كامالا هاريس مرشحة الضرورة الفرص والتحديات


مهدي مبارك عبدالله

بعد المناظرة التلفزيونية الكارثية التي جرت في 27 حزيران الماضي وقبل أربعة أشهر فقط من الانتخابات وبسبب مشاكل عضوية وعقلية حزم الرئيس السادس والأربعون للولايات المتحدة جو بايدن البالغ 81 عام أمره وقرر الانسحاب من سباق الانتخابات الرئاسية المقررة في 5 تشرين الثاني المقبل بمواجهة الرئيس السابق دونالد ترامب 78 عام ليعطي حزبه بعض الوقت لالتقاط أنفاسه وإيجاد بديلة حلول للمرحلة المقبلة ويعتقد بان شخصين لعبا الدور الاساسي في إقناع بايدن بالانسحاب من السباق الانتخابي هما زوجته جيل ورئيسه السابق باراك أوباما

انسحاب بايدن المفاجئ كان متوقعا ولكن ليس كما علل اسبابه بالخشية على المصلحة الحزبية او الوطنية او لظروفه الصحية الصعبة فحسب بل جاء في النهاية تحت ضغط اعضاء بارزين قي الحزب الديمقراطي وغضب الشارع الأميركي وكذلك بعدما أضحى في عزلة سياسية وذهنية وفكرية عن الحزب الديمقراطي وكبار قادته مثل نانسي بيلوسي وتشاك شومر واخرين اضافة الى خلافاته مع المانحين الذين جمد بعضهم تبرعاته الانتخابية ووضعوا خططا بديلة في حال رفض الرئيس الأميركي التنحي من خلال التركيز على انتخابات الكونغرس وبهذا كانت الضغوطات على بايدن شديدة فكان لا بد له من مخرج عاجل يحفظ ماء وجهه وينقذ الديمقراطيين من هزيمة محققة بالانتخابات المقبلة

يعد خروج الرئيس بايدن من المشهد السياسي لم يغفل تزكية نائبته كاملا هاريس لتخلفه في سباق الرئاسة لتكون أول امرأة من الأقليات تترشح على رأس قائمة حزب كبير في تاريخ البلاد لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في مواجهة ترامب وقد دعا بايدن القادة الديمقراطيين لدعمها والوقوف خلفها ومنحها رسميا بطاقة الترشيح الحزبية لمنصب رئيسة الولايات المتحدة باعتبارها الخيار الأفضل للديمقراطيين للخروج من الأزمة الراهنة رغم أنها ليست الورقة الأقوى ولكن قصر المدى الزمني يجعلها الأوفر حظا للترشيح ولم يتم بعد الموافقة عليها رسميًا كمرشحة للحزب الديمقراطي إلا أن كل المؤشرات ترجح انها الأوفر حظا بالفوز بترشيح الحزب الديموقراطي وقد اثيرت تساؤلات عديدة في الداخل الأميركي بشأن حظوظها في التغلب على المرشح الجمهوري دونالد ترامب في حين اعتبر البعض ان ترشيحها يشكل مقامرة تاريخية محفوفة بالمخاطر

كاملا هاريس مرشحة الضرورة التي لم تأتي في سياقها الطبيعي أعادت تشكيل المنافسة وهي الأقوى بين مرشحي الحزب الديمقراطي وقد كانت اول امرأة تشغل منصب نائبة للرئيس وأول مدعية عامة سوداء لولاية كاليفورنيا وأول امرأة من أصول جامايكية وهندية تفوز بمقعد في مجلس الشيوخ الأمريكي وهي الآن اول امرأة سوداء في طريقها لكي تصبح رئيسة للولايات المتحدة الا ان بعض الديمقراطيين أبدوا قلقهم بشأن ترشيحها وهو ما يعود جزئيا إلى التاريخ الطويل من التمييز العنصري والنوعي في الولايات المتحدة فهل سيكون عرقها وجنسها مشكلة لفوزها بترشيح الحزب الديمقراطي

