الأكثرية النيابية المؤقتة لـ”الحركة الإسلامية”.. هل تتحول إلى فرصة ضائعة؟

تعتبر هذه المرة الأولى التي يحظى بها حزب جبهة العمل الإسلامي بهذا العدد من المقاعد النيابية، لكن الحزب اعتاد سابقا الحصول على أرقام، تمثل أكثرية من حيث عدد المقاعد وليس الأغلبية النيابية.

فعبر تتبع مشاركة الحركة الإسلامية منذ العام 1956 في المجالس النيابية، وهو عام التحولات من مسار العمل الاجتماعي العام إلى المسار السياسي، ثم لاحقا المشاركة التي تمثلت بحزب الجبهة، كانت الأرقام التي حظيت بها “الجبهة” في المجلس لافتة وتمثل حالة استثنائية من حيث المشاركة النيابية.

قبل العام 1989 كان تمثيل “جماعة الإخوان المسلمين” التي خرجت الجبهة والحركة من رحمها، محصورا بعدد محدود من النواب يتراوح بين نائب إلى 4 وعلى مراحل مختلفة، إلى أن عادت الحياة البرلمانية في العام 1989، بعد انقطاع نسبي.
وفي العام 1967 أجريت انتخابات، نجح فيها من مترشحي “الإخوان” 22 نائبا من بين 80، هم إجمالي عدد النواب في المجلس آنذاك، وفي العام 1993 تقدمت الحركة للانتخابات باسم حزب جبهة العمل الإسلامي فنجح منها 17 نائبا.
في انتخابات العام 2024، شغل حزب جبهة العمل الإسلامي 31 مقعدا، ليمثل الأكثرية النيابية من حيث عدد المقاعد بالنسبة للعدد الإجمالي لها في المجلس الحالي (138 مقعدا)، لكن في ظل معطيات محلية وإقليمية، إذ تدفع التوترات والحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان وفي الضفة الغربية، لضرورة إعادة التفكير في كيفية تحصين الجبهة الداخلية الأردنية، باستثمار القوى السياسية، سواء القديمة أو الجديدة ممثلة بالأحزاب الجديدة لدورها النيابي، والإسهام في مواجهة الخطر القادم من الاحتلال.
ويثور السؤال، حول ما الجديد – دورا وعلاقة بين القوى الحزبية النيابية على صعيد الملفات الوطنية، وتحديدا ماهية الدور المتوقع لـ”الجبهة” تقديمه، بعد حصدها أكبر عدد من المقاعد في المجلس الحالي كأكثرية نيابية وليس أغلبية؟
هذا التساؤل على أهميته، يظل رهين معطيات ستسفر عنها التحالفات بين الأحزاب، كالميثاق وإرادة وتقدم وغيرها، ممن نالت مقاعد على مستويي الدائرتين العامة والمحلية، ما يجعل نجاحها في التكتل والتحالف، مهددا لأفضلية “الجبهة” في الحفاظ على الأكثرية النيابية.
برغم ذلك، يستذكر حزب الجبهة الذي يشغل 31 مقعدا؛ مكانته كحاضنة شعبية زخمة، وتاريخه النيابي؛ كأكثر كتلة في الاقتراحات وطرح التساؤلات النيابية، كما يتحزم بإنجازاته السابقة ويراهن على ثقله وعقول أعضائه وخبراتهم في الاشتباك السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المرحلة المقبلة.
وفي جولة سريعة لـ”الغد”، للوقوف على تاريخ مشاركة الحزب في المجالس النيابية منذ العام 1989 ولغاية المجلس الماضي، ينسب “الإخوان” لأنفسهم: إلغاء العمل بالأحكام العرفية في 30/3/ 1992، كما عملت الحركة، وفي محطات مفصلية من العمل العام، مثلا، على إعادة المفصولين لأسباب سياسية لوظائفهم أو وظائف أخرى، ورفع الحظر عن رابطة الكتاب الأردنيين وعودتها لمزاولة دورها، والمطالبة المستمرة بإنشاء نقابة للمعلمين، وإنشاء اتحاد عام لطلبة الأردن.
كما ينسب الحزب لإنجازاته، جهوده في ملاحقة قضايا فساد مالي وتقديمها للقضاء، والتأكيد المستمر على التوسع بتوفير الرعاية الصحية للمواطنين، والمطالبة بتوسيع مظلة التأمين الصحي، وتأكيد دعم القوات المسلحة تدريبا وتسليحا، وتفعيل دور الجيش الشعبي وتطويره تدريبا وتسليحا.
لطالما قدمت الحركة الإسلامية، وذراعها السياسية حزب الجبهة، نفسها في إطار العمل العام والسياسي على أنها تعمل ضمن محددين: “احترام الدولة وثقة الناس”، لذا أمام هذه الحصيلة من الإنجازات- التي ينسبها الحزب لنفسه، يرى مراقبون ضرورة أن تستثمر الكتلة الحزبية النيابية للإسلاميين، في المرحلة المقبلة، فرصة تقديم حلول عملية بدلاً من الاكتفاء بـ”تسجيل مواقف”، لكن في مقابل ذلك يصف مراقبون تجربتها كحركة بـ”الإيجابية”، ويراهنون على قوة الكتلة وصلابتها في مدى حفاظها على مبادئها ودورها.
