ركود الحراك الانتخابي.. قصور بفهم القانون الجديد أم فقدان ثقة بالبرلمان؟
– في الوقت الذي يبدو فيه سطح الحراك الانتخابي راكدا حتى الآن، سواء على صعيد الأحزاب أو القواعد العشائرية والمناطقية، وذلك رغم اقتراب موعد الانتخابات، تتعدد الاجتهادات في تفسير سبب هذا الركود من قبل أوساط حزبية، يعزوه بعضهم إلى غموض يكتنف قانون الانتخاب الجديد، فيما يرى آخرون أن السبب يعود إلى فقدان ثقة الناخبين بمجالس النواب عموما.
وفي المقابل، يرى متفائلون أن الحراك الانتخابي يسير “ضمن سياقه الطبيعي ويشهد وجودا قويا للمتابعين في الميدان في محافظات المملكة كافة”.
كما يرى هؤلاء، أن الحملات الانتخابية تسير على قدم وساق، وسط تشكيل كتل وحلّ أخرى، وإعادة تشكيل لكتل محلية وحزبية عامة، متوقعين مشاركة انتخابية لا تقل عن 40 % العام الحالي مقارنة بالانتخابات السابقة التي سجلت نسبة مشاركة وصلت إلى 29.9 %.
بدورهم يعزو مراقبون تأخر التسخين الانتخابي إلى انهماك أحزاب بإنجاز قوائمها الانتخابية على مستوى البلاد، وأن التسخين سيدأ حال الإعلان عن تلك القوائم، المتوقع الأسبوع الحالي، مع ظهور أسماء الراغبين بالترشح.
ويظهر التباين بين ما يؤكده أمناء الأحزاب السياسية من أن حملات الانتخابات تسير على قدم وساق، وبين مخاوف من عزوف جزئي من القواعد العشائرية والمناطقية في المدن الكبرى، أو انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية لهذا العام.
وفي السياق، يؤكد الأمين العام لحزب الميثاق الوطني الدكتور محمد المومني، أن التسخين الانتخابي “جيد” وأن الانتخابات تسير في سياقها الطبيعي وتشهد حراكا قويا، سواء في المحافظات أو العاصمة، وأن المتابع في الميدان يلمس هذا الحراك، سواء على صعيد تشكيل الكتل أو الانسحابات أو إعادة تشكيل أو حل أخرى.
ونبه المومني إلى أن القواعد العشائرية “مشتعلة” بالانتخابات، وأن هناك فرزا وإجماعات، متوقعا أن تصل نسبة المشاركة في الانتخابات هذه المرة إلى 40 % مقارنة بالانتخابات السابقة التي وصلت إلى 29.9 %.
في المقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور باسم تليلان، أن المشهد السياسي العام والأوضاع في غزة أثرت بشكل كبير على المملكة اقتصاديا واجتماعيا، وأن الانتخابات جزء من هذا المشهد.
وأضاف تليلان: “حزبيا، تشكلت الأحزاب بسرعة قياسية ولم تنتج عن بلورة تداعيات سياسية أو حالة ميدانية، وبالتالي لم تتبلور أجندتها وأهدافها، لذلك شاهدنا تأخر تشكل القوائم وإعلانها، ومحاولات استرضاء هنا وهناك، وهذا هو سبب الضبابية في تشكيل قوائم الأحزاب”.
وتابع: “الأحزاب لم تشهد ائتلافات خارج البرلمان، وعلى الساحة السياسية، وهي التي يفترض فيها تشكيل طيف داخل البرلمان حال وصولها إلى القبة، فضلا عن رغبات أعضاء حزبيين في الحصول على أرقام متقدمة في الترشح”.
أما عشائريا، فأكد تليلان أن الطيف العام غير واضح، فضلا عن الافتقار إلى التوعية السياسية بقانون الأحزاب، والذي لم تصل بنوده بدقة للمواطن، وبالتالي فإن هذا المواطن واقع في حيرة، هل يصوت للحزب أم العشيرة، أم القائمة، وارتباط ذلك بالقضايا الأساسية التي يحتاجها المرشحون من الثقل المالي والعشائري والمعرفي والكاريزما.
وختم بالقول إن برامج الأحزاب لا تتناول قضايا تمس المواطن، مثل البطالة والتربية والتعليم والفقر والصحة والموازنة العامة، ما انعكس على الناس بشكل أحبط طموحاتهم في المجلس النيابي.
ويشاطر تليلان الرأي، الخبير الدستوري الدكتور رياض الصرايرة، الذي يشير إلى أن اتساع الفجوة بين النائب والناخب وضعف المجالس النيابية السابقة، كانت سببا في ضعف الحراك الانتخابي من جهة، وانعكاس الوضع الاقتصادي الصعب على المواطن من جهة أخرى.
