الانساب …وما أدراك ما الأنساب // د . رياض خليف الشديفات
أكاد أزعم أن هذا الموضوع كان ضمن اهتماماتي في فترة شبابي وأيام الدراسة الجامعية مطلع الثمانيات ثم عزفت عنه لما فيه من المحاذير الاجتماعية والشرعية عند الخوض فيها، وقد لاحظت بعض الكتابات المتعلقة بموضوع الأنساب رغم حساسية الكتابة فيه؛ لأجل هذا رغبت أن أطرح بعض الأفكار والملاحظات حوله ومنها:
– من الناحية الشرعية ” كلكم لأدم وأدم من تراب ” وإن أكرمكم عند الله أتقاكم ” ” فالأنساب لا تغني عند الله شيئاً ، “ف” كل نفس بما كسبت رهينة ” ” فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسألون ” فلم يغن النسب الشريف أبن نوح عليه السلام من الغرق ، ولم يغن النسب الشريف في هداية والد سيدنا إبراهيم ونجاته من النار ، ولم يغن النسب الشريف عم النبي عليه السلام ” أبو لهب ” من الوعيد من النار ، وكان خطاب النبي عليه السلام لفاطمة وآل بيته ” أعملوا فلن أغني عنكم من الله شيئاً ، ومن عدل الله سبحانه أن الناس يسألون يوم القيامة عن أعمالكم ولا يسألون عن أنسابهم وأحسابهم .
– من حيث معايير الناس للشريف والوضيع فهي معايير متغيرة ، فشريف الأمس قد يكون وضيع اليوم ، وشريف اليوم قد يكون وضيع الغد ، فالشرف والوضاعة غير مرتبطة بالحسب والنسب ، فغالباً معايير الناس مرتبطة بالمال والجاه والمنصب ، وهي تتغير بتغير هذه المعايير ، وما عدا ذلك فالناس جميعاً من ذكر وأنثى وفعلهم يرفعهم أو ينزلهم كما رأينا في شواهد التاريخ والأيام ، والأيام دول تتقلب بين رفعة وخفض بحسب الأحوال المادية من حيث الغني والفقر، والزمانية من حيث العصر وأعيانه ومشاهيره ، ومن حيث الأحوال المكانية فلا سكنى مكة ترفع نسب من سكن فيها إن لم يسعفه عمله ، ولا سكنى المدينة والقدس ترفع من قدر ساكنها إن لم يسعفه علمه وعمله .
– من حيث علم الانساب فهو من العلوم التي اشتغل بهم العرب قديماً على ما فيها من المحاذير، فهذا أبو بكر الصديق نسابة قريش التقى بوفد من العرب فسأله الصديق بعض الأسئلة عن نسبه فقال الصديق بعد الحوار: أنت من لهازمها ولست من أعاليها، فرد عليه الفتى ممن الرجل؟ فقال الصديق: من قريش، وبدأ الرجل يسأل الصديق أسئلة عن قريش حتى قال الرجل للصديق: أنت من لهازم قريش ولست من أعاليها، فقال الصديق: لو تركت هذا الفتى لأخرجني من قريش إن البلاء موكل بالمنطق، فذهبت عبارته مثلاً بين الناس وهذا يعني تفاوت معايير الناس في الحكم على الأنساب من حيث علو النسب أو عدمه ، وهذا منزلق خطير لمن خاض فيه من غير وثائق وبينات ، فالاعتماد على الروايات غير كاف في هذه القضايا الحساسة .
– كان سيدنا عمر بن الخطاب يقول : “كذب النسابون ” فقد دخل علم الأنساب قديماً وحديثاً الكثير من الروايات المكذوبة والتأويلات باعتباره من العلوم التي غالباً ما كانت تعتمد علم الرواية التي تختلف من راوٍ إلى راوٍ ، فعلم الرواية من العلوم المشهورة عند العرب بما دخله من المآخذ والتناقض والاختلاف بين الروايات وتضاربها ، ومن هنا يعد الخوض فيها مظنة الوقوع في الخطأ والزلل والحساسية لغياب الوثائق في غالب الأحيان إلا في حالات محدودة لا تصلح للتعميم على كل حالات النسب العربي ، ولا يختلف حال علم النسب عن حال علم التاريخ بما فيه من المبالغات والمغالطات والاخطاء التي ينصح بعدم الخوض فيها إلا لذوي الاختصاص الدقيق والدراية الكافية والقدرة على التمحيص والتحقق .
– من المعلوم أن العرب من حيث النسب عربان: العرب البائدة من عاد وثمود، والعرب العاربة والمستعربة دون الخوض في التفاصيل، ومن العرب: ” العدنانية” و “القحطانية ” ففي جاء في الحديث أن العرب بعد خراب سد مأرب خرجوا من اليمن فسكن بعضهم شرق الجزيرة العربية، وسكن بعضهم بلاد الشام، ومن هؤلاء وهؤلاء امتد النسب العربي وتكاثر وانتشر في المعمورة بسبب الفتوحات الإسلامية، وبسبب الحروب والهجرات، وتبعاً للظروف الاقتصادية والمعيشية، وهجرة الناس إلى أي مكان في المعمورة، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
– أما عن الفرق بين العرب والعربية، فالعربية تعني اللسان، فكل من يتكلم العربية فهو عربي اللسان ” بلسان عربي مبين ” نال شرف النطق بلغة القرآن، وأما العرب فجنس من الأجناس التي خلقها الله سبحانه بجينات معينة يترك الخوض لأهل الاختصاص من المختصين في علم ” DNA ” وهذا الجنس لا فضل له على غيره ولا فخر له، ولا داعي لفخر والخوض فيه ولا سيما في هذا الزمن الذي تستحق فيه كرامة العربي ولا بواكي له لا من العربي ولا من غيره.
– واخيراً أدعو كل المهتمين إلى عملية تدوين انسابهم الحاضرة بعيدا عن الخوص في انسابهم غيرهم لحساسية الأمر ولما له من مخاطر اجتماعية ومظنة الوقوع في الزلل فالله يقول ” أدعوهم لأباءهم هو أقرب للتقوى ” ولست مطالب بمعرفة نسب غيرك، فالنبي عليه السلام يقول ” تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ” فلست مطالب ولا محاسب عن غيرك مع التأكيد أن هذا الأمر عبر القرون دخله ما دخل غيره من العلوم من التشويه والخلط ، كما أن الأنساب بين الناس امتزجت بالتزاوج والتصاهر واختلطت الجينات بين الشرق والغرب ، فالناس مطالبة بالتعايش والاحترام والعمل بعيداً عن جدي وجدك ، ” فسلمان منا آل البيت ” ورفع الدين نسب سلمان ، ووضع نسب أبي وهب ، والله المستعان .
التعليقات مغلقة.