هل أثمرت الخريطة الاستثمارية للمحافظات؟

 بعد مرور ثماني سنوات على إطلاق مشروع الخريطة الاستثمارية للمحافظات التي كان ينتظر أن تشكل علامة فارقة في حشد الاستثمارات وتحقيق التنمية المنشودة في المحافظات، أكد خبراء اقتصاديون أنها لم تنجح في تحقيق الغاية التي أطلقت من أجلها، وأن آثارها الملموسة على أرض الواقع تبدو محدودة.

واعتبر الخبراء، في تصرحات خاصة لـ”الغد”، أنه على الرغم من التصميم المحكم الذي قامت عليه الخريطة وتضمنها مشاريع ذات قيمة استثمارية مضافة، إلا أنها لم تستغل بالشكل المأمول، معيدين ذلك إلى عدم التزام الحكومات المتعاقبة في تنفيذها وعدم تمكنها من استقطاب المستثمرين، إلى جانب عدم توفر الظروف المواتية للعمل بهذه الخطة خلال السنوات الماضية، كالتوترات الجيوسياسية وجائحة كورونا وغيرها.

ولفت الخبراء إلى أن أغلب محافظات المملكة تتمتع بميزات استثمارية جمة، وبمقومات قادرة على استتقطاب الاستثمارات، إلا أنها تفتقر إلى الاستثمارات الصناعية والسياحية والخدمية، إضافة إلى عدم اتسام الآليات الترويجية لمحافظات المملكة بالوضوح.
وبغية التشجيع على الاستثمار في المحافظات والاستفادة من الفرص الاستثمارية التي تتوفر عليها، طالب هؤلاء بضرورة التركيز على استقطاب الاستثمارات في جميع المحافظات، بحسب الميزة النسبية والتنافسية لكل محافظة، وبما يحقق العدالة في توزيع الاستثمارات وتوليد فرص العمل.
كما طالب هؤلاء، الحكومة، بضرورة التوسع في الحوافز المشجعة على الاستثمار في المحافظات بعيدا عن مركز الثقل الاقتصادي والمتمثل بمحافظات العاصمة والزرقاء وإربد، إلى جانب أهمية توفير السيولة للمستثمرين، وإفساح المجال أمام المستثمرين للاستفادة من صندوق تنمية المحافظات، عدا عن ضرورة مراجعة الخريطة الاستثمارية للمحافظات.
وأطلق مشروع الخريطة الاستثمارية للمحافظات في العام 2017 من قبل وزارة الاستثمار التي كانت هيئة آنذاك، بالتعاون مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي.
وكانت الخريطة، في وقتها، تستهدف تحديد جملة من الفرص الاستثمارية التنموية والريادية صغيرة ومتوسطة الحجم (SME’s) في مختلف القطاعات الاقتصادية (الصناعية، الزراعية، السياحية، الخدمية…)، المولدة لفرص العمل، بواقع 240 فرصة استثمارية بتكلفة إجمالية قدرت بـ300 مليون دينار.
يشار إلى أن تقرير الاستثمار العالمي الصادر حديثا عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، كشف عن تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى الأردن بنسبة 33 % العام الماضي مقارنة بالعام الذي سبقه؛ إذ بلغت قيمة تدفق الاستثمار الأجنبي للأردن، خلال العام الماضي، 843 مليون دولار مقابل 1.251 مليار خلال العام الذي سبقه، مسجلة بذلك تراجعا بمقدار 408 ملايين دولار.
إلا أن وزراة الاستثمار أكدت، في رد لها على استفسارات “الغد”، أن الخريطة الاستثمارية للمحافظات التي أطلقتها هيئة الاستثمار العام 2017، قد تم إعادة دراسة جدواها وتنافسيتها في جذب الاستثمار، حيث قامت الوزارة بتأهيل عدد من المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية موزعة على عدد من محافظات المملكة وإدراجها على منصة “استثمر في الأردن”، التي أطلقتها العام الماضي.
وأكدت الوزارة أنها حريصة على إدراج أكبر قدر من المشاريع في مختلف محافظات المملكة بما يتناسب مع احتياجات كل محافظة، وبما يحقق التنمية الشاملة المستدامة ويوفر فرص عمل للأردنيين، وبما يتواءم مع رؤية التحديث الاقتصادي، والمزايا والحوافز التي يوفرها قانون البيئة الاستثمارية للعام 2022.