ولفت الصرايرة إلى أن الأحزاب “لم تنضج بعد لتقديم رواية يقتنع بها المواطن، فضلا عن نية الأحزاب ترشيح شخصيات سبق أن خاضت غمار العملية الانتخابية وفشلت بنيل ثقة المواطن خلال وجودها تحت القبة”.
أما السياسي والوزير الأسبق المهندس سعيد المصري، فيرى أن هناك شعورا عاما بإقبال بطيء ومنخفض الحماسة في إعلان القوائم الحزبية للانتخابات بشكل عام.
وأضاف المصري: “يتساءل البعض عن سبب هذا البطء”، مقدرا أن السبب الأول يعود إلى أنها المرة الأولى التي يتم فيها اعتماد موضوع القوائم الوطنية بشكل جدي من قبل قيادات الأحزاب، وكذلك من قبل المترشحين للدوائر المستقلة، لا سيما وأن هناك 41 مقعدا سيتم شغلها من الأحزاب التي تتخطى العتبة.
وتابع: “علينا ألا ننسى أيضا أن هذه الأحزاب نفسها تهتم بأن يمتد نفوذها داخل مجلس النواب لما بعد 41 مقعدا في دوائر المحافظات كافة، وهذا يعني أن الهيئة المستقلة للانتخاب نجحت من خلال تطبيق قانوني الانتخاب والأحزاب في رسم صورة هيبة الدولة وجدية العملية الانتخابية، بعد أن تم في أكثر من مرة ضبط مخالفات لأطراف في تكرار محاولات التأثير على الناخبين بطرق تفتقر للنزاهة”.
وأضاف: “من الواضح أن ذلك سيسبب الحرج في كثير من الحالات، وإلى انسحابات متوقعة وخلافات كنتيجة طبيعية للتجربة الجديدة حسب القانونين النافذين، وفي ظل وجود تتبع ورقابة من قبل كوادر الهيئة المستقلة للانتخابات، وحتى الآن لا أستغرب ضعف الحراك الانتخابي، فهو مخاض لا بد من دخوله، لتحقيق أكبر قدر من نجاح العملية الانتخابية”.
وختم بالقول: “لنبق على تفاؤلنا وحرصنا على نجاح هذه التجربة، والابتعاد قدر الإمكان عن التأثر بأي محاولات للتشكيك بمصداقية العملية الانتخابية كتوطئة للوصول خلال الدورات المقبلة بإذن الله إلى الحكومات البرلمانية”.
أما على صعيد الحراك الانتخابي في المحافظات، يواجه مرشحو الانتخابات النيابية في دائرتي إربد الأولى والثانية، اللتين خصص لهما 15 مقعدا، منهما اثنان للكوتا النسائية وآخر لنائب مسيحي، صعوبة لغاية الآن في تشكيل القوائم، في ظل اتساع الدائرتين، فيما أعلن بعض المرشحين عن تشكيل قوائمهم لكن دون استكمال العدد المطلوب.
وقسمت الهيئة المستقلة للانتخابات محافظة إربد الى دائرتين، إربد الأولى، والتي تضم لواء قصبة إربد، والرمثا، وبني كنانة، والوسطية، وغرب إربد، وإربد، وخصص لها 8 مقاعد بينها مقعد للكوتا، فيما يبلغ عدد أصوات الدائرة ما يقارب 600 ألف ناخب وناخبة.
أما الدائرة الثانية فتضم لواء بني عبيد، والمزار الشمالي، والأغوار الشمالية، والكورة، والطيبة، وخصص له 7 مقاعد، بينها مقعد للكوتا وآخر مسيحي، فيما يبلغ عدد أصوات الدائرة ما يقارب 400 ألف ناخب وناخبة.
وفي السياق، جرت خلال الأسابيع الماضية انتخابات داخلية لفرز مرشح إجماع عشائري تلافيا لتشتت أصوات العشيرة، وذهاب أصوات لمرشحين آخرين خارج العشيرة، فيما يواجه مرشحو تلك العشائر صعوبة في تشكيل القوائم في ظل تخوفات مرشحين آخرين من حصد مرشح العشيرة أصواتا كثيرة تمكنه من الظفر بالمقعد النيابي.
وحسب مراقبين، ربما يصل عدد القوائم التي ستتشكل في دائرة إربد الأولى إلى 18 قائمة غالبيتها غير مستوف العدد الكافي من المرشحين، فيما توقع مراقبون أن يبلغ عدد القوائم في دائرة إربد الثانية حوالي 12 قائمة بسبب قلة عدد المرشحين.
وحسب هؤلاء المراقبين، سيتراجع في الانتخابات الحالية عدد طالبي الترشح، وسينخفض عدد القوائم بشكل لافت، مع المحافظة على عتبة التنافس بسبب اتساع المساحة الجغرافية للدائرتين وضعف التأثير العشائري، جراء إجماع البلدة الواحدة على مرشح، وارتفاع تكلفة الحملة الانتخابية، إضافة إلى صعوبة اكتمال تشكيل القائمة، بسبب الأوزان العشائرية وعدد الناخبين، فضلا عن التركيز على القائمة الوطنية وضعف الحماسة للتصويت حتى داخل عشيرة المرشح.
ويؤكد عدد من المترشحين، أن تأجيل الإعلان عن قوائم محلية إلى الآن، سببه المحافظة على تقارب الأوزان الانتخابية العشائرية والمناطقية، ولكي لا تكون القوائم بلون واحد، بل مركبة من عدة ألوية، إضافة إلى أن كل مترشح يحتفظ بمرشحيه إلى حين التسجيل الرسمي للانتخابات حتى لا يتم استقطابه من مترشحين آخرين.
وأشاروا إلى أن المرشح “الحشوة” في هذه الانتخابات سيكون غائبا، خصوصا وأن القائمة بحاجة إلى ما لا يقل عن 15 ألف صوت أو أن تتعدى العتبة 7 % من عدد المقترعين في الدائرة، من أجل القدرة على المنافسة، فيما يفضل المترشحون البحث عن ذوي الأصوات المتقاربة، بعضهم مع بعض، حتى تكون هناك منافسة بينهم.
وفي محافظة الكرك، ما تزال تشهد عملية تشكيل القوائم الانتخابية حالة من الاستعصاء، ويواجه أغلب رموز المترشحين صعوبة في وضع أساسات القوائم الانتخابية التي يتطلبها خوض الانتخابات النيابية المقبلة، وفق القانون الجديد.
وعلى الرغم من بروز بعض ملامح القوائم في بعض المناطق، خصوصا في لواء الأغوار الجنوبية، غير أن حراك المرشحين المحتملين ما زال جاريا باتجاهات مختلفة للانضواء في قائمة معينة، حيث تشهد الساحة الانتخابية انتقال مرشحين بين القوائم المحتملة.
وعلى الرغم من أن محافظة الكرك التي تضم زهاء 191 ألف ناخب وناخبة موزعين على سبعة ألوية، فهي تضم أيضا نوابا سابقين وبعض المرشحين من أعضاء الأحزاب بوزن انتخابي كبير، والذين قد يخوضون الانتخابات في مناطقهم، إلا أن هذه الرموز من مختلف المرشحين، ما زالوا يعانون من عدم القدرة على تشكيل القوائم الانتخابية، حيث ما زالت الأسماء المرشحة للانتخابات تتحرك بشكل دائم بين القوائم المفترضة دون أن تستقر على حال.
ويؤكد ناشطون في الكرك، أن حالة القلق لدى المرشحين وناخبيهم حيال الالتزام بإحدى القوائم تعود إلى عملية حساب موازين القوى في الأصوات الانتخابية بين المترشحين تبعا لأصوات عشائرهم الانتخابية، والخوف من كون الناخبين مجرد أصوات لفوز المرشح الأقوى في القائمة.
وعلى صعيد اختيار المترشحين بالمحافظة خلال الانتخابات الحالية والسابقة، فيتم بالتوافق على المرشح بين القوى الفاعلة بالعشيرة، بسبب صعوبة الوصول إلى الإجماعات العشائرية التي اعتاد عليها المجتمع الكركي، وهو الأمر الذي أدى إلى بروز أكثر من مرشح داخل العشيرة أو التجمع العشائري الواحد.
يذكر أن نحو 4 ملايين ناخب سيتوجهون في العاشر من أيلول (سبتمبر) المقبل إلى صناديق الاقتراع، لانتخاب 115 نائبا، يمثلونهم في المجلس المقبل، يضاف إليهم 15 مقعدا خصصت لسيدات لم يحالفهن الحظ بالفوز، وذلك ضمن كوتا نسائية، ليصبح عدد أعضاء المجلس النيابي الإجمالي 130 نائبا.
وبحسب قانون الانتخاب الجديد، الذي ستجرى بموجبه الانتخابات في التاسع من أيلول (سبتمبر) المقبل، انخفض عدد أعضاء مجلس النواب بواقع 20 مقعدا عن سابقه، وتم اعتماد القوائم النسبية المفتوحة، وتوسيع الدوائر الانتخابية، حيث أصبح عددها 23 دائرة انتخابية، تمثل كل محافظة دائرة انتخابية واحدة، باستثناء محافظة العاصمة، وخصصت لها 5 دوائر انتخابية، إضافة إلى محافظتي إربد والزرقاء بدائرتين لكل منهما، فيما تم معاملة دوائر البدو الثلاث معاملة المحافظة.
التعليقات مغلقة.