طريق هاريس للبيت الابيض صعبة ووعرة والمنافس ترامب ماكر وصلب وعنيد وسوقي والانتقادات التي تلاحقها من حملته وبعض السياسيين في الداخل كثيرة بسبب قصورها واخفاقها في لعب دور فاعل في بعض القضايا السياسية الحساسة التي كلفها بهل بايدن في بداية ولايته وفي مقدمتها ملف الحدود الجنوبية وأزمة الهجرة حيث تتهم بانها لم تقم بالشيء الكبير وقد انحصر دورها كنائبة للرئيس في امور محددة على الرغم من التشريع الرئيسي الذي أقرته لتصنيع الرقائق محلياً والاستثمار في الطاقة الخضراء مما يوجب عليها اذا ما فازت وضع أجندة سياسية داخلية جديدة للسنوات الأربع المقبلة أكثر طموحاً وإقناعا مما قدمه بايدن وفي السياسة الخارجية يبدو أنها ستتبع على الأرجح خطوط إدارة بايدن على الأقل خلال حملتها الانتخابية بشأن ملفات مثل الصين وروسيا وإيران وأوكرانيا لكنها قد تتبنى لهجة أكثر صرامة مع إسرائيل بشأن حرب غزة

حملة الرئيس السابق ترامب استبقت قرار بايدن بالتنحي بالاستعداد لشن هجوم إعلامي واسع يستهدف هاريس حيث بدأت انتقادها بشدة ووصفها بأنها مرشحة اليسار الراديكالي والداعمة لخطط وأفكار الاشتراكي بيرني ساندر وانها لا تتمع بخبرة وافرة وليس لديها كاريزما للتنافس وليست صاحبة رؤية أو أيديولوجيا أو كاريزما كغيرها ممن سبقوها في منصب نائب الرئيس وانها انتهازية وطموحها طويل وتفتقر إلى القناعات وانها ايضا كانت ضعيفة كوسطية ديمقراطية في القضايا التي تخص الناتو وأوروبا وهي مؤيدة صريحة للمساعدات القوية لأوكرانيا ولا تملك أي قدرة عملية في ادارة الأزمات العسكرية والسياسة الخارجية وان سجل بايدن هو سجلها وأن هزيمتها ستكون أسهل بكثير من هزيمة الرئيس بايدن وبدزرها هاجمت هاريس ترامب وقالت انه شخص متورط بقضايا جنائية وتمت إدانته ويريد المخاطرة بالحريات التي يتمتع بها الشعب الأميركي ومشروعه المتطرف سوف يضعف الطبقة المتوسطة

وفي السياق ذاته اشار بعضهم إلى حضورها الباهت على الساحة الدولية وغيابها عن التصدي لجهود الجمهوريين لتقييد حق التصويت وغيرها ورغم دعم بايدن لترشيحها والذي منحها دفعة اكبر للأمام لكن طريقها ليست معبدة بالكامل إلى البيت الأبيض وقبله إلى مؤتمر الحزب الديمقراطي في 17 آب القادم حيث يستوجب عليها إقناع منتقديها بقدرتها على هزيمة ترمب إلا أن التأييدات الكبيرة لترشيحها من قبل اعضاء مجلسي الشيوخ والنواب وحكام الولايات والرئيس كلنتون وزوجته والرئيس اوباما ونانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب السابقة والصوت المؤثر في الحزب الديمقراطي وغيرهم

اضافة الى التبرعات المتدفقة لحملتها (81 مليون دولار في يوم واخد ) وأخذ مخاوف الديمقراطيين من إضعاف مرشحهم المفترض في مواجهة ما يعتبرونه تهديداً وجودياً أمام ترام جميعها جعلها الأكثر ترجيحاً لأن تكون المرشحة الرئاسية المحتملة وبحسب استطلاعات الرأي الأخيرة تتخلف هاريس عن ترامب بنقطتين مئويتين في المتوسط على المستوى الوطني بنسبة 46% مقابل 48% وهذا يمثل تحسناً بالمقارنة مع بايدن الذي كان يتخلف عن ترامب بثلاث نقاط مئوية في متوسط استطلاعات الرأي 47٪ لترامب مقابل 44٪ لبايدن وأن حوالي 6 من كل 10 ديمقراطيين يعتقدون أن هاريس ستؤدي عملاً جيدًا في منصب الرئيس وتحقيق الحلم الذي فشلت هيلاري كلينتون في تحقيقه قبل ثمانية أعوام امام ترامب