مدير مركز “الحياة – راصد”، الذي يراقب عمل البرلمان، عامر بني عامر، قال “مع فوز جبهة العمل الإسلامي بـ 31 مقعدًا، تبرز فرص جديدة لإعادة إنتاج نهج جديد للتفاعل مع المواطنين ومؤسسات الدولة”.
وأضاف، في حديثه لـ”الغد”، انه “يجب على الكتلة الإسلامية استثمار هذه الفرصة لتقديم حلول عملية للقضايا الوطنية، بدلاً من الاكتفاء بتسجيل المواقف والشعبويات، عبر التركيز على القضايا الملحة مثل البطالة والتعليم والصحة، وغيرها من الأولويات الوطنية”، مشيرا الى أن “هذا النهج الجديد، قد يدفع باقي الكتل في البرلمان لتحسين أدائها، وتبني إستراتيجيات أكثر فعالية في التفاعل مع القضايا الوطنية، بدلاً من التركيز على المناكفات السياسية، ما سيخلق حافزا للتنافس الإيجابي بين الكتل، ويؤدي لتقديم حلول أفضل للتحديات المطروحة”.
فإذا نجحت “الجبهة” بترسيخ هذا النهج، يؤكد بني عامر أنها “لن تعزز فقط من تأثيرها، بل ستسهم أيضًا بخلق بيئة سياسية أكثر استجابة لاحتياجات المواطنين وتطلعاتهم”.
في هذا النطاق، تدرك “الجبهة” بأن المسؤوليات المتوقعة منها كبيرة، وفي الوقت ذاته، فإن الاشتباك مع الملفات الوطنية سيكون محط رقابة للأطراف جميعا، لذا لا يتردد النائب ينال فريحات، بوصف تاريخ المشاركات الإسلامية في الانتخابات بـ”الإيجابي”، بدليل صناديق الاقتراع وتصويت المواطنين للحزب في الانتخابات الأخيرة، التي استندت على تجارب سابقة للحزب في مجالس نيابية سابقة، لأنها “الكتلة الأقوى والأصلب والأكثر حفاظا على المبادئ”.
وبين فريحات لـ”الغد”، أن الحزب يشكل حزب الأكثرية وليس حزب الأغلبية، فالأغلبية هي للحزب الذي يحرز عدد مقاعد 50 + 1، أما الأكثرية فتكون عند حصد الحزب أكبر عدد من المقاعد، لهذا “فإن الجديد في هذه المرحلة، يكمن في إمكانية التخصصية، وسيكون هنالك توزيع للمهام والملفات على مختلف المجالات والتخصصات، مع وجود خبراء ومختصين في الكتلة، كما سيجري تفعيل اللجان الموجودة في حزب الجبهة ليجري الاستفادة من العقول وبيوت الخبرة الموجودة فيه وفي الحركة”.
وأوضح، أنه سيجري تتويج العمل بمشروع حكومة الظل التي أُعلن عنها سابقا، ويتمثل وجوده في الدول الديمقراطية كبريطانيا، بأن الحزب الذي لم تسنح له الفرصة بتشكيل حكومة، يشكل حكومة ظل لمراقبة أداء الحكومة الحقيقية والفعلية، وهو ما نسعى للوصول إليه، وهذه خطوتنا المقبلة، ما سيتيح لنا تبني القضايا الوطنية في المجالات البرامجية، خصوصا على مستوى الطاقة والنقل والتعليم والصحة، وغيرها من القطاعات الإستراتيجية.
وبرغم التفاؤل الذي يبديه فريحات لدور وعمل الحزب في المرحلة المقبلة، الا أن الحذر وعدم التعجل بإصدار الأحكام، يدفع المحلل السياسي د. منذر الحوارات للانتظار، ومراقبة الأداء، اعتمادا “أولا على طبيعة لجان مجلس النواب المقبل، والحصيلة التي ستخرج بها الكتلة الإسلامية كحصة لها، أم سيكونون خارج معادلة اللجان، وهذا ستبنى عليه مواقف لاحقة للجبهة جهة قضايا عديدة، أكانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية”.
وزاد الحوارات لـ”الغد”، “في حال خروجهم من لعبة اللجان وتقسيماتها، سيكون موقفهم حادا، وربما سيقفون في مواجهة الحكومة بأغلب القضايا، وسيحاولون الاستفادة من القاعدة الشعبية لزيادة رصيدهم الاجتماعي، وبالتالي، فمعارضتهم للحكومة ستمنحهم دفعة كبيرة في المرحلة المقبلة”.
وبين أن نقطة انطلاقهم في حال حصول هذه التحولات، تكمن في “معارضة الحكومة التي تملك برنامجها الخاص، في مقابل برنامجهم الخاص بالحزب، وبالتالي سيكون لديهم ما يحاججون به، في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي”، يقول الحوارات.
لا ينسى الحوارات نقطة انطلاق ثانية، ستحدد دور الجبهة في المرحلة المقبلة، وهي هذه المرة في الجانب السياسي المتأثر بالتطورات الإقليمية أولا، فـ”العدوان الصهيوني على غزة ولبنان، ستكون نقطة انطلاق شعبية، تستثمر جبهة العمل عبرها منصات المجلس للتعبير عن مواقفها السياسية، والذي يستميل كثيرا من الناس”.

حمزة دعنا/الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة