقصد الدراسة لـ(بترا) فضَّل عدم ذكر اسمه، بأنَّ قصص الهجرة مؤلمة وصعبة، ويتم استغلال أي شخص يأتي بالطريقة غير القانونية، فيقبل أن يعمل في مواقع تسيطر عليها العصابات ويتم استغلاله بأبشع الطرق، وقد يفقد حياته بسبب عمله في أماكن مخالفة للقانون حتى لا يتم كشف أمره.
وأضاف أنَّ البطالة صحيح إنها مرتفعة بالأردن والظروف الاقتصادية صعبة، لكن المبالغ التي يتم انفاقها على الهجرة غير الشَّرعية كبيرة وليست سهلة وبالأمكان استغلالها في دول أخرى أو حتى في الأردن من أجل صناعة فرصة عمل له وتوفير مصدر دخل.
ولفت إلى أنَّ الهجرة والانتقال البشري هي في طبيعة الإنسان والبشر، لكن وصلت القصص عند بعض الأشخاص إلى أن يغِّير دينه من أجل الأوراق الرَّسمية بمعنى أنَّه يشتكي من الاضطهاد الديني في بلاده وهذا غير موجود في الأردن مطلقًا، أو أن يقوم بتحويل جنسه ليصبح مثليًا، وهذا مخالف للعادات والتقاليد والفطرة الإنسانية، ولذلك فإنَّ الهجرة غير الشَّرعية قضية مؤلمة جدًا.
وتقول استاذة علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتورة ميساء الرَّواشدة لـ (بترا)، إنه لا يمكن معرفة وجهة المسافر من قبل الدَّولة في أي مكان في العالم إلا المعلنة بالأوراق الرَّسمية، وبالتالي فإنَّ الأردن لا يستطيع احصاء الهجرة غير الشرعية الأردنية في الدول الأخرى، لكنَّه يعرف عدد المهاجرين غير الشرعيين الموجودين داخل أراضيه.
وتؤكد أنَّ الهجرة غير الشرعية منتشرة بين الشباب في الغالب وأرباب الأسر والمتعثرين ماليًا والسوق الأردني أصبح يعاني خصوصا بعد كورونا، لافتة إلى أنَّ المشكلة في الاساس للهجرة غير الشرعية هي اقتصادية، فيصبح البحث من قبل الشباب عن فرص عمل أفضل في الخارج، مع انتشار مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي تهول كثيرا لظروف العمل في دول الخارج وخصوصا الأمريكية، لكن يكتشف المهاجر أنَّ ليس كل ما سمعه يراه، وهناك قصص كثيرة لأشخاص عادوا إلى الأردن بسبب صدمتهم بصعوبة العمل والضرائب.
وتضيف أنَّ بعض المهاجرين غير الشرعيين سمعت عنهم من زميل لها، عددهم بلغ 30 شخصًا من قرية أردنية واحدة، حيث كانت قصة نجاح لهجرة واحدة سببا بتشجيع الشباب على هذه الخطوة.
تؤكد الرواشدة أنَّ ضعف التَّوعية بهذه القضية، والتَّضليل الذي تنشره حسابات مشتركين على منصَّات التَّواصل الاجتماعي والتَّهويل، والبحث عن الثَّراء السَّريع، وغياب دور الأسرة أو تشجعيها لأبنائها على الهجرة بأي طريقه، كلها أسباب وقوع كثيرين في خطر الهجرة التي قد تتسبب في كثير من المخاطر والتي قد تصل إلى الموت أو فقدان المبادئ والقيم التي نشأ عليها الإنسان في الأردن.
ويشير تقرير وكالة الأمم المتحدة للهجرة “آي أو أم” والذي صدر بداية الشهر الماضي إلى أنَّ عدد المهاجرين ولا يشمل ذلك المغتربين من أجل الدراسة والعمل بشكل قانوني، حول العالم بلغ 281 مليون مهاجر دولي بينما بلغ عدد النازحين رقماً قياسياً بحلول نهاية عام 2022 ليصبح 117 مليوناً.
وتضيف المنظمة بأنَّه وبشكل عام، فإنَّه غالبا ما يطغي على الهجرة، وهي جزء لا يتجزأ من تاريخ البشرية، السَّرديات المثيرة للجدل، بيد أن الواقع أكثر تعقيدًا بكثير مما تعكسه العناوين الرئيسية، فمعظم الهجرة منتظمة وآمنة ومركزة إقليميًا وترتبط ارتباطًا مباشرًا بالفرص وسبل العيش، ومع ذلك، فقد خيَّم التضليل والتسييس على الخطاب العام، مما استلزم تصويرًا واضحًا ودقيقًا لديناميات الهجرة.
ويهدف تقرير الهجرة العالمية الصادر عن المنظمة الدولية للهجرة، بأدواته الرقمية المبتكرة وتحليله الشامل، إلى المساعدة في تبديد الخرافات التي تدور حول الهجرة النِّظامية وغير النِّظامية، وتوفير رؤى تحليلية ثاقبة، وإلهام العمل الهادف في تناول تحديات وفرص التنقل البشري.
وتبين المنظَّمة في تقرير لها حول مخاطر الهجرة حمل عنوان: “عقد من توثيق وفيات المهاجرين”، واطلعت عليه (بترا)، أنَّه تمَّ توثيق أكثر من 63 ألف حالة وفاة واختفاء أثناء الهجرة خلال تلك الفترة – وتم تسجيل عدد أكبر من الوفيات في عام 2023 مقارنة بأي عام سابق.
وحسب التقرير فإنَّ هذه الأرقام تُظهر الحاجة الملحة إلى تعزيز قدرات البحث والإنقاذ، وتسهيل مسارات الهجرة الآمنة والنظامية، واتخاذ الإجراءات القائمة على الأدلة لمنع المزيد من الخسائر في الأرواح، وينبغي أن يشمل العمل أيضا تكثيف التعاون الدولي ضد شبكات التهريب والاتجار عديمة الضمير.
وتبين المنظمة أنَّه وعلى الرغم من الالتزامات السياسية واهتمام وسائل الإعلام، فإن وفيات المهاجرين آخذة في الارتفاع، حيث سجل عام 2023 أعلى عدد سنوي من الوفيات على الإطلاق حيث بلغ أكثر من 8 آلاف و500 وفاة، وتشير البيانات الأولية للعام الجاري 2024 إلى أنَّ القلق نفسه الذي كان خلال السنة الماضية يتكرر.
وتقول الأمم المتحدة إنَّ الهجرة باتت أمرًا واقعاً على المستوى العالمي وهناك ما يقدر بنحو 281 مليون مهاجر دولي في جميع أنحاء العالم معظمهم يسافرون ويعيشون ويعملون بطريقة آمنة ومنظمة ومنتظمة، ومع ذلك، تؤثر الهجرة بلا شك على البلدان والمجتمعات والمهاجرين وأسرهم بطرق مختلفة جداً ولا يمكن التنبؤ بها أحياناً.
وسألت (بترا) السفارة الأمريكية والبريطانية حول هجرة أردنيين غير الشّرعية إلى المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، فأشارت السفارة الأمريكية إلى الإعلان العام من قبل البيت الأبيض في 5 من شهر حزيران والمنشور على موقع وزارة الأمن الداخلي الأمريكية حول إعلان الرَّئيس الأمريكي جو بايدن في ما يتعلق بتأمين الحدود، والذي يبين أنَّ عبور حدود الولايات المتحدة من غير الأماكن الرسمية خطير وغير قانوني.
وأكدت أنَّ المهاجرين يواجهون العديد من المخاطر على طول الرحلة التي يسلكونها، ويستغل المهربون والمجرمون المهاجرين الضعفاء الذين يواجهون خطر الاختطاف والابتزاز وغيرها من التهديدات بالإضافة إلى التضاريس الخطرة وهذا يعرضهم لمشاكل طبية مثل الإصابات وضربة الشمس والجفاف أو الغرق.
وأكدت أنَّ المهاجرين الذين يتم إلقاء القبض عليهم وهم يعبرون الحدود بشكل غير قانوني يواجهون الاعتقال والاحتجاز والإبعاد من الولايات المتحدة بواسطة وزارة الأمن الداخلي، وقد يتم حظر عودتهم إلى الولايات المتحدة الامريكية لمدة خمس سنوات وعقوبات جنائية إضافية محتملة تبقى على سجلاتهم الدائمة لسنوات.
وبينت السِّفارة الأمريكية، إنَّه يجب على المهاجرين عدم تعريض أنفسهم أو عائلاتهم لخطر كبير، وعليهم استخدام الطرق القانونية للسَّفر إلى أمريكا.
كما بينت السِّفارة البريطانية في عمَّان لـ(بترا) بأنَّه لم يصدر عنها أيّ تعليق في هذا الملف وقد صرحت الحكومة الأردنية بشكل كافٍ في هذا الموضوع، وسيقومون بنشر أيِّ تصريحات صادرة عن وزارة الدَّاخلية البريطانية.
(بترا)- بركات الزِّيود-
التعليقات مغلقة.