مع دخول الديمقراطيين منطقة مجهولة تقف امام هاريس تحدياًت كبيرة في منافسة ترامب اذ تواجه صعوبات واضحة كمتحدثة ارتجالية وهي إحدى الكفاءات الأساسية المطلوبة في الحياة السياسية خصوصاً في هذه المناصب الحساسة مما سيجعلها ضعيفة في المناظرات أمام ترامب العنيف تحديدا بشأن قضية الهجرة والحدود الجنوبية والاقتصاد وارتفاع معدلات التضخم في المقابل يرى مؤيدوها إنها ستشعل حماس الناخبين وتستقطب أصوات فئات بعينها كما ستعزز هاريس دعم السود في المشاركة بالانتخابات وسوف تكون مناظراتها قوية وعنيدة مع ترامب

وانها تتميز بخلفية قانونية عالية وقدرات ومهارات خطابية جيدة وتؤمن بالحرية والفرص والعدالة للجميع وهي داعمة قوية لحقوق الإجهاض القضية التي تلقى صدى لدى الناخبين الشباب والتقدميين وأنها قدمت أداء جيد خلال فترة توليها نائبة لبايدن فضلا عن كونها الحل المناسب أمام المانحين لاستخدام التبرعات التي جمعتها حملة الرئيس الراهن للمضي قدمًا في الانتخابات وقد أجرى مسؤولو حملتها وحلفاؤها مئات الاتصالات لدعوة المشاركين في مؤتمر الحزب الشهر المقبل إلى دعم ترشيحها ومحاولة منع ظهور منافسين محتملين لها من بين الديمقراطيين

بلا ادنى شك ستضفي هاريس 59 عام وهي أميركية سوداء من أصل آسيوي حيوية جديدة على السباق مع ترامب الكهل 78 عام في ظل فرق الأجيال والثقافة وهو ما سيعطل تصريحات الجمهورين في إطلاق تعليقاتهم حول أهلية بايدن وصحته العقلية والجسدية إذ اصبحوا مطالبين بالحديث حول القضايا التي تهم الأميركيين كما بات ترامب في وضع صعب فهناك مرشح وخصم جديد بجسيد الحلم الأمريكي سيكون أكثر إقناعا للحزب والناخبين المترددين

في النهاية يخشى كثيرون من قوز وسيطرة الجمهوريين على البيت الأبيض و مجلسي النواب والشيوخ ولكي تظفر هاريس بالنصر يتعين عليها في غضون 3 أشهر ونصف تجهيز حملتها الانتخابية وتوحيد أنصار حزبها والمانحين وعرض برنامجها ورؤيتها على الشعب الأمريكي وإثارة اهتمام الناخبين والتصدي بقوة لضربات ترامب المتلاحقة وتقديم مرشح توافقي لمنصب نائب الرئيس بسرعة وكشف مواهبها اللازمة للقيام بحملات انتخابية تحت ضغط الوقت وهو ما يمثل عبئا إضافيا عليها ورغم انه من المتوقع أن تنال هاريس ترشيح الديمقراطيين الا ان بعض المحللين استبعد فوزها بالانتخابات الرئاسية لكون ترامب لديه فارق مريح في استطلاعات الرأي إلى جانب محاولة اغتياله الديناميكية التي رفعت من أسهمه كثيرا

امام كل ذلك هل يعيد الديمقراطيين وانصارهم من قوى النفوذ وأصحاب المال ورجالات الدولة العميقة تنظيم صفوفهم والتوحد لمنع هزيمة هاريس في الانتخابات المقبلة والحيلولة دون وصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى سدة البيت الأبيض جميع الخيارات مفتوحة والمفاجئات تبقى سيد الموقف

كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية
mahdimubarak@gmail.com

.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.