وأشارت الوزارة إلى وجود خطط وبرامج واضحة لتسويق المشاريع الاستثمارية ضمن استراتيجية ترويج الاستثمار للأعوام 2023-2026 وعرضها على المستثمرين سواء من الخارج أو المستثمرين المحليين، علاوة على تشجيعها على إقامة المشاريع الجديدة في القطاعات كافة وفي جميع المحافظات، وتوسعة المشاريع القائمة فيها.
وقال أمين عام هيئة الاستثمار السابق مخلد العمري، إن الخريطة الاستثمارية للمحافظات التي أطلقت العام 2017 لم تستغل بالصورة الكافية، وإن آثارها الملموسة على أرض الواقع محدودة للغاية، على الرغم من التصميم المحكم الذي قامت عليه وتضمنها مشاريع ذات قيمة استثمارية مضافة.
وأكد العمري أن لكل محافظة في المملكة خصوصية اقتصادية وميزة تنافسية واستثمارية مختلفة عن غيرها، إذ يتميز البعض منها ببيئتها السياحية، والبعض الآخر بالزراعة، ومنها ما يتميز بالثروات المعدنية والصناعات التحويلية، ما يؤكد أن المحافظات تزخر بفرص استثمارية جمة وتتمتع بمقومات قادرة على استتقطاب الاستثمارات.
ولفت إلى أن وجود المدن الصناعية والتنموية في أغلب المحافظات، إضافة إلى توفر العنصر البشري، إلى جانب القرب الجغرافي بين المحافظات، تعد ميزات استثمارية مهمة في تحقيق التكاملية بين الاستثمارات وتنوعها التي يمكن استقطابها لكل محافظة.
وبهدف توجيه الاستثمارات إلى المحافظات، دعا العمري إلى ضرورة تصميم أفكار مشاريع استثمارية تتناسب مع كل محافظة والاستفادة في هذا الجانب من الخريطة الاستثمارية للمحافظات وإعادة النظر بهذه الخريطة، إضافة إلى ضرورة التوسع في الحوافز المشجعة على الاستثمار في المحافظات بعيدا عن مركز الثقل الاقتصادي والمتمثل بمحافظات العاصمة والزرقاء وإربد، إلى جانب ضرورة توفير السيولة للمستثمرين، وأخيرا إتاحة صندوق تنمية المحافظات للمستثمرين والاستفادة منه.
من جانبه، اعتبر مدير عام جمعية رجال الأعمل الأردنيين طارق حجازي، أن الإخفاق في تنفيذ الخريطة الاستثمارية للمحافظات يعود لعدم متابعتها من قبل الحكومات المتعاقبة، إضافة إلى افتقادها إلى برنامج عمل خاص لتنفيذها، مبينا أنه كان من الأفضل أن يتم تخطيطها بالشراكة مع المجالس المحلية سواء مجالس المحافظات أو مجالس الاستثمار في البلديات، لتصبح أكثر جاذبية وفعالية في تحفيز التوجيه الاستثماري.
وأكد حجازي أن كل محافظة في المملكة تتمتع بميزات استثمارية جاذبة للمستثمرين يجب استغلالها بشكل أمثل، فبعض محافظات المملكة تفتقر إلى الاستثمارات الصناعية والسياحية والخدماتية، خاصة في محافظات شمال وجنوب المملكة، فيجب التركيز على استقطاب الاستثمارات في جميع المحافظات بحسب الميزة النسبية والتنافسية لكل محافظة، وبما يحقق عدالة في توزيع الاستثمارات وتوليد فرص العمل.
وأشار إلى أن الآليات الترويجية لمحافظات المملكة تتسم بعدم الوضوح، ما يجعل البيئة الاستثمارية غير جاذبة للمستثمرين العرب والأجانب، خاصة الاستثمارات السياحية والزراعية في إقليم الشمال واستغلال الفرص في المناطق التنموية في محافظات المملكة.
وشدد حجازي على أن استقطاب الاستثمارات وتحفيز الاستثمارات الوطنية، خاصة في المحافظات، يحتاج إلى خطط متزامنة مع رؤية التحديث الاقتصادي وخريطة طريق تعتمد على الميزة التنافسية لكل محافظة، حيث تتطلب توفير منظومة حوافز فاعلة وتشجيعية لجذب الاستثمارات بمختلف مجالاتها الاقتصادية في محافظات المملكة، وتوزيع الاستثمارات بين المحافظات وعدم تركيزها على العاصمة وإقليم الوسط، وذلك من شأنه التخفيف من الزحف السكاني من المحافظات إلى العاصمة عمان وضواحيها، ولتعزيز البنية التحتية من شبكة المواصلات والاتصالات وخدمات عامة للمواطنين في المحافظات كافة.
ويرى حجازي أن تشجيع استقطاب الاستثمارات العامة، بما فيها الاستثمارات في المحافظات، يستدعي تعزيز آليات الترويج الاستثماري للمملكة من خلال تفعيل دور السفارات ورجال الأعمال، إضافة إلى دعم مشاريع مجالس المحافظات والبلديات، وتفعيل دور مجالس الاستثمار في البلديات وتضمينها في الخريطة الاستثمارية للمملكة، إلى جانب تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص وتقديم حوافز ملموسة للمستثمرين، مما يعزز الثقة ويجذب رأس المال.
إلى ذلك، أكد الخبير الاقتصادي زيان زوانة أن الخريطة الاستثمارية للمحافظات لم تنجح في استقطاب الاستثمارات للمشاريع التي حددتها، نتيجة لعدم التزام الحكومات المتعاقبة في تنفيذها وعدم تمكنها من استقطاب المستثمرين، إضافة إلى عدم توفر الظروف المواتية للعمل بهذه الخطة خلال السنوات الماضية، كالتوترات الجيوسياسية وجائحة كورونا وغيرها.
واعتبر زوانة أن جذب وتوطين الاستثمارات في المحافظات إحدى استراتيجيات التنمية الشاملة في المملكة، لأنها تعالج كثيرا من المشاكل، مثل الهجرة من محافظات الأطراف إلى العاصمة عمان، إضافة إلى توزيع مكاسب التنمية وتخفيف الضغط عن العاصمة وخدماتها، كما أنها وسيلة لتثبيت سكان المحافظات بمحافظاتهم؛ حيث إن الكلف المختلفة فيها أقل من العاصمة عمان، مما يعد عامل استقرار بشريا واقتصاديا وسياسيا وأمنيا.
ويرى زوانة أن استقطاب الاستثمارات إلى المحافظات يتطلب وضع استراتيجية وطنية خاصة باستثمار الموارد المتاحة في المحافظات وأن يتم تصميمها وفقا للميزة الاستثمارية التي تتوفر عليها كل محافظة، فمثلا عجلون منطقة سياحية وزراعية، وبالتالي يجب توجيه الاستثمارات السياحية لهذين القطاعين بكل خدماتهما وبنيتهما الداعمة، من فنادق متعددة المستويات والطرق وصناعة الترفيه والإنتاج الزراعي والحيواني وهكذا، بما يتناسب وموارد المحافظة المعنية، ومثلا، محافظة إربد تتوفر فيها الموارد السياحية والزراعية، والعلمية أيضا لوجود عدد من الجامعات بها كجامعة اليرموك وجامعة العلوم والتكنولوجيا وغيرهما، بما يفتح مجالا لسياحة العلوم والمؤتمرات، وهكذا لكل محافظة.
كما طالب زوانة، الحكومة، بضرورة توفير الحوافز الضريبية والخدماتية للمستثمرين وتهيئة البنية التحتية من طرق تسهل الوصول والتنقل، إضافة إلى دمج المجتمع المحلي بإمكانياته وموارده مع الاستثمار المستهدف، ما يخفف كلف الاستثمار ويرفع عوائده ويخلق فرص عمل للأردنيين سكان المحافظة المعنية، خاصة أن العاصمة عمان تستحوذ على أكثر من نصيب الأسد في جذب الاستثمار والأعمال، ما رفع سكانها لقرابة 5 ملايين نسمة بكل ما يتبع ذلك من مشاكل وتحديات متعددة.

عبد الرحمن الخوالدة/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة